الشائعات بدأت مع إبلاغ الصين عن تفشي فيروس غامض
بدأت الشائعات حول فيروس كورونا بمجرد ظهور المرض نفسه تقريباً.. وإحدى تلك الشائعات كانت تشير الى أن خصماً أجنبياً أطلق العنان لسلاح بيولوجي وانتشرت تلك الادعاءات على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية في نفس اليوم الذي أبلغت فيه الصين للمرة الأولى عن تفشي فيروس غامض.
“احترس من الأمريكيين!” كتب أحد مستخدمي تطبيق “ويبو” الصيني في 31 ديسمبر 2019.. اليوم وبعد مرور عام على تحذير منظمة الصحة العالمية من تفشي المعلومات الخاطئة لكورونا، لا تزال نظرية المؤامرة قائمة، مدفوعة من قبل المسؤولين الصينيين المتحمسين للتشكيك في أصول الوباء، الذي أودى بحياة أكثر من مليوني شخص على مستوى العالم.
من بكين وواشنطن إلى موسكو وطهران، عمل الزعماء السياسيون ووسائل الإعلام المتحالفة معهم بشكل فعال كقائمين على انتشار تلك الادعاءات، مستخدمين مكانتهم لتضخيم المؤامرات الملائمة سياسياً والمتداولة بالفعل، لكن الصين – وليس روسيا – هي التي أخذت زمام المبادرة في نشر معلومات مضللة حول أصول كورونا، بحجة أنها تعرضت للهجوم بسبب تعاملها المبكر مع تفشي المرض.
يُظهر تحقيق أجرته أسوشيتد برس على مدى تسعة أشهر حول التضليل الذي يرعاه الحزب الشيوعي الصيني الحاكم والذي تم إجراؤه بالتعاون مع مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، كيف أن الحكومة الصينية أشاعت أن الولايات المتحدة خلقت الفيروس الذي يسبب كورونا، وانتشر في ظلام زوايا الإنترنت للملايين في جميع أنحاء العالم، اعتمد التحليل على مراجعة ملايين المنشورات والمقالات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك و “ويبو” و “وي تشات” ويوتيوب وتلغرام ومنصات أخرى.
كان المسؤولون الصينيون يحاولون الرد على رواية قوية، رعتها مجموعات QAnon وFox News والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وكبار الجمهوريين، بأن الفيروس تم تصنيعه من قبل الصين.
أعلنت وزارة الخارجية الصينية إن بكين استخدمت كل الإمكانيات المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي الغربية لتعزيز الصداقة وخدمة الحقائق، بينما تدافع عن نفسها ضد القوى المعادية التي تسعى إلى تسييس الوباء.
أضافت الوزارة في بيان لوكالة أسوشييتد برس: “يجب على جميع الأطراف أن تقول بحزم” لا “لنشر معلومات مضللة”، لكنها أضافت: “في مواجهة التهم الملفقة، من المبرر والمناسب فضح الكذب وتوضيح الشائعات من خلال تحديد الحقائق “.
الصين.. الدبلوماسيون يتعاملون مع فيسبوك وتويتر
في حين أن كلا المنصتين محظورتان في الصين، فقد تضاعفت الحسابات الدبلوماسية الصينية أكثر من ثلاثة أضعاف على تويتر، وأكثر من الضعف على فيسبوك منذ منتصف عام 2019.
المزيد عينة من نشاط 191 حسابا دبلوماسيا صينيا على تويتر:
كان لمعركة السيطرة على قصة منشأ الفيروس عواقب عالمية في مكافحة كورونا.
بحلول شهر مارس، بعد ثلاثة أشهر فقط من ظهور كورونا في وسط الصين، كان الاعتقاد بأن الفيروس قد تم إنشاؤه في مختبر، وربما تم استخدامه كسلاح واسع الانتشار، كما أظهرت استطلاعات متعددة.. على سبيل المثال، وجد مركز ” بيو” للأبحاث أن واحداً من كل ثلاثة أمريكيين يعتقد أن الفيروس التاجي الجديد قد تم إنشاؤه في مختبر، يعتقد واحد من كل أربعة أنه تم هندسته عن قصد.. في إيران، استشهد كبار القادة بمؤامرة الأسلحة البيولوجية لتبرير رفضهم للمساعدات الطبية الأجنبية، كما وصفت المجموعات المناهضة للإغلاق والكمامات الواقية حول العالم كورونا بأنه خدعة وسلاح، ما يعقّد جهود الصحة العامة لإبطاء الانتشار.
