هل يحمل المستقبل صفقة أسلحة إيرانية فنزويلّية؟
خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام 2020، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية، نقلاِ عن التلفزيون الإيراني الرسمي، أن إيران ربما قد نقلت تقنية مسيّرات طراز مهاجر 6 إلى فنزويلا، في أول صفقة أسلحة لها منذ سنوات.
ووفق الأنباء، فإن صفقة الأسلحة جاءت عقب رفع حظر التسلح الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على إيران منذ عام 2007.
وكان الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي في 2015 قد نص على رفع هذا الحظر بعد مرور خمس سنوات، وهو ما حدث في 18 نشرين الأول/ أكتوبر 2020.
سبق هذه الأنباء، إعلان للرئيس الكولومبي إيفان دوكي، مستنداً إلى معلومات استخباراتية وفق ما ذكر، أن الرئيس الفنزويلّي “نيكولاس مادورو” يعتزم صواريخ إيرانية الصنع.
ليست هذه المعلومات أمراً يسيراً يمكن للمجتمع الدولي التغاضي عنها، ففنزويلا تعيش منذ مطلع عام 2019، أزمة رئاسية، إذ بقيت النتائج محل خلاف حتى استفحل الأمر حين أعلنت الجمعية الوطنية الفنزويلية أن نتائج الانتخابات غير صالحة، ومن ثم أعلنت في بيان تعيين رئيسها “خوان غوايدو” نفسه رئيساً للبلاد بالإنابة.
لم يقف المجتمع الدولي محايداً في هذه الأزمة الداخلية، بل قامت بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول من الاتحاد الأوروبي بالإعتراف بشرعية غوايدو، فيما كانت أبرز الدول التي ساندت مادورو هي روسيا والصين وإيران وكوبا.
مع أخذ كل جوانب الأزمة في الإعتبار، فإنه وعلى الرغم من نفي مادورو لنية شراء صواريخ بعيدة المدى من إيران، فإنه اعتبر ذلك “فكرة جيدة”، وهو ما استدعى رداً أميركياً من الممثل الأميركي لشؤون إيران “إليوت إبرامز” من أن صفقة كهذه ستستدعي أن تدمرها الولايات المتحدة.
لكن ما السر في دعم إيران لنظام مادورو؟ وكيف تقوم المنظمات المدعومة منها بإرساء حكم مادورو في فنزويلا؟ تساؤلات أجاب عنها تقرير لمجلس الأطلسي، المؤسسة البحثية في مجال الأمن الدولي والإزدهار الإقتصادي العالمي، أبرز نسيج العلاقة بين حزب الله اللبناني ومادورو، وأسباب العلاقة الوطيدة بينهما وبين أطراف أخرى مهمة في نجاح العلاقة وأسبابها.
فنزويلا ملاذا آمنا لأفراد حزب الله
في مقابلة أجرتها أخبار الآن مع الصحافية الاستقصائية الفنزويلّية “مايبورت بتيت”، دعت “بتيت” المجتمع الدولي إلى التنبه من استغلال كل من مادورو وحزب الله وإيران من ورائه لتبعات جائحة كورونا المستجد لتعزيز النظام الذي أرسوا قواعده منذ سنين تعود إلى عهد الرئيس الفنزويلّي السابق هيوغو تشافيز.
“مايبورت” التي تقيم في نيويورك بالولايات المتحدة الإميركية، وتعتبر صوتاً لأميركا اللاتينية هناك، قالت إن “حزب الله أصبح الحليف الرئيس لنظام مادورو منذ عهد تشافيز، وحالياً بسبب المعارضة الشعبية لمادورو، فإن دعم حزب الله وإيران له أقوى لضمان استمراره في السلطة”.
وأشارت مايبورت إلى أن “القوات المسلحة الثورية الكولومبية المعروفة بفارك، وميليشيات جيش التحرير الوطني الكولومبي يعملان عبر فنزويلا مباشرة من خلال شبكات كبيرة، وقد أصبح حزب الله الطرف الثالث في هذه المؤسسة لسببين: الأول حماية مادورو للبقاء في السلطة في وجه الولايات المتحدة والمعارضة الفنزويلية والمجتمع الدولي بما فيه أوروبا، أما السبب الثاني، فهو يقدم لمادورو كل الخبرات التي لديه من العمليات الدولية غير الشرعية التي يجريها حزب الله في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية”.
تشكل فنزويلا ملاذاً آمناً لأفراد حزب الله ومكاناً للتواصل مع كارتيلات المخدرات وغسل الأموال
أضافت مايبورت أنه “على كل هذا المسار، يقومون ببيع الكوكايين عبر صداقاتهم مع الكارتيلات، خصوصاً تلك التي في السلفادور وهندوراس ونيكاراغو وكل أميركا الوسطى، لكنهم أيضاً يقومون بالتحضير للتجارة غير الشرعية في الذهب واليورانيوم والتيتانيوم وكل المعادن الغنية المتوفرة في فنزويلا، وهي صداقة مفيدة للطرفين، فإذا كان أحد أفراد حزب الله مطلوب دولياً، فيجد في فنزويلا ملاذاً آمناً، يستطيع العمل منها دون أي مشاكل”.
