تواجه كوريا الشمالية الكثير من الأزمات، وكان نصف سكانها يعانون بالفعل من نقص التغذية، ثمّ جعل العام 2020 كل شيء أسوأ. كذلك، فقد ضغطت العقوبات الصارمة على اقتصاد البلاد، لكن صيفاً من العواصف في قلب إنتاج الغذاء، إلى جانب تجميد كامل في التجارة مع الصين، كلها عوامل دفعت الدولة المعزولة إلى مزيد من النقص في المواد الغذائية.
كان من المقرر أنّ يكون العرض العسكري الذي أقامته كوريا الشمالية في العاشر من أكتوبر الماضي، هو أكبر استعراض للقوة تنفذه الدولة المنعزلة منذ فترة طويلة، كما أنّ ما يتذكره الناس من ذلك العرض هو أحدث الصواريخ التي جرى الكشف عنها.
ومع هذا، فإننا نلقي نظرة على النضالات الحقيقية للشعب الكوري الشمالي، والذي قدّم كيم جونغ أون اعتذاراً له خلال العرض العسكري في بيونغ يانغ، إذ قال حينها: “لقد وضع شعبنا الثقة بي، وهي ثقة بحجم السماء واتساع البحر، غير أنّني لم أستجب لها بالشكل الصحيح، وليس لديّ عذر في ذلك”.
في ذلك الخطاب، انعقدت حواجب جونغ أون وارتجف صوته، ووجّه شكراً إلى الجيش الكوري الشمالي على “تفانيه” في محاربة كورونا، كما قال: “ما زلت أفتقر للجهد والإخلاص، لذلك لا يزال مواطنونا يعانون من وطأة الحياة اليومية ومصاعبها”.
لقد كان جونغ أون على حق، فبقدرِ ما كان العام 2020 عاماً فظيعاً بالنسبة لمعظم الناس، كانت كوريا الشمالية تُكافح بالفعل في ظلّ العقوبات. وفي صيف العام الماضي، تعرّضت البلاد لفيضانات وأمطار غزيرة، وفوق كلّ ذلك، جعل فيروس كورونا البلاد تغلق حدودها وتوقف التجارة، الأمر الذي دمرّ الإقتصاد في البلد المعزول بالفعل.
وفي حديث لـ “أخبار الآن“، يقول بنجامين كاتزيف سيلبرشتاين، الباحث المشارك في معهد أبحاث السياسة الخارجية ورئيس تحرير مجلة “North Korea Economy Watch”: “الإقتصاد سيء، مع عدم وجود تحسن في الأفق في الوقت الحالي. لقد أدّى الكساد الاقتصادي العام إلى حالة أسوأ بشكل عامٍ لمعظم الأشخاص، بما في ذلك نقص الغذاء في أجزاء من البلاد”.
معاناة من سوء التغذية
ووفقاً للتقارير الدوليّة، فقد كان 45% من سكان كوريا الشماليّة يعانون من سوء التغذية العام الماضي. ومع هذا، فإنّ جزءاً من السبب الذي يجعل كيم جونغ أون يكافح على ما يبدو لإطعام شعبه بشكل صحيح، يرتبط بالعقوبات المفروضة على بلاده، ما يحدّ من استيراد البلد لبعض الأسمدة والآلات على سبيل المثال، لأنّه (جونغ أون) ببساطة غير مستعدٍ للعواصف السنوية.
وكما هو معلوم، فإنّ العقوبات تحدّ من استيراد البلاد لبعض الأسمدة والآلات على سبيل المثال، في حين أنّ العواصف تأتي كلّ عام، وما زالت الحكومة في كوريا الشماليّة لا تستثمر بشكلٍ كاف في تحسين البنية التحتية والاستعدادات الأخرى.
وقال سيلبرشتاين إنّ “الذين يعانون أكثر من غيرهم هم، كالعادة، الفقراء الذين يعيشون في الريف ويعتمدون على الدخل من التجارة الصغيرة والزراعة”. كذلك، فإنّ الدولة المغلقة ليست ناضجة أيضاً، ووفقاً للمؤسسات الماليّة المختلفة، فإنّ التقديرات تشيرُ إلى تقلّص الإقتصاد بنسبة 8 إلى 10%.
الوباء أدّى إلى توقف الواردات الغذائية
وفي محاولة لوقف انتشار فيروس كورونا، أغلقت كوريا الشمالية حدودها في يناير الماضي، ما تسبب في تراجع حجم التجارة مع الصين، والتي كانت تشكل 90% من تجارة كوريا الشمالية، بأكثر من 80%، وذلك فقاً لبيانات الجمارك الصينية. وبسبب التكوين الجغرافي لكوريا الشمالية، فإنّ التجارة ضرورية بكلّ بساطة.
ويقول جو ميونغ هيون، وهو زميل باحث في معهد آسان للدراسات السياسيّة في سيول لـ”أخبار الآن“، إنّ “الجانب الشمالي الشرقي من كوريا الشمالية غير مناسب للإنتاج الزراعي، لذلك يتعيّن على البلاد الإعتماد على مناطق أخرى لإمداداتها الغذائية، وإذا لم تتمكن كوريا الشمالية نفسها من تلبية طلبها الداخلي، فعليها الإعتماد على الواردات من الصين”.