قال كانغ ليو، الأستاذ في جامعة ديوك الذي يدرس السياسة الثقافية والإعلام في الصين: “هذا الأمر يشبه الفيروس مثل كورونا، أحد مسببات الأمراض الشائعة”، ويقارن انتشار المعلومات المضللة حول الفيروس بانتشار الفيروس نفسه، أضاف: “لدينا جائحة مزدوجة – الفيروس المرضي الحقيقي ووباء الخوف.. الخوف هو ما يضعنا حقاً على المحك “.
شائعات منتشرة
في 26 يناير/ كانون الأول 2020 نشر رجل من منغوليا الداخلية مقطع فيديو يزعم أن الفيروس الجديد الذي يجتاح وسط الصين كان سلاحاً بيولوجياً صممته الولايات المتحدة، وقد شوهد هذا الفيديو 14 ألف مرة على التطبيق الصيني “كوايشو” قبل إزالته. وتم لاحقاً القبض على الرجل واحتجازه لمدة 10 أيام ودفع غرامة مالية لنشره شائعات.
كما بثت “بيبولز ديلي”، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، نبأ اعتقاله في أوائل شباط (فبراير)، حيث ظهر الرجل ووجهه مموه ومعصماه مقيدان، وقدماه ملتفتان على كرسي، لقد كان ذلك بمثابة تذكير صارم لمواطني الصين بأن الأخبار المزيفة يمكن أن تؤدي إلى الاعتقال، وجزءاً من جهد أوسع من قبل وسائل الإعلام الحكومية الصينية لفضح مؤامرات كورونا.
ولكن بعد ستة أسابيع فقط، تم بث نفس نظرية المؤامرة من قبل وزارة الخارجية الصينية، والتقطها ما لا يقل عن 30 دبلوماسياً وبعثة صينية وتضخيمها من خلال شبكة وسائل الإعلام الحكومية الصينية المنتشرة عبر العالم.
خلال تلك الأسابيع الستة، تعرضت القيادة الصينية لانتقادات داخلية شديدة، في 7 فبراير/ شباط توفي الطبيب الصيني لي وينليانغ بعد نشره تحذيراً مبكراً حول تفشي المرض، وبسبب كورونا كان حجم الحزن والغضب الناجمين عن وفاة لي أمراً غير عادي، وبالنسبة للحزب الشيوعي الحاكم كان عرضاً مقلقاً في الفضاء المدني الصيني الخاضع للمراقبة بإحكام.
في هذه الأثناء، كانت الأصوات القوية في الولايات المتحدة – من الرئيس السابق ترامب إلى الجمهوريين في الكونغرس – تعمل على إعادة تسمية كورونا باسم “فيروس الصين”، ما يضخم النظريات القائلة بأن العلماء الصينيين هم من صمموه.
وجد باحثون في مركز التكنولوجيا المسؤولة التابع للمعهد الأسترالي أن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي بدت مؤيدة لترامب دفعت المعلومات المضللة، وأعادت التغريد مراراً وتكراراً محتوى متطابقاً ادعى أن الصين صنعت الفيروس كسلاح بيولوجي.
مع اشتداد الخطاب الأمريكي شنت الصين هجوماً مضاداً، في 22 فبراير، نشرت People’s Daily تقريراً يسلط الضوء على التكهنات بأن الجيش الأمريكي جلب الفيروس إلى الصين، وانتشرت القصة عالمياً من خلال نشرها في صحف دول عدة مثل “هلسنكي تايمز” في فنلندا ونيوزيلندا هيرالد.
ذكرت صحيفة New Zealand Herald أن لديها علاقة تجارية خاصة مع People’s Daily”، وتصنف المحتوى الخاص بها على أنه برعايتها ومراجعتها قبل النشر، إذ قال متحدث في رسالة بالبريد الإلكتروني: “بعد مراجعة القصة التي أشرت إليها، أزلنا هذا العنصر بعينه من موقعنا على الإنترنت”.