وأكدت أن “مادورو لن يسلم أحداً من حزب الله، فكما تعرفين، منذ، هجوم عام 1994 في الأرجنتين واتهام حزب الله بتنفيذ الهجوم بطلب من إيران، وهم في فنزويلا محميون من الحكومة ويملكون أوراقاً ثبوتية فنزويلية، وعقوداً قانونية من الدولة والحاكم، إنهم بأمان ويمكنهم الهمل من داخل فنزويلا وخارجها، بمساعدة الدولة”.
ورداً على سؤال عن سبب وجهات نظر أخرى تنفي العلاقة بين مادورو وحزب الله، رأت الصحفية الفنزويلية “إن هؤلاء لا يعفون كيف يعمل حزب الله، الحزب يقوم بتوجيه الأمور نحو منحى آخر لكسب الوقت، كل هذه المنظمات الإرهابية، تماماً مثل مادورو، تحتاج للوقت. فيضعون سيناريوهات مختلفة، لكن في النهاية الناس في السلطة وفي الحكومات يعرفون هيكل حزب الله وكي أنه يعمل في هيكل متعدد الأبعاد.
ووصفت مايبورت بتيت حزب الله بأن له وجهان، “الأول هو الذي يقدمونه للعالم بأنهم حزب سياسي له 13مقعداً في البرلمان، وله نشاطات شبكة اجتماعية يساعد من خلالها الناس، ويقوم بأعمال الخير ومنح الناس الطعام ويحارب الفقر ويساعد الأطفال وغير ذلك، كما له شبكة إعلامية واسعة وكل هذه أعمال قانونية، فيقدم حزب الله نفسه كمنظمة قانونية لكنه في السر يملك أيضاً منظمة إجرامية وكل من يعمل في هذا المجال، يعرف كيف أنه حلق وطوّر لسنوات طويلة منظمة يمكنها التجارة بالمخدرات والذهب والأسلحة والسوق السوداء الكبيرة كلها”.
أضافت أن “حزب الله منظمة إرهابية لها باع طويل في هذا المجال، وذلك ليس في صالح العالم ولا السلام، كثيرون يعرفون كيف يعمل لكنهم خائفون”، واعتبرت بتيت أن الولايات المتحدة تفهم الوضع أكثر، لكن في أوروبا على سبيل المثال، فإن العقوبات تقع فقط على الجانب العسكري.
أما عن حرية التجارة والحركة التي يملكها حزب الله في أميركا اللاتينية، فأوضحت أن الحزب موجود فيها منذ سنوات، في الدول الجنوبية مثل الأرجنتين والأوروغواي والباراغواي والبرازيل، كما في كولومبيا وفنزويلا والمكسيك وباناما.
حزب الله يعمل في فنزويلا عبر 3 عائلات رئيسة
قالت مايبورت “هذه نقاط جغرافية مهم جدا في القارة الأميركية، وحين عمل حزب الله في كارتل المخدرات على سبيل المثال في فنزويلا، عمل من خلال ثلاث عائلات مختلفة، هم صالح وناصر الدين ورضا، وبالرغم من أن البحث والاستقصاء في عمل هذه الجماعات لم ينته بعد، لكنه من المهم جداً أن يفهم الجميع ماذا يحدث، إنهم يعملون في القطاع المالي، ما يعني أن جميع نشاطاتهم غير القانونية ستكون قانونية بشكل ما، فلديهم شركات وكل أنواع المتاجر التي يبيعون فيها للجميع، لكن في نهاية المطاف، فإن هذه النشاطات القانونية تمّول عمليات حزب الله الإرهابية”.
وأشارت إلى أن جماعات حزب الله الثلاث تقوم بإرسال الأموال من هذه النشاطات وخلق هيكل كبير يتضمن المصارف وشركات عملة الكريبتو التي تعتبر الأفضل لدى المنظمات الإجرامية في عملية تحريك الأموال، وفي فنزويلا مثلاً، يكون لديهم عميل في الحكومة أو الدولة، ولهذا فمادورو لديه علاقات قوية مع حزب الله، فأفراد الحزب يحتاجون جوازات سفر فنزويلية تمكنهم من العمل في كل أنحاء أميركا اللاتينية بدون أي إشكالات، كما أن لديهم علاقات مع ديبلوماسيي نظام مادورو عبر سفاراته وقنصلياته.
ولفتت مايبورت بتيت إلى “أنه منذ وصول الرئيس الأميركي ترامب إلى البيت الأبيض عام 2009، وضع استراتجية لإزاحة مادورو من السلطة، وكان مادورو في وضع حرج لأن وزير النفط الحالي في فنزويلا طارق العيصمي، وهو أحد رجال مادورو، قد أنزلت بحقة عقوبات أميركية بعد فتح تحقيقي أشارت فيه واشنطن إلى أنه أحد أكبر عملاء حزب الله في أميركا اللاتينية”.
