كالينينغراد، هو الجيب الروسي الذي يقع بين بولندا وليتوانيا، ويطل على بحر البلطيق. وتعتبر تلك القطعة نقطة أساسية للمصالح العسكرية، وقد تمّ تسليحها بشكل مفرط، وقد أصبحت مساحة استراتيجية حسّاسة، لاسيّما منذ تكثيف المناورات الروسية في شمال أوروبا.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبقرار من مؤتمر بوتسدام، تمّ التنازل عن جزء من شرق بروسيا إلى الإتحاد السوفيتي آنذاك، وتمّ ضمُّ بقية الأراضي إلى بولندا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتوقف في أوكرانيا… جدل أثير كثيراً في الفترة الأخيرة في روسيا، حيث كان يناقش أحد البرامج على التلفزيون الروسي الحكومي في وقت الذروة، الضربة النووية المحتملة على أوروبا، الغزو الروسي لبولندا وليتوانيا، والممر المؤدّي إلى كالينينغراد.
ليس لروسيا طريقاً إلى كالينينغراد، فماذا ستفعل إذاً كي تصل إلى هناك؟ كيف يمكن أن تفتح موسكو ممراً إلى منطقها الإستراتيجية بالدرجة الأولى، ربّما يتعيّن عليها أن تصل إلى شمال أوكرانيا أوّلأً، وبعد ذلك هناك احتمالات عديدة:
- الإحتمال الأوّل: إمّا أن تدخل عبر الأراضي البولندية
- الإحتمال الثاني، أن تمر عبر الأراضي الليتوانية
- ويبقى الإحتمال الثالث، وهو ربّما يكون بفتح ممر بمحاذاة الحدود البولندية – الليتوانية.
كلّ تلك الإحتمالات متوقفة طبعاً على وصول القوّات الروسية إلى شمال أوكرانيا، فيما يمكن اعتبار بيلاروسيا، حليفة موسكو، مستعمرة روسية إذا صح القول، وبالتالي فالتنسيق بين فلاديمير بوتين ورئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو على أعلى المستوات.
تلك الإحتمالات بالطبع ليست سهلة إطلاقاً، خصوصاً أنّ بولندا وليتوانيا عضوان في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي فإنّ أيّ خطوة روسية غير محسوبة في ذلك الصدد، ستولّد حرباً عظيمة في أوروبا.
من مصلحة الجميع أن يتجّنب سيناريو فتح ممر إلى كالينينغراد
الإتحاد الأوروبي
الموقف الأوروبي واضح للغاية، فالمتحدث باسم الإتحاد الأوروبي لويس يوينو، شدد في ردّه على سؤال لـ “أخبار الآن“، حول السيناريو الروسي المحتمل، على أنّ تلك الخطوة ستولّد حرباً ناصحاً بأن يحنّب مثل ذلك السيناريو، قائلاً: “نحن رأينا أنّ التصرّف الروسي غير مسؤول، ومن المتوقع أن تكون هناك انتهاكات وتجاوزات أكثر، لا نعرف ما الذي يدور في رأس الرئيس الروسي، ولكن في كما يتعلق بهذه البلدان بالتحديد، بولندا وليتوانيا هما عضوان في حلف شمال الأطلسي”.
وتابع: “أعتقد أنّ التصريحات التي أدلى بها الأمين العام لحلف الأطلسي وشركاؤنا في الناتو واضحة جدّاً، والسلطات الروسية تعرف وتدرك ذلك تماماً، أي انتهاك لسيادة دول احلف الناتو وبولندا واخرى، تلك تالانتهاكات ستمثل هجوما علىدول حلف النان وككل، والمادة الخامسة التي تقول إن نتحدث عن إمكانية مرعبة والندلاع حرب أوسع في ذلك السياق ومن مصلحة الجميع تجنّب ذلك السيناريو”.
ذلك الموقف الأوروبي رسم الإطار العام في حال فكّرت روسيا بالقيام بذلك السيناريو. وعلى صعيد الدول فالجميع يراقب، البولنديون والألمان والليتوانيون، ومعهم السويديون والفنلنديون. لكن ماذا عن موقف كلٍّ من بولندا وليتوانيا؟
نائب وزيرالخارجية الليتواني مانتاس أدوميناس قال لـ “أخبار الآن“، إنّ ليتوانيا تؤمّن عبور الأشخاص والبضائع من روسيا إلى منطقة كاليننغراد، ولم يتم إغلاق ذلك الخط أو عرقلته”. وتابع أنّ “كل التكهّنات في الواقع تشير إلى أنّ روسيا تبحث عن ذريعة جديدة للعدوان، وذلك يوضح أمراً مفاده أنّ روسيا لن تكتفي بأخذ أوكرانيا، بل هي ستبحث عن طرق جديدة لإظهار عدوانيتها”.
