من اليابان إلى كوريا الشمالية.. رحلة عذاب عمرها عشرات السنين
نشرت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية تقريراً يسرد قصصاً عن سيدات يابانيات غادرن إلى كوريا الشمالية قبل عشرات السنين، ولم يستطعن لقاء عائلاتهنّ في اليابان مجدداً.
ووفقاً للصحيفة، فإن سيدة تُدعى ميتسوكو ميناكاوا، كانت انتقلت إلى كوريا الشمالية عام 1960 عبر البحر من أجل حياة جديدة. وبمجرّد وصولها إلى هناك، أدركت ميناكاوا، أنها ومئات الأشخاص الآخرين مثلها، لا يمكنهم العودة أبداً إلى اليابان.
وقبل مغادرتها اليابان بشهرين، تزوّجت ميناكاوا من رجل كوري يدعى تشوي هوا جاي. وحينها، كان يبلغ عمر ميناكاوا نحو 21 عاماً، وكانت مع زوجها من بين أشخاص ذو أصول كورية يقيمون في اليابان، قد جرى ترحيلهم جماعياً. وفي الواقع، فإن الكثير من هؤلاء هم من نسل الأشخاص الذين جلبهم المستعمرون اليابانيون من شبه الجزيرة الكوريّة للعمل في المناجم والمصانع.
ووفقاً لجمعية الصليب الأحمر اليابانية، فإنّ أكثر من 93 ألف كوري انتقلوا إلى كوريا الشمالية بين عامي 1959 و 1984، وكان من بينهم 1830 امرأة يابانية تزوجن من رجال كوريين.
وبحسب “ذا غارديان”، فقد رحّبت كوريا الشمالية بالكوريين العائدين بأذرع مفتوحة، على الرغم من أن جميعهم تقريباً لديهم روابط عائلية بكوريا الجنوبية، لكن الواقع كان صعباً.
وكان الكوريون في اليابان قد واجهوا شكوكاً وتمييزاً واسع النطاق، وتقول ميناكاوا أن زوجها كان كورياً ومن خلفية فقيرة، وتضيف: “كانت عائلتي ضد زواجنا ولم تحضر حفل زفافنا. لقد بكت والدتي وقالت لي: من فضلك لا تذهبي. عندما أتذكر كلامها لا يسعني إلا البكاء. كان عمري 21 عاماً فقط”.
وأخذت ميناكاوا الإسم الكوري كيم جونغ أوك، واستقرت هي وزوجها الذي توفي عام 2014 في مدينة وونسان الساحلية الشرقية، حيث عمل كمسؤول مصايد الأسماك بينما كانت تربي أطفالهما.
حلم واحد جمع النساء اللواتي غادرن اليابان: نريد زيارة بلدنا من جديد
وكانت ميناكاوا واحدة من 8 نساء تم توثيق حياتهنّ في كوريا الشمالية من قبل المصورة اليابانية الحائزة على جائزة نوريكو هاياشي التي قرأت عن حقيقة أن من بين العائدين إلى كوريا الشمالية نساء يابانيات لم يزرن البلاد من قبل، وتقول: “لم أسمع أبداً أياً من القصص الشخصية لهؤلاء النساء. أردت أن أسمع شعورهنّ تجاه اليابان بعد 60 عاماً من مغادرتهنّ، وما الذي يفتقدن إليه، كما أردت أن أعرف الكثير عن حياتهم في كوريا الشمالية.”
ومع ذلك، فإنه من الصعب الوصول إلى كوريا الشمالية خصوصاً بالنسبة لمصور فوتوغرافي مستقل من اليابان. وفي العام 2002 ، اعترف زعيم كوريا الشمالية آنذاك كيم جونغ إيل، بأن جواسيس النظام اختطفوا مواطنين يابانيين خلال السبعينيات والثمانينيات.
وفعلياً، فقد أجرت هياشي مقابلات مع عدد من النساء اللواتي غادرن اليابان، وجرى تصويرهن في منازلهنّ بمختلف مناطق كوريا الشمالية، وذلك اعتباراً من العام 2013.
وتشير هاياشي إلى أن هناك خيطاً عاطفياً يمرّ عبر جميع قصص النساء، ويتمثل في رغبة لم تتحقق في كثير من الاحيان، بزيارة البلد الذي ولدن فيه، وتقول: “بصفتي امرأة يابانية، شعرت برابطة عاطفية مع قصصهن”.
وعندما غادرت النساء إلى كوريا الشمالية، فقد تم دفعهن للاعتقاد بأنهنّ سيتمكنّ من العودة إلى اليابان للزيارات العائلية بمجرد استقرارهنّ في حياتهنّ الجديدة. وواقعياً، فإن السفر بحرية بين اليابان وكوريا الشمالية يعتبر مستحيلاً، إذ لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين، حتى أن تحركات الكوريين الشماليية العادية ما زالت تخضع لرقابة صارمة من قبل النظام.
وبعد مرور عقود، لم تحقق سوى 5 نساء التقتهن هياشي عودة قصيرة. وإجمالاً، سُمح لـ 43 زوجة يابانية بالعودة إلى وطنهن لبضعة أيام كجزء من برامج “العودة إلى الوطن” الخاصة التي عُقدت في 1997 و 1998 و 2002.
وتشير “ذا غارديان” إلى أن جميع النساء الـ8 اللواتي قابلتهم هاياشي (هنّ الآن في السبعينيات والثمانينيات من العمر) قد أصبحن أرامل، وتوفيت 3 منهنّ.
