لم يعد في أفغانستان ما يمكن أن يتزوّد به الشباب هناك، وقد فقدوا الحماس والدوافع للاستمرار، فيما الحلّ الوحيد أمامهم هو الهجرة والبحث عن أرض يعيشون فيها بآمان، ويعملون فيها لتحقيق طموحاتههم.
الحياة معدومة في ذلك البلد، حيث تتوقع منظمة الأمم المتحدة أن يعيش 97 % من السكان تحت خط الفقر بحلول النصف الثاني من العام الجاري… فالأوضاع الاجتماعية والإقتصادية والإنسانيّة ازدادت سوءاً بعد تسلّم طالبان السلطة، إذ قفزت معدّلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، ما دفع بعض الاباء إلى بيع أطفالهم بهدف تسديد الديون، فيما حذّرت منظمة اليونيسف من أنّ ارتفاع معدلات الفقر مع توقّف إيصال المساعدات إلى أفغانستان سيؤدي إلى “أزمة كبيرة” تضع أكثر من نصف السكان، أي نحو الـ23 مليون شخص أمام خطر المجاعة.
تتوقع منظمة الأمم المتحدة أن يعيش 97 % من السكان تحت خط الفقر بحلول النصف الثاني من العام الجاري
كلّ ذلك والمجتمع الدولي منقسم حول تقديم المساعدات لأفغانستان، خشية أن يؤدّي ذلك إلى تقوية جماعة طالبان. وأمام ذلك الواقع، يزداد انسداد الأفق أمام الشعب الأفغاني المتروك لمزاج عناصر طالبان وانتهاكها لأدنى الحقوق الإنسانية.
الهجرة.. حلم الشباب الأفغاني للهروب من حكم طالبان
“أخبار الآن” قابلت عدداً من الشبان والشابات في أفغانستان، وقد تحدثوا عن معاناتهم مع عودة طالبان إلى الحكم، إذ يعتبرون أنّ العهد الجديد قتل كل طموح وحلم لديهم.. فهم يخشون على مستقبلهم، لا سيما وأنّ طالبان لم تقدم أيّ نموذج لحكومة توحي بأنّهم قادرون على إرضاء الشعب.
مروة سرمازاده، هي إحدى الفتيات الأفغانيات الطامحات لمشتقبل أفضل، لكنّ أحلامها تحطّمت منذ عام. تقول لـ “أخبار الآن“: “مع وصول طالبان إلى السلطة تم إغلاق المدارس للفتيات الأفغانيات، كنت أرغب في دراسة الطب والحصول على الدكتوراه، لكن أحلامي تحطّمت بسبب طالبان. أردت أن أعمل من أجل بلدي ومن أجل النساء فيه، بغية تحقيق مستقبل مشرق، لكن للأسف دمّرتنا طالبان جميعاً”.
فرشاد، طالب أفغاني في جامعة كابول، أيضاً كانت لديه أحلام كثيرة، لكنّه أصيب بإحباط كبير مع عودة طالبان. تحدث فرشاد لـ “أخبار الآن” عن تجربته التي وصلت إلى طريق مسدود، وعن آماله التي تلاشت.
يقول: “أنا كنت طالباً في جامعة كابول، كانت لديّ أهداف تتمثل ببناء نفسي وخدمة جيلي ومستقبل بلادي، لكن مع وصول طالبان، انهارت كل الأهداف والأحلام التي كنا نحلم بها. لم يعد لدينا أمل في التحرك”. وتابع: “الإنسان مخلوق يكره الأسر وخنق حريته، لكننا اليوم سجناء في أفغانستان، نعيش في ظل أسر على صعد مختلفة، على أمل أن نكون أحراراً يوماً ما، ونتمكّن من السفر إلى الخارج”.
فرهاد اليعقوبي، شاب أفغاني آخر، تخرّج من المدرسة لكنّه لم يتمكن من الإلتحاق بالجامعة، فمع سقوط الحكومة وعودة طالبان إلى الحكم، لم يعد قادراً على الدراسة، وبالتالي انهارت كلّ أحلامه، إذ أنّ الأزمة الإقتصادية شلّت حياته كما الكثيرين، وهو يعيش حالياً ضغطاً نفسياً وجسدياً.
بإحباط كبير تحدّث حفيت اخجار لـ “أخبار الآن“، وهو مواطن أفغاني عمل لنحو عشرة أعوام في مجال حقوق المرأة والإنسان. وصل هذا الشاب إلى طريق مسدود، ويقول: “عملت في المجالات الإجتماعية والثقافية وحقوق المرأة، وقد مرّ نحو عشرة أعوام على التعاون مع شخصيات وجماعات ومؤسسات اجتماعية ومدنية في أفغانستان، لكن كلّ تلك الأنشطة وصلت إلى طريق مسدود بالنسبة لي ولأولئك الذين يعملون في ذلك المجال، مع سقوط النظام”.
وأضاف اخجار: “كان السقوط مرعباً بالنسبة لي لأنّني فقدت وظيفتي ولم أعد قادراً على القيام بالأنشطة اليومية الأخرى التي عملت بها لسنوات. مع حكم طالبان أعاني كما تعانى غالبية الشعب الأفغاني من الفقر والمشاكل الإقتصادية بشكل عام”، مشيراً إلى أنه “بعد استلامه السلطة، استبدلت طالبان موظفي الحكومة السابقة بمقاتليها”.
لكنّ وضع الأفغاني فردوس مختلف بعض الشيء لأنّه تمكّن من الهروب إلى خارج أفغانستان، فهو يقول لـ “أخبار الآن“: “عندما سيطرت طالبان، كنت خائفاً جدّاً من أن أتعرض للقتل على يد طالبان لأنّني أحد المحتجين في أفغانستان وأقود الاحتجاجات، وأطلق خطابات تتناقض مع خطاب طالبان. لقد هربت وعائلتي إلى مكان آمن يمكننا البقاء فيه بسلام”.
