مع إعلان روسيا توسيع قواعدها العسكرية في السودان من خلال خبر مقتضب بثته وكالة الأنباء الروسية، تتزايد توقعات خبراء ومحللين سياسيين حول زيادة نشاط قوات الفاغنر الروسية في السودان خصوصاً، وفي أفريقيا عموماً.
وتأتي هذه التخوفات في الوقت الذي يتوسع فيه نشاط الفاغنر في كل من ليبيا وسوريا وإقليم ناغورني قره باخ ، وسط انتقادات لاذعة للدور الذي تقوم به هذه المرتزقة خصوصاً في الدول التي تشهد أزمات متلاحقة ومتعددة.
وفيما ينفي الروس أي علاقة لـ “الفاغنر” بالعمليات القتالية في هذه الدول، إلا أنهم يدافعون عن الفاغنر بشدة، ما يطرح أسئلة حول الدور الحكومي والاستخباراتي في دعم الفاغنر الروسية.
يأتي ذلك في الوقت الذي “أقر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود هذه الشركة كشركة حماية عسكرية خاصة بعد سنوات من نفي علاقة الحكومة بأي قوات عسكرية من هذا النوع”، وفق ما أكد الصحافي والمحلل السياسي الروسي أندريه أنوتيكوف.
إلى ذلك، قال أونتيكوف لـ “أخبار الآن” : “النوايا الروسية بتوسيع قواعدها العسكرية في السودان أمر ليس بالجديد، وإنما كان قائماً منذ عهد عمر البشير”، مضيفاً أن “هذا يأتي ضمن رغبة روسية بتقوية تواجدها في البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وحتى الخليج”.
وحول الطموحات الروسية لتوسيع قواعدها في السودان، أوضح أونتيكوف أن هذا من أجل توسيع نفوذها في أفريقيا، من دون أن يتناول الحديث عن الفاغنر، مكتفيا بالقول: “الرئيس بوتين اعترف أن شركة فاغنر موجودة فعلاً، وروسيا تؤكد أن هذه الشركة تقوم بدورها في مجال الحراسات فقط” على حد قوله.
وزاد أونتيكوف: “وفقاً للقوانين الروسية يمنع المشاركة في العصابات غير الشرعية”، مشيراً إلى وجود مشاركة روسية في عدد من العمليات القتالية في عدد من الدول”.
ويقول مصدر يعمل في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ “أخبار الآن” : “الوضع هنا مُقلق .. نسمع يومياً صوت إطلاق رصاص، ولا نعلم إن كانت من قبل قوات الفاغنر أم من الأهالي في البلاد”. في إشارة إلى مخاوف من قوات الفاغنر التي يُعتقد أنها لا تزال تعمل على الأرض في السودان.
يضيف: “جئنا إلى هنا منذ مدة ونقيم في معسكر كبير ومن مختلف الجنسيات ضمن قوات الأمم المتحدة .. ما سمعناه من زملائنا وجود عمليات عسكرية على الأرض”. وقال: “يمكن أن تكون قوات الفاغنر مشتركة فيها .. نريد أن نتحقق من ذلك “.
تقارير إعلامية متعددة سواء في الإعلام الغربي أو الأمريكي أكدت أن “هذه القوات كثفت من نشاطها في تلك الدول وسعت بين الفينة والأخرى إلى التمدد وفقاً لأوامر الاستخبارات الروسية”، بحسب خبراء.
وكانت صحيفة “يورو نيوز” قد أكدت أن “المرتزقة الروس والقوات المسلحة الروسية هاجمت مرات متعددة مواقع في جورجيا أيضاً”، مضيفة: “تريد روسيا من ذلك استخدام قدراتها العسكرية بشكل كبير وحماية مصالحها الجيوسياسية”.
الفاغنر وعمر البشير
بدأت الفاغنر تُعرف منذ 2014 عندما قاتل المرتزقة الروس حينها إلى جانب الانفصاليين المدعومين من روسيا في أوكرانيا، قبيل الانتقال إلى سوريا التي كانت تشتعل بنيران الحرب آنذاك.
هؤلاء المرتزقة امتد نشاطهم نحو كل من ليبيا بعد تأجج الصراع هناك لدعم المرتزقة السوريين أيضاً.
كما تمددوا في السودان لدعم حكومة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، ووضع شروط تدعم الشركات الروسية على الأرض، وبلغ عددهم آنذاك نحو 500 مُرتزق.
هذا وقد رصد الجيش الليبي الأسبوع المنصرم مرتزقة روس يتبعون لفاغنر، بمدرسة للتعليم الأساسي.
