تواجه الفتيات الأفغانيات إنتهاكاً فادحاً لأبسط حقوقهنَّ، أهمها التعليم، وهنَّ غير قادرات على التكيّف مع الواقع المفروض عليهنَّ ويتمرَّدن عليه رغم التهديدات التي تصدرها عناصر طالبان، فهنَّ خُلقنا بعد سقوط العهد الأوّل لطالبان ومازلنا غير قادرات على استيعاب القيود التي أدخلتهنَّ في دوامة من الإكتئاب واليأس والخوف على المستقبل.
- 850,000 فتاة أفغانية أصبحن خارج المقاعد الدراسية 30 % منهن أصبن باكتئاب النفسي
- مبادرات غير حكومية لتعليم الفتيات سراً يعترف أصحابها بأنَّها غير كافية ولا قدرة لها على الإستمرار
- نرجس فتاة تتعلم بالسر تقول لأخبار الآن: نحن في أفغانستان لن نيأس لأن اليأس أكبر عدو للإنسان
تتزامن الذكرى الأوّل لعودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان مع مرور عام على أخر حصة مدرسية حضرتها ما يقرب الـ80% من الفتيات الأفغانيات بحسب دراسة لمنظمة إنقاذ الطفل العالمية (Save the Children)، التي خلصت إلى أن 850,000 فتات أفغانية انقطعت عن الدراسة الثانوية، ما أدخل ما يقرب الـ30 % منَّهن في حالة الإكتئاب النفسي، لاسيَّما مع غياب أيّ بوادر إيجابية تُوحي بتراجع طالبان عن قرارها حظر تعليم الفتيات بعد المرحلة الإبتدائية، وسط ارتفاع منسوب قمع واضطهاد النساء وسلب أبسط حقوقهنَّ كالتّنقل بحرية والخروج دون وضع النقاب.
طالبان تخلف بوعدها وغير قادرة على الخروج من عباءة التشدد
بشكل مرحلي ممنهج، أعادت طالبان حظر تعليم الفتيات في أعقاب عودتها إلى السلطة، إذ أنَّ مسؤوليها كانوا أعلنوا جهارةً السماح للفتيات العودة إلى المدرسة في سبتمبر من العام الماضي، والتأكيد على أنَّ ذلك سيلي التحضير اللوجيستي لفصل صارم بين الجنسين لضمان تعليم في “إطار اسلامي”.
وكانت قد ارتفعت الآمال بذلك في مارس من العام الجاري قبل بدء العام الدراسي لاسيّما مع إعلان وزارة التربية لحكومة طالبان العمل على فتح الصفوف الثانوية أمام الفتيات، ولكن في 23 مارس في يوم إعادة افتتاح المدارس، اتخذت طالبان قراراً عكسياً بعد خضوع قائدها الأعلى هيبة الله أخوندزاده للمعارضة داخل الجماعة التي ترفض تعليم الفتيات رفضاً قاطعاً حاسماً.
طالبان حظرت تعليم الفتيات في المرحلة الثانوية وألزمت الطالبات الجامعيات بارتداء العباءة السوداء والنقاب إنْ أردنا متابعة تعليمهنَّ الجامعي، وذلك في فصول تعليمية غير مختلطة. لكنَّ ذلك لم يخفف أبداً من وطأة حظر التعليم في المرحلة الثانوية بل يُنذر بخطر أكبر متمثل بتوقف التعليم الجامعي للفتيات إنْ استمر حكم طالبان، لأنّه لن تكون هناك فتيات قادرات على الإنضمام إلى الجامعات بسبب الخلل في المرحلة الثانوية.
وفي ذلك الإطار، ثمّة العديد من المبادرات السرية التي تسعى جاهدة لتعليم الفتيات بعيداً من أنظار طالبان. وتلك المبادرات تنشط في مختلف المدن في أفغانستان وتختلف بين بعضها البعض، إلّا أنّها يصبّ كلّها في خانة ضمان عدم انقطاع الفتيات عن التعليم، ولو لا ترتقي الصفوف المعطات إلى شمولية التعليم النظامي وانتظامه.
نرجس تتحدى طالبان وتتعلم رغماً عنهم
ومع حلول الذكرى الأولى لعودة طالبان إلى الحكم، وفي إطار تغطيتها المستمرة في ذلك الصدد، أجرت “أخبار الآن“ لقاءاً خاصاً مع نرجس، وهو اسم مستعار لفتاة أفغانية تبلغ 18 عاماً، دخلت ضمن البرامج التعليمية السرية في محافظة باميان حيث تقيم وأهلها، وتحاول قدر الإمكان عدم الإنقطاع عن التعلّم من خلال الحصص السرية التي تحضرها ومجهودها الفردي.
