الإيغور يعانون الأمرين من زيارات ممنهجة يجريها الحزب الشيوعي الصيني
تتوالى التقارير والوثائق التي تدين الحزب الشيوعي الصيني في ممارساته ضد أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ وآخرها تقرير صدر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” تناولت فيه القمع الهائل للأقلية المسلمة وكيف وظف الحزب الحاكم مئات الآلاف من اتباعه ضمن كوادر منظمة مهمتها الأساسية التجسس على العائلات الإيغورية وغسل أدمغتها وحتى التطفل عليها دون أن يكون لهم الحق في رفض هذه الزيارات.
المنظمة في تقريرها ذكرت أنه منذ أوائل عام 2018، فرضت السلطات الصينية ما يعرف بـ “الزيارات المنزلية” بشكل منتظم على العائلات في منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة. هذه الزيارات تعتبر جزءاً من حملة الحزب الشيوعي المتصاعدة منذ عام 2016 بهدف تحطيم العائلات الإيغورية وطمس ثقافتها وإجبارها على الإيمان بمعتقدات الحزب الحاكم وزعمائه التقليديين.
ولفت التقرير أنه خلال تلك الزيارات، يُطلب من العائلات تزويد المسؤولين بمعلومات حول حياتهم وآرائهم السياسية، ويتعرضون للتلقين السياسي.
“مايا وانغ”، وهي باحثة في الشؤون الصينية بمنظمة هيومن رايتس ووتش قالت، إن “العائلات المسلمة في جميع أنحاء شينجيانغ تأكل وتنام في الوقت الحالي تحت أعين الدولة دون أن يكون لديها أية خصوصية”.
ومنذ عام 2014، أرسلت السلطات إلى شينجيانغ 200 ألف فريق من الوكالات الحكومية والشركات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة، لزيارة ومراقبة الناس بانتظام.
الحزب الشيوعي برر الإجراءات السابقة بأنها تنضوي تحت مبادرات ُرمز إليها بـ”زيارة الناس، وإفادة الناس، والجمع بين قلوب الناس” وذلك بهدف حماية الاستقرار الاجتماعي، وفق ما يدعيه منظرو ذلك الحزب.
في أكتوبر 2016، واصلت السلطات توسيع حملاتها في شينجيانغ وأطلقت بعضاً منها تحت مسميات براقة مثل “أن نصبح عائلة”، وكان نحو 110 آلاف مسؤول يقومون بزيارات منتظمة للسكان المسلمين كل شهرين، زاعمين أنهم يحاولون “تعزيز الانسجام العرقي”، لتتوسع تلك الحملة لاحقاً بشكل كبير في الأشهر الأخيرة من 2016 وبدايات عام 2017.
فعلى سبيل المثال حشدت السلطات في شهر ديسمبر 2017، أكثر من مليون فريق مهمتهم قضاء أسبوع في منازل الإيغور الريفية بشكل خاص.
وفي أوائل عام 2018، مددت السلطات برنامج “الإقامة في المنزل” ليقضي أعضاء الفرق خمسة أيام على الأقل كل شهرين في منازل العائلات، طبعا لا يمكن توقُع رفض تلك العائلات للزيارات الحكومية، وفق ما توصلت إليه المنظمة الحقوقية.
ويؤدي أعضاء الفرق العديد من الوظائف أثناء إقامتهم تلك، فيقومون بجمع وتحديث المعلومات حول العائلات، وفيما إذا كان لديهم أقارب مهاجرون أو فارون، ويدرسون آرائهم السياسية ومعتقداتهم الدينية، كما يحاول أعضاء تلك الفرق ملاحظة أي مشاكل أو مواقف غير عادية والإبلاغ عنها مثل عدم شرب الكحول أو الصلاة. ولا يكتفون بذلك بل يقومون بإجبار الإيغور على تغيير معتقداتهم إضافة إلى قيامهم بمهام التلقين السياسي وغسيل الأدمغة والترويج لـ “فكر شي جين بينغ” وإدعاء وجود اهتمام غير مسبوق من قبل الحزب الشيوعي بشينجيانغ وسكانها.
