الجيش الأمريكي يستهدف قيادي في حراس الدين بإدلب السورية
- بدأت جذور الصراع بين هيئة تحرير الشام والقاعدة عندما أعلن الجولاني فك الارتباط عن التنظيم
- من الواضح أن الهيئة تحظى بقوة عسكرية وأمنية أكبر من تنظيم حراس الدين
صباح الثلاثاء 28 يونيو 2022، أعلنت كلًا من القيادة المركزية الأمريكية ومصادر جهادية محسوبة على تنظيم القاعدة، بشكل منفصل، مقتل “أبو حمزة اليمني“، القيادي بتنظيم حراس الدين (فرع القاعدة في سوريا)، بغارة جوية نفذتها طائرات أمريكية بدون طيار، قائلةً إنه جرى استهدافه أثناء قيادته دراجة نارية في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
وعقب الإعلان، تداول الجهاديون على وسائل التواصل الاجتماعي، صورًا لـ “أبو حمزة اليمني”، قائلين إنه كان أحد كوادر تنظيم حراس الدين البارزين، وأن استهدفه يأتي ضمن خطة أمريكية لإعادة هيكلة المنطقة التي يتمركز بها الجهاديون في شمال سوريا.
بيد أن التدقيق في نبأ مقتل أبو حمزة اليمني، يكشف مفاجآت ذات دلالات لافتة، إذ لم تكن تلك المرة الأولى للإعلان عن مقتله بل سبق أن أعلنت مصادر جهادية، في الـ20 من سبتمبر/ أيلول الماضي، مقتله في غارة جوية أمريكية على إدلب استهدفت سيارة بيضاء كان يستقلها على الطريق الواصل بين بنش وإدلب في شمال سوريا، رفقة القيادي الجهادي “أبو البراء التونسي”.
ورغم التناقض الظاهري في أنباء الإعلان عن مقتل أبو حمزة اليمني، إلا أن مراجعة السياقات التي أحاطت بنبأ الإعلان عن مقتله، سواءً في سبتمبر/ أيلول الماضي أو خلال يونيو/ حزيران الجاري، تلمح إلى أن تنظيم حراس الدين ربما قام بتزييف نبأ مقتل أبو حمزة اليمني، في المرة السابقة، وذلك لحمايته والتعتيم على دوره القيادي في فرع القاعدة بشمال سوريا، لا سيما وأنه كان مطلوبًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهيئة تحرير الشام في آن واحد.
وفي وقت لاحق، الثلاثاء، قامت بعض الحسابات التابعة للقاعدة بحذف كل منشورات النعي الخاصة بأبو حمزة اليمني وأعلنت أن من تم قتله في هذه الغارة هو شخص يدعى أبو هزاع، عسكري بجبهة النصرة في وادي بردى بريف دمشق وليس أبو حمزة.
فك شيفرة الصراع الجهادي في سوريا
ويبين التكتيك الذي اتبعه تنظيم حراس الدين، فرع القاعدة السوري، سعيه لتأمين قادته وكوادره التنظيميين بعد دخوله في صراع مع هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على محافظة إدلب، وتسعى للقضاء على المجموعات الجهادية الأجنبية وخاصة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وترجع جذور الصراع الجهادي بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين، إلى سنوات مضت، حينما أعلن أبو محمد الجولاني، زعيم الهيئة، أواخر يوليو/ تموز 2016، فك الارتباط بين جبهة النصرة (نواة هيئة تحرير الشام)، وتنظيم القاعدة بإمارة أيمن الظواهري.
وبدا في ذلك الحين، أن “الجولاني” قد استخدم تنظيم القاعدة لمصالحه الخاصة وخدع أيمن الظواهري، لكي يحصل على شرعية حركية يُحافظ بموجبها على كيان جبهة النصرة، الذي كان مهددًا بالانهيار والتشظي، بفعل الصراع مع تنظيم داعش في سوريا، خاصةً وأن النصرة تشكلت في الأساس كفرع لداعش، قبل أن يُقرر “الجولاني” أن ينفرد بقيادة الجبهة بعيدًا عن أبو بكر البغدادي، زعيم داعش آنذاك.