ذكرت هلسنكي تايمز أن لديها اتفاقية محتوى “مقايضة” مع People’s Daily، التي تصنف محتواها ولكنها لا تفحصه، بهذا الصدد قال أليكسيس كوروس محرر هلسنكي تايمز: “نعتقد أن التغطية الإعلامية الغربية في بعض الأحيان تكون منحازة للغاية من جانب واحد”، و”على الرغم من أن People’s Daily مملوكة للدولة، مثل BBC، فإننا نعتقد أنه من المفيد للجمهور العالمي أن يكون لديه كلا الجانبين من القصص.”
مع تبني الصين للمعلومات المضللة العلنية، استندت إلى استراتيجية المعلومات المضللة الروسية، وتحولت إلى شبكة راسخة من وكلاء الكرملين في الغرب لبذر ونشر الرسائل المضللة.
قالت جانيس سارتس مديرة مركز التميز للاتصالات الإستراتيجية لحلف الناتو، ومقره في ريغا بـ لاتفيا: “كان أحدهما يضخم الآخر ولكن إلى أي مدى كانت القيادة تحت السيطرة، ومدى الانتهازية، كان من الصعب تحديد ذلك، أضافت أنه على المدى الطويل ستكون الصين “هي المنافس والخصم الأكثر قوة بسبب القدرات التكنولوجية التي تستحضرها في أية مفاوضات”.
الحقيقة كما أراها
في كانون الثاني/ يناير، وقبل وقت طويل من بدء الصين في نشر معلومات مضللة علانية، اكتسحت وسائل الإعلام الحكومية الروسية شائعة لإضفاء الشرعية على النظرية القائلة بأن الولايات المتحدة صممت الفيروس كسلاح.
في 20 يناير، أعلنت الصحيفة التابعة للجيش الروسي، زفيزدا، أن تفشي المرض في الصين مرتبط باختبار أسلحة بيولوجية، نقلاً عن مرشح سياسي فشل أربع مرات اسمه “إيغور نيكولين”.
يدعي نيكولين أنه عمل مع الأمم المتحدة بشأن نزع السلاح في العراق من عام 1998 إلى عام 2003، بما في ذلك كمستشار للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان.
لكن الأمم المتحدة ليس لديها سجل لخدمته، إذ قال ريتشارد بتلر كبير مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة في ذلك الوقت لأسوشيتد برس إنه لم يسمع به من قبل، كذلك أكد هانز كوريل الذي شغل منصب وكيل الأمين العام للشؤون القانونية والمستشار القانوني للأمم المتحدة من 1994 إلى 2004، حيث عمل بشكل وثيق مع أنان أن نيكولين لم يعمل مع الأمم المتحدة.
قال نيكولين إن سجلات عمله في الأمم المتحدة ربما تكون قد دمرت وعلقت بسبب نظريته القائلة بأن كورونا هو سلاح بيولوجي أمريكي – وهو ادعاء تم فضحه مراراً وتكراراً.. “ما هو الدليل الآخر المطلوب ؟!” قال في رسالة بريد إلكتروني إلى أسوشيتد برس.
على مدار الشهرين التاليين ظهر أكثر من 70 مقالاً في وسائل الإعلام الموالية للكرملين، حيث نشرت ادعاءات مماثلة بشأن أسلحة بيولوجية باللغات الروسية والإسبانية والأرمنية والعربية والإنكليزية والألمانية، وفقاً لتحليل أسوشيتد برس لقاعدة بيانات جمعتها EUvs Disinfo، والتي تتعقب المعلومات المضللة للأوروبيين.
صحف إلكترونية كشفتها وزارة الخارجية الأمريكية وأخرى على أنها بمثابة وكيل موال لروسيا لعبت على قصة الأسلحة البيولوجية، ما عزز انتشارها وصدورها.
انضم السياسيون الروس إلى الجوقة، إذ جادلت البرلمانية ناتاليا بوكلونسكايا بأن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يكون سلاحاً بيولوجياً ابتكره “أولئك الذين يريدون حكم الكوكب” لتقويض الصين، بعد فترة وجيزة قال فلاديمير جيرينوفسكي الزعيم القومي للحزب الديمقراطي الليبرالي لروسيا إن اللوم يقع على الولايات المتحدة وشركات الأدوية الجشعة.
