أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة
رغم عقود من العقوبات والعزلة الدولية، فإن اقتصاد كوريا الشمالية يبدي مؤشرات حياة مثيرة للدهشة، ومن بينها افتتاح عشرات الأسواق في المدن عبر أرجاء البلاد منذ تولي الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قيادة البلاد منذ 5 سنوات. وثمة طبقة من التجار وأصحاب الأعمال الحرة في ازدهار، في ظل حماية مسؤولي الحزب الحاكم. كما شهدت العاصمة، بيونغ يانغ، ازدهارا واضحا بمجال التشييد والبناء، بجانب أنه أصبح هناك اليوم عدد كافٍ من السيارات في شوارع العاصمة التي كانت خالية من قبل، لخلق فرص أمام بعض سكان المدن لكسب قوتهم من غسلها. وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط”
من ناحية أخرى، تعتبر البيانات الاقتصادية الموثوق بها المرتبطة بكوريا الشمالية شحيحة للغاية، لكن عدداً من المنشقين حديثا عن النظام وزائرين بانتظام لكوريا الشمالية وخبراء اقتصاديين من المهتمين بالبلاد يرون أن هناك قوى سوق ناشئة بدأت في إعادة رسم صورة الحياة داخل كوريا الشمالية، وتنمية تزيد تعقيد الجهود الرامية لكبح جماح الأطماع النووية لكيم.
وفي الوقت الذي يراهن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على فرض عقوبات أكثر صرامة ضد كوريا الشمالية، خاصة من جانب الصين، بهدف منعها من تطوير صواريخ محملة برؤوس نووية قادرة على ضرب أهداف داخل الولايات المتحدة، فإن الصحة الاقتصادية للبلاد الآخذة في التحسن تزيد من سهولة صمود البلاد في مواجهة مثل هذه الضغوط والحصول على تمويل لبرنامجها النووي.
وبينما لا تزال تعاني كوريا الشمالية من فقر مدقع، فإن تقديرات النمو السنوي في ظل حكم كيم تتراوح ما بين واحد و5 في المائة، ما يكافئ بعض الاقتصاديات سريعة النمو التي لا تعيقها عقوبات.
ومع ذلك، تبقى مسألة الإقرار المحدود لقوى السوق – داخل مجتمع من المفترض أنه يخلو من التقسيم الطبقي – بمثابة مقامرة من جانب كيم، الذي جعل من النمو الاقتصادي أولوية أمامه عام 2013، ليصبح بذلك على قدم المساواة من حيث الأهمية مع تطوير ترسانة نووية.
وقد وعد كيم، 33 عاماً، شعبه الذي طالت معاناته بأنهم لن يضطروا مجددا إلى “ربط الأحزمة على بطونهم”.. بيد أنه في الوقت الذي يسمح فيه للمؤسسات الخاصة بالتوسع، فإنه يقوض بذلك الحجة الرئيسية التي تتمسك بها حكومته، والقائمة على تفوق النظام الاشتراكي على النظام الرأسمالي الذي تنتهجه كوريا الجنوبية.
الملاحظ أن ثمة مؤشرات بالفعل بدأت في الظهور توحي بأن قوى السوق تلحق الضعف بقبضة الحكومة المفروضة على المجتمع؛ ذلك أن معلومات تتدفق إلى داخل البلاد مع السلع الأجنبية، ما يحد من الهالة المقدسة التي تحيط بكيم وأسرته. ومع تحرك الناس نحو إعالة أنفسهم بأنفسهم والحصول على ما يحتاجون خارج حدود الاقتصاد الحكومي، تراجع خضوعهم أمام السلطات.
الاعتماد على القطاع الخاص
ذات مرة وقف كيم جونغ أون في شرفة قصره يتأمل موكبا عسكريا في أبريل/نيسان، وقف إلى جواره هوانغ بيونغ سو، قائد المؤسسة العسكرية، وباك بونغ جو، المسؤول عن الشؤون الاقتصادية، وجاء الموكب رمزيا لسياسة كيم الداعية لمحاولة تحقيق هدفين في وقت واحد: تنمية الاقتصاد وبناء أسلحة نووية. ويؤكد كيم أن الترسانة النووية وحدها هي القادرة على جعل كوريا الشمالية بمأمن من أي محاولة غزو أمريكي، الأمر الذي سيسمح لكوريا الشمالية بتركيز اهتمامها على النمو.
والملاحظ أن كيم منح المصانع الحكومية قدرا أكبر من الاستقلالية فيما يتعلق بما تنتجه، بما في ذلك سلطة إيجاد موردين وعملاء، طالما أنها تحقق الأهداف الخاصة بالعائدات. كما أن العائلات المشاركة في مزارع جماعية أصبح بإمكانها الآن بيع أي فائض إنتاج لحسابها طالما أنها حققت الحصة المحددة من قبل الدولة.
