يبدو أنّ باكستان تحذو حذو سريلانكا وتتجه نحو الإفلاس وسط مناخ سياسي مشحون للغاية، تشعله تحرّكات رئيس الوزراء السابق عمران خان الذي يحاول الإنقضاض على الحكومة الحالية، التي يصفها متابعون بالهشة، والعودة إلى الحكم في البلاد، مُصمماً على مطلبه بإقامة انتخابات مبكرة، ومُحرّكاً الشارع الباكستاني عبر حزبه “باكستان تحريك إنصاف”، أي “الحركة الباكستانية لأجل العدالة”.
- مخاوف من توجه باكستان للإفلاس بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة المصحوبة باضطرابات سياسية
- الحكومة عاجزة عن تسديد ديونها الخارجية التي تستحوذ الصين على الكتلة النقدية الأكبر منها
- الصين مكثت بوعودها المرتبطة بإعادة إصدار قروض إنطلاقاً ممَّا سددته إسلام اباد
- الحكومة الصينية ترفض التعاون مع باكستان للحد من وطأة الأزمة الإقتصادية الحادة
- الميزان التجاري الباكستاني مع الصين يسجل عجزاً كبيراً والحكومة عاجزة عن تمويل المواد المستوردة
باكستان تعيش أزمة إقتصادية وسياسية كبيرة والحكومة تقف اليوم عاجزة عن تسديد ديون مستحقّة للصين
يأتي ذلك وسط أزمة إقتصادية مالية خطيرة تُرخي بثقلها على المواطنين، وتهدّد البلاد بشبح الإفلاس، وذلك بسبب عدم قدرة إسلام أباد على تسديد الديون الكثيرة، والتي تستحوذ الصين على الكتلة النقدية الأكبر منها.
في السياق، يؤكد محلّلون أن جلَّ ما يقلق باكستان هي القروض التجارية من الصين التي تقف الحكومة عاجزة عن تسديدها في ظلّ الأزمة الراهنة. فالحكومة الجديدة التي يرأسها شهباز شريف قامت بزيارات مكّوكية إلى عدد من الدول العربية منذ توليها السلطة بهدف المساعدة، إلّا أنَّ تلك الزيارات لم تحقق المرجو منها حتى تلك الساعة. وما يزيد المشهد تعقيداً، نكثُ الصين وعودها المرتبطة بإعادة إصدار قروض بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي، ناهيك عن أنّ السلطات الصينية غير موافقة على القيام بدفعات إضافية نزولاً عند رغبة الحكومة الباكستانية لأنّها تريد 20 مليار دولار كودائع نقدية، وتطمح إلى تسوية القروض التجارية القديمة التي تدين بها باكستان للمصارف الصينية.
قيمة الاستيراد وصلت اليوم لنحو 80 % من إجمالي قيمة القروض التي اقترضتها باكستان خلال 71 عاماً
مفتاح إسماعيل – وزير المالية الباكستاني
على ذلك الخط، تقف الحكومة الباكستانية عاجزةً أمام مصارف الصين والقرارات الحكومية التي ترفض المساعدة. لذلك، اتخذت الحكومة الباكستانية الحالية عدداً من القرارات التي ترجو منها تخفيف هول الأزمة. ومن تلك القرارات، حظر استيراد السلع الفاخرة وغير الضرورية، وذلك على ضوء عجز الميزان التجاري الذي يأتي نتيجة العجز الفادح في الميزان بين باكستان والصين. لكن تلك القرارات، لاسيما المرتبطة بحظر استيراد بعض السلع، فتحت الباب أمام التهريب.
وفي الإطار، قال وزير المالية الباكستاني مفتاح اسماعيل لـ أخبار الآن” إنّ “الحكومة تتخوّف من زيادة تهريب البضائع، لذلك عززنا تطبيق القانون على المهربين المحترفين، فنحن نعرف من هم لكنّنا لن نتعرّض للمواطنين العاديين الذين يهربون حفنة من البضائع”.
وأضاف إسماعيل: “زرعت الحكومة السابقة ألغاماً أرضية ودفعت بالإستيراد إلى مستويات قصوى لم تعرفها البلاد في التاريخ، إذ وصلت قيمتها إلى نحو 80 % من القروض الإجمالية التي اقترضتها باكستان في غضون 71 عاماً”. وتابع أنّ “الحكومة السابقة تحدّت الإتفاق المعقود مع صندوق النقد الدولي بشأن منحنا دعماً في ملفّي الكهرباء والفيول، وباتت قيمة العجز الضريبي قرابة 28 مليار دولار، وقد يصل إلى 32 مليار إنْ أضيفت إليه منح إضافية بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي”.
