“الشباب الصومالية” تتجاهل القاعدة وتحاول محاكاة طالبان
بخطاب سياسي متودد مغاير لخطاباته الجهادية التقليدية، ألقى أبو عبيدة أحمد عمر (يُعرف أيضًا بأحمد ديري)، زعيم جماعة الشباب الصومالية، كلمة جديدة بمناسبة عيد الأضحى، محاولًا استغلال المناسبة الدينية لكسب الزخم والتعاطف مع حركته وإبرازها في صورة جديدة تختلف عن صورتها التقليدية كجماعة جهادية مرتبطة بالشبكة العالمية لتنظيم القاعدة.
وتضمنت كلمة أحمد ديري (أبو عبيدة) 7 محاور، أهمها مشكلتي المساعدات الإنسانية والجفاف الذي تعانيه الصومال، والانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرًا في البلاد، وخطة بعثة القوات الإفريقية في الصومال لنقل المسؤوليات للبعثة الإفريقية الانتقالية (أتميس)، علاوة على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي انتهي في أواخر أغسطس/ آب 2021.
وفي ثنايا حديثه، عقد زعيم جماعة الشباب الصومالية مقارنة ضمنية بين نموذجي جماعة الشباب الصومالية وجماعة طالبان الأفغانية، مسلطًا الضوء على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد حرب دامت لنحو 20 عامًا، غير أن الدلالات التي حملتها كلمات أحمد ديري تكشف عن جزء من التحولات الديناميكية التي تجري في داخل الجماعة الجهادية في القرن الإفريقي.
فبعد أكثر من 10 سنوات على الإعلان الرسمي عن انضمام جماعة الشباب إلى تنظيم القاعدة وقبول الأخير للبيعة التي عقدها “جهاديو الصومال” له، يبدو أن الفجوة بين التنظيم والجماعة قد اتسعت للدرجة التي جعلت الأخيرة تدرك أن مشروع الجهاد العالمي الذي يتبناه أيمن الظواهري وتنظيم القاعدة فشل فشلًا ذريعًا، وأن مشروع “الجهاد السياسي” المصبوغ بصبغة قُطرية (الجهاد المحلي)، والقائم على إستراتيجية “التفاوض والقتال“- على غرار النموذج الطالباني، ونموذج هيئة تحرير الشام في سوريا-، صار بديلًا أكثر براجماتية ومناسبةً من نهج الجهادية العابرة للحدود الوطنية.
الشباب الصومالية.. تحولات البراجماتية الجهادية
ومع أن التحول الجهادي نحو الجهاد المحلي أو القُطري والذي بدأت بوادره تظهر داخل جماعة الشباب الصومالية يعد تحولًا دراماتيكيًا إلا أنه ليس التحول الوحيد الذي طرأ على الجماعة، بل يعد امتدادًا لسلسلة من التغيرات والتقلبات التي مرت بها، والتي كانت مدفوعة بالأساس بـ”براجماتية جهادية” متأصلة في قيادة “الشباب” العليا.
ففي البدايات المبكرة لها، سعت قيادة جماعة الشباب العليا إلى التواصل مع تنظيم القاعدة إبان فترة إمارة أسامة بن لادن له، كما تُظهر مراسلات أسامة بن لادن ومسؤولي العمليات الخارجية في القاعدة مع مختار أبو الزبير وأمراء جماعة الشباب والمنشورة ضمن وثائق آبوت آباد، وبقيت تلك المراسلات سرية حتى أعلن أيمن الظواهري عن لحاق الجماعة بركب الجهادية العالمية، ومبايعتها للقاعدة في عام 2012.
وبنظرة تحليلية لمراسلات تنظيم القاعدة وجماعة الشباب والسياقات التي أحاطت بها، يتضح أن الجماعة هدفت إلى اكتساب “شرعية جهادية” وحيازة دعم عملياتي ولوجيستي لتعزيز موقعها في القرن الإفريقي عبر الارتباط بتنظيم القاعدة، بينما كان الأخير يُفضل أن تكون هناك صلات سرية بين الطرفين حتى لا تتضرر صورته- المشوهة أصلًا- جراء العمليات والهجمات التي تشنها الجماعة الصومالية، لكنه اضطر جراء تآكله وضعفه وغيابه عن ساحة التأثير، خاصةً بعد مقتل زعيمه الكاريزمي أسامة بن لادن، إلى الإعلان عن العلاقات بين الطرفين.
جماعة الشباب لم تجنِ من العلاقة مع تنظيم القاعدة سوى مزيد من الخسائر
الأحداث والسنوات الاحقة يثبتان ذلك
وأثبتت الأحداث والسنوات الاحقة، أن جماعة الشباب لم تجن من العلاقة مع تنظيم القاعدة سوى مزيد من الخسائر، إذ وجدت نفسها في وسط حملة استهداف مركزة قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وكذلك القوات الإفريقية في الصومال والقوات الحكومية الصومالية، لكن مع ذلك لم تُعلن الجماعة فك ارتباطها أو قطع صلاتها مع القاعدة.