في غضون ذلك استمر نيكولين في شرح نظريته التي تحولت مع انتشار الوباء من هجوم على الصين إلى هجوم على ترامب، على الرغم من تناقضه، بحلول أبريل، ظهر نيكولين 18 مرة على الأقل على التلفزيون الروسي، وقال المسؤولون الأمريكيون أيضاً إن المخابرات الروسية تنشر سراً معلومات مضللة عن فيروس كورونا، بما في ذلك مزاعم بأن الفيروس كان سلاحاً بيولوجياً أمريكياً.
في 23 يناير، بدأت بكين في تنفيذ أكبر حجر صحي طبي في التاريخ الحديث، ما أدى إلى عزل عشرات الملايين من الأشخاص في بؤرة تفشي المرض في وسط الصين.. كانت الصور مروعة حيث كان الناس يائسين ويهربون من محطات القطار المزدحمة.
بعد وقت قصير من الساعة 11 صباح اليوم التالي، أرسل فرانسيس بويل أستاذ القانون في جامعة إلينوي رسالة إلكترونية كانت بمثابة “تنبيه عالمي” إلى 300 جهة اتصال، محذراً، دون دليل، من أن الصين كانت تطور الفيروس التاجي كسلاح بيولوجي في مجال السلامة الإحيائية داخل مختبر في ووهان.
خلال الأسابيع القليلة التالية، صقل بويل نظريته مؤكداً أن العلماء الصينيين لم يطوروا الفيروس بأنفسهم، لكنهم أخذوه من مختبر نورث كارولينا.
قال بويل لمنظّر المؤامرة أليكس جونز في بث تلفزيوني في 19 فبراير: “من الواضح أن هذا عامل حرب بيولوجي هجومي”.
انتشرت النظرية عبر منافذ إعلامية مثل One America News Network، وهي قناة مؤيدة لترامب، و Press TV الإيراني، و Global Research وشريكتها السابقة، مؤسسة ستراتيجيك كالتشر، وهي مجلة على الإنترنت تتنكر في صورة مستقلة ولكنها في الواقع تديرها خدمة الاستخبارات الأجنبية الروسية، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية.
أخبر بويل وكالة أسوشييتد برس أن استنتاجاته تستند إلى أبحاث وأنه لا يستطيع إيقاف منظري المؤامرة أو الحكومات الأجنبية من استخدام ادعاءاته لتحقيق غاياتهم الخاصة.
قال: “وظيفتي هي قول الحقيقة كما أراها”.
غسيل المعلومات
في 9 مارس، أعاد حساب رسمي على تطبيق “وي تشات” اسمه Happy Reading List نشر مقال يزعم أن الجيش الأمريكي أنشأ SARS-CoV-2، وهو الفيروس الذي يسبب كورونا المستجد، في مختبر في فورت ديتريك بولاية ماريلاند، وفقده في الصين خلال الألعاب العسكرية العالمية، وهي مسابقة دولية للرياضيين العسكريين، أقيمت في ووهان في أكتوبر 2019.
تم تسجيل الحساب الذي تم تعليقه في مايو 2019 من قبل امرأة من مقاطعة خينان بوسط الصين، ولم ترد على الرسائل، وليس من الواضح من كتب المقال أولاً والذي لا يزال من الممكن العثور عليه في حسابات “وي تشات” الأخرى.
في اليوم التالي، ظهرت عريضة مجهولة المصدر على بوابة البيت الأبيض We the People، وحضّت السلطات الأمريكية على توضيح ما إذا كان الفيروس قد تم تطويره في فورت ديتريك وتسريبه من المختبر، وقد غطت وسائل الإعلام الحكومية الصينية هذه العريضة بكثرة، على الرغم من حصولها على 1426 توقيعاً فقط من بين 100 ألف توقيع مطلوبة لكي يرد عليها البيت الأبيض.
في 11 مارس نشر لاري رومانوف، الذي يدعي أنه مستشار إداري سابق ومقره شنغهاي، مقالاً في غلوبال ريسيرش كندا، حيث كان مستبعداً بشكل كبير من قائمة النشر في هذه الدورية.
