مرّة جديدة، أرجأت محكمة باكستانية محاكمة “شاكيل أفريدي”، الذي ساعد القوات الأمريكية على مطاردة زعيم تنظيم “القاعدة” السابق أسامة بن لادن في باكستان وتحديد موقعه.
وفي مايو العام 2011، كان قتل بن لادن في عملية للقوات الخاصة الأمريكية في منطقة أبوت آباد الباكستانية. وبعد فترة، احتجزت السلطات الباكستانية أفريدي، وهو ما زال يقبع في السجن حتى الآن، وقد جرى حتى الآن تأجيل محاكمته 17 مرة منذ أن بدأت محكمة بيشاور العليا جلسة الإستماع إليه في العام 2018.
وكان أفريدي يشارك في حملة تطعيم ضدّ شلل الأطفال في المنتجع السياحي الباكستاني، أبوت آباد، حيث زُعم أنّ الطبيب أخذ هناك مسحات من أطفال بن لادن، وهو الأمر الذي أدّى إلى التعرّف عليه.
وتزعم السّلطات وأولئك الذين يعارضون معلوماته، أنّ أفريدي خانَ الثقة والولاء تجاه بلده بالتجسس على “قضية الأمن القومي”. حتى أنّ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ادّعى أنّ شاكيل أفريدي كان مسؤولاً عن انتشار شلل الأطفال في البلاد.
ونقلت وسائل الإعلام عن خان قوله إنّ “شلل الأطفال قضية خطيرة للغاية، وإنّ حكومته ملتزمة بالقضاء عليه، لكن حملة التطعيم الوهمية التي يديرها أفريدي خلقت عدم ثقة بين الناس الذين شككوا في العاملين الصحيين”.
وبمعزلٍ عن التصوّر العام لما فعله لبلده والعالم، تظلّ الحقيقة أنّ أفريدي عمل بشكلٍ هائل من أجل القضاء على شلل الأطفال الذي ابتليت به باكستان، وما زال يمثل تحدّياً صحياً للحكّام هناك.
ويثني البعض على الطبيب لإنقاذه بلاده والعالم أجمع من خطر الإرهاب، في حين يرى البعض الآخر أنّ أفريدي انتهك المصلحة الوطنية وارتكب “الخيانة العُظمى”. وفي الوقع، فإنّ هذه الآراء المُتضاربة لا تقلل أو تنتقص من دور أفريدي في محاكة خطر شلل الأطفال وخدمة الإنسانية.
وفي السياق، تقول مصادر عائلة أفريدي لـ”أخبار الآن“، إنّ “محاكمة الأخير تأجّلت مرّات عديدة بناءً على اتهامات واهية”، مشيرين إلى أنّ “السلطة كانت تتعمّد عرقلة العدالة لأفريدي الذي يقبع في السجن منذ العام 2011″.
من جهته، يقول جميل أفريدي، الأخ الأكبر للطبيب، في حديث لـ”أخبار الآن“، إنّ “شاكيل لم يكن على ما يُرام، ويعاني من ضغوط نفسية وانفصام بالشخصية. ويضيف أفريدي: “لقد تمّ وضع أخي في زنزانة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 1.5 متر مربع، وذلك في سجنٍ شديد التحصين ومجهّز بأجهزة أمنية عالية التقنية”.
ولفت أفريدي إلى أنّ “التسهيلات المسموح بها للسجناء العاديين بموجب دليل السجن تمّ رفضها للدكتور أفريدي”، وقال: “لا يسمحون له بأخذ الصابون وشفرات الحلاقة والمنشفة ومعجون الأسنان والفرش والنعال والجوارب والسترات. إن صحته تتدهور بسرعة في الزنزانة الصغيرة”، ويتابع: “لقد رفضوا السماح بإدخال المسبحة وسجادة الصلاة حتّى إلى الزنزانة”.
وكان سجن ساهيوال في وسط البنجاب والذي يقبع فيه أفريدي، قد تمّ تشييده للسجناء الخطيرين والبارزين من جميع أنحاء البلاد. ويحتوي هذا السجن على نظام قفل تلقائي لكلّ خلية فضلاً عن أدوات متطوّرة، بما في ذلك كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التشويش والبوابات التفصيلية وأبراج المراقبة، فضلاً عن دوريات على مدار الساعة وغطاء أمان من 5 طبقات. وفي الواقع، فإنّ هذه العوامل تجعل هذا السجن واحداً من السجون الأكثر حماية في باكستان.
بدوره، يقول قمر نديم، محامي شاكيل أفريدي لـ”أخبار الآن“، إنّ المحكمة ستحدد موعد محاكمة الطبيب خلال أسبوع، ويضيف: “الطبيب المريض لا يزال يأمل في محاكمة عادلة لكن الإدعاء يؤخّر العدالة مراراً وتكراراً. لقد تمّ تأجيل جلسة الإستئناف مرّات عديدة لمجموعة من الأسباب المختلفة، التي تصل إلى حدّ إنكار العدالة وعرقلة حقّه في محاكمة عادلة”.
ويلفت نديم إلى أنّه “لم يُسمح لأفريدي بالكشف عن تفاصيل نظامه الغذائي في السجن لأيّ شخص”، ويتابع: “لقد تمّ تحذيره من التحدّث بلغته الأم (ألشتو)، ويتوجب عليه التواصل باللغة الأردية (اللغة الوطنية لباكستان) خلال كلامه مع أقاربه في السجن. ومنذ الأشهر القليلة الماضية، تمّ وضع قيود على محامِي أفريدي ولم يسمحوا له بمقابلته”.
وعلى الرغم من التصوّر العام، لم يُسجن أفريدي بتهمة الخيانة؛ وبدلاً من ذلك، فهو يقضي عقوبة بالسجن 23 عاماً لعلاقته بجماعة محظورة تحمل اسم “عسكر الإسلام”، كما جاء في مذكرة الإستجواب.
وفي هذا الاطار، فقد قال نديم لـ”أخبار الآن” إنّ “هذه المزاعم بحقّ أفريدي مُلفقة على نطاق واسع، وذلك لمعاقبته على مطاردة أسامة بن لادن”، وأضاف أنّ “أفريدي أدين في قضية ملفقة لمعاقبته لمساعدته وكالة المخابرات المركزية في تعقّب أسامة بن لادن، وهو عمل تعتقد السلطات الباكستانية أنّه خيانة”. ولفت نديم أيضاً إلى أنّ “تهمة تمويل وإيواء وتسهيل جماعة عسكر الإسلام الإرهابية كانت من أجل التغطية القانونية لسجنه”. ويشير إلى أنّ “أفريدي يقبع في السجن لسنوات وهو يواجه تهماً زائفة لم يتم إثباتها مطلقاً في أي مرحلة من معركته القانونية المطولة”.
واعتُقل شاكيل أفريدي في العام 2012، وحُكم عليه من قبل محكمة قبلية بالسجن 33 عاماً بموجب لائحة جرائم الحدود الصارمة (FCR) بتهمة التواطؤ مع منظمة “عسكر الاسلام”، وذلك بعد عام من قتل القوات الأمريكية لأسامة بن لادن في أبوت آباد.
وفيما بعد، جرى تخفيض المدة الاجمالية للسجن إلى 23 عاماً. ومع هذا، فإنّ مذكرة الإستجواب التي جرى توجيهها إليه، لم تذكر تواطؤ الطبيب في مساعدة المخابرات الأمريكية.