“كواحدة من الروهينغا، أشعر وكأنّني محطّمة من الداخل، فلم يبق شيء، لقد ابتعدت عن الشخص الذي اعتدت على رؤيته وأعيش من أجله. إنّني أعيش في هذا المخيم بذل، أفتقد منزلي في ماينمار وحبذا لو يمكنني أن أعود إلى هناك.. لا أعرف لماذا ينقلون الأشخاص إلى أماكن أخرى بدلاً من إرسالنا إلى بلدنا. عندما أنظر من حولي، إلى هذا الكوخ الحقير، أبدأ بالبكاء وأتذكر منزلي”.
إنّها زوراح خاتون، البالغة من العمر 65 عاماً.. تعيش هذه السيّدة المسنّة في كوخ فقير، ككثيرات من المسنّين والمسنات الروهينغا. فهذا المكان بالكاد يتّسع لها ولحفيدتها توسليما بي بي، ابنةُ الـ10 سنوات، التي تتخالط لديها مشاعر الخجل بخوف كبير.
وتقول الفتاة لـ”أخبار الآن“: “إنّني أشتاق إلى أهلي جداً، فقد تم نقلهم وانا بقيت هنا، لم يأخوذنني معهم… لقد بقيت هنا وحيدة مع جدتي، إنّني افتقد والدتي كثيراً”.. يحاول مراسل “أخبار الآن” في بنغلادش، محمد حبيب، سؤالها أكثر عن مدى شوقها وتعلّقها بوالديها، فتكتفي بعبارات مقتضبة جداً، خجلاً ربمّا أو خوفاً أو حزناً، فيما سكوتها هو خير دليل على أنّها لا تعرف كيف تعبّر عم مدى ألمها جرّاء حزنها على فراق أهلها.
لا تملك “التيتة” زوراح أيّ شيء هنا في هذا الكوخ الذي بُني من القصب، في مخيم الروهينغا رقم 18 في بنغلادش… فهو لا يقي البرد القارس ولا حتى أشعة الشمس الحارقة.. تترامى هنا بعض الأواني العتيقة، التي ربّما لا تصلح للطهي حتى، هذا إنْ توفر لديها ما تأكله مع حفيدتها.
تسألها عن حالها فتجيب: “ما زلت على قيد الحياة بفضل الله، أهلي توفوا ولا أحداً يسأل عني هنا.. أعيش وحيدة بعدما أجبرت السلطات في بنغلادش إبني على ترك المخيم، ونقلوه وزوجته إلى جزيرة بهاسان شار. وتتابع: “لقد بقيت أنا وحفيدتي في هذا الكوخ، بياناتي وبيانات ابني مختلفة، وحفيدتي توسليما بي بي، قالوا لي إنّها موجودة في قائمة البيانات الخاصة بي، لذا لم يتم نقلها مع والديها”.
وتضيف زوراح لـ”أخبار الآن“: “أحياناً تقول لي، جدتي أريد أن آكل كذا.. وشراء كذا.. لكنّني لم أستطع تلبية رغباتها بالكامل، فأنا امرأة عجوز ولا معيل لي، فتشعر حينها بالحزن وتبدأ بالبكاء وتتذكر والديها… لا أدري ماذا أفعل”.
تقطيع أوصال عائلات الروهينغا جانب آخر من سياسة بنغلادش في التشتيت، فبعد الإبعاد عن الأرض في ماينمار، تعمل بنغلادش على تجزئة العائلات، وفصل الأهل عن أولادهم، من خلال نقلهم إلى حزيرة بهاسان شار. لكن في خبايا ذلك، معاناة كبيرة تصيب هذا المجتمع المتروك لمصيره.
وتقول زوراح لـ”أخبار الآن“: “في كلّ ليلة تبدأ حفيدتي بالبكاء بعدما تتذكر والديها، فأقول لها الآن أنا والدتك وأبوك، وأطمئنها إلى أنّه يوماً ما ستلتقين بهما.. نعم فعلاً، الحياة صعبة للغاية من دونهما، ونشعر وكأن الأطفال قد اختُطفوا من أهلهم، وبتنا نحن أيضاً نرغب بنقلنا حتى نتمكن من مقابلتهم في بهاسان شار“.