وخلال الصيف الماضي، تعرّضت الأجزاء الجنوبية من البلاد، وهي الأجزاء الزراعية المهمّة في كوريا الشمالية، لأمطار غزيرة وأعاصير، والتي تسبّبت في حدوث فيضانات وأضرار جسيمة. وبحسب التقارير المحدودة الواردة من البلاد، فإنّه لا يبدو أنّ ما حصل هو ضررٌ مفرط، لكنه وقع. ويضيف هيون: “هذا يعني أنّ قيود الإستيراد يجب أن يكون لها تأثير واضح على مستوى استهلاك الغذاء في هذه المناطق”.
إلى ذلك، طردت كوريا الشمالية الكثير من عمال الإغاثة الأجانب، ونتيجة لذلك فإنّه بات من الصعب تقييم الوضع الحالي في البلد المغلق بالضبط، كما أنّ العديد من المنظمات لم تتمكّن من تقديم رؤى لـ”أخبار الآن“، لأنها ببساطة لم يعد لديها أي شخص على الأرض بعد الآن.
عدم المساواة يجعل الأمور أسوأ
ولا يعتقد هيون تماماً أنّ حالة انعدام الأمن الغذائي ستكون كارثية كما تشير المؤشرات والتقارير، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ سعر الأرز مستقر إلى حدّ ما، ولكن أيضاً لأنّ التقارير الصادرة عن الدولة تعتمد على البيانات الرسمية، والتي لا يمكن الإعتماد عليها عندما يتعلق الأمور بالمنتجين الصغار من القطاع الخاص الذين يبيعون سلعهم في أسواق Jangmadang الصغيرة.
يضيف هيون: “لا أتذكّر العدد الدقيق للأطعمة المنتجة بشكل خاص، لكنّه دائماً ما يكون هو نفسه. لذا، من الواضح أنّ كوريا الشمالية تختلق هذا الأمر”. وتابع: “الوضع العام مستقر، لكن هناك انعدام أمن غذائي للفئات الضعيفة مثل العديد من البلدان المتخلّفة الأخرى، فيما الإنتاج الكلي يجب أن يكون على ما يرام”.
ومع وجود الغذاء في الأسواق الخاصة الصغيرة، تتفاقم مشكلة عدم المساواة، حيث يكون الأغنياء ميسورين بينما تعاني الفئات الضعيفة من الجوع. ويقول هيون إنّ “الأشخاص الذين يملكون المال، يمكنهم شراء الطعام من الأسواق والتعويض بشكل أساسي عمّا لا يمكنهم الحصول عليه من نظام التوزيع الحكومي، لكنهم بحاجة إلى المال. لذلك، مثل أيّ مكان آخر، هناك مجموعات ضعيفة في شمال كوريا التي لا تحصل على ما يكفي من الطعام”.
وهناك علامات تحذير أخرى تشير إلى أنّ الوضع الغذائي يمكن أن يتدهور. فالحبوب الأخرى، مثل الذرة على سبيل المثال، ارتفعت أسعارها قليلاً وكان التلفزيون الحكومي يروّج للبطاطا مرّة أخرى وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية، والتي عادةً ما تكون دلالة على الأوقات الصعبة، لأنّ الأرز مادة أولية ثابتة في المطبخ الكوري، فيما البطاطا بديل أقل.
كيم يعتذر مرة أخرى
وبعد 3 أشهر فقط من العرض الضخم للإحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لحزب العمال الكوري في أكتوبر الماضي، كان هناك حدث ضخم آخر في بيونغ يانغ، وهو المؤتمر الثامن للحزب. ومرّة أخرى، اعتذر كيم جونغ أون للشعب الكوري الشمالي، إذ اعترف بأنّ الخطط الإقتصادية لعام 2016 قد فشلت في كلّ جوانب نطاقها تقريباً. لقد النظام خذل شعبه، وقال كيم إنّه تمّ تعلّم “الدروس المؤلمة” ولا ينبغي تكرارها.
وبعد أيّام من المؤتمرات الحزبية، فعل كيم جونغ أون ما يفعله أيّ دكتاتور، وأجرى عرضاً عسكرياً كبيراً بصاروخ جديد، وتحدّى الرئيس الجديد للولايات المتحدة جو بايدن بشكل مباشر، قائلاً إنّ بلاده ستواصل تطوير الصواريخ والأسلحة النووية.
وبينما يعاني جزء أكبر من البلاد من نقص التغذية، في حين أن قلب الأراضي الزراعية غير مستعد لعواصف الصيف، فإنّ جونغ أون يواصل تطوير الصواريخ وتهديد الولايات المتحدة. وبحسب الباحث سيلبرشتاين، فإنّه “في كوريا الشمالية، يرون في الردع النووي ضمانة مركزية لبقاء النظام، فيما احتياجات الجمهور تأتي دائماً بعد ذلك. هذه هي ببساطة طبيعة الديكتاتورية الشمولية”.