على أن هذا العلاقة تعرضت للتقويض بفعل مجموعة من العوامل منها مقتل كبار قيادات جماعة الشباب المرتبطين بقيادة القاعدة العليا (قاعدة خراسان)، وعلى رأسهم أحمد عبده غوادني الشهير بمختار أبو الزبير (مؤسس الجماعة)، وكذلك ضعف الصلات والتنسيق بين التنظيم والجماعة بسبب عدم وجود آلية اتصال مؤمنة وتأخر وصول رسائل أيمن الظواهري وكبار قيادات القاعدة إلى الصومال، فضلًا عن تركيز كلًا من القاعدة والشباب على أهدافهم وإستراتيجيتهم الخاصة والتي تتناقض مع بعضها.
وبصعود قيادات جديدة إلى قمة هرم القيادة في جماعة الشباب الصومالية، وازدياد وتيرة الضربات الأمريكية لقيادات وعناصر جماعة الشباب الصومالية، وعدم جني الجماعة لأي مكاسب أو دعم من ارتباطها بالتنظيم، تشكل تيار داخلي يؤيد فكرة الجهاد المحلي أو القُطري ويرفض فكرة عولمة الجهاد، وعبر هذا التيار عن نفسه في مناسبات عدة منها قتل “أبو منصور الأمريكي” الذي كان قياديًا بالجماعة ومحسوبًا على المجموعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وأيضًا في التعامل مع الانشقاق الجهادي الذي قام به عناصر من الجماعة للانضمام إلى تنظيم داعش، إذ اتبعت “الشباب” أسلوب التصفية والاستئصال للتخلص من “رفاق الجهاد” السابقين.
ومن الواضح أن التحولات الجهادية التي تمت في داخل الجماعة، بدأت تنضج ثمارها مؤخرًا، ويتجسد ذلك في الابتعاد عن خط القاعدة، ومحاولة الاقتراب ومحاكاة النموذج الطالباني باعتباره تجربة جهادية نجحت في العودة للحكم، حينما تخلصت من ارتباطتها الخارجية مع تنظيمات الجهاد المعولم (القاعدة)، والتزمت بالاتفاقات المبرمة معها حول عدم تحويل مناطق سيطرتها إلى ملاذات لتلك التنظيمات أو السماح لها بشن هجمات إرهابية انطلاقًا من تلك المناطق.
نموذج طالبان بين رسائل أحمد ديري وتوجيهات مصطفى حامد
وتؤكد الرسائل التي احتواتها كلمة أبو عبيدة أحمد عمر/ أحمد ديري، بمناسبة عيد الأضحى والمعنونة بـ”لا يستوى الخبيث والطيب”، اتجاه جماعة الشباب للابتعاد عن القاعدة جزئيًا- وربما كليا في المستقبل- مقتديةً بنموذج جماعة طالبان الأفغانية، فعلى سبيل المثال خلت الكلمة من أي إشارة لتنظيم القاعدة أو أميره أيمن الظواهري ولم يتم ذكرهما ولو لمرة واحدة في الكلمة بعكس ما كان يحدث سابقًا من توجيه التهنئة الصريحة له ولتنظيم القاعدة في كلمات وبيانات قادة الجماعة في الأعياد والمناسبات المختلفة، بينما وردت 7 إشارات لجماعة طالبان ونجاحها في الوصول للحكم بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
اتجاه جماعة الشباب للابتعاد عن القاعدة جزئيًا- وربما كليا في المستقبل- مقتديةً بنموذج جماعة طالبان الأفغانية
الرسائل التي احتوتها كلمة أبو عبيدة أحمد عمر/ أحمد ديري، بمناسبة عيد الأضحى
وحاول زعيم جماعة الشباب أن يقارن بين ما حدث في أفغانستان، وبين ما يحدث في الصومال، قائلًا إن بعثة القوات الإفريقية في الصومال فشلت في مهمتها ولجأت مؤخرًا إلى خطة جديدة تقوم خلالها بتدريب القوات الحكومية الصومالية والعمل على تحسين استجابتها للتهديدات الإرهابية لتتسلم مهام الأمن في البلاد، وقال أيضًا إن الرئيس والحكومة الصومالية عملاء للغرب وفشلوا في حل أي مشكلة في البلاد منذ 30 عامًا، ويعتمدون فقط على تقديم الولاءات للغرب ، على حد وصفه.
وتطرق أحمد ديري/ أحمد عمر “أبو عبيدة” إلى مشكلة التغير المناخي والجفاف الذي يضرب الصومال، والتي تسببت في حدوث مجاعات ونقص في المواد الغذائية في البلاد مدعيًا أن الجماعة تقوم بإيصال مساعدات إنسانية للنازحين والمتضررين بينما تفشل المنظمات العاملة في مجال المساعدات الإنسانية في البلاد والبالغ عددها 272 منظمة في تحقيق أي تغيير أو إنجاز يُذكر في رفع المعاناة عن الصوماليين، على حد زعمه.