ولعل من أبرز المهام التي توكل لتلك الفرق، هي تحذير الإيغور من ما تعتبره مخاطر “القومية الإسلامية” و الأيديولوجيات التي تعتبرها بكين مهددة لوجودها.
ترهيب وترغيب
من أخطر الأمور المتعلقة بالزيارات العائلية، التدريبات التي تلقاها الموظفون في الفرق والكوادر التي تجري زيارات منتظمة للعائلات الإيغورية، وتلفت هيومن رايتس ووتش إلى أنه طُلب من تلك الفرق إظهار إحساس بالوحدة العرقية بين العائلات وأغلبية الهان، وتعليم العائلات الماندرين، لغة الغالبية من الهان؛ وإجبار الإيغور على غناء النشيد الوطني الصيني والأغاني الأخرى التي تمدح الحزب الشيوعي الصيني؛ ومشاركة العائلات في الحفل الأسبوعي لرفع العلم الوطني، وإجبار العائلات أيضًا على المشاركة في الأنشطة مع الفرق والكوادر الحكومية، مثل احتفالات رأس السنة الصينية الجديدة، فضلاً عن الألعاب الجماعية والرقص والرياضة. ويُطلب من الكوادر أيضًا مساعدة العائلات، من تجريف الأراضي وزرع الشتلات إلى مساعدتهم في الحصول على الإعانات والمزايا الحكومية، بغض النظر عما إذا كانت هذه المساعدة قد طُلبت أم لا.
وتورد منظمة هيومن رايتس ووتش بعض الأمثلة على الزيارات القسرية لعائلات الإيغور نذكر بعضاً منها:
منذ مارس / آذار الماضي، طُلب من كل كادر في مقاطعة “وينسو” بمحافظة “أكسو” البقاء في منازل الإيغور لمدة لا تقل عن ثمانية أيام في الشهر. يصف مقال رسمي كيف بعد يوم عمل في المكتب، جلب موظفون فراشهم الخاص إلى منزل أحد الإيغوريين وأبلغوه أنهم سيقضون ليلتهم عندهم.
في محافظة “إيلي”، تُظهر وثيقة رسمية مؤرخة في الأول من أبريل / نيسان أنه يتعين على الكوادر زيارة منازل الأقليات لمدة خمسة أيام كل شهرين.
وفي محافظة “باينغولين مونغول”، يُطلب من كل أسرة استقبال موظفي الكوادر لمدة تصل إلى 14 يومًا كل شهر.
المشاركة في الأماكن الحميمية
تقوم الفرق بتوثيق أنشطتهم بدقة، بما في ذلك تقديم تقارير عن أماكن الإقامة مع الصور المصاحبة، والأدهى ما ذكرته المنظمة الدولية، من أن أعضاء الفرق يعيشون مع الإيغور في “أكثر الأماكن حميمية” كالنوم معهم على الأسرة وترتيبها معهم وربما الاستحمام معهم في بعض الأحيان.
وبالعودة إلى الخبيرة الحقوقية وانغ والتي شددت على أن “ممارسات الاندماج القسري العدوانية التي تمارسها الصين ضد المسلمين لا تنتهك الحقوق الأساسية فحسب، بل من المرجح أيضًا أنها تعزز وتعمق الاستياء في المنطقة”. مطالبة المسؤولين الصينيين بوقف جميع الحملات التي يتعرض لها الإيغور على الفور.
كما أكدت هيومن رايتس ووتش في تقريرها على ضرورة وقف برامج الزيارة على الفور من قبل الحكومة الصينية، لما فيها من انتهاك صارخ للحق في الخصوصية والحياة الأسرية والحقوق الثقافية للأقليات العرقية المحمية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.