“أنصارو” يدافع عن سيف العدل.. القاعدة يحاول تحسين صورته المشوهة
عبر مقالٍ مطول في العدد الجديد (الثاني) من نشرة “صوت القارة السمراء”، التي يصدرها تنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان المعروف اختصارًا بـ”أنصارو”، والمحسوب على الشبكة العالمية للقاعدة، قال التنظيم إن القاعدة لا تربطها أي علاقة وإن “أمراء الجهاد” ومن بينهم المصري سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان)، لا يقيمون في طهران أو يتعاونون مع الاستخبارات الإيرانية، محاولًا نفي المعلومات والشواهد العديدة والخاصة بتعاون القاعدة مع النظام الإيراني.
وخصص تنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان “أنصارو”، والذي ينشط في نيجيريا، مقالًا بعنوان “حقيقة العلاقة بين تنظيم القاعدة ونظام الملالي في طهران”، نُشر على 5 صفحات من أصل 26 (إجمالي صفحات العدد الثاني من مجلته الصادرة عن مؤسسة الياقوت الإعلامية، الذراع الدعائية له)، لتفنيد ما وصفه بالشائعات عن العلاقات المتبادلة بين تنظيم القاعدة وإيران، مع أنه اعترف، صراحةً، أن إيران كان ممرًا وجسرًا لعبور قادة وعناصر القاعدة إلى أفغانستان، وهو ما يتفق مع المراسلات السرية لقادة القاعدة، والمنشورة ضمن وثائق أبوت آباد، والتي تنص على أن إيران هي الممر الرئيس لأموال وعناصر التنظيم وأن استهدافها يضر بمصالح القاعدة.
وحتى مع اعتراف تنظيم “أنصارو”، ضمنيًا، بأن سيف العدل وغيره من قادة القاعدة لجأوا إلى إيران، إلا أنه اكتفى بتلميحات وأحاديث عامة عن تواجد هؤلاء القادة في كنف نظام طهران، متعللًا بأنه لا يُمكن أن يذكر الكثير عن تحركات قادة القاعدة، حتى لا ترصدهم أعين أجهزة الأمن والاستخبارات، وتقوم باستهدافهم.
“أنصارو” حصان طروادة “القاعدة” لغسل سمعته
ومن الملاحظ أن هناك محاولات من تنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان “أنصارو” لغسل سمعة تنظيم القاعدة المركزي (قاعدة خراسان)، وإعادة تقديمه في ثوب جديد باعتباره رأس وقائد حركة الجهاد المعولم، بيد أن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، هو الطريقة وطبيعة الإصدارات الإعلامية التي يُدافع بها التنظيم الأول عن الأخير، والتي يكشف تحليل مضمونها أنها كُتبت وأعدت بواسطة قادة القاعدة أنفسهم، دون أن يتم ذكر ذلك صراحة في إصدارات “أنصارو”.
فمنذ اندماج مؤسسة الياقوت الإعلامية، الذراع الإعلامية لتنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان، مع الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، التابعة للشبكة الدعائية لتنظيم القاعدة، نحت المؤسسة الأولى نحو مزيد من التركيز على الحركة الجهادية العالمية، لتصير “الياقوت” ناطقة غير رسمية بلسان تنظيم القاعدة المركزي، الذي يحاول في الفترة الحالية تقديم صورة مغايرة لنفسه لاستقطاب مزيد من الأنصار، في إطار سعيه للخروج من حالة “الموات الإكلينيكي” التي يعاني منها، طوال السنوات الماضية.
ففي العدد الأول من نشرة “صوت القارة السمراء”، دافع تنظيم أنصار المسلمين في بلاد السوادن، عن أسلوب اللامركزية الذي يتبعه تنظيم القاعدة نافيًا أي مسؤولية له عن تصرفات الأفرع الخارجية/ الإقليمية، كما اعتبر أن القاعدة أُجبر على العمل بصورة لا مركزية بسبب تعرضه لحملة دولية هادفة إلى القضاء عليه، وبالتالي فإن وصمه بسبب أفعال أفرعه الخارجية يعد ظلمًا، على حد تعبير التنظيم.