غطاء روسي
بَقيت هذه الجماعات تعمل تحت غطاء القوات الروسية منذ 2014 وحتى 2018 وهو العام الذي أقر فيه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن “أمريكا قتلت مئات الروس في تبادل إطلاق نار كبير بسوريا”.
تقرير سري مُسرب للأمم المتحدة، يُقدر عدد قوات الفاغنر الذين يعملون في ليبيا بنحو 1000 مرتزق، قدموا إلى البلاد منذ 2018.
ويشارك هؤلاء في عمليات عسكرية ويقدمون الدعم للعديد من المرتزقة السوريين هناك.
كما يقومون بعمليات دعم لوجستي كإصلاح المركبات والقيام بالمهارات الفنية وذلك تحت غطاء مهني، إلى جانب دورهم العسكري.
هذا التقرير يتفق في مضمونه مع تقارير أخرى صادرة عن مراكز بحثية أمريكية أو حتى روسية مناهضة للتدخلات العسكرية في شؤون الدول الأخرى.
أبرزها تقرير أعده مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في العاصمة الأمريكية واشنطن أشار سابقاً إلى أن “الشركات العسكرية الخاصة للكرملين أداة لتوسيع النفوذ الروسي في العالم، عبر شركات عسكرية خاصة”.
يستطرد التقرير: “يمكن لموسكو دعم الشركاء الحكوميين وغير الحكوميين، واستخراج الموارد، والتأثير على القادة الأجانب، والمُشاركة في أنشطة أخرى تعزز أهداف السياسة الخارجية الروسية”، في دلالة على دور الفاغنر.
نشأة الفاغنر
نشأت هذه المجموعة على يد شخص يدعى “ديميتري أوتكين”، وهو عنصر سابق في القوات الخاصة لدى جهاز المخابرات العسكرية الروسي.
كان “أوتكين” يلقب سابقاً بـ “فاغنر” لإعجابه بالنظام النازي، وظهر نشاط مجموعته للمرة الأولى عبر دورٍ لعبته في النزاع الروسي الأوكراني حول شبه جزيرة القرم.
كما ربطت تحقيقات عدة من بينها تلك التي اجرتها ” أخبار الآن” بين تلك المرتزقة ورجل الأعمال الروسي” يفغيني بريغوجين” الذي يشتهر ب ” طباخ بوتين”.
أما عن التمويل، فلا معلومات استخباراتية حتى اليوم, سوى أن الحكومة الروسية تدعم “الفاغنر” بشكل كبير.
وهو ما نفته الحكومة الروسية أكثر من مرة، ولم تشر إليه التقارير الاستخباراتية الصادرة عن مراكز البحوث التابعة لها.
لكن تقارير إعلامية تناقلتها وسائل إعلام روسية وأمريكية وبريطانية أكدت أن تمويل هذه المجموعة مرتبط بالاستخبارات العسكرية الروسية.
وبحسب التقارير، فإن مجموعة فاغنر تقدم إلى موسكو أداة سياسة خارجية ملائمة، فيما ينكر الكرملين أي علاقة مع الشركة “المزعومة”، على حد تعبير بعض وسائل الإعلام الروسية، لعدم وجود سجل رسمي للشركة في روسيا.
في الأثناء، يتخوف خبراء ومحللون من تمدد قوات الفاغنر الروسية إلى دول أخرى سواء تحت غطاء العمالة الروسية أو من خلال مجموعات سياحية.
هذا الأمر يستدعى فرض قيود صارمة خصوصاً من قبل دول الشرق الأوسط , بما يمنع من تمدد هذه المجموعات، بحسب الخبراء.
الفاغنر في وسائل الإعلام الروسية
تكاد تخلو وسائل الإعلام الروسية من ذكر مجموعة الفاغنر وإذا ما تحدثت عنها، فإنها تذكرها كشركة خاصة.
إلا أن موقع riafan الروسي أشار إلى أن من أسماهم “متطوعون روس من الشركات العسكرية الخاصة فاغنر شاركوا في القتال في ناغورني قره باخ, وأجبروا الجيش الأذري على عدم الاقتراب من مدينة سوشي.
كما تحدث عن ذلك موقع kavkaz-uzel في خبره الذي جاءت ترجمة عنوانه “المرتزقة ليسوا ضد الجيش”.
لكن وسائل الإعلام الأمريكية والعربية والعالمية ضجت بكثير من المعلومات حول الفاغنر، حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون الإشارة إلى الهواجس والمخاوف من هذه المجموعة.
من هذه المجموعة.