“كان هناك عدد من القصص المنتشرة في الفضاء الذي تسيطر عليه روسيا، ولكن تم التقاطها بواسطة غلوبال ريسيرش ثم طرحها كقصة خاصة بهم، ثم تم اعتمادها من قبل وسائل إعلام روسية تقول إن المحللين الغربيين في كندا يقولون ذلك، قال سارتس، مدير ستراتكوم في حلف الناتو: “إننا نطلق على هذا اسم غسيل المعلومات، “لقد كانوا مفيدين لفترة طويلة لعمليات تجميع المعلومات الروسية ومؤخراً للصينيين أيضاً.”
لم يستجب رومانوف ولا غلوبال ريسيرش لطلبات التعليق.
في اليوم الذي نشر فيه مقال رومانوف، صنفت منظمة الصحة العالمية رسمياً تفشي كورونا المستجد على أنه جائحة.
قضى تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جزءاً من بعد ظهر اليوم التالي في إعادة تغريد مقاطع فيديو كلب لطيف، بعد ذلك وفي وقت متأخر من تلك الليلة أرسل سلسلة من التغريدات على مدار 13 دقيقة أطلقت ما قد يكون أول تجربة رقمية عالمية حقيقية في الصين مع معلومات مضللة علنية.
كتب تشاو: “متى بدأ المريض صفر في الولايات المتحدة؟”، “كم عدد المصابين؟ ما هي اسماء المستشفيات؟ قد يكون الجيش الأمريكي هو الذي جلب الوباء إلى ووهان، تحلى بالشفافية! نشر بياناتك! الولايات المتحدة تدين لنا”.
في صباح اليوم التالي، حضّ تشاو مئات الآلاف من متابعيه على تويتر على قراءة مقال رومانوف وإعادة تغريده، بعد ساعة ونصف الساعة، أعطى غلوبال ريسيرتش دفعة أخرى، حيث أحال أتباعه إلى مقال سابق لـ رومانوف استشهد بتقارير وسائل الإعلام الحكومية الصينية للتشكيك في أصول الفيروس.
أضاف تويتر لاحقاً تحذيراً للتحقق من صحة الأخبار إلى تغريدة تشاو حول الجيش الأمريكي، ولكن باللغة الإنكليزية فقط، وكان هناك منشور مماثل بلغة الماندرين لم يحمل مثل هذا التنبيه، وضع تويتر أيضاً علامة للتحقق من الحقائق على واحدة فقط من نشرتي تشاو داخل محتوى غلوبال ريسيرتش.
قال متحدث باسم تويتر إن المنصة وسعت سياساتها للتعامل مع المعلومات المضللة عن كورونا المستجد، لكنها لم تعالج منشورات محددة تم الإبلاغ عنها بواسطة أسوشيتد برس.
أصبحت تغريدات تشاو في تلك الفترة أخباراً عالمية، وسيطرت على المناقشات السائدة حول فيروس كورونا المستجد. على تويتر وحده تم الاستشهاد بنشر تشاو القوي لـ 11 تغريدة في 12 و 13 مارس أكثر من 99 ألف مرة خلال الأسابيع الستة التالية، بما لا يقل عن 54 لغة، وفقاً للتحليل الذي أجرته DFR Lab . كان للحسابات التي أشارت إليه ما يقرب من 275 مليون متابع على تويتر وهو رقم يكاد يكون من المؤكد أنه يتضمن متابعين مكررين ولا يميز الحسابات المزيفة.
قام المحافظون المؤثرون على تويتر، بما في ذلك دونالد ترامب جونيور، بتوجيه ضربة قوية إلى تشاو، وأعادوا نشر تغريداته إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور المتابع لهم.
وهرعت غلوبال تايمز الصينية وما لا يقل عن 30 حسابا دبلوماسيا صينيا، من فرنسا إلى بنما لدعم تشاو، كما ساهم وزير خارجية فنزويلا ومراسل قناة روسيا اليوم في كاراكاس وحسابات عربية أيضاً في توسيع نطاق انتشار تغريدات تشاو بشكل كبير، ما ساعد على إطلاق أفكاره باللغتين الإسبانية والعربية.
