ما وراء مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري
انشغلت المؤسسات الإخبارية والمعلقون على قصة مقتل أيمن الظواهري بضربة جوية أمريكية بتغطية أخبار الواقعة دون الالتفات إلى تبعات وقوع هذا الحدث في كابول، وفيما تقاطر سيل من المعلومات والتعليقات عن الواقعة، كان هناك حاجة إلى التوقف قليلاً للتركيز على الجانب الأكثر أهمية في هذه القصة، بعيدًا عن الجغرافيا السياسية للحرب على الإرهاب، يجب معرفة مدى تأثير موت الظواهري للمسلمين العاديين الذين كانوا الضحايا الرئيسيين لعنف القاعدة؟ وماذا تكشف لنا هذه الواقعة عن طبيعة وممارسات إمارة طالبان؟
١- لا مكان للاختباء
الحقيقة المؤكدة هنا الظواهري قد مات وهذا أمر مهم، ويعد مقتله دليل على أن القاعدة تمر بحالة من الانهيار، فقيادتها وأعضاؤها ليسوا آمنين في أي مكان في العالم، حتى في أفغانستان، وإذا كان أي شخص يأمل في أن توفر أراضي طالبان ملاذاً آمناً لهم، فقد أصبح من الواضح الآن أن مثل هذا الأمان لم يعد متوفرًا، فالمنظمة العنيفة غير القادرة على حماية قادتها ستجد صعوبة أكبر في البحث عن مجندين وممولين جدد، وهذه بشرى للعالم الإسلامي الذي انخدع بعض شبابه بأمثال الظواهري منذ عقود، وإنه لأمر إيجابي أن تظهر عدم كفاءة الظواهري وتنظيمه واضحة للعيان.
فاغتيال الظواهري يأتي تتويجًا لعمليات ملاحقة التنظيم على مستوى العالم، والتي نجحت في القضاء على أبرز قادته؛ ففي عام 2019، قُتل حمزة أسامة بن لادن، نجل مؤسس القاعدة على الحدود الأفغانية الباكستانية، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أعلنت قوات الأمن الأفغانية حينها مقتل حسام عبد الرؤوف الشهير بأبي محسن المصري، في ولاية غزنة شرق أفغانستان، والأمثلة كثيرة فقد طالت الضربات الجوية الأمريكية قادة القاعدة في اليمن وسوريا والصومال وباكستان وغيرها، وحتى من كانوا يظنون أنهم بمنأى عن الاستهداف مثل أبي محمد المصري، فقد تم اغتياله في قلب طهران بصحبة ابنته مريم أرملة حمزة بن لادن، في 7 آب/أغسطس 2020 في ذكرى الهجوم على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998.
٢- نهاية عصبة وضيعة
أدارت زمرة الظواهري تنظيم القاعدة بشكل سيئ وألحقوا الأذى بالعديد من الناس – بمن فيهم كبار أعضاء القاعدة – مع حماية مصالحهم الضيقة، اشتهرت المجموعة العنصرية والمنافقة بانتهاك المبادئ الإسلامية، وأظهرت مرارًا وتكرارًا طبيعتها الحقيقية؛ فقد أزهق الظواهري العديد من الأرواح، سواء بين المدنيين الأبرياء من المسلمين أو بين أنصار تنظيمه من الجهاديين، فقد تآمر ضد خصومه الداخليين وقوض نفوذهم حتى وفاته، وهناك قصص عن قتل وتعذيب مقربين منه لاتهامهم بالخيانة مثل محمد عبد القوي، وقتل طفلين بالسودان لاشتباهه في تسريبهما لأسرار التنظيم، ومع ذلك فإن كل تلك المؤامرات لم تسفر عن شيء عندما تم القبض عليه وقتله، فرحلة حياة الظواهري من السجون في مصر إلى لحظاته الأخيرة في شرفة كابول، تعتبر حياة مغامرة مضللة لم تترك إرثًا مشرفًا وراءها.
٣- طالبان: إما عاجزة أو متواطئة
بعد أن عاودت طالبان الاستيلاء على السلطة في كابول في أغسطس من العام الماضي، سألناهم مرارًا وتكرارًا عن وعودهم بموجب اتفاقيات الدوحة، وكانوا دائمًا يستخدمون نفس الكلاشيهات دون تفصيل: “عدم السماح باستخدام تراب أفغانستان لشن هجمات على دول أخرى”. حاول “قادة” طالبان الحد من وجود أعضاء القاعدة العاديين – وليس حتى القادة- في أفغانستان، لكن عدم ارتياحهم أظهر أنهم كانوا يخفون شيئًا ما.