وحاول تنظيم “أنصارو” التأكيد على نفس الفكرة السابقة في العدد الجديد من نشرته، إذ تضمن مقال ” حقيقة العلاقة بين تنظيم القاعدة ونظام الملالي في طهران” إشارة إلى أن التنظيم لا يتدخل في شؤون أفرعه الخارجية، إلا في حالات نادرة وهامة منها عجز تلك الأفرع عن اتخاذ القرار المناسب، كما حصل في الخلاف الجهادي بين تنظيم داعش وجبهة النصرة عام 2014.
الشقاق الجهادي الممتد.. ومعضلة “القاعدة” الإيرانية
ويشير استعراض العدد الجديد من نشرة “صوت القارة السمراء” إلى أن تنظيم القاعدة وأفرعه المقربة من قيادته العليا، لا زال يعيش في خضم الصراع الجهادي مع أتباعه الجهاديين السابقين، الذين انشقوا عن التنظيم وعلى رأسهم، داعش، وهيئة تحرير الشام، بجانب سعيه لنفي العلاقة مع إيران، والتي تمثل وصمة حقيقية للتنظيم.
ومع أن النشرة هاجمت تنظيم داعش في مقال بعنوان “القاعدة وداعش بين الآية والأنشودة”، واصفةً إياه بأنه يستخدم الإعلام لترويج الوهم لعناصره وأنه منحرف عن النهج الجهادي القويم، إلا أن تركيزها الأساسي ظل منصبًا على هيئة تحرير الشام، والتي خُصص مقال “حقيقة العلاقة بين تنظيم القاعدة ونظام الملالي في طهران” للرد على الاعتراضات التي تثيرها ضد القاعدة، كما يتبين من مراجعة المقال الأخير.
على أن مساعي القاعدة المتواصلة لنفي صلاته بإيران، ترتبط في جوهرها بالشقاق الجهادي بين التنظيم وهيئة تحرير الشام، التي تعمل على اقتلاع جذور القاعدة في شمال سوريا، واستئصال تنظيم حراس الدين، الفرع السوري للقاعدة.
ولا يعد الصراع بين القاعدة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وليد اللحظة، بل في الواقع يمتد لسنوات ماضية، كما أن سيف العدل ساهم في اشتعال هذا الصراع بسبب رسائله التي بعثها لأيمن الظواهري، وهاجم فيها الهيئة، على حد قول عبد الرحيم عطوان (أبو عبد الله الشامي)، الشرعي العام لتحرير الشام.
واتهم جهاديو تحرير الشام سيف العدل، الذي يؤكدون أنه مقيم في إيران، بأنه ساهم في توتر العلاقات مع قيادة القاعدة المركزية وأميرها أيمن الظواهري، الذي يغيب عن التواصل مع أفرع القاعدة الخارجية، ويعجز عن أداء دوره في إمارة القاعدة، بتعبير “عطوان”.
ونتيجة هذه الخلافات وغيرها، دخلت هيئة تحرير الشام في صدام مع تنظيم حراس الدين، واتهمته بأنه يتم توجيهه من خارج سوريا من قبل سيف العدل والقيادات القاعدية الموجودة في إيران، لضرب مشروع الهيئة وتمكين إيران من السيطرة على مناطق شمال سوريا الخاضعة للهيئة حاليا.
وتُشكل مسألة العلاقة مع إيران واحدة من المآخذ المحورية على سيف العدل، الذي يعد الرجل الثاني في القاعدة حاليًا، كما أن معارضيه داخل التنظيم يستخدمونها للطعن في شرعيته التنظيمية واعتباره لا يصلح لإمارة التنظيم حال مات أو قُتل أيمن الظواهري أو غاب من المشهد الجهادي نهائيًا، كما أن أفرع القاعدة الخارجية وخاصةً في وسوريا يعتبرون أن العلاقات مع إيران تؤدي إلى الإضرار بتنظيم القاعدة وتشويه صورته المتضررة بالفعل.
تهيئة أنصار القاعدة لقيادة “سيف العدل”
ويكشف لجوء تنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان “أنصارو” للدفاع عن سيف العدل، أن الفرع النيجيري للقاعدة يحاول تهيئة المشهد لتولي سيف العدل إمارة القاعدة، وتصويره بأنه جهادي مخضرم لا يرتبط بإيران أو يقيم بها، كي يكون ذلك مبررًا للأجيال الأحدث في القاعدة وخاصةً في الأفرع الخارجية لقبول إمارته للتنظيم، في ظل غياب أيمن الظواهري المتكرر وانقطاعه عن التواصل مع الأفرع الخارجية.