وتشبه هذه الإجراءات تلك التي اتخذتها الصين خلال السنوات الأولى من تحولها إلى الرأسمالية في ثمانينيات القرن الماضي. إلا أن كوريا الشمالية امتنعت من جانبها عن وصف سياساتها بأنها إصلاحات ترتكز على السوق، مفضلة استخدام عبارة: “إدارة اقتصادية ذات طراز كوري شمالي خاص”.
ومع ذلك، تنشر الدوريات الخاضعة للرقابة الحكومية مقالات بالفعل لخبراء اقتصاديين يتحدثون خلالها عن الأسواق التي تركز على المستهلك والمشروعات المشتركة والمناطق الاقتصادية الخاصة.
إلا أنه من غير الواضح إلى أي مدى تعتبر الزيادات الأخيرة في إنتاج الحبوب نتاجاً لسياسات كيم. ويقول منشقون إن المصانع لا تزال تعاني انقطاعات الكهرباء وتهالك المعدات، في الوقت الذي تناضل الكثير من المزارع للالتزام بالحصص المحددة من قبل الحكومة جراء نقص الأسمدة والمعدات الحديثة.
تبرعات الولاء
“دونجو” هي الكلمة التي يستخدمها الكوريون الشماليون في وصف طبقة جديدة من التجار ورجال الأعمال ظهرت في البلاد. من جانبهم، يصف الخبراء الاقتصاديون في كوريا الجنوبية هذه الطبقة الجديدة بـ”الرأسماليين الحمر”، الذين يوجهون استثماراتهم لمشروعات بناء وتشييد وإقامة شراكات مع مصانع الدولة، والتي تعاني نقصاً بالغاً بالموارد، وتوفير دعم لاستيراد سلع من الصين لتوفيرها إلى بائعي التجزئة في الأسواق. ويعمل أبناء هذه الطبقة في ظل “غطاء” من مسؤولين بالحزب الحاكم يوفرون لهم ولشركاتهم الحماية، بل إن بعضهم أقارب لأعضاء بالحزب.
أما البعض الآخر، فهناك مواطنون ينتمون عرقيا إلى الصين، الذين يسمح لهم بإجراء زيارات منتظمة للصين، وبمقدورهم تيسير التعاملات المالية عبر الحدود، بجانب أشخاص لهم أقارب فروا إلى كوريا الجنوبية ويبعثون لهم حوالات نقدية.
وفي أي وقت تعلن الدولة عن مشروع ضخم، مثل الضاحية ذات البنايات الشاهقة التي كشف كيم جونغ أون النقاب عنها في أبريل أمام حشد من صحافيين أجانب، يصبح من المتوقع أن يتقدم أبناء هذه الفئة بما يطلق عليه «تبرعات ولاء»… وأحياناً تأتي تبرعاتهم في صورة عملات أجنبية، بينما في أحيان أخرى يتبرعون بمواد البناء، أو وقود، أو طعام لعمال البناء.
ومقابل تبرعاتهم، غالباً ما يحصلون على ميداليات وشهادات تقدير، التي يستخدمونها كإشارة على تمتعهم بحماية النظام أثناء مشاركتهم في نشاطات تجارية تعد «غير قانونية» من الناحية الرسمية.
تحول في الموقف الرسمي
قبل تولي كيم جونغ أون السلطة، بذلت الحكومة محاولة لكبح جماح هذه الطبقة والسيطرة على قوى السوق. ودعت المواطنين إلى التسوق داخل المتاجر المملوكة للدولة فحسب، وحظرت استخدام النقد الأجنبي، وأقرت أوراقاً نقدية جديدة مع الحد من كمية الأوراق القديمة في أيدي الأفراد.
وتسببت هذه الإجراءات في محو كثير من الثروة الخاصة لأبناء تلك الطبقة والمواطنين العاديين. وتوقفت نشاطات السوق بصورة شبه كاملة، في الوقت الذي شهدت الأسعار ارتفاعاً هائلاً واندلعت مظاهرات بمدن متفرقة.
وفي نهاية الأمر، تراجعت الحكومة، ومن المعتقد أنها أصدرت اعتذاراً أثناء اجتماع مسؤولين بعدد من القرويين خلال اجتماعات التثقيف الأسبوعية. كما أعدمت البلاد المسؤول النقدي الأول، باك نام غي.
ويجري النظر على نطاق واسع إلى هذه الأزمة باعتبارها اللحظة الفاصلة التي أدركت عندها الحكومة أنه لم يعد بمقدورها قمع قوى السوق. وبعد عام، أعيد باك بونغ جو، رئيس الوزراء الذي أطيح به من منصبه لدفعه سياسات تركز على السوق، إلى السلطة، ويتولى حالياً إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد.
المزيد من الأخبار