تم العثور على الظواهري في منطقة تخضع لحراسة مشددة في كابول تحت السيطرة المستمرة والصارمة لطالبان، وهذا يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن القيادة العليا لطالبان إما فشلت في ملاحظة وجود الظواهري هناك، أو ربما كانت على الأرجح متواطئة في إخفائه، بالنسبة لمنظمة تحاول الحصول على اعتراف دولي، يصعب جدًا العثور على تبرير لهذا السلوك، فكيف يمكن الوثوق بأي التزامات تتعهد بها الحركة الآن؟
في عام 2022 نشرت القاعدة عشرات التصريحات الإعلامية التي كان الظواهري يطل فيها من مخبئه في أراضي طالبان، وفي هذه الرسائل نشر الظواهري الكراهية والتهديد بالعنف ضد العديد من البلدان، فقد ظهر في فيديو في سبتمبر/أيلول 2021، في الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، في الشهر التالي لسيطرة طالبان على كابل، ودحض بذلك الشائعات حول وفاته، وفي أبريل/نيسان الماضي ظهر في فيديو نشرته مؤسسة “السحاب” التابعة للتنظيم، عنوانه “حرة الهند” تحدث فيه عن قرار منع الحجاب في ولاية هندية، وفند التقارير التي تحدثت عن وفاته مجددا، وفي مايو/آيار ظهر في فيديو طويل بمناسبة ذكرى مقتل سلفه أسامة بن لادن، وهاجم الولايات المتحدة وتحدث عن حرب أوكرانيا.
ومن الجدير بالإشارة إليه أن فشل طالبان في منع إنتاج ونشر الدعاية العنيفة من داخل الأراضي الأفغانية يُعد انتهاكًا مباشرًا لاتفاقات الدوحة وفقًا لما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، وسواء كانت طالبان غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها أو غير راغبة في القيام بأعباء ذلك، فإن النتيجة واحدة، وهي أن مصداقيتها تعرضت للتدمير، وعلى الرغم من أن منظمات مثل القاعدة وداعش أسوأ من حركة طالبان ذات التوجه المحلي، لكن بالنسبة لأي شخص ينجذب إلى نموذج طالبان، فإن الواقع معقد ومليء بالمخاطر القاتلة.
٤- القاعدة تشكل تهديدا لطالبان والشعب الأفغاني الفقير
تدفع طالبان اليوم ثمن محاولة العيش مع ثعبان في أحضانها، فقد أحرجت القاعدة طالبان علانية باستخدام أراضي أفغانستان لنشر التهديدات والتخطيط لهجمات، ومن خلال القيام بذلك أضر التنظيم بشكل رهيب بقدرة طالبان على التماس المساعدة والاعتراف الدوليين، وهذا يحدث هذا في وقت تكتشف فيه طالبان أنه بدون مساعدة خارجية سيتعرض ملايين الأشخاص في أفغانستان لخطر المجاعة.
ولم تبد القاعدة اهتمامًا جديًا بتأثير أفعالهم على طالبان أو الشعب الأفغاني الفقير بما في ذلك النساء والأطفال، فعندما قرر الظواهري الاختباء في كابول كان يعرف بالضبط ما يعنيه ذلك بالنسبة لأفغانستان والأفغان ومع ذلك لم يبد اهتمامًا فعليًا بذلك، ولم يحترم قادة وأعضاء القاعدة شروط طالبان أو سلطتها، ومن الواضح أن طالبان ترى الآن أنها لا تستطيع الوثوق بالقاعدة، كما أن رحيل الظواهري لن يقضي على خطر القاعدة؛ فهي تحاول البقاء على قيد الحياة ومداواة جراحها في أفغانستان في المستقبل القريب وسيواصلون التخطيط لهجمات خارجية على خلاف تعليمات طالبان.
٥- مستقبل طالبان
قرار طالبان بتوفير ملاذ آمن للظواهري وأعضاء القاعدة الآخرين قد يكلف أفغانستان فرصة الحصول على المساعدة الدولية والاعتراف في هذه المرحلة، وهي أحوج ما تكون إليها، وبدلاً من محاولة فهم المخاوف بشأن الإرهاب والاستفادة منها في اتخاذ الاحتياطات، أصبح قادة طالبان أكثر قلقًا من وسائل الإعلام الدولية وقللوا من وجودهم فيها، وقد ظهر أن هذا كان خطأ، كما أهدرت طالبان وقتا ثمينا في قضايا مثل منع تعليم الفتيات، ومهما كانت المشاكل العميقة الجذور داخل طالبان، فالواضح أنهم فشلوا في إعطاء الأولوية لمشاكل البلاد وعلى رأسها منع الإرهاب، مما يعطي حجة قوية للغاية للقائد الطاجيكي أحمد مسعود، الذي يتزعم المعارضة المسلحة ضد طالبان ويتمتع بعلاقات مع أطراف دولية عديدة، لأنه وجه مرارًا اتهامات للحركة بالارتباط بعلاقة مع عناصر إرهابية وتبين أنه كان محقًا في ذلك.
لقد فشلت الحركة بشكل كبير في فهم طبيعة خطر القاعدة والسيطرة عليها بإجراءات فعالة، وبعد وفاة الظواهري في كابول، يجب أن يدركوا الآن مدى سوء أخطائهم، فليس لديهم القدرة على تحمل تكرار نفس الخطأ في المستقبل، وسبيلهم الوحيد للخروج من هذه الفوضى هو إعطاء الأولوية لسمعة وسيادة إدارتهم من خلال عدم الثقة بالقاعدة مرة أخرى، فإذا قامت طالبان بترحيل أو سجن أعضاء القاعدة في أفغانستان، فلن تُعد هذه الإجراءات مبالغ فيها نظرًا لطبيعة ومدى الخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة على طالبان.