أخبار الآن | ووهان- الصين (بيانات تحليلية- نسمة الحاج)
للوهلة الأولى.. قد يبدو الأمر محض مصادقة، لكن باستقصاء بسيط، تظهر عدة علامات استفهام، فعندما يكون الفيروس القاتل الذي أثار استنفاراً عالمياً في أيام معدودة، وأصاب أكثر من 1200 شخص، 41 منهم فارقوا الحياة، انتشر من نفس المدينة التي يقع فيها مختبر بيولوجي معني بدراسة أخطر الفيروسات ومسببات الأمراض في العالم بما في ذلك الإيبولا والسارس، فلا بد من أن تكون السلطات الصينية محط شبهة واتهام.
فمنذ أكثر من عامين من ظهور الفيروس الفتاك، أعرب العلماء والأطباء عن مخاوفهم تجاه هذا المختبر الواقع في مدينة ووهان الصينية، عن احتمالية “هروب” أحد الفيروسات القاتلة إلى خارج المختبر ليتسبب في تفشي وباء فتاك بين أهل المنطقة. واليوم، يشهد العالم بالفعل “وباءً فتاكاً” تفشى بسرعة كبيرة انطلاقاً سوق مأكولات بحرية، في مدينة ووهان الصينية، يقع على بعد 20 كيلومتر فقط من المختبر البيولوجي الذي يضم أخطر مسببات الأمراض في العالم.
خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي “يهرب” فيها فيروس من أحد المعامل الصينية، فبين عامي 2002 و2004، “هرب” فيروس السارس أكثر من مرة، من معمل آخر في بكين، مما أدى إلى مقتل أكثر من 700 وإصابة أكثر من 8000 بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (السارس).
كل ما تريد معرفته عن الفيروس الصيني الغامض
وجاء معمل ووهان، كجزء من خطة تسعى لتحقيقها الحكومة الصينية لبناء ما بين 5-7 مختبرات ذات مستوى سلامة أحيائي من الدرجة الرابعة في أنحاء البلاد، وقد أكد جورج جاو، مدير المعمل الرئيسي لعلم أمراض الأحياء الدقيقة والمناعة في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين، أن المعمل صمم ليوفر مزيداً من الفرص للباحثين الصينيين، ولتحقيق فائدة عالمية من خلال الأبحاث المطبقة على المستوى الرابع من ضوابط السلامة الأحيائية. ويذكر أنه تم التصديق على المختبر سابقاً بأنه يفي معايير السلامة الأحيائية من المستوى الرابع، من قبل مؤسسة الاعتماد الوطنية الصينية (CNAS) من خلال فحص البنية التحتية للمختبر، والمعدات والإدارة.
وتعتبر معايير السلامة من المستوى الرابع BSL-4، التي صمم المختبر بحسبها، أعلى مستوى من معايير السلامة الأحيائية، حيث تشمل ترشيح الهواء ومعالجة المياه والنفايات قبل مغادرتهم المخبر، كما يقوم العلماء والباحثون بتغيير ملابسهم وبالاستحمام قبل وبعد استخدام مرافق المختبر. ويذكر أن أول مختبر من هذا النوع افتتح في اليابان في عام 1981، وافتتحت لاحقاً مختبرات أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن هذه المختبرات عادة ما تثير جدلاً واسعاً لخطورة الأبحاث التي تنفذ بداخلها.
وتزعم السلطات الصينية أن مختبر ووهان تم بناؤه بهدف مكافحة الأمراض الناشئة من خلال دراسة آلية عمل الفيروسات وتطوير علاجات تعتمد على الأجساد المضادة، وعبر تخزين الفيروسات المستخلصة النقية، ليصبح المختبر بمثابة “مختبر مرجعي” بالتعاون مع مختبرات أخرى مشابهة حول العالم، وقد وافقت الأكادينية الصينية للعلوم على بناء المختبر في عام 2003، بالتزامن مع تفشي وباء السارس، وتم تصميمه وبناؤه بمساعدة علماء فرنسيين كجزء من اتفاقية تعاونية جاءت في عام 2004، بهدف الوقاية من الأمراض المعدية والناشئة ومكافحتها، إلا أن بناء المختبر احتاج إلى عقد كامل بسبب قلة خبرة السلطات الصينية في المجال.
وعندما تم افتتاح المختبر، أكد المسؤولون الصينيون أنه سيلعب دوراً مهماً في تعزيز قدرة الصين لمنع الأوبئة الجديدة والسيطرة عليها، وتطوير لقاحات خاصة، وأنه لن يشكل خطراً، خاصة وأن الأبحاث التي ستجرى فيه لا تطلب أكثر من معايير سلامة أحيائية من المستوى الثالث، إلا أنه صمم بحسب المستوى الرابع، لتوفير حماية أكثر.
لكن على صعيد آخر، خبراء السلامة الأحيائية والعلماء الأمريكيون عن قلقهم ومخاوفهم، من أن “تهرب” الفيروسات من المختبر وتسبب بتفشي أوبئة جديدة، أو أن تتحور الفيروسات في الحيوانات التي أجريت عليها الاختبارات لتصبح قادرة على إصابة البشر، كما شهدنا مؤخراً في سوق ووهان للمأكولات البحرية.
خاصة وأن الفيروس الجديد ما زال غامضاً، والكثير من التفاصيل الطبية ما زالت مجهولة، فبجانب أنه يتبع لعائلة فيروسات كورونا (التاجية)، وأن بداية نشأته كانت في سوق المأكولات البحرية في مدينة ووهان الصينية وأن المصدر الأول كان حيوانياً، وأن تحليل الشفرة الوراثية للفيروس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفيروس السارس، لا زالت الأبحاث جارية.
إضافة إلى ذلك، فقد تفشى الفيروس بصورة سريعة جداً، ففي البداية كانت جميع الحالات مسجلة حصراً في مدينة ووهان، إلا أنه بعد ذلك انتشر إلى مدن ومقاطعات صينية أخرى، لاحقاً إلى دول آسيوية، ومن ثم إلى بقية أنحاء العالم.
لتصبح السلطات الصينية محط اتهام، وتدخل في سباق مع الزمن، مما دفع بها إلى تطبيق حزمة إجراءات شاملة ومتشددة بما في ذلك وقف الحركة كلياً في مدينة ووهان الصينية، وتوزيع فرق مسعفين وبناء مستشفى جديدة خلال 6 أيام فقط.
اقرأ المزيد:
بسبب “كورونا”.. بكين تعلق رحلات الطيران السياحية داخل البلاد وإلى خارجها