وقالت مايبورت إن “العيصمي وهو درزي من أصل لبناني قد عمل بشكل مباشر مع إيران للحصول على الأغذية والتموين وأسس لجسور بحرية وجوية كبيرة مع إيران عبر عقد اتفاقات، لم يرشح معلومات عن جميعها لكن نفهم من السرد العام للأحداث أن هناك اتفاقات عسكرية”، مشيرة إلى ما رشح عن شراء صواريخ كبيرة.
واعتبرت أنه إذا ما وصل جو بايدن للرئاسة الأميركية فسيجد مادورو طريقاً لحماية نفسه والبقاء في السلطة والهرب من أي عقوبات، كما حماية حليفين حزب الله وإيران، لأن سياسة بايدن ستكون لينة مع إيران.
فنزويلا هي منجم ذهب إيران في أميركا اللاتينية
الموقع الجغرافي الاستراتيجي لفنزويلا وأميركا اللاتينية بشكل عام، يجعل من حزب الله وبالتالي إيران قريبة من الولايات المتحدة الأميركية عبر عملائهما، فعلى سبيل المثال، مدة الرحلة من نيكارغوا إلى الولايات المتحدة ساعتان فقط، ومن فنزويلا إلى أي دولة في القارة الأميركية.
بتيت قالت إن “مادورو وحزب الله وإيران يحتاجون بعضهم البعض، إيران تحتاج للنقو، والمعادن والمواد الأولية، كل حلفا مادورو لديهم أيضاً نفس المواد، الذهب واليورانيوم والتيتانيوم، حين وصل إيفو موراليس لرئاسة بوليفيا، كانت إيران الأسعد، ووصل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى بوليفيا ثم سافر إلى كوبا وفنزويلا حيث ناقش خططاً وعقوداً جديدة بكل أمان”.
وأكدت أن “إيران لن تقبل بإزاحة مادورو من السلطة، وستريد رجلاً موالياً لها في فنزويلا، لأن فنزويلا هي الهدية الكبرى ومنجم الذهب بالنسبة لها في أميركا”.
وقالت إن “مادورو محمي من حزب الله وفارك وميليشيات جيش التحرير الوطني في عموم أنحاء المنطقة الذين سيتحركون على الأرض لضمان بقاء مادورو في السلطة، هؤلاء ينظمون قواعدهم لتفادي أي إجراءات قد يتخذها المجتمع الدولي، أعتقد أن الولايات المتحدة تدرك تماماً أن فارك وحزب الله يعملان معاً لإبقاء مادورو في السلطة، وكذلك رجاله أمثال طارق العيصمي”.
وأضافت أن “هؤلاء يعرفون تماماً ما يفعلون، لذلك فإن أي انتقال محتمل للسلطة في فنزويلا، يجب أن يمر عبر الاتفاق مع منظمات الجريمة المنظمة الموجودة في السلطة، فنزويلا أصبحت آلة غسل الأموال الكبيرة في كل أميركا اللاتينية، لأن الحكومة هي الألة الرئيسية في ذلك، لديهم حلفاء مثل روسيا والصين وتركيا وإيران وكل من يعمل لإبقاء مادورو في السلطة، علينا أن نفهم ذلك من أجل رؤية المستقبل”.
ولفتت ميابورت بتيت إلى أن حزب الله يقوم بخرق المجتمعات اللبنانية في بلاد الاغتراب، وكذلك المجتمعات السورية، “لكن علينا أن نعرف أنه ليس كل اللبنانيين والسوريين في الاغتراب هم بالضرورة جزء من حزب الله، معظم هؤلاء أناس نظيفون يعملون ويخلقون فرص عمل للآخرين، لكن حزب الله يبحث عمن يستطيع استقطابه وغالباً يكونون أفراداً غير نظيفين، ويبدأ بعد ذلك حزب الله باستخدام نفوذ هؤلاء داخل مجتمعات المغتربين اللبنانيين والسوريين”.
حزب الله يستغل تبعات كوفيد 19 ليشتري الشركات والمحال بأبخس الأثمان
وحذرت مايبورت من أنه في هذه الأوقات الحساسة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد التي دمرت الاقتصاد في المنطقة، بما فيه اقتصاد الولايات المتحدة، فإن الحكومات تعمل لمعرفة كيف يمكن مساعدة الناس الذين خسروا وظائفهم، لذلك فليس لدى الحكومات الوقت ولا المال لمكافحة هذا الائتلاف بين مادورو وحزب الله وإيران”.
وعبرت مايبورت عن قلقها “لأنه ليس هناك ما يوقف حزب الله حالياً، إنه ينمو ويستفيد من جائحة كوفيد 19 لتنمية نشاطاته، لدي تقرير عن كيفية قيام الجريمة المنظمة بشراء الأعمال والمجال القانونية بأبخس الأثمان مستغلة تبعات الجائحة”.
وقالت إن البعض يعتقد أن الإرهاب منوط بالشرق الأوسط فقط، “وهذا خطأ، أن تكون جزءاً من آلة غسل الأموال التابعة لحزب الله، يعني أنك مع الإرهاب، وتموّله.”