مقتل سبعة من القوات شبه العسكرية الأسبوع الماضي في إقليم بلوشستان المضطرب جنوب غرب باكستان، هو أحدث هجوم على جيش البلاد القوي”، في منطقة تستضيف مئات المواطنين الصينيين العاملين في الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات.
حينها لم تعلن أيّ من الجماعات مسؤوليتها عن هجوم الأحد على نقطة تفتيش فيلق الحدود في منطقة هارناي في بلوشستان، إلّا أنّ المسؤولين لم يستبعدوا تورّط الانفصاليين البلوش، وهو مصطلح يستخدم لوصف القوات القومية المسلّحة البلوشية التي تقاتل الجيش الباكستاني ومسؤولين صينيين في إقليم باكستان الغني بالمعادن. وقال ضابط الشرطة “شاه والي تارين” إنّ الخسائر في الأرواح أكثر بقليل من التقديرات الأصلية، لأنّ إثنين من حرّاس أمن خاص، قُتلا في الهجوم.
إنّ عمليات القتل التي حصلت الأسبوع الماضي في إقليم بلوشستان الغني بالمعادن، تنذر بحدوث دوامة مقلقة في تمرّد “البلوش”، في إطار استهداف المنشآت الصينية والجيش الباكستاني، التي يصفونها بـ”الشركاء في الجريمة”. كما يشير الحادث إلى فشل الجيش الباكستاني في توفير حماية جادة للمصالح الصينية في المنطقة.
وكشفت مصادر لـ”أخبار الآن” أنّ بكين غير راضية عن آداء الجيش الباكستاني خلال الأشهر القليلة الماضية، التي تكبد فيها الجيش خسائر فادحة على يد القوات المناهضة. وهم يزعمون أنّ الصين أشركت الجيش في عملية صنع السياسة والأمن في الممر لمجرد أنّهم لم يثقوا في السلطات المدنية لضمان أمن استثماراتها الضخمة التي تزيد عن 60 مليار دولار.
يتقاضى الجيش رسوماً أمنية ضخمة من بكين لتوفير الحماية على مدار الساعة من خلال جهاز أمني، مؤلف من أكثر من 15000 جندي لحماية الأفراد الصينيين العاملين في مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. كما استعان المسؤولون الصينيون بحرّاسهم الأمنيين الخاصين بالإضافة إلى الحماية العسكرية.
وفي وقت سابق، وتحديداً في يونيو من هذا العام، قامت جماعة البلوش الإرهابية المحظورة، جيش تحرير البلوش وهي جماعة متمردة مدرجة، وفق تصنيف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وباكستان، على قوائم المنظمات الإرهابية، باقتحام بورصة كراتشي للأوراق المالية، في محاولة للسيطرة على سوق الأوراق المالية. وقد نفّذ العملية 4 من عناصر البلوش، ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص بمن فيهم المهاجمون.
كان هجوم جيش تحرير البلوش على بورصة كراتشي محاولة لضرب المركز المالي لبكين في باكستان، حيث تتمتع شركات الاستثمار الصينية بالسيطرة الإدارية على البورصة، إذ تمتلك بورصة شنغهاي معقل الأوراق المالية وبورصة شنتشن للأوراق المالية وبورصة العقود الآجلة المالية الصينية 40 % من أسهمها. بعد الهجوم، زعم جيش تحرير بلوشستان في بيان صحافي أنّه يهدف إلى ضرب “المصلحة الاقتصادية” لباكستان والصين لأنشطتهما في بلوشستان، العائدة إلى “مبادرة الحزام والطريق” الصينية في باكستان.
ومرّة أخرى، هاجم مسلحون في أكتوبر قافلة تابعة لأكبر شركة لاستكشاف النفط والغاز في باكستان، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً على الأقل بمن فيهم جنود من الجيش الباكستاني وشركات أمنية خاصة، وقد أعلنت “حركة الحرية الوطنية البلوشية”، وهو تحالف من عدة مجموعات انفصالية، مسؤوليتها عن الحادث.
