بدأ كل شيء في صيف العام 2021 عندما عادت طالبان لتستولي على مقاليد الحكم في أفغانستان، وتسقط بذلك الحكومة التي لم تصمد في وجه طالبان مع انسحاب القوات الأجنبية… فنجحت في مهمتها، وبحلول التاسع عشر من أغسطس من العام نفسه تحوّلت جمهورية أفغانستان الإسلامية إلى إمارة أفغانستان الإسلامية.
- اتساع نطاق الجوع والبطالة في أفغانستان على نحو غير مسبوق وعدد كبير من السكان ينتظر المساعدات
- الأمم المتحدة: أكثر من نصف السكان في أفغانستان يعانون من مسألة “الجوع الحاد” وغذاء أقل جودة
- البنك الدولي: عدد الأفغان الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف الغذاء تضاعف منذ عودة طالبان للسلطة
نحو 7 أشهر مرّت على قيام طالبان بإسقاط الحكومة الأفغانية السابقة، وخلال الأشهر الـ 6 الماضية تلك، كانت أفغانستان تسجّل مستويات مرعبة من الفقر إضافةً إلى النقص في المواد الغذائية.
دفع الجوع الكثير من الأفغانيين إلى حدّ عرض كلاهم لبيعها بمبالغ زهيدة سرعان ما تتبخّر في دفع الديون وتأمين ضروريات الحياة
ففي العام 2020 وحده، كان 47.3 % من الشعب الأفغاني يعيشون تحت خط الفقر، أمّا اليوم وبحسب بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، قد ينزلق 97 % من الشعب في الفقر بحلول منتصف العام الجاري.
وقد أظهر مسح للبنك الدولي أجري مؤخراً، أنّ عدد الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف الغذاء والضروريات الأخرى في أفغانستان، تضاعف منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس آب 2021، مع ارتفاع معدل البطالة وانخفاض الأجور. وكشف المسح الذي أُجري عبر الهاتف في الفترة من أكتوبر تشرين الأول إلى ديسمبر كانون الأول 2021، أنّ 70 % من المشاركين قالوا إنّ أسرهم غير قادرة على تحمّل تكلفة الإحتياجات الغذائية وغير الغذائية الأساسية، ارتفاعاً من 35 % في مايو 2021.
عدا عن ذلك، قامت طالبان بإقصاء سيّدات عن وظائفهن الحكومية، وفي ذلك السياق، صرّحت منظمة العمل الدولية بأنّ معدلات التوظيف لدى النساء تراجعت بنسبة 16 %، ومن المتوقع أن تسجل إنخفاضاً إضافياً بنسبة 28 % بحلول منتصف العام الجاري. بالإضافة إلى ذلك، لقد خسر ما يناهز نصف مليون شخص عمله منذ استيلاء طالبان على الحكم.
ما سبق عرضه مجرّد أرقام لأنّ المعاناة أكبر بكثير. فقد استطلعت شبكة “أخبار الآن” رأي بعض الأفغان لتعرف كيف يتدبّرون أمورهم في الحياة اليومية، خصوصاً النساء اللواتي عاملتهم الحكومة الجديدة بقسوة بالغة.
في الحقيقة بعدما سلبت طالبان النساء وظائفهن، أجبرتهن على التفكير ملياً بشؤونهن الحياتية لا سيما تلك النساء اللواتي لا يملكن أيّ دعم ذكوري على غرار مونيزا مبارز. فتلك المرأة هي ناشطة في مجال حقوق المرأة، وكانت المعيلة الوحيدة لعائلتها إلى أن استولت طالبان على البلاد، وبالتالي خسرت وظيفتها الحكومية. تبلغ اليوم 31 عاماً من العمر ولديها عائلة مكونة من 9 أشخاص يعيشون معها.
تقول مبارز لـ”أخبار الآن“: “كان والدي يملك قطعة أرض صغيرة في القرية، لكنّنا اضطررنا إلى بيعها كي نتمكن من الصمود بما أنّنا لا نملك أيّ مصدر رزق آخر. أحاول حالياً أن أقوم بأيّ نشاط مثل إعطاء دروس خصوصية في المنزل أو القيام بأعمال الحياكة والخياطة. هكذا أفكّر بصراحة بأن أعيل عائلتي”.
كما أردفت قائلةً إنّها تعرف أشخاصاً “لم يأكلوا شيئاً منذ يومين أو ثلاثة، وإنّ بعض النساء اللواتي كن يعملن في وظائف حكومية، بتن اليوم يتسوّلن في الشارع بحثاً عن أيّ صدقة”.
أمّا حسن مهمند فهو مساعد إجتماعي يبلغ من العمر 30 عاماً، كان يعمل مع منظمة غير حكومية تتخذ من العاصمة الأفغانية كابول مركزاً لها. خلال الفترة التي تفشّى فيها وباء كورونا، تولّى حسن مهمة شرح معلومات توضيحية عن الوباء الجديد للسكان وتفسير الإجراءات الوقائية منه، متنقلاً بين المنازل في العاصمة.
أمّا اليوم، وبعد استيلاء طالبان على مقاليد الحكم في البلاد، خسر حسن وظيفته لأنّ المنظمة غير الحكومية التي كان يعمل فيها لم تعد قادرة على دفع أجره، وبالتالي أصبح عاطلاً عن العمل، مع الإشارة إلى أنّه يعيل عائلةً مؤلفة من ولدين.
