الصين..جمهورية المراقبة بامتياز
في وقت سابق من هذا العام، ذكرت مجلة فوربس أن إجمالي الإنفاق على تقنية التعرف على الوجه بلغ 3.2 مليار دولار في عام 2019 في جميع أنحاء العالم.
وتقول فوربس إن هذا الرقم يمكن أن يتضاعف إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2024؛ ولكن إذا أردنا حساب مقدار الإنفاق على جميع تقنيات المراقبة فالعام الماضي، سنجد أنه كان 103 مليارات دولار، يتضمن ذلك الأجهزة والبرامج والخدمات المتعلقة بالأمان.
والمثير للدهشة أن الصين اشترت ما قيمته 20 مليار دولار من كاميرات المراقبة والمعدات ذات الصلة في عام 2018، والتي كانت تمثل في ذلك الوقت ما يقرب من نصف حصة السوق العالمية.
دعونا نلقي نظرة على على الدول العشر الأكثر امتلاكا لكاميرات المراقبة؛ إذ تستأثر وحدها بنحو 200 مليون وحدة؛ وتتفوق الصين على منافستها الرئيسية الولايات المتحدة التي تمتلك 50 مليون كاميرا؛ وتدخل دول أخرى نفس القائمة وهي المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان وفيتنام وأستراليا وكوريا الجنوبية.
ورغم هذه المعطيات الدقيقة، قد تبدو النتائج غير نهائية، وذلك لشح البيانات وعدم الوصول إليها باعتبار أن بعض البلدان مثل الهند والبرازيل وروسيا، لا تقدم تقارير ولا أرقام عن العدد الإجمالي لكاميرات المراقبة، وإنما تكتفي ببيانات عن المدن فقط.
ومع ذلك، فإن الأرقام المرتبطة بالصين تدعو للقلق أكثر من غيرها في بقية بلدان العالم، وفقًا لـ CNBC، إذ تم تركيب كاميرا واحدة لكل 4.1 شخص في الصين في عام 2018، وهذا يجعل نظام المراقبة الوطني الصيني المسمى “مشروع Skynet” الأضخم في العالم على الإطلاق.
وإذا ما ألقينا نظرة خاطفة على الخريطة أدناه، والتي تعرض أكثر 100 مدينة تخضع للمراقبة في العالم، سرعان ما نلاحظ أن كاميرات المراقبة في العالم متجمعة في ركن واحد هو الصين.
أكثر المدن مراقبة في العالم تقع في الصين
وفقًا لتقنية المقارنة، تمتلك الصين 18 مدينة من أصل 20 مدينة تخضع للمراقبة في العالم، وهو رقم كبير يدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات حول مدى حرص الصين على تشديد المراقبة على مدنها؟ فإلى أي مدى يمكن للحزب الشيوعي الصيني أن يتوغل في خصوصيات الشعب؟ وما الذي يخفيه الحزب الشيوعي لكي يدفعه إلى تصدر قائمة الدول الأكثر “تجسسا على شعبه؟ وإلى أي مدى يتخوف الحزب الشيوعي الصيني على مركزيته الحزبية والانتماء إليه؟
من خلال الرسم أسفله، يمكننا أن نرى أن تايوان هي المدينة التي تضم أكبر عدد من كاميرات المراقبة في العالم – حيث يبلغ عددها تحديدا 465255 كاميرا، تليها Wuxi التي تحتوي على 300000 كاميرا.
وإذا ما ألقينا نظرة فاحصة على الخريطة أسفله، فإنها تأخذنا إلى منعرج آخر مثير للقلق وهو أن عاصمة شينجيانغ أورومتشي تخضع أيضًا لحراسة مشددة.
ويزداد القلق حدة إذا ما عرفنا أن عاصمة شينجيانغ أورومتشي هي في الواقع المدينة الثالثة عشر الأكثر خضوعًا للمراقبة في العالم؛ وهذا كفيل أيضا ليدفعنا لطرح تساؤلات أخرى فلماذا عاصمة شينجيانغ أورومتشي بالذات دون غيرها الأكثر مراقبة؟ ماذا يوجد في العاصمة حتى تسنفذ الصين كل وسائل المراقبة فيها؟
تعدّ منطقة شينجيانغ موطنا لأقلية الإيغور المسلمة، وهي أقلية اتُهمت الصين برميها في معسكرات للاعتقال وهو ما جعلها محل انتقادات دولية عدة.
