أثارت العناوين التي تصدرت الصحف المحافظة في كوريا الجنوبية، موجةً من الغضب… فهل خطط رئيس كوريا الجنوبية مون جاي، وإنْ بسرية تامة، لإنشاء محطة نووية في البلد الذي يعتبراً عدواً لدوداً، كوريا الشمالية؟ إنّه أمر خطير، إذ أنّ الشمالية تمتلك قدرات نووية، وما من شأن بناء محطة نووية أخرى، سوى جعلها أقوى!
فكرة المحطة النووية منفصلة عن الواقع
إنّ السبب الذي جعل الأمر فاضحاً، هو أنّ فكرة بناء الكوريين الجنوبيين محطة نووية في كوريا الشمالية، تبدو منفصلة عن الواقع تماماً، وفق ما يعلّق العضو المخضرم في معهد “أسان” للدراسات السياسية، غو ميونغ هيون لـ”أخبار الآن“.
يستند هذا الجدل على تبرير ما، إذ أن مون جاي والتقدميين لهم فلسفة خاصة في ما يتعلق بكوريا الشمالية، ألّا وهي أنّ التعاون الإقتصادي هو السبيل الوحيد للمضي قدماً. تتوالى الخطط والأفكار باستمرار بغية إنهاء حالة الحرب بين البلدين. بالتالي فإن بناء محطة نووية ليس بالأمر المستبعد.
ويضيف غو لـ”أخبار الآن” أنّ التعاون الإقتصادي هو القوّة الأساسية التي من شأنها تحقيق التعايش. من المنطق أن يخرج الطرفان رابحين. من جهة تمنح كوريا الجنوبية جارتها ما تفتقر له وهو الطاقة، ومن جهة أخرى تقدّم كوريا الشمالية ما تمتلك وفرة منه، أي اليد العاملة والموارد الطبيعية.
لكن مون جاي أيقن أنّ الخطة لن تلقى استحساناً شعبياً، فارتأى أن يبقي الأمر سرّاً، وهذه حجة المعارضة على الأقل. تمّ تداول الخبر من قبل المحافظين بشكل أساسي، وهم المعروفون بمعارضتهم للرئيس الليبرالي. وطرح وزير التوحيد لي إن يونغ أسئلة حول ما إذا كان ذلك تحضيراً للإنتخابات المرتقبة في كوريا الجنوبية، حيث أنّ هذه الأنباء تُزعج القاعدة المحافظة المعارضة لكوريا الشمالية. والمشكلة تكمن في استحالة بناء محطة نووية بسبب العقوبات الدولية على كوريا الشمالية، وعدم قابلية تحقيقها وإنْ بشكل سري.
بناء محطة نووية في كوريا الشمالية بسرية غير ممكن
من جانبه، يقول الأستاذ في شؤون الأمن القومي في جامعة الدفاع الوطني الكورية، كيم يونغ جون، لـ”أخبار الآن”، إنّ بناء محطة نووية في كوريا الشمالية بسرية غير ممكن.. فالمجتمع الدولي مثل موقع “38North” ، يراقب كوريا الشمالية باستمرار من خلال الأقمار الصناعية.
وقد رفض مون وحكومته فكرة “الخطة”.. وهي مع ذلك، فكرة قديمة تمّ تطويرها في إحدى الوزارات في العام 2018 عندما كانت العلاقات جيّدة بين الكوريتين. وكانت أصدرت وزارة التجارة والصناعة والطاقة وثيقة من ست صفحات لإنهاء الجدل، تحت عنوان “خطة للدفع قدماً نحو بناء محطة نووية في كوريا الجنوبية”، وضعت الورقة سيناريوهات عدة لإنشاء المحطة وذكرت الفوائد المحتملة، إلّا أنّ الأمر لم يتعد كونه خطة لم ترتقِ لتكون سياسة رسمية للحكومة.
أمّا جذور الفكرة فتعود للعام 1995 عندما تمّ طرح خطة حقيقية لبناء مفاعل الماء الخفيف في الشمال. وقد حظيت هذه الخطة بموافقة الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية.
ويعتقد غو، في حديثه لـ”أخبار الآن“، أنّه تمت إزالة الغبار عن اقتراح سابق طُرح في الحكومة، ثمّ أعيد تقديمه بحلّة جديدة إلى البيت الأزرق. ويختم قائلاً: “هذا ما حصل على ما أظن”.
