تقوم الصين ببناء محور “الحزام والطريق” في باكستان على حساب معاناة المواطنين والمخاطر البيئية، إذ تحوّلت الحياة الاجتماعية هناك بالنسبة لآلاف الأشخاص في المناطق الساحلية من بلوشستان وصحراء السند، إلى أسوء ما يكون.
حاول الآلاف من المزارعين في “ذارباركر” وصيادو الأسماك في “غوادر”، إيجاد حلّ لإنهاء معاناتهم، لكنهم لم يجدوا مَنْ يتعاطف معهم… لقد فقدوا بيوتهم التي عاشوا فيها خلال طفولتهم ومعها ذكرياتهم، وذلك بعدما بدأت مبادرة “الحزام والطريق” الصينية في توسيع نطاقها إلى الأجزاء البعيدة في باكستان.
فقد انتزعت السلطات مصدر الدخل من آلاف صغار المزارعين والصيّادين، بعد مسارعتها إلى بناء ميناء متعدّد الأغراض ومدينة ساحلية حديثة، ومشروع منجم للفحم ومحطات طاقة في بلوشستان والسند.
وبذلك، تكون قد أجبرت أكثر من 3000 أسرة في بلوشستان على مغادرة منازلهم التي عاش فيها أجدادهم وآباؤهم، بسبب مشروع ميناء بحري في المياه بمنطقة “غوادر” الساحلية. وبما أنّ الميناء يقع على شواطئ بحر العرب، فهو سيخدم بكين في التحايل على مضيق ملقا الذي كان باهظ التكلفة واستغرق وقتاً طويلاً لتلبية متطلبات الطاقة الصينية.
قبل بضع سنوات، قالت منظمة حقوق الإنسان البلوشية (BHRO) إنّ نحو 2,578 عائلة هُجّرت من أراضيها الأصلية لإفساح المجال أمام مشاريع تنمية الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني في منطقة غوادار في بلوشستان. وبالتالي، فقد ترك هؤلاء الأشخاص منازلهم في “هوشاب” و”أواران” و”جھالاوان” و”كوه سليمان”، وانتقلوا إلى “كراتشي” و”توربات” و”هب تشوكي” ومناطق أخرى من المحافظة.
زعيم البلوش لـ”أخبار الآن”: الصيادون سيفقدون مصدر رزقهم
ساردار خيزار محمود، زعيم البلوش المقيم في إسلام أباد وملحق بلجنة حقوق الإنسان الباكستانية، قال لـ”أخبار الآن“، إنّ “سكان غوادر الذين يعيشون في منطقة نصف قطرها 4 كيلومترات من منطقة غوادر القديمة، حاولوا منع مرور الطريق الساحلي السريع عبر منطقتهم”، مضيفاً أنّ “السلطات الأمنية حاولت إجبارهم على إخلاء المنطقة لبناء الطريق السريع الذي يربط ميناء كراتشي بميناء غوادر الجديد، لكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً”.
وقد خطّطت السلطات لإلحاق خسارة مالية بالصيادين من خلال تحويل الطريق السريع للمرور عبر رصيف الميناء القديم، حيث يذهبون للصيد. وفي هذا السياق قال خيزار: “من المرجح أن يفقد الصيادون مصدر رزقهم عند اكتمال الطريق السريع، لأنّه لن يكون باستطاعتهم الصيد في رصيف ميناء غوادر القديم”.
طرد 2,000 عائلة إضافية من أراضيها في “ذارباركر”!
وقالت مصادر لـ”أخبار الآن” إنّ “قوة تتكون من 30,000 عنصر توفّر الأمن للعمال الصينيين على طول الممر. وكانت الأجهزة الأمنية أعلنت قناةً مائيةً بطول كيلومترين بجوار الميناء كـ”منطقة حمراء”، يمنع على الصيادين الإقتراب منها والصيد فيها، مع الإشارة إلى أنّ الأجهزة الأمنية تنظر إلى الصيادين بريبة، وكأنهم إرهابيون، وقد قامت بفحص بطاقات الهوية الوطنية ورخص الصيد الخاصة بهم.
لقد تمّ طرد 2,000 عائلة أخرى من أراضيها الأصلية في منطقة “ذارباركر” في السند، حيث تشارك الصين في مشاريع الطاقة التي تعمل بالفحم ومناجمه في إطار الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني. إنّه أكبر موقع لتعدين الفحم في باكستان والذي أصبح الآن جزءاً لا يتجزأ من الممر الإقتصادي.
تقدر هيئة المسح الجيولوجي الباكستانية احتياطيات فحم “ذارباركر” بنحو 175 مليار طن، ما يجعلها واحدة من أكبر احتياطات الفحم البني، أو ما يعرف بـ”الليغنيت” في العالم، إذ أنّ الشركات الصينية والباكستانية خطّطت لتعدين الفحم على مساحة تبلغ 9,000 كيلومتر مربع في منطقة “ذارباركر”.