في السياق، يتخوف الباكستانيون من إجراءات تقشفية للحكومة بسبب جنوح البلاد نحو الإفلاس، إنّما إسماعيل قال لـ”أخبار الآن“: “لن نرفع الدعم عن الفيول والطاقة لأنّ ذلك سيرفع معدلات التضخم في البلاد التي أصلاً تتراوح بين 13 و15 %، والوضع الإقتصادي يدعو إلى القلق بسبب العجز القياسي في ميزانية الدولة والعجز المتفلت في الميزان التجاري وتناقص السريع للإحتياطي والتضخم، الذي يُعدّ من الأسرع في العالم وينسف المواطنين العاديين”.
وفي السياق عينه، قال إسماعيل في حديثه لـ”أخبار الآن“، إنّ “الحكومة عاجزة عن تقديم معالجة فورية للتضخم المالي في البلاد، وذلك بسبب السياسات الإقتصادية السيئة التي اعتمدتها حكومة عمران خان”، مشيراً إلى أنّهم “سيعقدون مفاوضات أوّلاً مع صندوق النقد الدولي بغية إقناعه بتلطيف شروطه القاسية لكي تتمكن الحكومة من تقديم المساعدات للشعب”.
على خط موازٍ، ثمّة من يتخوّف من تبعات إنعدام الإستقرار السياسي الذي قد يولّد موجة من العنف في الأيّام المقبلة، ويؤثّر بالتالي على الإقتصاد الباكستاني المترنح الذي يتجه بسرعة نحو التخلّف عن دفع الديون. فاحتياطي العملات الخارجية في البلاد يتراجع، وتضخم أسعار المواد الغذائية يرتفع، والروبية الباكستانية تتدهور مسجلةً تراجعاً حاداً بنسبة 21.72 % خلال السنة المالية الحالية.
مطالب جدية لإعلان حالة طوارئ فورية
وعليه، يطالب خبراء في الإقتصاد والسياسة إعلان حالة طوارىء اقتصادية بسبب التحديات التي تحدق بالبلاد، ويقترحون سلّة من الإصلاحات أبرزها سحب الإعفاءات الضريبية التي مُنحت لقطاع الأعمال، والتي تبلغ قيمتها 800 مليار روبية، أي 4.1 مليار دولار أمريكي، وفرض ضرائب أعلى على مالكي العقارات والأراضي. كما يطمحون إلى خفض الإنفاق الدفاعي غير القتالي وفرض ضريبة طارئة خصوصاً على السيارات التي تبلغ سرعة محركها 1600 سي سي وأكثر، ومضاعفة تعرفة الكهرباء على الوحدات السكنية التي تبلغ مساحتها 800 (ياردة مربعة) أو أكثر، وتقليص عدد الوزارات الحكومية الفدرالية.
وفي الإطار، يقول فاروخ سليم وهو إقتصادي وخبير مالي باكستاني، لـ”أخبار الآن“، إنّ “الضغط على الروبية الباكستانية يأخذ بالإرتفاع بسبب تراجع تدفق الدولار إلى البلاد، وبسبب غياب دعم الدول الصديقة”. ويقول إنّ “الإحتياطي الباكستاني قد تهاوى على نحو حاد بسبب التأخر في إعادة إحياء رزمة الإنقاذ التي يقدمها صندوق النقد الدولي، والتي تصل قيمتها إلى 6 مليارات دولار أميركي، من هنا تتراجع قيمة العملة الوطنية التي سجلت رقماً قياسياً في التراجع مقابل الدولار بعدما خسرت البورصة الباكستانية 900 نقطة إضافية وانهارت الأسواق المالية وتراجعت ثقة المستثمرين، وبعد تسجيل المصرف المركزي الباكستاني ديون بقيمة 10.44 مليار دولار، بما فيها 6 مليارات دولار من الودائع النقدية من الصين وغيرها من الدول”. لذلك طالب فاروخ بإعلان حالة طوارىء مالية بهدف إيجاد حلول لذلك الوضع.
أكبر هموم حكومة باكستان الجديدة يتمثّل بإيجاد سبل لوقف تآكل الإحتياطي في البلاد
في السياق، كادت البورصة الباكستانية أن تنهار بالكامل في شهر مايو الماضي بعدما شهدت حركة بيع كثيفة، وبعدما خسر مؤشر KSE-100 ما يزيد على 1100 نقطة في التداولات التجارية ليوم واحد، بحسب الموقع الإلكتروني للبورصة الباكستانية.