قوبلت اتهاماته بمعاملة غير انتقادية في وسائل الإعلام الحكومية الروسية والإيرانية فيما ردت عليه بقوة مناقشات QAnon، لكن جمهوره الأكبر إلى حد بعيد يكمن داخل الصين نفسها – على الرغم من حقيقة أن تويتر محظور هناك – وشوهدت علامات التصنيف الشهيرة حول عاصفة تغريداته 314 مليون مرة على منصة التواصل الاجتماعي الصينية “ويبو”، والتي لا تميز وجهات النظر الفريدة.
في وقت متأخر من ليلة 13 مارس، نشر تشاو رسالة امتنان على موقعه الشخصي “ويبو” يقول فيها: “شكراً لكم على دعمكم لي، دعونا نعمل بجد من أجل الوطن الأم!”
مرض معد
في اليوم نفسه غرد تشاو بأن الفيروس ربما جاء من الجيش الأمريكي، وأعلن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أيضاً أن كورونا المستجد قد يكون نتيجة لهجوم بيولوجي.
عززت وسائل الإعلام الحكومية في إيران رسالة خامنئي بالاعتماد على مصادر أجنبية للتحقق من صحتها، على سبيل المثال، نقلت تسنيم نيوز عن نيكولين الخبير الروسي في الأسلحة البيولوجية، عندما توقع أن الولايات المتحدة صممت الفيروس لاستهداف الصين، كما نقلت Javan Online عن تغريدات تشاو زعماً أن المسؤولين الصينيين لديهم دليل على أن الولايات المتحدة وراء الوباء.
أشار القادة العسكريون والدينيون في إيران مراراً إلى الفيروس على أنه سلاح بيولوجي أمريكي الصنع، كما تم تضخيم تصريحاتهم بدورها من قبل وسائل الإعلام الروسية وتم بثها في الصين، حيث أثاروا المزيد من التكهنات.
قام الاتحاد الدولي للوسائط الافتراضية (IUVM)، وهي شبكة إيرانية تم تطهيرها مراراً وتكراراً من قبل فيسبوك وتويتر وغوغل، بتفعيل شبكة من المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي السرية لاتهام الولايات المتحدة بهندسة الفيروس والإشادة بقيادة وكرم الصين.
استشهد خامنئي مرة أخرى بنظرية المؤامرة القائلة بأن الفيروس صنع في أمريكا خلال خطابه السنوي بمناسبة العام الفارسي الجديد في 22 مارس، ولكن هذه المرة كمبرر لرفض المساعدة الأمريكية.
قال خامنئي: “لا أعرف مدى صحة هذا الاتهام ولكن عندما يكون موجوداً، فمن لديه قوى عقلية سليمة لن يثق في الأدوية التي سيصنعونها”، أضاف خامنئي: “من المحتمل أن يكون دواؤك وسيلة لنشر الفيروس أكثر”.
في اليوم نفسه، حطّت في إيران أول طائرتي شحن محملتين بالأطباء والإمدادات لمستشفى ميداني سعة 50 سريراً من منظمة أطباء بلا حدود.
في 23 مارس، قامت وزارة الخارجية الإيرانية على تويتر بإعادة طبع بحث عالمي لمقال من محطة الإذاعة الحكومية الصينية CGTN شكك في أصل الفيروس التاجي، ما يشير مرة أخرى إلى أنه تم إنتاجه في مختبر حكومي أمريكي في فورت ديتريك.
في اليوم التالي سحبت وزارة الصحة الإيرانية الإذن من منظمة أطباء بلا حدود لتسليم مساعدات طبية لمواجهة كورونا المستجد.
مسببات الأمراض كما تناولتها وسائل الإعلام
بعد عشرة أيام من أول تغريدات ” تشاو “حول المؤامرة، بدأ جهاز الإعلام الحكومي العالمي في الصين يدفع النظرية القائلة بأن ” تشاو”، والآن ” خامنئي” كانا يبثان الحقائق حول أصل الفيروس.
في مقال افتتاحي بلغة الماندرين بثته إذاعة الصين الدولية في 22 مارس جاء فيه: “هل أخفت الحكومة الأمريكية عمداً حقيقة كورونا المستجد بأنه مجرد إنفلونزا عادية؟، وتساءلت الافتتاحية عن حقيقة إغلاق معهد البحوث الطبية للجيش الأمريكي للأمراض المعدية في فورت ديتريك في ماريلاند، والذي يعتبر أكبر قاعدة اختبار كيميائية حيوية أُغلقت في يوليو / تموز 2019.
