الشبكات العائلية العابرة للحدود في جنوب شرق آسيا
انخفض معدل الإرهاب في جَنُوب شرق آسيا منذ بداية تفشي فيروس كورونا، واستنادا إلى أطلس جنوب شرق آسيا العسكري، الذي أعدته كُلْيَة “راجاراتنام S. Rajaratnam” للدراسات الدولية، بلغ مستوى النشاط العنيف ذروته في عام 2019 وشهد انخفاضا حادا في عام 2020.
وفي حين أن العديد من المتغيرات قد تفسر ندرة الإرهاب في المنطقة، فإنه من الصعب الاحتجاج بتأثير القيود الحدودية على الإرهاب العابر للحدود الوطنية.
الإرهاب يزدهر في الشبكات العابرة للحدود. تتفاقم هذه الظاهرة بسبب الروابط العائلية الواسعة عبر الحدود بين الناس من جنوب شرق آسيا.
لجنوب شرق آسيا البحري، المعروف أيضًا باسم “نوسانتارا Nusantara” أو “أرخبيل الملايو Malay Archipelago” إلى تاريخ مشترك يعود إلى امبراطورية ماجاباهيت Majapahit (١٢٩٣-١٥٢٧). وبالتالي، من المألوف أن يكون للأفراد في بلد واحد أقارب بعيدين في بلد آخر، وقد استغلت الشبكات الإرهابية هذه الروابط العائلية لأغراض شائنة.
وفي حين أن بعض الشبكات العائلية قد لا تكون متورطة بشكل مباشر في الإرهاب، إلا أن الأقارب البعيدين قد يدعمون أحبائهم من خلال توفير الأموال والمأوى والممرات الآمنة.
يناقش هذا المقال تهديد الإرهاب العائلي وكيف يمكن استغلاله بعد استئناف الرحلات الدولية.
التطرف لا يحدث تِلْقائيًا، بل إنه ينطوي على عملية طويلة تتضمن استيعاب التظلمات وفك الارتباط الأخلاقي. تقليديا، تقوم الجماعات الإرهابية بتجنيد الأفراد المتطرفين بالفعل لشن الهجمات.
لننظر إلى الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في إندونيسيا، وهو تفجير بالي في أكتوبر 2002، حيث أسفر هذا الهجوم المنسق بإحكام عن قتل 204 وإصابة 209.
قام “رضوان عصام الدين Riduan Isamuddin” المعروف بالحنبلي بتجنيد “الخريجين الأفغان” – في جنوب شرق آسيا الذين شاركوا كمجاهدين في الحرب السوفيتية الأفغانية عام 1989 – لتجميع القنبلة وتنفيذ الهجوم. ولم يكن أفراد العائلة منخرطين في هذه المؤامرة.
تجنيد العائلة
إلا أن العلاقات الأسرية ليست سوى طريق مختصر للأيديولوجيات المتطرفة والجماعات الإرهابية. ففي الفلبين، جند العديد من الإرهابيين من قبل أقربائهم، أو آبائهم أو أخوتهم الأكبر أو عمهم، فعلى سبيل المثال، يتم تجنيد أبناء أعضاء “جماعة أبو سياف Abu Sayyaf” المتوفين تِلْقائيًا في جماعة “أجانج-أجانج Ajang-Ajang” لدعم العمليات غير القتالية لجماعة أبو سياف، مثل التهريب والاختطاف، ويتم إعدادهم ليصبحوا مقاتلين في نهاية المطاف. وأوضح الخبير في شؤون الإرهاب، سيدني جونز، أنهم “ورثوا الجهاد” حيث يتم تلقين الأفراد الأفكار لتبني نظرة متطرفة للعالم منذ الصغر.
هذا الاتجاه سائد بشكل خاص في الفلبين بسبب العلاقة بين الإرهاب والإقليم والقبيلة. تعمل الجماعات الإرهابية في الفلبين وتقوم بالتجنيد داخل الأراضي التي تحددها أراضي أجدادهم العرقية واللغوية، وفي الأشهر التي سبقت حصار ماراوي، شاركت عائلة ماوتي بأكملها، بما في ذلك الأب “كايامورا ماوتي Cayamora Maute” والأم “أومينتا روماتو ماوتي Ominta Romato Maute” المعروفة أيضا بـ “فرهانا Farhana”، وعبدالله وعمر Omarkayam and Abdullah Maute (المعروفين باسم الأخوين ماوتي)، وإخوانهم الخمسة الآخرين، في تكوين جيش من أجل حصار ماراوي في عام 2017.
وبالإضافة إلى العائلات ذات التاريخ من الإرهاب، يبدو ان الوعاظ المتطرفين في جَنُوب شرق اسيا أكثر فاعلية من ذى قبل. ولنتأمل هنا الأسر المشاركة في التفجير الانتحاري الذي شن على “سورابايا Surabaya” في مايو/أيار 2018. فقد تطرف عائلتان كاملتان على يد خالد أبو بكر بسليم Khalid Abu Bakar Besleme، الزعيم الفرعي لـ “جماعة أنشاروت دوله “أنصار الدولة” Jamah Ansharut Daulah” سيئة السمعة، الذي بشر بمؤتمر “يوم القيامة” ، وكانت عائلة “ديتا أويبريارتو Dita Oepriarto” المؤلفة من زوجته وابنتيه وابنيه وعائلة “تري مورتينو Tri Murtiono” المؤلفة من زوجته وابنيه وابنته مقتنعتين بما يكفي لاستشهاد عائلتيهما بِرُمَّتها في هذه القضية.