دارين باير عالم أنثروبولوجيا بجامعة كولورادو، من بين العديد من الأصوات التي تعلو للكشف عن الانتهاكات التي يتعرض لها الإيغور في شينغيانغ على يد السلطات الصينية، وأشار مؤخرًا في مقال إلى أن الحكومة الصينية “أنفقت ما يقرب من 100 مليون دولار على معدات الشرطة مثل أدوات المسح” في منطقة شينجيانغ في عام 2018.
وأشار بايلر أيضًا إلى أن “أدوات التحاليل الجنائية الرقمية الجديدة تم تشغيلها بواسطة بشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة Meiya Pico وشركات أخرى، كما تم استخدامها لإثراء البيانات حول التاريخ الرقمي للأفراد في نظام على مستوى المنطقة يسمى منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP).
تستخدم إدارات الشرطة هذا النظام لتعقب المشتبه بهم وتحديدهم استنادا على أنماط السلوكيات المشبوهة والبيانات التي اكتشفتها من خلال أنظمة المراقبة.
علاوة على ذلك، تم اتهام مركز الإجراءات الجزائية أيضًا بجمع البيانات الحيوية للإيغور بالقوة لاستهدافهم.
جنبًا إلى جنب مع كل تقنيات المراقبة هذه، تمكنت الحكومة الصينية من وضع ما يقرب من 1.5 مليون من الإيغور في ما تسميه “بمعسكرات إعادة التأهيل” وهو ما تطلق عليه منظمات حقوقية دولية بمعسكرات الاعتقال أو الاحتجاز.
بالرجوع إلى الإحصائيات والبيانات، لا نجد سوى مدينتين غير صينيتين في القائمة، إذ تعد لندن ثالث أكثر مدينة خاضعة للمراقبة في العالم تضم 67.47 كاميرا لكل 1000 شخص، بصرف النظر عن ذلك، تحتل مدينة حيدر أباد الهندية المرتبة 16 حيث تسخّر 29.99 كاميرا لكل 1000 شخص.
كيف انتهى الأمر بالصين إلى هذه المراقبة الشديدة؟
سؤال يُطرح بقوة، والإجابة عنه تختزل في شركات التكنولوجيا الصينية التي هي وراء شبكة الصين الواسعة من أنظمة المراقبة الأكثر تقدما تقنيا وتكنولوجيا.
شركة هواوي للتكنولوجيا في طليعة تطوير أحدث التقنيات مثل 5G والذكاء الاصطناعي (AI)، أصبحت هذه الشركات أيضًا منتشرة في كل مكان في العديد من البلدان -وخاصة دول العالم الثالث – بفضل الجهود الدبلوماسية التي لا هوادة فيها من الصين.
فحص تقرير أعدته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي 75 دولة تستخدم الذكاء الاصطناعي، ثم قدمت تفاصيل عن أفضل شركات التكنولوجيا وعدد الدول التي تتواجد فيها، النتائج كانت واضحة: الشركات الصينية تأخذ زمام المبادرة.
زيادة مطّردة في ميزانية الأمن الداخلي الصيني
منذ عام 2009، تضاعف الإنفاق الأمني المحلي في الصين أكثر من ثلاثة أضعاف، في الواقع، إذا أردنا الجمع بين الإنفاق الأمني المركزي والمحلي، فإنه يتجاوز الإنفاق العسكري الإجمالي للصين أيضًا؛ ويمكن ملاحظة ذلك في الرسم البياني أدناه.
وفي الوقت نفسه، عززت الحكومة الصينية أيضًا الإنفاق الأمني في شينجيانغ، خاصة في عام 2017 وقد تم حساب هذه الأرقام من قبل الباحث البارز عن الإيغور والصين أدريان زينز.
بالفعل ، حظرت أستراليا شركة Huawei و ZTE من تطوير الجيل الخامس في البلاد، وفي الوقت نفسه، استغلت شركة الاتصالات الفنلندية نوكيا هذه الفرصة لبناء البنية التحتية 5G الخاصة بها.
الصين التي تعدّ قوة اقتصادية وتكنولوجية لا يستهان بها بينما تركز على الإنفاق على تكنولوجيا المراقبة و بينما أيضا تدفع شركاتها للعمل في بلدان أخرى – يبقى أن نرى كيف ستحاربها القوى العالمية الكبرى، وكيف سيكون مستقبلها داخل دائرة هذه القوى بين اتهامات وانتقادات حول حقوق الانسان وفيروس كورونا.