واستطاع “الجولاني” أن يُفلت من قبضة البغدادي، بعد إعلان بيعته لتنظيم القاعدة، قبل أن يقوم بنقض بيعة القاعدة أيضًا، معلنًا أنه لا يتبع أيمن الظواهري أو أي من التنظيمات الجهادية المعولمة خارج أو داخل سوريا، وهي الخطوة التي تمت دون علم تنظيم القاعدة، كما كشف أيمن الظواهري في كلمته المعنونة بـ”الشام لن تركع إلا لله” (أبريل/ نيسان 2017)، قائلًا إن فك الارتباط تم دون مشاورة قيادة القاعدة العليا، وهو بمثابة خيانة تهدف لتحويل الحركة الجهادية من كيان عالمي إلى حركة وطنية لإرضاء الدول الداعمة.
لغز اغتيال رفاق “الظواهري” في سوريا
وفي غضون الأشهر الأولى من فك الارتباط بين القاعدة والنصرة، قُتل 2 من أبرز القيادات القاعدية التي كانت على صلة مباشرة بأبي محمد الجولاني، وهما: أبو الفرج المصري، الذي كان بمثابة عين الظواهري على الجولاني والذي شغل منصب نائب أمير جبهة فتح الشام التي أُعلنت بعد حل جبهة النصرة وتحولت، لاحقًا لهيئة تحرير الشام، وأبو الخير المصري الرجل الثاني في القاعدة ونائب أيمن الظواهري الأول والذي أُرسل إلى سوريا ليشرف على الحركات الجهادية المرتبطة بالتنظيم.
وبعد مقتل القياديين الجهاديين البارزين، أشارت أصابع الاتهام إلى تورط أبو محمد الجولاني في اغتيالهما، بسبب أنهما كان الشاهدين على وعد “الجولاني” بعودته إلى القاعدة حال طلب أيمن الظواهري ذلك، وراجت العديد من الروايات حول التنسيق غير المعلن بين هيئة تحرير الشام والتحالف الدولي (قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب)، للتخلص من قيادات القاعدة في سوريا.
وبينت تلك الأحداث وجود نوع من الصراع بين الجهادية العالمية التي يمثل تنظيم القاعدة أحد جناحيها، وبين الجهادية المحلية التي تنتهجها هيئة تحرير الشام، والتي سعت لاستئصال كل ما له علاقة بالقاعدة، عبر اعتقال كوادر التنظيم وأسرهم، ومحاربة كل من له تواصل مع القاعدة بتعبير أيمن الظواهري، في كلمة له نشرتها مؤسسة السحاب أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وفي المقابل ادعى الشرعي العام للهيئة عبد الرحيم عطوان (أبو عبد الله الشامي) أن الهيئة لم تعقد بيعة للظواهري من الأساس، وأن الأخير انقطع عن التواصل مع الهيئة لفترة طويلة وصلت لأكثر من عام، كما أن آلية التواصل بين الطرفين عانت من مشكلات عدة، وفق تعبيره.
وتزامنت كلمة “الظواهري” المذكورة مع سعي كوادر القاعدة في سوريا لتشكيل كيان جديد يضم الجهاديين الرافضين لنهج أبو محمد الجولاني، وهو ما ردت عليه هيئة تحرير الشام، حينها، باعتقال ثلة من القيادات أبرزهم: أبو القسام الأردني، الذي شغل عضوية المجلس القيادي لتنظيم القاعدة والمعروف بمجلس الشورى العالمي، وأبو جليبيب الأردني (إياد الطوباسي)، وسامي العريدي، الشرعي العام لتنظيم حراس الدين حاليًا، قبل أن تُفرج عنهم لاحقًا بناءً على وساطة من لجنة مصالحة جهادية تشكلت بمعرفة الطرفين.
المخاض العسير لولادة “حراس الدين”
وتمخضت جهود قيادات القاعدة في سوريا عن تشكيل مجموعات جهادية متفرقة، تكونت بالأساس من المنشقين عن هيئة تحرير الشام، وجرى الإعلان في أواخر عام 2017، عن تشكيل تنظيم بعنوان “أنصار الفرقان في بلاد الشام“، والذي ادعت مصادر جهادية، وقتها، أنه سيكون بقيادة حمزة بن لادن نجل زعيم القاعدة المؤسس أسامة بن لادن.