وشرح فردوس سوء الوضع الإقتصادي والإجتماعي، موضحاً أنّ “الوضع ليس جيداً في أفغانستان ويزداد سوءاً يوماً بعد آخر. كل أفراد عائلتي وأصدقائي لا يملكون ما يكفي من المال للعيش والإنفاق… فالأسعار مرتفعة جدّاً كأسعار النفط والأرز وغيرها من المواد الأوّلية الضرورية، فيما الحرية معدومة، كما لا مدارس ولا جامعات، فكل ما يقوم به طالبان هو ملاحقة الناس والأقليات الدينية”. وأضاف “الوضع سيء للغاية والأوضاع مرهقة جدّاً بالنسبة للشعب الأفغاني”.
ما حجم تردي الفعلي؟
في ذلك الصدد، شرح مدير مشروع الحرية الأفغانية ريان مورو (Ryan Mauro)، تفاصيل الوضع المتردّي في أفغانستان، فقال لـ”أخبار الآن” إنّ “أفغانستان تعيش في حالة أزمة محضة ويأس، إذ أنّ أكثر من 90 % من الناس يعانون من سوء التغذية ويحتاجون إلى الغذاء، والأزمة الإقتصادية سيئة للغاية لدرجة أن التشرّد بات أمر شائع خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يحاولون الإختباء من طالبان وداعش”.
أكثر من 90 % من الناس يعانون من سوء التغذية في أفغانستان
ريان مورو
وأضاف: “الشعب يائس لدرجة كبيرة فهم يحتاجون إلى مكان للإختباء، وبحاجة إلى مصدر رزق لإعالة أنفسهم، لكن من الصعب جدّاً على الفرد الحصول على وظيفة عندما يكون هارباً من طالبان إذ يتجنّب الظهور في الأماكن العامة، وبالتالي تكون النتيجة بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون دفع الإيجار بأنّهم يتعرضون لطالبان، وغالباً ما نسمع قصصاً عن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان والقتل على يد الحكّام الجدد أو المناصرين لهم”.
وتفيد تقارير بأنّ السلطات الأمريكية ترفض ما يصل إلى 90 % من الأفغان الذين يتقدمون بطلبات لدخول الولايات المتحدة لأسباب إنسانية. ويعكس عدم اهتمام الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام والشعب الأمريكي تحيزاً عميقاً ضدّ الأفغان، حتى أولئك الذين خدموا جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية أو المدنيين.
في ذلك السياق يقول مورو: “لسوء الحظ تراجع اهتمام العالم بأفغانستان، فالجميع يتحدّث عن أوكرانيا. ثمّة إرهاق عام من أفغانستان التي لا يريد الناس أن يسمعوا عنها بعد الآن، وربّما ينظر الكثير من الأمريكيين إلى أفغانستان على أنّها قضية خاسرة لا تستحق حتى الاستثمار فيها، أو حتى محاولة المساعدة لأنّها لن تفيد في شيء، لكن الحقيقة هي أنّ هناك الكثير من الأشخاص الذين يمكن إنقاذهم بمبلغ بسيط.. ربّما عشرون دولاراً قادرة على أن تنقذ حياة في أفغانستان، لكنّنا نواجه صعوبة في جمع التبرعات لأنّ اهتمام العالم بأفغانستان تراجع.
ولفت إلى اضطرارهم للجوء لقرار غلق شبكة المنازل الآمنة التي تضم نحو 75 أو 80 شخصاً بسبب جفاف التبرعات، فيقول مورو لـ “أخبار الآن“: “مع إغلاق تلك البيوت ثمّة تخوّف على هؤلاء الأشخاص الذين يتم اصطيادهم من قبل طالبان، ولا نتوقع أن يبقوا على قيد الحياة لفترة طويلة لأنّه سيتم القبض عليهم من قبل طالبان، أو أنهم سيتعرضون للخداع من قبل تنظيم داعش، أو أنّهم سيموتون جوعاً لغياب مصدر الرزق لديهم…. لذلك نحن نواجه كارثة حقيقية تطال حقوق الإنسان في أفغانستان، وإنّها واحدة من أكبر الأزمات في العالم”.
وأشار مدير مشروع الحرية الأفغانية إلى أنّ التنظيم يقوم باعتقال أفراد عائلات لإجبار آخرين على تسليم أنفسهم، تزويج الأطفال وثمّة أطفال يتعرضون للخطف، طعن الناس وإطلاق النار عليهم وتعذيبهم عبر صعقهم بالكهرباء وغيرها من وسائل التعذيب والقتل… يحدث كل ذلك فيما يزعمون أنّ هناك عفواً عاماً بالنسبة للأشخاص الذين خدموا في الحكومة، فيما ليس خافياً عل أحد أنّ أشخاصاً خدموا في الحكومة السابقة، تعرّضوا للإصابة أو القتل، ويتم القبض عليهم ومضايقتهم”.
تجدر الإشارة إلى أنّ غالبية مساعدات التنمية التي كانت تموّل في السابق ما يصل إلى 80 % من نفقات الحكومة السابقة، قد جفت. كما أنّه مع ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الاقتصاد، تتوقع الأمم المتحدة أن يعيش 97 % من السكان تحت خط الفقر بحلول النصف الثاني من العام.
شاهدوا أيضاً: ماذا لو نفّذ داعش هجوماً مماثلاً للحسكة في أفغانستان.. ذبيح الله مجاهد يرد على تلك الإحتمالات