إضافة إلى ذلك، قامت شركة Sindh Engro Coal Mining Company Ltd (SECMC)، وهي مشروع مشترك بين حكومة السند و EngroPowergen، وشركة China Power International Holding Ltd (CPIH)، وشركة Sino Sindh Resources (Pvt) Ltd ، وهي شركة خارجية تابعة لشركة Shanghai Electrical، بتكوين مشروع مشترك لتطوير 6,000 ميغاواط من محطات توليد الطاقة في “ذارباركار”. وبالفعل، فقد ولّد هذا ائتلاف تجاري 600 ميغاواط في مجمعين في “ذارباركر”.
الإستكشاف الضخم للفحم أدّى إلى نزوح واسع النطاق للسكان المحليين
أدّى هذا الإستكشاف الضخم للفحم من منطقة تمتد على آلاف الكيلومترات إلى نزوح واسع النطاق للسكان المحليين. “بهيم راج”، وهو ناشط في “ذارباركر”، قال لـ”أخبار الآن”، إنّ “مشروع الفحم يغطي نصف مساحة ذارباركر البالغة 238,254 كيلومتراً، وهي مقسّمة إلى 13 مجمعاً”. وأضاف أنّ “العمل في المجمع رقم 2 بدأ في العام 2015، بينما بدأت أعمال الحفر في المجمّع الأوّل في العام 2018”.
وكشف عن عدم وجود تنسيق بين الشركات العاملة في مواقع التنقيب عن الفحم نتيجة لذلك، وعدم اتباع سياسة موحّدة للعناية بكامل منطقة “ذارباركر” الصحراوية. وأضاف راج: “لم تعقد الشركات المشاركة في مشاريع التعدين والطاقة جلسات استماع عامة لفهم ما يفكّر به السكان المحليون بالضبط بشأن هذه التطورات. وقد أدّى هذا الموقف إلى احتجاجات ومعارك قانونية من قبل المتضرّرين من المياه العادمة الناتجة عن التنقيب عن الفحم، مطالبين بضرورة وقف الضرر الواقع على السكان المحليين ومواشيهم من المياه السامة “.
وفي العام 2016، قدّم بعض سكان قرية غورانو عريضة دستورية في المحكمة ضدّ شركة التعدين، ذكروا فيها أنّ شركة التعدين ستفرغ مياه الصرف الناتجة من عمليات التعدين على أكثر من 2700 فدان من الأراضي الصالحة للزراعة والغابات.
وقال راج إنّ “هذه الشركات تبنّت استراتيجية لقمع الإضطرابات بين السكّان المحليين”، مضيفةً أنّه تمّ استخراج الفحم بعد تفريغ 3 طبقات من المياه الجوفية. وقال أيضاً إنّ حكومة السند كُلّفت بإدارة إمدادات المياه لمشاريع الطاقة والتخلّص من مياه الصرف الصحي من مناجم الفحم.
وأكّد راج أنّ حكومة السند لم تفِ بمسؤوليتها وسمحت للشركات بتزويد وتفريغ المياه بأنفسها. ونتيجةً لذلك، فقد أنشأت الشركات بركة مياه الصرف الصحي على مساحة 1500 فدّان من الأرض في قرية “غورانو” على بعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة “إسلامكوت” في منطقة “ذارباركر”.
وكانت منطقة غورانو تضمّ 2,700 قطعة أرض تحتوي على التربة المثالية للنبات. ووفقاً لراج، فقد كان في هذه المنطقة غابة و 200000 شجرة ومراعٍ لإطعام الحيوانات مملوكة من قبل أكثر من 700 عائلة من سكان غورانو، والآن أصبحت مكباً للمياه المالحة النتاجة من عمليات التنقيب عن الفحم.
كوارث بيئية في السند بسبب التعاون الاقتصادي الصيني -الباكستاني
“أخبار الآن” علمت أنّه إلى جانب المآسي الإنسانية، فقد أدّى التعاون الاقتصادي بين الصين وباكستان في إطار الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، إلى خلق مشكلات بيئية كبيرة في منطقة “ذارباركر” في إقليم السند، وأدّى استخدام الفحم لتوليد الطاقة في المنطقة إلى تلوث الهواء فضلًا عن مخاطر بيئية أخرى، فيما هناك مخاوف من أن تكون محطات توليد الطاقة بالفحم من الأسباب الرئيسية في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والضباب الدخاني.
سهيل سنجي، وهو أحد الصحافيين في منطقة “ذارباركر”، قال لـ”أخبار الآن“، إنّ “الأهالي يخشون من قيام الشركات باستخراج كميّات هائلة من المياه في عمليات التنقيب عن الفحم، الأمر الذي سيتسبب في انخفاض منسوب المياه الجوفية”. وأضاف أنّه “في منطقة ينخفض فيها منسوب المياه بمقدار مترين إلى 100 متر سنوياً، فإن استخراج الفحم من شأنه أن يجعل الأمور أسوأ بالنسبة للناس”. وتابع أنّ “الجفاف في الصحراء أدّى إلى وفاة أكثر من 3,000 طفل في السنوات الـ3 الماضية، رغم أنّ السلطات اعترفت بوفاة 828 فقط”.