غير أن “أنصار الفرقان” لم يستمر على الساحة طويلًا، ففي الـ27 من فبراير/ شباط 2018، أعلن الجهاديون المحسوبون على القاعدة في سوريا تأسيس تنظيم حراس الدين، الذي ضم المجموعات الجهادية المنشقة عن تحرير الشام كجيش البادية وجيش الساحل وغيرها، ووصل عدد مقاتلي التنظيم الوليد لنحو 2000 مقاتل متوزعين على بقع جغرافية متفرقة.
وبميلاد تنظيم حراس الدين، دخل الصراع الجهادي في شمال سوريا في طور جديد من أطواره، فخلال وقت قصير من الإعلان عن تشكيل تنظيم حراس الدين، جرى تشكيل غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” والتي ضمت تنظيمات جهادية محسوبة على القاعدة هي: (حراس الدين، وأنصار الدين، وأنصار التوحيد “جند الأقصى سابقًا”، وأنصار الإسلام)، وهو ما اعتبرته هيئة تحرير الشام تهيدًا مباشرًا لها، فشرعت في حملة مكثفة لتفكيك هذه الغرفة، التي تحولت في عام 2020 للعمل تحت اسم غرفة عمليات فاثبتوا”.
تحرير الشام واستئصال حراس الدين
غير أن عمل حراس الدين في شمال سوريا لم يدم طويلا، فبحلول 2020، أطلقت الهيئة حملة استئصالية ضد التنظيم، وهدفت تلك الحملة إلى اعتقال وتحييد كوادر التنظيم الفاعلة وأيضًا وقف أي نشاط عسكري للتنظيم وحلفائه من القاعدة في شمال سوريا، وشملت تلك الحملة السيطرة على المناطق والقرى التي كانت خاضعة للتنظيم، ومصادرة سلاحه الثقيل، والقبض على كوادره الفاعلين، ومنهم أبو عبد الرحمن المكي، عضو مجلس شورى تنظيم حراس الدين، وآخرين، فضلًا عن التنسيق مع الاستخبارات التركية في استهداف قيادات القاعدة في سوريا، كما حصل مع أبو محمد السوداني، القيادي البارز بفرع القاعدة السوري، الذي جرى اغتياله من قبل التحالف الدولي بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام، بحسب ما ألمح له “أبو همام الشامي” أمير تنظيم حراس الدين، في رسالة نشرها، سابقًا، من مخبأه في شمال سوريا.
إلى ذلك، ذكرت مصادر جهادية محسوبة على تنظيم القاعدة في سوريا (منها قناة رد عدوان البغاة الشهيرة على تيليجرام والتي توقفت بسبب تهديدات من الهيئة)، أن الحملة التي قامت بها هيئة تحرير الشام جرت بالتنسيق مع الاستخبارات التركية التي رغبت في التخلص من عبء المجموعات المحسوبة على القاعدة لضمان استمرار السيطرة على الشمال السوري.
ووفقًا للمصادر الجهادية فإن الاستخبارات التركية أمدت الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام بأجهزة تعقب وشرائح إلكترونية لزراعتها لقيادات حراس الدين، كي يتم تتبعهم والتوصل إلى أماكنهم، موضحةً أن هناك ضابط في الاستخبارات التركية يُعرف بـ”أبو داوود”، وهو نائب سابق للعقيد التركي البازر “غازي التركي” يتولى متابعة ملف حراس الدين، بالتنسيق مع قيادات بهيئة تحرير الشام أبرزهم القيادي الأمني أبو محجن الحسكاوي، والقيادي بالجناح الدعائي والسياسي للهيئة زيد العطار.
وفي مقابل الحملة الأمنية لهيئة تحرير الشام، لجأ قيادات تنظيم حراس الدين إلى التواري والاختفاء، محاولين الهرب من الملاحقة الأمنية، فاختفى أبو همام الشامي، أمير التنظيم، وسامي العريدي، الشرعي العام لحراس الدين، وأبو عبد الكريم المصري، القيادي العسكري البارز بفرع القاعدة في سوريا.