في غضون أيام ظهرت نسخ من الافتتاحية أكثر من 350 مرة في منافذ بيع الدولة الصينية، معظمها بلغة الماندرين، ولكن أيضاً في جميع أنحاء العالم باللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية والعربية، وفقاً لأسوشيتد برس.
انتشرت القصة في جميع أنحاء الصين من خلال حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تديرها الشرطة والمدعين العامين وإدارات الدعاية والجمعيات المناهضة للعبادة ورابطات الشباب الشيوعي، كما قامت سبعة سجون في مقاطعة سيتشوان وخمس محطات إذاعية مرورية على مستوى المقاطعات والبلديات وعشرات الحسابات التي تديرها شركة CCTV الإعلامية الحكومية العملاقة بإلغائها.
روّجت سفارة الصين في فرنسا للقصة على تويتر و فيسبوك، كما ظهرت على يوتيوب و “ويبو” و “وي تشات” ومجموعة من منصات الفيديو الصينية، بما في ذلك Haokan و Xigua و Baijiahao و Bilibili و iQIYI و Kuaishou و Youku. حيث ظهرت نسخة مدتها سبع ثوانٍ على Douyin، النسخة الصينية من تيك توك.
قالت ماريكا أولبيرغ زميلة بارزة في برنامج آسيا التابع لصندوق مارشال الألماني: “من الواضح أن الدفع بهذه الأنواع من نظريات المؤامرة والتضليل لا يؤدي عادةً إلى أي عواقب سلبية بالنسبة لهم”.
وجدت أسوشيتد برس أن القصة تمت مشاهدتها أكثر من 7 ملايين مرة عبر الإنترنت، مع أكثر من 1.8 مليون تعليق أو مشاركة أو رد فعل، هذه الأرقام هي أقل من العدد لأن العديد من المنصات لا تنشر أرقام حول عدد المشاهدات أو التعليقات، ولا تأخذ في الحسبان نسبة مشاهدة التلفزيون أو تداولها في مجموعات مغلقة، ولكن بلغ إجمالي عدد المتابعين للحسابات التي تروج للمحتوى أكثر من 817 مليون متابع، على الرغم من احتمال أن يكون العديد منهم مكررين أو مزيفين.
عززت المؤامرات التي قيل إنها بدأت في الولايات المتحدة من موقف الصين، في أواخر شهر مارس قام جورج ويب، صاحب نظرية المؤامرة الهادفة للربح في واشنطن العاصمة، باغتيال أحد جنود الاحتياط بالجيش الأمريكي باعتباره المريض صفر، مدعياً على موقع يوتيوب أنه جلبت الفيروس من فورت ديتريك إلى ووهان خلال الألعاب العسكرية في أكتوبر.
تم تداول فيديو “ويب” على نطاق واسع في الصين والتقطته شركة غلوبال تايمز التي تديرها الدولة، تلقت المرأة التي اتهمت زوراً تهديدات بالقتل وتم سحب مقطع فيديو ويب من يوتيوب، لكنه بقي موجوداً في الصين على تطبيق “ويبو”، حيث حصد ملايين المشاهدات.
بحثاً عن نهاية
في أبريل، أسقطت روسيا وإيران إلى حد كبير مؤامرة الأسلحة البيولوجية في رسائلهما العلنية. كان لديهم قلقا أكثر إلحاحاً وهو زيادة أعداد ضحايا كورونا المستجد.
كانت بكين محاصرة بمطالبات الرد على الاتهامات الموجهة ضدها، في الولايات المتحدة كانت هناك دعوات لـ “تعريفة وبائية” وإلغاء ديون الولايات المتحدة مع الصين، حيث بدأ الجمهوريون في الكونغرس بتقديم تشريع لتجريد الصين من حصانتها السيادية حتى يتمكن الأمريكيون من رفع دعوى.
دعا المسؤولون الأستراليون إلى إجراء تحقيق في أصل وانتشار فيروس كورونا المستجد، رداً على ذلك أصدر تشنغ جينغي سفير الصين لدى أستراليا، تهديداً مبطناً. عندما قال: “ربما سيقول الناس العاديون لماذا نشرب النبيذ الأسترالي؟ أكل لحم البقر الأسترالي؟ “.