لم يكن تفجير سورابايا عام 2018 نهاية للأمر، فقد تمكن جماعة “أنشاروت دوله – أنصار الدولة“من تحويل وحدة أخرى من الأسرة الأندونيسية إلى متطرفة للقيام بتفجيرات انتحارية في الفلبين. وفي يناير 2019، سافر زوجان أندونيسيان مرتبطان بالجماعة إلى جَنُوب الفليبين وقصفا كاتدرائية في جولو. كما تم اعتقال ابنتهما “ريزكى فانازيا رولي Rezky Fantasya Rullie” المعروفة باسم سيسى في أكتوبر 2020 في الفلبين بتهمة التخطيط لهجمات انتحارية. وكان شقيقاها “سيتى ايسيا رولى Sitti Aisyah Rullie” و”أحمد إبراهيم رولى Ahmad Ibrahim Rullie” قاصرين وأعدتهما جماعة أبو سياف للمشاركة في الإرهاب، تم إنقاذ سيتى ايسيا في يونيو 2021.
في تقديري للتفجيرات الانتحارية في الفلبين، لقد سلطت الضوء على موجتين من الهجمات الإنتحارية من 2019 إلى 2020، الموجة الأولى كانت تتكون بالأساس من مقاتلين أجانب. ومع ذلك، مع تقلص قدرة أبو سياف على الوصول إلى المقاتلين الأجانب، فقد اعتمدوا على زوجات وبنات أعضاء جماعة أبو سياف المتوفين. ومن ثم مع استئناف الرحلات الدولية تدريجياً، قد يستفيد الإرهابيون من الفلبين من علاقاتهم الأسرية عبر الحدود لتجنيد المقاتلين والانتحاريين على حد سواء لقضيتهم.
العمليات العابرة للحدود
مع استئناف السفر الدُّوَليّ، فمن المفترض أن تعود العلاقات عبر الحدود إلى سابق عهدها، ومن المرجح أن تستغل المنظمات الإرهابية أولا الشبكات الأسرية العابرة للحدود للمشاركة في عمليات جمع الأموال، وتوفير المأوى، وخلق ممرات آمنة.
هذه العمليات ليست جديدة. لقد شرحت في مقالي السابق كيف أن بعض الإرهابيين يستغلون عائلة الزوج لنشاطاتهم الإرهابية. ويشمل ذلك الإندونيسي “سيف الله إبراهيم Saifullah Ibrahim” (المعروف باسم سوسيبتو Sucipto) من جماعة أنصار الخلافة في الفلبين، وقضية الماليزي “ذو الكيفلي بن هير Zulkifli Bin Hir ” (الملقب بمروان Marwan)، والماليزي “أمين باكو Amin Baco ” من جماعة أبو سياف، بيد أنه يمكن أيضا استغلال الشبكات العائلية من أجل توفير ملاذات آمنة. وفي محادثة مع الدكتور روميل بانلوي، قال إن “فخر الدين حاج ستار Faharudin Hadji Satar” (الملقب بأبو زكريا Abu Zacharia)، الزعيم الحالي لجماعة الدعوة الإسلامية – ماوتي، قد استغل أقاربه وأتباعه الذين يتمركزون في “لاناو ديل سور lanao del sur” للاختباء من السلطات. وبالتالي، فإن عملية مطاردة أبو زكريا معقدة، حيث كانت المعلومات الاستخباراتية الموجهة ضده ضئيلة.
تلقى”سوريادي مسعود Suryadi Mas’ud” تعليمات من قيادة “جماعة أنشاروت دوله – أنصار الدولة” لشراء وتهريب الأسلحة من الفلبين إلى إندونيسيا. بناءً على تقارير الاستجواب، اعتمد سوريادي على والديه وأقاربه البعيدين لإقامة علاقات بالفلبين. في عام 2015، استغل شبكات عائلته الممتدة في كاليمانتان لإخفاء هويته أثناء مسح طرق التهريب المحتملة.
الخلاصة:
مع استئناف الرحلات الدولية، لا شك في أن الشبكة الإرهابية ستؤجج نيران الحرب من جديد، ومن المرجح أن تستغل الجماعات الإرهابية شبكات العائلات والروابط العابرة للحدود. الشبكات العائلية هي حاضنات للإرهاب، وتسرع عملية التطرف وتساعد في محيط العمليات الإرهابية.
يمكن توريث الإيديولوجيات المتطرفة من جيل إلى آخر. وقد ضمن ذلك بقاء الشبكات الإرهابية وطول عمرها. ومع استمرار البيئة الجيوسياسية في التطور، فيتعين على الحكومات أن تستمر في مراقبة الكيفية التي تستغل بها الشبكات الإرهابية العائلات في جنوب شرق آسيا.