في نوفمبر العام 2018، أظهر العديد من الجماعات الانفصالية البلوشية اتحاداً أكبر، من خلال تحالف “عبر المقاطعات” مع الجماعات المسلحة التي تتلاقى فكرياً، وذلك بغية تكثيف الهجمات على المصالح الصينية والباكستانية، مع الإشارة إلى أنّ “حركة الحرية الوطنية البلوشية” تم تشكيلها من “الجيش البلوش الجمهوري”، “جبهة تحرير البلوش” وجيش تحرير البلوش، بهدف تجميع القوات وتوحيدها لتنفيذ عمليات منسّقة ضدّ المسؤولين الصينيين والباكستانيين، الذين يعتبرون متورطين في نهب موارد بلوشستان المضطرب، حيث تكثفت الهجمات على المصالح الصينية في الإقليم. وفي يوليو، اتخذ “جيش البوش الجمهوري” خطوة أخرى لتوسيع نطاق العمليات وتكثيفها ضدّ المصالح الصينية.
وأعلنت نقابة المنظمات البلوشية الثلاثة عن تحالفها مع جيش “السندودش” الثوري، وهو مجموعة انفصالية تعمل في مقاطعة السند الجنوبية الشرقية من أجل دولة السند المستقلة. وتعتقد إسلام أباد أنّ الهند تموّل هذه المجموعة من أجل خلق مشاكل هناك حيث تستثمر الصين بكثافة في مشاريع الطاقة القائمة على الفحم وتطوير المناطق الساحلية في المقاطعة.
وزعمت منظمة مستقلة مقرّها الولايات المتحدة، “مشروع موقع النزاع المسلّح وبيانات الأحداث”، أنّه تمّ الإبلاغ عن 30 حدثاً عنيفاً منظماً في بلوشستان، من يناير وحتى يوليو العام 2020، أسفر جميعها عن مقتل 95 شخصاً، علماً أنّ أعمال العنف التي تورّطت فيها جماعات البلوش الانفصالية، ازدادت خلال الأشهر الـ7 الأولى من العام 2020.
ويكشف تقرير المنظمة الدولية عن مقتل 17 عنصراً أمنياً في مايو العام 2020، في سلسلة من الهجمات المستهدفة في بلوشستان، وذلك إنتقاماً لعملية الجيش في منطقة كيش والقمع المزعوم للمدنيين البلوش خلال العملية الأمنية. وأطلق الجيش “عملية تطهير في المناطق الحدودية مع إيران بعد الهجمات، ما أدّى إلى تصعيد التوتر.
من يونيو حتى نهاية يوليو، سجلت المنطمة 18 عملاً أمنياً شمل الجماعات البلوشية المتشدّدة، وأسفر عن 52 حالة وفاة. ويعتبر المحللون أنّ بكين غير راضية عن الوضع المتدهور للقانون والنظام في مقاطعة بلوشستان، حيث خططت لبناء ميناء استراتيجي (جوادر) لتحقيق أهدافها الدفاعية والإقتصادية. ويهدف الميناء إلى منح الصين إمكانية الوصول إلى المحيط الهندي.
وأشارت تقارير إلى أنّ السلطات نفت أن تكون باكستان وافقت رويداً رويداً على منح الجيش الصيني حقوق التمركز في الميناء، فيما يمكن القول إنّ الرهانات الصينية في بلوشستان والسند عالية.
ويعتبر ميناء “جوادر” البحري في بلوشستان، الذي تم تأجيره لشركة صينية لمدة 40 عاماً، مهماً من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لبكين لتأمين احتياجاتها من الطاقة وتأثيرها البحري في المحيط الهندي.
وفي الآونة الأخيرة، خططت السلطات الباكستانية، بناءً على طلب من المستثمرين الصينيين لتسييج المنطقة التي تبلغ مساحتها 24 كيلومتراً مربعاً المحيطة بميناء جوادر لأسباب أمنية. كما اقترحت أن تتمّ مراقبة ميناء “جوادر” بواسطة أكثر من 500 كاميرا مراقبة عالية الدقة، لتتبع “الأنشطة المشبوهة” أو الدخول غير المصرح به.
وقالت مصادر في ميناء “جوادر” لـ”أخبار الآن” إنّ الصين اقترحت على القيادة العسكرية وضع كلّ المواقع الإستراتيجية ضمن الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، وهي خطوة ستزيد من عزلة السكان المحليين، خصوصاً في بلوشستان والسند، المقاطعات التي تتصاعد فيها مناهض الصين.