في غضون شهر حظرت الصين لحوم البقر من أربعة منتجين أستراليين كبار وفرضت تعريفة بنسبة 80٪ على الشعير الأسترالي- وهي خطوات يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها انتقامية، على الرغم من أن الصين نفت هذه التهمة.
واصل المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية الترويج لمؤامرات كورونا المستجد المصنوعة في أمريكا.
في 16 مايو/ أيار أطلقت هيئة الإذاعة الحكومية CGTN فيلماً وثائقياً عن مجموعة فورت ديتريك ترافق مع موسيقى رعب, تمت مشاهدته على قناتها على يوتيوب أكثر من 82000 مرة، لم يبلّغ موقع يوتيوب عن الفيديو على أنه محتوى ترعاه الدولة، على الرغم من سياسة 2018 لتصنيف مقاطع الفيديو الممولة من الحكومة، وقال متحدث باسم يوتيوب إنه نظراً لأن الفيديو يتعلق بـ كورونا المستجد، فقد تمت تسميته بلوحة معلومات حول الفيروس بدلاً من الناشر.
تم تشغيل الفيديو على منصة Bilibili الصينية 378 ألف مرة وبثه باللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والإندونيسية والفلبينية – بالإضافة إلى قناة NTV، وهي محطة تليفزيونية في هيوستن فشلت في ملاحظة أن المحتوى كان دعاية للحكومة الصينية.
قالت NTV إنها أزالت الفيديو الذي أبلغت عنه أسوشيتد برس، قال نافروز براسلا الرئيس التنفيذي لشركة NTV، التي تقول إنها أكبر شبكة تلفزيونية في جنوب آسيا في أمريكا الشمالية: “لقد حذرت قسم غرفة الأخبار لدينا من المستقبل”.
في شهري يوليو وأغسطس، أعاد تشاو المتحدث باسم وزارة الخارجية إحياء مؤامرة فورت ديتريك في تغريدات لم يتم وضع علامة عليها للتحقق من الحقائق: “لا يزال هناك الكثير من الأمور غير الواضحة بشأن مختبر فورت ديتريك الأمريكي وأكثر من 200 مختبر حيوي في العالم”، كان هذا ما كتبه في 11 أغسطس.
في 14 يناير 2021، وصل فريق من منظمة الصحة العالمية إلى الصين للتحقيق في أصول تفشي المرض، في اليوم التالي وفي أحد الإجراءات الأخيرة لإدارة ترامب، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية “ورقة بحثية” تفيد بأن الوباء قد يكون نتيجة تسريب من معهد ووهان لعلم الفيروسات، الذي زعمت أنه تعاون فيه مشاريع سرية مع الجيش الصيني.
ودانت وزارة الخارجية الصينية تلك المزاعم ووصفتها بـ “جنون اليوم الأخير” للسيد كذاب”.
وقالت المتحدثة هوا تشون ينغ في مؤتمر صحفي يوم 18 يناير: “أود أن أؤكد أنه إذا كانت الولايات المتحدة تحترم الحقائق حقاً، فعليها فتح المختبر البيولوجي في فورت ديتريك، وإعطاء المزيد من الشفافية لقضايا مثل أكثر من 200 مختبر حيوي خارجي، ودعوة خبراء منظمة الصحة العالمية لإجراء تعقب المنشأ، وانتشرت تصريحاتها في الصين.
كانت المعلومات المضللة عن فيروس كورونا المستجد مفيدة لوزارة الخارجية الصينية، داخل الصين يتمتع تشاو وزملاؤه بقاعدة جماهيرية متزايدة وقد ارتفع عدد متابعيهم على تويتر، لدى Zhao الآن أكثر من 879000 متابع على تويتر.
أثيرت تساؤلات حول حجم هذا الجمهور الحقيقي ومقدار الحسابات المزيفة، إذ قالت وزارة الخارجية الصينية إن التكهنات لا أساس لها من الصحة.
وقالت الوزارة لوكالة أسوشييتد برس: “إن نشر معلومات مضللة حول الوباء ينشر بالفعل” فيروس سياسي “، “المعلومات الزائفة هي العدو المشترك للبشرية، وقد عارضت الصين دائماً إنشاء ونشر معلومات كاذبة.”