تقول نرجس التي تمنّت عدم ذكر اسمها الحقيقي أو نشر المقابلة التي أجريت معها لخوفها وأهلها من ردّ فعل طالبان إنْ عرفوا بها، إنّ “التعليم مهم جدّاً بالنسبة لي ولكل فتاة في أفغانستان لأنّنا وُلدنا وتربينا في عصر الديمقراطية، لذا التمتّع بحقّ التعليم يعني لنا الكثير وهو أساسي بالنسبة لنا”.
وتُضيف: “تخيَّل كم هو مؤلم أن يكون للعصفور جناحان لكنَّه لا يقوى على التحليق بهما، ذلك هو حالنا في ظلّ حكم طالبان لأنّ الحصول على التعليم اصبح شبه مستحيل، خصوصاً إنْ قارنّا وضعنا اليوم مع ما كان عليه خلال الحكومة السابقة”.
نرجس تتابع دراستها ضمن حصص تعليمية سرية لمنظمة “LEARN” غير الحكومية التي تنشط في مجال حقوق الإنسان وتمكين الإفغانيين، لاسيّما فئتي الأطفال والشباب منهم، ومع حظر طالبان تعليم الفتيات، أطلقت تلك المنظمة حصصاً تعليمية سرّية لمن هنَّ في مرحلة التعليم الثانوي، والصفوف التعليمية تعطى في كلّ من قندهار وكابول وتاخار وباميان، وتتضمن دروساً حول المواد الأساسية كالعلوم والرياضيات واللغة، بالإضافة إلى دروس حول حقوق الإنسان وعلوم التكنولوجيا “كي لا تكون الفتاة الأفغانية منعزلة تماماً عن التطوّر الذي يشهده العالم”، كما قال نافيد أميني، مسؤول العلاقات اعلامة في مبادرة – LEARN – في حديث لـ “أخبار الآن“.
وأضاف: “يُشكل حظر تعليم الفتيات عائقاً كبيراً أمامنا إذ يفرض قيوداً كبيرة علينا، فقد اعتدنا سابقاً التعاون مع مدارس حكومية حيث كانت آلاف الفتيات الأفغانيات يستفدنا من خدماتنا التعليمية في مختلف المدن، لكنّنا مع ذلك سنستمر ونبذل قصارى جهدنا في تعليم الفتيات عبر صفوفنا الخاصة، كي لا نخذلهنَّ لأنهنَّ طموحات وشجاعات وحريصات على حقهن في التعليم”.
نرجس التي شكرت في حديثها لـ أخبار الآن كلّ من يتحدّى طالبان عبر تعليم الفتيات، تناولت التغيّر الدراماتيكي في حياتها مع قدوم طالبان، وكيف أنَّ ذلك لا يقف عند حدود حظر التعليم على أهميته، إلّا أنّه يمتد ويشمل “تدمير الأحلام والطموحات” بحسب تعبيرها، وهي قالت في السياق: “قبل 15 أغسطس العام 2021، تاريخ استيلاء طالبان على الحكم، كنّا نستطيع تحقيق أحلامنا، إذ أنّني مثلاً عملت لمدّة عام كمذيعة في إذاعة في مدينتي بسبب إعجاب الإدارة بآدائي الإذاعي، إنّما اليوم فأنا لا أستطيع حتى حضور مناسبات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية”.
“لدينا الكثير من الأحلام التي لا نستطيع تحقيقها.. لكن لن نستسلم”
وتُضيف نرجس: “لدينا الكثير من الأحلام التي لا نستطيع تحقيقها إنْ لم نتعلّم، لكن لن نيأس لأنّ اليأس أكبر عدو للإنسان، أتمنى أنّ تزداد المبادرات السرية لدعمنا وتعليمنا. وأقول لزميلاتي اللواتي لم يستطعن الإلتحاق ببرامج تعليمية سرية، إبذلن قصارى جهدكن لتكنَّ الأفضل، إقرأن الكتب وواجهن الحظر”.
نرجس تتمنى الحصول على تعليم نظامي في أفغانستان للبقاء في الوطن “لخدمته وخدمة العائلة”، لكنّها مع ذلك لا تخفي خوفها على مستقبلها في أفغانستان وعدم قدرتها على استمرار التعلم بالسر والسعي وراء طموحاتها بصمت وبالسر أيضاً.