وتتذكر هاياشي أن النساء كُنّ يضحكنّ ويبتسمن كلما قامت بزيارتهنّ. ومع هذا، فإن المرشدين الكوريين الشماليين الذين يكونون برفقة هاياشي يتركون الأخيرة مع النساء للتحدث بحرية. ورغم ذلك، فإن ما من سيدة من اللواتي تمت مقابلتهنّ تحرص على مناقشة السياسة، أو الحديث عن زعماء كوريا الشمالية الذين تولوا الحكم على مدى 70 عاماً.
ومع هذا، تقول هاياشي: “أردت فقط أن أفهم النساء كأشخاص، وعواطفهم والبيئة التي وجدوا أنفسهم فيها”، وتضيف: “عندما غادر النساء اليابان، اقتنعن بأنه سيكون لديهن القدرة على زيارتها بحرية بعد بضع سنوات، لكن هذا لم يحصل. لقد عارض معظم أهالي هؤلاء النساء قرارهنّ بالمغادرة، إلا أنهن بادرن إلى التخفيف من وطأة الخوف والقلق، وقلن لعائلاتهنّ أن اللقاء سيتجدد معهم. وفي النهاية، لم تستطع أي سيدة من رؤية والدها قبل وفاته. إنهنّ يبكين في كل مرة يتحدثن عن هذا الامر”.
وانتقلت أيكو ناكاموتو إلى كوريا الشمالية مع زوجها في عام 1960، بعد زواجها بعامين، ويقع مسقط رأسها في محافظة كوماموتو جنوب غرب اليابان، وتقول: “لقد كان عمري 26 عاماً عندما قابلت زوجي. في البداية، لم أكن أدرك أنه كوري، لقد كان شخصاً دافئاً حقاً ووقعت في الحب”.
ولم تعد ناكاموتو، واسمها الكوري كيم آي سون، إلى اليابان منذ مغادرتها قبل 60 عاماً، وتقول: “أريد فقط أن أزور مسقط رأسي وقبر أبي وأمي”.
وأخبرت نساء أخريات هياشي عن شوقهن للعائلات التي تركنها وراءهن. وقبل وفاتها في كوريا الشمالية عام 2018، تحدث فوجيكو إيواسي مع هاياشي عن لقائها الأخير مع والدتها وشقيقتها اللتين زارتهما في طوكيو قبل مغادرتها اليابان. وحينها، قالت إيواسي: “كنا نعتقد أننا سنلتقي مرة أخرى في غضون سنوات قليلة. منذ مجيئي إلى كوريا، لم أعمل في الخارج مطلقاً، لكني أحب الحياكة في المنزل. درس زوجي في الجامعة وأصبح طبيباً”.
كذلك، كانت تاكيكو إيد واحدة من النساء القلائل اللواتي شاركن في برنامج العودة للوطن في عام 2000. وتقول: “التقيت بزوجي عندما كان عمري حوالى 15 عامًا. كانت والدتي ضد زواجي لأن زوجي كوري. انتقلنا إلى كوريا الشمالية عام 1961 من دون إخبارها. كنت ابنتها الوحيدة، لذلك لا بد أنها شعرت بالحزن الشديد وخيبة الأمل”.
وعام 2000، عادت إيد إلى اليابان لأول مرة منذ 39 عاماً على مغادرتها لتكتشف أن والدتها توفيت قبل عامين (أي عام 1998)، عن عمر يناهز 99 عاماً. وتقول: “عندما تمكنت أخيرًا من زيارة قبرها ، اعتذرت لها”.
ومن بين جميع النساء اللواتي قابلتهن، تقول هاياشي إنها وجدت نفسها أكثر انجذاباً إلى ميناكاوا. كانت امرأة مستقلة للغاية، واختارت أن تعيش مع الرجل الذي وقعت في غرامه وأن تبني الحياة التي أرادتها في سن 21، على الرغم من أن ذلك يعني الانفصال عن أصدقائها وعائلتها في اليابان.
وقالت ميناكاوا: “عندما غادرت اليابان، كنت أركز على سعادتي، لكن والدتي كانت قلقة للغاية. فقط بعد أن أنجبت أطفالًا فهمت كيف شعرت”.
وحرصاً على تجنب إعادة فتح الجروح العاطفية ، لم تسأل هاياشي أي سيدة بشكل مباشر عما إذا كان نادمة على مغادرة اليابان، وتضيف: “أتخيل أنهن أصبن بالجنون عندما أدركن أنهن لن يكنّ قادرات على العودة أبداً. في الوقت نفسه، عندما رأيت كيف يعشن مع أطفالهن وأحفادهن، رأيت أنهن يشعرون بالاعتزاز بحياتهنّ وعائلاتهنّ الآن. إذا أتيحت لهم الفرصة لزيارة اليابان مرة أخرى، فإنهن سيفعلن ذلك. لقد أخبرتني أحدهنّ أنه حتى الزيارة القصيرة ستكون كافية، وعندها ستكون قادرة على الموت بسلام”.
الشرطة الصينية تدخل غرف نوم الإيغور تسريبات جديدة توثّق حجم القمع لتلك الأقلية
أوردت منظمة “ذا انترسبت” تقريراً مطوّلاً تحدّث عن تعرّض أقلّيات مسلمة في الصين، وعلى رأسهم أقلية الإيغور، لنظام “مراقبة خانقة” من قبل قوات الأمن الصيني، مستندةً على تسريبات لملفات تابعة للشرطة تظهر بشكل واضح كيف تتمّ عملية مراقبة الإيغور وقمعهم.