وبدوره، طلب أبو همام الشامي، من قيادات هيئة تحرير الشام اللجوء لمحكمة أو شخص مستقل (كالمنظر الجهادي أبو قتادة الفلسطيني ) للفصل في الخلافات الجهادية بين الهيئة وتنظيم حراس الدين، لكن الهيئة ردت في سلسلة من البيانات الإعلامية، معلنةً رفضها التحاكم لأي جهة مستقلة وطلبت من كوادر حراس الدين أن يلجأوا إلى المحاكم التابعة لوزارة العدل في الحكومة المؤقتة، في حال رغبوا في إنهاء وحسم الخلاف، وكذلك أمريتهم بتسليم ملفات كاملة بأسماء المنتمين للتنظيم وخاصةً العاملين في المفارز الأمنية المنتشرة في عمق مناطق سيطرة النظام السوري.
وأمام تعقد الخلافات ورفض هيئة تحرير الشام اللجوء لمحكمة مستقلة أو السماح لتنظيم حراس الدين بالعمل بحرية في شمال سوريا، لوح التنظيم بورقة القتال ضد الهيئة باعتبارها طائفة ممتنعة عن حكم الشريعة، وفق تعبير أبو همام الشامي في رسالة سابقة له، مردفًا أن الحملة التي قامت بها هيئة تحرير الشام تزامنت مع الحملة التي يشنها التحالف الدولي ضد القاعدة في سوريا، وهو ما يعني وجود اتفاق بين الجهتين للتخلص من “الحراس” والجهاديين الداعمين لفكر الجهاد العالمي في سوريا.
من يحسم الصراع الجهادي؟
ومع أن حراس الدين لم يعلن صراحة دخوله في صدام مسلح مع هيئة تحرير الشام واكتفى بالقول إنه يركز على العمليات خلف خطوط النظام السوري، إلا أن المصادر الجهادية المقربة من الهيئة، كشفت أن هناك تعاون بين خلايا حراس الدين، والمفارز الأمنية لتنظيم داعش في شمال سوريا وأن هذا التعاون هدفه ضرب الهيئة والتخلص من قياداتها.
وتزامنت الادعاءات التي نشرها مقربون من الهيئة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، مع قيام مجموعات (لم تعلن عن اسمها)، باغتيال قيادات أمنية وعسكرية في الهيئة كان من بينهم أبو أحمد الشامي، الذي شغل منصب مسؤول الانتساب في الهيئة، قبيل مقتله في نوفمبر الماضي.
ويبدو أن خلايا تنظيم حراس الدين لجأت إلى استهداف قيادات هيئة تحرير الشام، نتيجة الحملة المكثفة التي يشنها الجهاز الأمني للهيئة ضدها، ورغم أن تلك العمليات لم يتم تبنيها من التنظيم بشكل رسمي، إلا أن التوقيت التي جرى تنفيذها فيه، يشير إلى انتهاج التنظيم لنهج جديد قائم على الصدام العنيف في التعامل مع الهيئة، بعد فشل محاولات الصلح بين الطرفين.
ومن جهتها، لا زالت هيئة تحرير الشام تواصل حملتها الاستئصالية ضد تنظيم حراس الدين، إلا أنها لم تنجح في حسم الصراع بشكل كامل، بسبب اختفاء خلايا التنظيم في شمال سوري، ولجوئهم للعمل السري بشكل كامل للهرب من ملاحقة الهيئة لهم.
ومن الواضح أن الهيئة تحظى بقوة عسكرية وأمنية أكبر من تنظيم حراس الدين، وهو ما يرجح كفتها في الصراع ضده، لكن هذا الصراع سيعود بالخسارة على الهيئة أيضًا التي فقدت عددًا من أمرائها وعناصرها خلال الأشهر الماضية، في عمليات اغتيال نفذها مجهولون (يحتمل أنهم من حراس الدين) ضدها.
ومن الواضح أن حرب تكسير العظام بين “الإخوة الجهاديين الذين صاروا أعداءً”، سيستمر في الفترة المقبلة، فبينما يحاول تنظيم حراس الدين التعايش والبقاء في شمال سوريا، تواصل هيئة تحرير الشام سعيها للتخلص من بقايا القاعدة في المنطقة، وملاحقة قادة القاعدة الذين يتساقطون بين الفينة والأخرى.