وتشير لهجة الخطاب والعبارات والرسائل التي تضمنتها كلمة أحمد ديري إلى أن زعيم جماعة الشباب يحاول كسب ود العشائر والسكان المحليين في المقاطعات والمناطق الصومالية، والإيحاء بأنهم يوجهون عدوًا مشتركًا هو القوات الإفريقية مدعيًا أن الهجوم الذي شنه مقاتلو الجماعة ضد القوات البوروندية (مشاركة في البعثة الإفريقية) في “عيل برف” (إقليم شبيلي الوسطى جنوبي البلاد )، مطلع مايو/ آيار 2022، جاء انتقامًا للسكان المحليين الذين شارك بعضهم في الهجوم، على حد قوله.
وتهدف تلك اللغة المتوددة إلى محاولة تجميل وجه جماعة الشباب والتملص من المسؤولية عن إراقة دماء المدنيين في الهجمات التي تشنها، وإظهار نفسها كحليف محتمل للشعب الصومالي، بحيث تستفيد من ذلك في عملية الاستقطاب والتجنيد لتعويض خسائرها وضعف قدراتها البشرية- الذي اعترف به “ديري” صراحة في كلمته-، وكذلك المساهمة في تمدد الجماعة في مناطق جديدة داخل البلاد.
وفي نفس السياق، تزامنت كلمة أحمد ديري/ أحمد عمر “أبو عبيدة” مع نشر مقال وتدوينات من قبل مصطفى حامد الشهير بـ”أبو الوليد المصري”والذي له صلات قوية بقيادة جماعة طالبان، دعا فيها الجماعة للسير على خطى جماعة طالبان، ومواصلة العمل على “أفغنة الصومال“، موصيًا قيادة الجماعة باستعطاف الشعب الصومالي والعمل على كسب دعمه، ومحاولة إسقاط المدن الصومالية من الداخل عبر الاتفاق مع وجهاء تلك المدن والعشائر في الصومال مع ترك الإدارة لهم في حدود معينة، تمامًا كما فعلت جماعة طالبان.
ودعا مصطفى حامد/ أبو الوليد المصري في مقاله المعنون بـ”شباب الصومال على خطى طالبان أفغانستان” لتكثيف العمل الإرهابي واستهداف المرافق السياسية والاقتصادية الحيوية في البلاد، والاستعانة بالمقاتلين الموسميين (المرتزقة المحليين) في أداء مهام محددة كالقيام بأعمال المراقبة والاستطلاع أو إيصال السلاح والعبوات الناسفة لمقاتلي الجماعة مقابل إعطائهم أجر أو مكافأة مالية لإعاشة عائلاتهم، معتبرًا أن تلك الطريقة ستساعد الجماعة في التغلب على أزمة نقص الكوادر البشرية التي تواجهها، على حد تعبيره.
ومن اللافت أن التوجيهات التي أوردها مصطفى حامد في مقاله الأخير والمنشور قبل يومين فقط عيد الأضحى ، تتضمن نفس النقاط تقريبًا التي احتوتها كلمة أبو عبيدة أحمد عمر/ أحمد ديري، وهو ما يلمح إلى حجم التلاقي والاتفاق بينهما في وجهات النظر وخاصةً في ما يتعلق بالابتعاد عن تنظيم القاعدة – والذي يدعمه ويؤيده مصطفى حامد بقوة- وتبني نهج الجهادية المحلية (القُطرية) الذي يتماشى مع نموذج جماعة طالبان.
ويتبين من ذلك أن جماعة الشباب تحاول أن تُقدم نفسها من جديد للشعب الصومالي وأن تبعث رسائل ضمنية تبدي فيها استعدادها للانخراط في المفاوضات مع الحكومة الصومالية والقوات الإفريقية والتوصل إلى اتفاق سلام، كما فعلت جماعة طالبان مع الولايات المتحدة.
جماعة الشباب الصومالية تُعاني من عيوب وثغرات بنيوية وعملياتية وأيدولوجية، تقودها إلى الفشل المحتم سواء في تجارب القتال أو الحوكمة
بيد أن الخبرة السابقة المستمدة من تجارب اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال (الذي انبثقت منه جماعة الشباب)، وجماعة طالبان في أفغانستان ، وكذلك هيئة تحرير الشام في سوريا، تؤكد أن الجماعات الجهادية- ومنها جماعة الشباب الصومالية- تُعاني من عيوب وثغرات بنيوية وعملياتية وأيدولوجية، تقودها إلى الفشل المحتم سواء في تجارب القتال أو الحوكمة والتي ترتبط في أذهان الجهاديين بفرض نموذج متشدد من حكم الشريعة- من المنظور الجهادي-، وهو نفس الأمر الذي يشدد عليه أبو عبيدة أحمد عمر/ أحمد ديري في كلمته الأخيرة، بقوله “إن حركته لن تقبل بوجود حكومة غير إسلامية أو إدارة لا تُطبق الشريعة”، وهذا يعني أن الجماعة لن تبتعد كثيرًا عن خطها الحالي، كما فعلت جماعة طالبان التي تسير الشباب على خطاها بتعبير مصطفى حامد.