يقول حسن لـ “أخبار الآن” إنّ “أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل صاروخي لا يمكن تخيله”، لافتاً إلى أنّ “طالبان لا تمنح أيّ فرصة توظيف لمن لا ينتمون إلى صفوفها.
وعندما سألناه ما كان يفكر بالإنضمام إلى المجموعة لكي يتمكّن من إعالة عائلته، رفض قائلاً: “كلا، ليسوا (أي طالبان) أشخاصاً طيّبين”. وقال عبر رسالة أرسلها عبر تطبيق واتساب: “أصبحت إدارة الوضع المالي لكلّ عائلة في غاية الصعوبة بسبب التدنّي في المردود. أعجز اليوم عن تأمين مردود كافٍ لعائلتي بالرغم من أنّني أعمل جاهداً لساعات طويلة كلّ يوم. كل ما نجمعه خلال شهر لا يكفينا لشراء المواد الغذائية الأساسية… فنضطر إلى الإستدانة من أصحاب البقالة أو إلى الإستعاضة عن طعامنا المعتاد بمواد غذائية أقل ثمناً”.
وتابع: “كلّ تلك المشاكل جديدة وبدأت منذ فترة وجيزة… فقبل مجيء طالبان، كانت أوضاعنا بخير على الأقل وكنت أعمل يومياً وأجني ما يكفي من المال”.
في ما يتعلق بأسعار المواد الغذائية، يقول المواطنون الذين تحدثنا إليهم إنّ طالبان لا تملك أيّ برنامج أو سياسة للجم أسعار السلع في السوق.
داوود زاي هو صحافي أفغاني يعمل حالياً في بولندا ويدير مؤسسة خيرية أيضاً، أفاد في حديثه لـ”أخبار الآن“، بأنّه يتلقى كمّاً هائلاً وغير معقول من النداءات التي يتقدم بها الشعب في أفغانستان طلباً لمساعدات غذائية.
في الواقع، بلغ معدل التضخم الخاص بالسلع المنزلية الأساسية عاماً بعد عام، 40.7 % في يناير من العام الجاري، علماً أنّه كان قد سجّل 1.6 % في مايو من العام 2021 قبل استيلاء طالبان على السلطة في البلاد بوقت قليل.
وسائل إعلامية عديدة أوردت أنّ عدداً من الأفغان أرغموا على بيع أعضائهم بغية تأمين طعامهم. فقد ذكرت وكالة “فرانس برس” في تقرير صادر عنها، أنّ ثمن الكلية بلغ نحو 1500 دولاراً أمريكياً.
ما سبق ذكره ربّما يكون مثالاً صغيراً عمّا يعيشه الأفغان في ظل تلك الظروف، كثيرون ممن تلقوا على الأقل تعليماً ثانوياً وكانوا يشغلون وظائف حكومية، باتوا اليوم يصارعون من أجل تأمين الحاجات الأساسية، فما هو حجم معاناة الفئة الأخرى من الأفغان إذاً، الذين حرموا من التعليم أو الوظائف، وليسوا تابعين لطالبان؟
في ذلك الصدد، قال مواطن أفغاني طلب عدم ذكر إسمه، إنّ “جل ما يسعني قوله هو أنّه ما من وظائف ولا فرص عمل، والحالة الإقتصادية تتفاقم وتتدهور من سيء إلى أسوأ، لدرجة أنّ البعض يحاولون بيع بناتهم، وآخرين يحاولون بيع كليتيهم”.
أكثر من نصف سكان أفغانستان يعانون “الجوع الحاد”
إلى ذلك، ذكرت الأمم المتحدة مؤخراً إنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من “الجوع الحاد” في أفغانستان، وصل إلى 23 مليوناً. وقال رامز الأكبروف، وهو نائب المبعوث الأممي الخاص للشؤون الإنسانية، إنّ “الأفغان يواجهون حالياً حالة من انعدام الأمن الغذائي وأزمة سوء التغذية بنسب لم يسبق لها مثيل”.
وكان عدد الأشخاص، الذين يعانون من “الجوع الحاد” في أفغانستان، يقدر بـ14 مليون شخص في شهر يوليو الماضي. وقد أجبرت الزيادة السريعة في الأعداد الأسر على اللجوء إلى اتخاذ إجراءات يائسة مثل تخطي تناول وجبات الطعام، أو تحمل مستويات غير مسبوقة من الديون من أجل توفير الطعام على المائدة، بحسب مسؤول في الأمم المتحدة.
نسبة الأسر الأفغانية التي تحوّلت إلى استهلاك غذاء منخفض الجودة أو أقل تكلفة ارتفعت من 56 % إلى 85 % في يوليو وأغسطس 2021.
البنك الدولي
كما وجد مسح للبنك الدولي أنّ نسبة الأسر الأفغانية التي تحوّلت إلى استهلاك غذاء منخفض الجودة أو أقل تكلفة ارتفعت من 56 % إلى 85 % في يوليو وأغسطس 2021. كما أبلغ نحو نصف الأسر عن انخفاض عدد الوجبات المستهلكة يومياً، ارتفاعاً من حوالي الربع في يوليو وأغسطس عام 2021.
وأرجع البنك الدولي الزيادة الحادة في معدل الفقر إلى الظروف الإقتصادية العامة، وليس إلى “إجراءات محددة اتخذتها الحكومة المؤقتة”، مشيراً على وجه الخصوص إلى انخفاض وظائف القطاع العام.