وتابعت: “في بعض الأحيان، نرغب في تناول اللحوم والأسماك والخضروات أو الفواكه الجيدة، لكن لا يمكنني ذلك، عندما كان ابني معي، كان يعرف كيف يدبر الأمر على الأقل مرة واحدة في الشهر، لكن الآن لا نلقى أيّ دعم”.
زوراح واحدة من أمهات كثيرات فقدن أولادهن من خلال نقلهم إلى تلك الجزيرة، وروهيما خاتون، 60 عاماً، هي أيضاً فقدت ابنها وباتت وحيدة. وتقول لـ”أخبار الآن“: “ذات يوم أتى فريق إلى هنا وسجّلوا البيانات وفقاً لقائمة كانت معهم، وأنا وإبني لدينا بيانات مختلفة، فتم تسجيل ابني على قائمة إعادة التوطين، وقد ناشدتهم أن لا ينقلوه إلى هناك، لكنّهم رفضوا بشدّة وقالوا لي إنّه سوف يتمّ نقلي لاحقاً”.
تتابع: “إنّنا نعاني من مشاكل كثيرة، الحصص الغذائية لا تكفي، فلا نأكل جيداً، ولا نرتدي جيداً… ليس لدينا أيّ مصدر لسدّ الاحتياجات الأخرى بالكامل. واليوم تزداد تعاستنا أكثر، فمنذ أن تمّ نقل أبنائي إلى بهاسان شار، أصبحت أعاني من ضيق في التنفس وألم في الصدر ومشاكل في القلب.
مراسل “أخبار الآن” في مخيم 18 – بنغلادش، محمد حبيب، سأل روهيما خاتون عن الأخبار التي تصلها من حزيرة بهاسان شار، فتقول: “لا أعرف بالضبط كيف يذهب الناس إلى هناك… كلما اتصلت بابني يقول لي، إنّه قلق بشأن الرياح الموسمية هناك، فالبحر يحاصر المكان. لم أرى أنّهم سعداء من دوننا، وعندما نتحدث نبدأ جميعاً بالبكاء، نأمل يوماً ما أن نلتقي جميعاً وأن نكون معاً”.
ما سبق جزء بسيط من معاناة كبيرة تشمل قاطني هذا المخيم، حيث يعارض الكثيرون عملية الإنتقال ويرفضون حزم أمتعتهم، لكنّهم يجبرون على ذلك، وفق تقارير وصلت إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة، التي كانت ذكرت في بيان أنّ المفوضية لا تعرف هوية اللاجئين ولديها معلومات محدودة عن عملية النقل الشاملة، ما يناقض صحة القوائم التي تنفذ السلطات في بنغلادش، على اساسها، عملية الفصل بين العائلات في تلك المخيمات.
وتخطط بنغلاديش لنقل 100 ألف لاجئ من الروهينغا إلى بهاسان شار، زاعمةً أنّها تريد تخفيف الازدحام في المخيمات، وهي تواصل تنفيذ خطوة نقل الروهينغا على وقع امتعاض أممي، لكن من دون أيّ تحرك دولي عملي حتى الان.
وتسعى بنغلادش جاهدة للتعتيم على قضية الروهينغا ونقلهم إلى بهاسان شار. وفي هذا السياق، تقدم على توقيف ناشطين وصحافيين منعاً لتحريك الرأي العام الدولي. ومؤخراً أوقفت شرطة مخيم كوتوبالونغ في بنغلادش مصوّراً يدعى “أبو الكلام” كان يلتقط صوراً للحافلات المتجهة إلى بهاسان شار، وقد تم الإقراج عنه بكفالة، لكنّه في صدد انتظار حكم بحقة قد يصل إلى 3 سنوات في السجن، بحسب “منظمة مراسلون بلا حدود”.
#Rohingya photographer Abul Kalam ARRESTED.
He was taking photos of buses leaving for Bhasan Char.
Taken into custody on morning of 28th Dec., he has been held at the Kutupalong police barracks & only now being transferred to Ukhiya police circa 54 hours after detention. pic.twitter.com/kxoQB8Fph9
— Shafiur Rahman (@shafiur) December 30, 2020