في داخل ناطحة سحاب في لندن، يتدرب حوالى مئة شخص، غالبيتهم من دون مؤهلات طبية، على استخدام حقن للالتحاق بجيش المتطوعين المنتشرين في سائر أنحاء بريطانيا في إطار حملة التلقيح الواسعة ضد فيروس كورونا.
وجعلت السلطات البريطانية من التلقيح قضية وطنية لإخراج البلاد من الأزمة بعدما أودت الجائحة بأكثر من 106 آلاف شخص، في ظل استمرار تدابير العزل المشددة. واستعانت لهذه الغاية
بعسكريين، وأيضا بعشرات آلاف المتطوعين، بينهم مايك داي (41 عاما) الذي يقول إنه انتهز الفرصة من أجل “تغيير الأمور”.
ويقول مخرج الوثائقيات الذي التقته وكالة فرانس برس خلال يوم التدريب “أنا أخرج أفلاما، لذا فإن آخر شيء توقعته كان حقن لقاح لمئات الأشخاص”.
وفي الطبقة الثانية والثلاثين من أحد مباني حي كاناري وارف للأعمال، خلال يوم ماطر، يتدرب متطوعون بكمامات وقفازات على أصول التطعيم.
وتصرخ إحدى المدربات من الوجع عندما تغرس متطوعة بحركة مترددة، الإبرة في كتف مزيفة موضوعة على كتفها، ما يثير الضحك لدى الموجودين.
وتدعو مدرّبة أخرى من جمعية “سانت جون أمبولنس” المتخصصة في التدريب على الإسعافات الأولية، المتطوعة إلى غرس الإبرة “بعمق في العضل” و”عدم إعادة السدادة بتاتا” بعد الاستخدام.
وتتعاون هذه الجمعية مع هيئة الصحة العامة البريطانية في هذا المشروع.
وتقول كاثرين أوديل وهي موظفة مكتب في سن الخامسة والثلاثين “هذه فرصة للجميع من أجل المساعدة على إنقاذ العالم”.
وهي لا تخشى القيام بهذه المهمة ميدانيا، رغم كمية المعلومات الواجب تعلمها. وتقر بأن “الخطر موجود دائما” بمواجهة المرض، لذا “يتعين احترام القواعد بأكبر قدر ممكن”.
وتوضح طبيبة الأسنان إيمير هرليهي (31 عاما)، “أنا معتادة على رؤية المرضى يوميا، لكن لدي رغبة كبيرة في أن تعود الأمور إلى طبيعتها، لذا فإذا ما استطعت بأي طريقة كانت المساعدة فسأفعل ذلك”.
ويشير شون ويلسون (19 عاما) وهو طالب طب في السنة الثانية في جامعة كامبريدج إلى أن “تطبيق النظريات التي تعلمتها أمر مثير حقا”.
تطعيم “مستحيل” بلا متطوعين
هؤلاء المتطوعون الآتون من مشارب مختلفة هم من بين ثلاثين ألف شخص ستستعين بهم جمعية “سانت جون أمبولنس” حتى الربيع المقبل لحقن لقاحات “فايزر/بايونتيك” أو “أسترازينيكا/أكسفورد”،
وهما المستخدمان حاليا في بريطانيا، في مراكز التطعيم المعتمدة من السلطات.
وحدهم الأشخاص فوق سن 18 عاما من حملة الشهادات الثانوية يمكنهم التطوع لحقن اللقاحات بعد التأكد من سجلهم القضائي. وفي قاعة أخرى، يتدرب متطوعون على طريقة طمأنة الأشخاص
الآتين لتلقي اللقاحات، إضافة إلى أصول غسل اليدين بدقة وسحب معدات الحماية الشخصية وحركات الإسعاف الأولية.
ويوضح المدرّب كارل فازاكيرلي (37 عاما) لوكالة فرانس برس أن “ثمة خطرا طفيفا للغاية متصلا بالتلقيح وهو التعرض لصدمة الحساسية”، أي الحساسية القوية الناجمة عن تلقي اللقاح.
ويتيح هذا اليوم التدريبي تطبيق المعارف المكتسبة خلال الساعات الخمس عشرة من التعلم عبر الإنترنت. وفي النهاية، يتم إدخال المتطوعين جميعا إلى مركز تطعيم زائف.
ويؤكد المدربون احترام قواعد السلامة، إذ إن المتطوعين يخضعون لإشراف من أخصائيين صحيين من البداية إلى النهاية. وتلقى حوالى تسعة ملايين شخص جرعة أولى من اللقاح في بريطانيا، أول
بلد غربي أطلق حملة تطعيم واسعة مطلع كانون الاول/ديسمبر وأكثر البلدان الأوروبية تضررا جراء الجائحة.
وتعتزم حكومة بوريس جونسون حقن 15 مليون جرعة لقاح لجميع الأشخاص فوق سن السبعين والعاملين في القطاع الصحي بحلول منتصف شباط/فبراير الحالي.
ويقول كارل فازاكيرلي إن “المتطوعين جزء أساسي من برنامج التطعيم إذ يمدّونه بالقوة والموارد”.
ويضيف “هيئة الصحة العامة تخضع لضغط بسبب كوفيد والطلب منها القيام بالتلقيح وحيدة مهمة مستحيلة”.