إذا ما حاولت روسيا فرض ممر بري بالقوّة فنحن بلد في حلف الناتو وسنقاوم
مانتاس أدوميناس
وأضاف نائب وزير ليتوانيا: “نحن نضمن التزامنا الدولي بخط عبور كاليننغراد، لكن إذا ما حاولت روسيا فرض ممر بري بالقوّة، فنحن بلد في حلف الناتو وسنقاوم، كما أنّ بلداناً أخرى في حلف الناتو ستدعمنا، وليس صحيحاً أنّ الجيش الروسي لا يقهر، وقد شهدنا ذلك في أوكرانيا هو ربّما جيش ضخم لكنّه عملاق بأقدام طينية وهو ينهار في أوكرانيا وليس لديه القدرة العسكرية للقتال مباشرة ضد الناتو”.
وختم المسؤول الأوكراني حديثه لـ “أخبار الآن” قائلاً: “نحن نناقش الأمر مع بولندا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا التي عزّزت مراكز تواجدها العسكري في ليتوانيا جنباً إلى جنب مع العديد من جنود دول الناتو الأخرى. نحن مستعدون للدفاع عن كلّ شبر من ليتوانيا ضد الغزو الروسي البربري”.
الموقف البولندي يتماهى بالتأكيد مع الموقف الليتواني، وواسرو حذرة للغاية في ذلك الصدد إذ أن غزو بولندا سابقاً كان شكّل بداية الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من 80 عاماً. “أخبار الآن” تواصلت مع وزارة الخارجية البولندية لكنّ اللقاء تعذّر بحجة ضغوط العمل.
وفي قراءة لذلك المشهد، الخبير الجيو- سياسي في الشوؤون الأوروبية أندش استلوند أشار إلى أنّ روسيا لن تصل إلى كالينينغراد بالنظر إلى مسار الحرب في أوكرانيا، قائلاً لـ “أخبار الآن“: “إذا ما نظرنا إلى نجاحات روسيا في أوكرانيا، نرى أنّه من المستحيل أن تصل إلى كالينغراد، فالجيش الروسي لم يستطع الوصول إلى كييف او الى تسومي او تشينيف، فكيف سيدخل إلى ليتوانيا أو بولندا ليصل إلى كالينينغراد، ذلك الأمر حسابياً مستحيل في هذه المرحلة، ومن الصعب أن تخترق روسيا دفاعات الناتو التي ازدادت في تلك المنطقة”.
مع ذلك السيناريو الروسي المحتمل على الناتو أن يردّ بقوة، وإذا لم يفعل فذلك يعني أنّه انتهى
أندش استلوند
وأضاف استلوند: “كيف سيمكنها ذلك إذا لم تتمكن من احتلال مدن صغيرة في شمال أوكرانيا، وهي كانت تخطط لاحتلالها في أوّل يومين، ولم تتمكن حتى الآن من ذلك، فكيف ستتمكن من تخطي دفاعات الناتو الموجودة في معسكر سيلوفاكي؟ طبعاً الناتو سيتدخل ويرد لأنّ روسيا ستغزو أراض تابعة لناتو، وقد أوضح الناتو ذلك، وإذا لك يتحرك الناتو، فذلك يعني أنّ ذلك الحلف قد انتهى، لذا لا يمكنه السكوت عن ذلك، وروسيا لن تصل إلى كالينينغراد”.
لطالما اعتبرت كالينينغراد بوابة إلى بحر البلطيق والسهل البولندي، وذلك في معرض الحديث عن حرب محتملة بين روسيا والناتو. ذلك الكلام كان قبل عام تقريباً أطلقه الجنرال فالديمار سكشيبتشاك، القائد السابق للقوات البرية البولندية، والذي ذهب في خطوة إستباقية أبعد من ذلك، فدعا إلى ضمّ كلينينغراد إلى بولندا على اعتبار إنّ تلك المنطقة كانت في الأصل جزءاً من بروسيا وبولندا، وبالتالي لوارسو الحق القانوني بالمطالبة بها.
ذلك الموقف البولندي أثار موجة من الردود في روسيا، وقد ردّ المسؤولون الروس بسخرية على اعتراضات الجنرال، كما فعلت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، فيما قال مسؤول روسي آخر، إنّه “يتوجب على البولنديين الذين يدلون بتلك التصريحات، وحتّى أولئك الذين يصدقونها، دراسة تاريخ القرن العشرين، حينها سوف يدركون أنّه من المستحيل إعادة ما لم يكن ملكاً لبولندا”. وفي موقف رسمي، تقول موسكو إنّ كالينينغراد كانت مدينة روسية في بحر البلطيق وستبقى.
بكلّ الأحوال، الجدل لن يتوقف عن ذلك الحد، وفي حال لن تقدم روسيا على فتح ممر بري مماثل للنحو الذي تحدّثنا عنه، فماذا عن المجال الجوي وسط اعتبار روسيا أنّ من حقّها التحليق فوق بولندا وليتوانيا، وأن تتمكن السفن الروسية من عبور بحر البلطيق، ورفض هاتين الدولتين لذلك، فكيف سيكون المشهد إذاً؟