ويقول جهادي مصري سابق له معرفة وثيقة بسيف العدل، في تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، إن وجود سيف العدل في إيران جعل هناك حالة رفض من قبل مقاتلي قطاعات واسعة من مقاتلي القاعدة ومنهم قيادات في التنظيم بالمغرب الإسلامي واليمن وغيرها، وبالتالي فإن وصوله للإمارة العامة للقاعدة لن يكون سهلًا، لذا فإن التنظيم يحاول حاليا أن يحسن صورته عبر الأذرع الدعائية للقاعدة، من أجل أن يكون هناك تقبل لتولية قيادة التنظيم، في مرحلة ما بعد أيمن الظواهري.
وفي هذا الصدد، يزعم “أنصار المسلمين في بلاد السودان” أن الاستخبارات الإيرانية أطلقت سراح ثلة من كبار قيادات القاعدة- في إشارة إلى صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي تمت بين القاعدة وإيران عام 2015 وتم خلالها إطلاق سراح نواب الظواهري أبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وسيف العدل، وأبو القسام الأردني، وساري شهاب الأردني-، وأن هؤلاء القيادات انتقلوا إلى بلدان أخرى منها سوريا، لكن “أنصارو” فشل في التدليل على صحة مزاعمه الواهية بشأن مغادرة سيف العدل لإيران، خصوصًا مع وجود تأكيدات استخبارية ورسمية قوية على وجوده في طهران، تحت حماية وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية “إطلاعات”، وهو ما انطبق أيضًا على رفيقه ونائب أيمن الظواهري سابقًا “أبو محمد المصري“، الذي اغتيل في طهران في 7 أغسطس/ آب 2021، وكان تحت حماية الاستخبارات الإيرانية التي منحته هوية مزيفة باسم عالم لبناني يُدعى “حبيب داوود”.
وعلى ما يبدو فإن تنظيم “أنصارو” يحاول التودد لقيادة القاعدة العليا عبر مغازلة سيف العدل والدفاع عنه ونفي صلاته بإيران تمهيدًا لتوليه إمارة القادة العليا، أملًا أن يعود هذا التودد بفائدة على التنظيم الأول الذي لا زال يطمح في الحصول على تأييد القاعدة واعترافها الرسمي بهذا الفرع.
وحتى الآن، لم تعلن قيادة القاعدة العليا في خراسان أو قيادته الإقليمية في المغرب الإسلامي، على الملأ أن أنصار المسلمين في بلاد السودان فرع تابع لها، حتى بعد تجديد الأخير، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بيعته التي عقدها لقاعدة المغرب الإسلامي في 2020.
محاولة أخرى فاشلة
وبالرغم من أن كل الادعاءات التي أوردها تنظيم أنصار المسلمين في بلاد السودان لنفي علاقة تنظيم القاعدة وسيف العدل بإيران، إلا أن “أنصارو” لم يستطع أن يجزم بعدم وجود علاقات حالية مع نظام الملالي في إيران، واعترف، بصورة شبه صريحة، إلى احتمالية وجود علاقات بين الرجل الثاني في القاعدة وبين طهران، قائلًا إن سيف العدل لا يمثل القاعدة كلها، وإنه لو بدل نهجه أو تغير وصار يخدم مصالح الاستخبارات الإيرانية، فهذا لا يعني التشكيك في قيادة القاعدة ككل، على حد تعبيره.
ويتضح من العبارات التي استخدمتها نشرة “صوت القارة السمراء” في مقال “حقيقة العلاقة بين تنظيم القاعدة ونظام الملالي في طهران”، أن تنظيم القاعدة والرجل الثاني به “سيف العدل” يعاني ورطة حقيقة بسبب علاقته بإيران، ويسعى جاهدًا لنفي تلك العلاقة، لكن الوقائع على الأرض، تؤكد أن محاولاته تبوء بالفشل، كما باءت محاولة تنظيم “أنصارو” الأخيرة.