سيمنح هذا الأمر الشمال إمدادات من الطاقة أكثر استقراراً، إذ أنّ ربع السكان فقط يحصلون على الكهرباء، وفقاً لما أفادت به وكالة المخابرات المركزية، وربما يكون الأمر الأهم، أنّه قد يمنح الجنوب سيطرة قوية على المواد النووية لكوريا الشمالية.
ومن ثم نقع في مشكلة أخرى يواجهها الجنوب طوال الوقت. إذ لا تتعامل كوريا الشمالية مع الجنوب على أساس مبدأ يكون مكسباً للطرفين، لا سيّما إذا كان ينبغي عليهم التخلي عن السيطرة على أمر مهم كالمواد النووية، فسيشّكل ذلك عوناً كبيراً في الحدث المستقبلي المحتمل لنزع السلاح النووي.
لكنّهم أيضاً لا يرون هذه المقترحات على أنّها مكسبٌ للطرفين على الإطلاق. لذا وعلى الرغم من أنّ الليبراليين في الجنوب يواصلون المحاولة لتحقيق أمر ما، إلّا أنّ ذلك لن يتحقق لأنّ الشمال يريد الأمور التي لا يُسمح له بتقديمها.
كما يقول غو: “ضخ هائل للمال والتكنولوجيا وكافة البضائع محظورة بموجب عقوبات الأمم المتحدة”.
حتى لو تمكنوا من إعداد أمر ما، فليس من المعقول أن يبقى قائماً.. والمثال الأكثر وضوحاً هو حين أنفقت كوريا الجنوبية أموالها الطائلة الخاصة لبناء مكتب اتصال على الجانب الشمالي من الحدود، وهو مشروع كبير يهدف إلى إخراج بيونغ يانغ من البرودة الديبلوماسية؛ لكن حين أرسل منشق كوري شمالي منشورات عبر الحدود، قصفوا المشروع ودمروه.
كانت أوضح رسالة يمكن أن يرسلوها: “لسنا مهتمين حتى بالتحدث معكم”. لكن الرسالة لم تلقَ آذاناً صاغية. وفي العام الجديد، أعلن مون جاي أنّه “سيلتقي… في أي وقت وفي أيّ مكان، واستعداده للتحدث… لا يتغيّر”.
خياران مطروحان على الطاولة
إنّه عامه الأخير في منصب رئاسة كوريا الجنوبية، وهو متمّسك بفكرته بشأن التعاون الإقتصادي، من حيث الجوهر بحسب ما قال كيم يونغ جون، الأستاذة في شؤون الأمن القومي، “ما من خيار آخر”.
وقال إنّ “نتائج “الصبر الاستراتيجي” (أي سياسة أوباما) و”العقوبات والانتظار” تطرح المزيد من الأسلحة النووية والصواريخ. لذا، وبخلاف الضربات العسكرية على كوريا الشمالية التي قد تؤدي إلى مئات الآلاف من الضحايا، فإن هذين الخيارين مطروحان على الطاولة.
وقال كيم، وهو أيضاً عضو في المجلس الإستشاري للأمن القومي لرئيس جمهورية كوريا: “بالتالي، فإنّ سياسة مون (أي المشاركة) ليست خياراً، لكنّها الخيار الوحيد بخلاف “الصبر الاستراتيجي” أو أيّ خيار عسكري”.
إذاً، حتى وإنْ انتقد كيم جونغ أون كوريا الجنوبية لتقديمها التعاون في “القضايا غير الأساسية”، مثل فيروس كورونا والمساعدات الإنسانية والسياحة، سيظل مون جاي يحاول جذبهم مرة أخرى إلى دائرة الضوء الدولية، لأنّه الخيار الوحيد الذي لا يؤدّي إلى المزيد من إنتاج الأسلحة النووية أو الخسائر الجماعية.
ويمكن لكيم جونغ أون الإستمرار في الضغط على مون، للمطالبة بأمور يريدونها لكنهم يدركون أنّهم لا يستطيعون الحصول عليها، ما يسمح لهم بالإستمرار في القيام بما كانوا يفعلونه طوال هذا الوقت، وهو طلب أمراً ما أثناء بناء القدرات النووية. لكن مون يتمسك بأمل، لناحية أنّهم سيجدون تلك الفرصة الذهبية التي ستجعل كيم جونغ أون يتوقف عن استفزازاته ويعود إلى الطاولة.
وقال غو ميونغ هيون: “إذاً، يمكنكم رؤية الأمر المتعلق برمي كلّ شيء، ومعرفة ما إنْ كان ذلك عبارة عن وضع عصي في الدواليب”.
شاهد أيضاً: كوريا الشمالية تكشف عن “أقوى سلاح في العالم” في عرض عسكري ضخم