مع ذلك، لا يسير التباطؤ الإقتصادي بالتوازي مع الحمّى السياسية في البلاد التي لا تنفك تلتهب وتهدّد السلم الأهلي. فرئيس الوزراء السابق عمران خان الذي أُزيح من السلطة بعد حجب الثقة عنه في البرلمان في شهر أبريل الماضي، لايزال يدعو الشعب للتمرّد على ما يسميه “الهيمنة الأمريكية وتواطؤ الولايات المتحدة”.
وكان عمران خان تسلّم مقاليد الحكم العام 2018 إثر انتخابات مثيرة للجدل، اعتبرها البعض مُزوّرة ومراقَبة ومُتلاعب بها من قبل وكالة الإستخبارات الباكستانية. ويزعم خان أنّ الجيش في باكستان الذي كانت تربطه به علاقات ممتازة في عهده، لم يقدم له الدعم اللازم لطمس مخططات المتآمرين المحليين والدوليين. وصرح في أحد لقاءاته السياسية بأنّه “أطلع قيادة الجيش وأوفد وزير المالية ليخبرها بأنّ الإقتصاد سينهار إنْ نجحت مخططات المتآمرين”.
لا شك أنّ أكبر هموم حكومة الوحدة الوطنية التي استلمت الحكم في شهر مارس الماضي، يتمثّل بإيجاد سبل لوقف تآكل الإحتياطي في البلاد، وبالتوازي تمويل الدعم على المحروقات الذي كانت قد أقرته الحكومة السابقة قبل بضعة أيّام من التصويت على حجب الثقة عنها في البرلمان. وكان الإحتياطي الصافي الموجود في مصرف باكستان المركزي خارجاً عن الودائع المصرفية الخاصة يبلغ 10.3% في مايو الماضي، بما معناه أنّ الحكومة قادرة على تأمين مدفوعات الإستيراد لنحو 4 أسابيع.
وكان العجز في الميزان التجاري تضاعف تقريباً في مارس الماضي، إذ بلغ أكثر من 13 مليار دولار. وكشفت بيانات جمعها مصرف باكستان المركزي أنّ الإستيراد سجل نموّاً قدره 41.3 % خلال الأشهر المالية التسعة مقابل 11.5% في الفترة نفسها من العام الماضي. فبلغ الإستيراد 62.137 مليار دولار أمريكي خلال الفترة الممتدة من يوليو 2021 إلى مارس 2022 مقارنةً بالتصدير الذي بلغ 28.855 مليار دولار. هذا وارتفع العجز التجاري العام إلى 35.52 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الجارية مقابل 20.8 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة المالية الفائتة. باختصار، قفز العجز التجاري 15 مليار دولار تقريباً ليُنذر بتأزم في المدفوعات الخارجية. وفي ظل وجود ذلك العجز الهائل، من المقدّر أن تقحم باكستان نفسها في أزمة مدفوعات في الأشهر المقبلة.
الاقتصاد الباكستاني إنتقل من وحدة العناية الفائقة الى وحدة التنفس الاصطناعي
مريم نواز
وفي ذلك الإطار، اعتبرت مريم نواز، إبنة رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، ونائبة رئيس حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية” الحاكم، في لقاء عام عقدته في مردان، أنّ ” الإقتصاد الباكستاني الذي كان في وحدة العناية الفائقة قد انتقل إلى وحدة التنفس الإصطناعي بسبب السياسات الإقتصادية المنافية للعقل التي انتهجتها حكومة عمران خان”. وأردفت بالقول: “سأقترح على حزبي وعلى حلفائنا في التحالف ألا نتحمل وزر أخطاء عمران خان وإخفاقاته، فهو مَنْ عليه أن يتحمّل أخطاء آدائه خلال فترة توليه الحكم، والتي امتدت لـ 3 سنوات ونصف تقريباً”.
كما شددت نواز على ضرورة إصلاح الفوضى السياسية والإقتصادية التي خلفتها حكومة عمران خان، معتبرةً أنّ ذلك الأمر “سيستلزم سنوات وليس أشهراً”. وقالت إنّ “عمران خان قسّم البلاد وأضعف الإقتصاد وقوّض مؤسسات الدولة “.
على مستوى الجبهة الداخلية، قوّض تضخم أسعار المواد الغذائية الجامح والذي بلغ 17%، معيشة الطبقة الفقيرة والمتوسطة الدخل اللتين تتخبطان يومياً لتأمين المستلزمات الأساسية. كما أنّ بعض الخبراء يزعمون أنّ موجة جديدة من التضخم في باكستان تتربص بالحكومة الجديدة إن واصلت تقدمها نحو رفع الدعم عن المحروقات والطاقة.
شاهدوا أيضاً: هكذا دمّر الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني اقتصاد إسلام أباد.. وكلفة أمنه تفوق حصة باكستان!