بعد نحو شهرين على الانقلاب، تتواصل الإحتجاجات في معظم مدن ميانمار وشوارعها، توازياً مع إضراب شمل قطاعات مختلفة، ضمنها دوائر حكومية ومصارف ومدارس ومستشفيات… إنّها ثورة الربيع، كما أسماها المحتجون الذين يستخدمون التحية ثلاثية الأصابع، وهي الإشارة البارزة في مواجهة الحكومة التي يصفونها بالإستبدادية.
وقد نظم المتظاهرون المناهضون للمجلس العسكري في ميانمار المزيد من المسيرات يوم الجمعة، بعد ورود أنباء عن مقتل 9 أشخاص بالرصاص في اليوم السابق. الإحتجاجات أضاءتها الشموع ليلاً، وهو ما يقوم به المحتجون مساء كل يوم منذ بدء التحركات الإحتجاجية، في كلّ أنحاء البلاد، بما في ذلك مناطق ماندالاي وساجانج، وكذلك في ولايتي كارين وتشين.
كذلك قامت مجموعة من الشبّان المعارضين بقرع الطبول، في تعبير إحتجاجي، في منطقة سولي وسط مدينة يانغون، لكنّهم تعرّضوا للمطاردة من قبل القوى الأمنية. وتوازياً، دعا منظمو الإحتجاجات إلى تظاهرات واسعة النطاق يوم السبت، إحياءً لذكرى بدء المقاومة العسكرية للاحتلال الياباني في العام 1945.
الإنقلاب كان حتمياً، وفق مين أونج هلاينج، الذي قرّر الشروع بهذه الخطوة لاعتباره أنّ ثمة تجاهلاً لمزاعم الجيش بالتزوير في الانتخابات العامة في نوفمبر 2020، والتي فازت فيها الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة أونغ سان سو كي، التي ما زالت قيد الإعتقال، وقد توفي إثنان من أعضاء حزبها في الحجز.
يحاول الجيش في ميانمار قمع التظاهرات بشتّى الأساليب، ومنها الطلب إلى شركات الاتصالات إغلاق شبكة الإنترنت في إطار التعتيم الاعلامي على ما يجري، ومنع انتشار فيديوهات التي تظهر حجم القمع الذي يتعرّض له المتظاهرون.
حصيلة قتلى عنف الجيش في ميانمار منذ الأول من فبراير، تجاوزت الـ 300 وفقاً للأرقام التي جمعتها مجموعة ناشطي جمعية مساعدة السجناء السياسيين (AAPP)، وتظهر بياناتها أنّ ما لا يقل عن 25 % من القتلى ماتوا برصاص في الرأس، ما يثير الشكوك في أنهم استهدفوا عمدا بالقتل. أمّا حصيلة الاعتقالات، فتقترب من الـ 3000 وفق المنظمات المدنية في ميانمار.
المجلس العسكري نشر قواته في كلّ أنحاء البلاد، وأقام الحواجز على الطرقات، فيما سيطر على المستشفيات والجامعات في المدن الكبرى، وأجبر المدنيين على الامتثال للأوامر، فيما يسعى المعارضون للوصول إلى مليار دولار من أموال ميانمار المحفوظة في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، والتي جمّدها البنك بعد الانقلاب لمنع المجلس العسكري من سحبها.
“نطالب بحماية المجتمع الدولي ولسنا بحاجة لتصريحات”!
وتقول الناشطة البورمية آية تهت الزين، لـ”اخبار الآن“: “إذا كان المجلس العسكري في السلطة، فلا أحد يستطيع أن يتكلم، فهم لا يراعون حقوق الأنسان الأساسية حتى. على الرغم من أنّني لست خبيرة في السياسة، لكنّني أعرف أنّ للجيش هدفاً للإحتفاظ بالسلطة لعقود، إنّ السبب وراء الانقلاب هو الوفاء الكامل بالوعود التي قطعوها للصين بشأن بناء خزان ضخم للمياه عن طريق إغلاق نهر أيوردي”.
وتتابع: “نحاول الآن الدفاع عن أنفسنا لكننا لا نستطيع ذلك لأنّنا غير مسلحين. بعد كلّ هذه الأعمال الوحشية قطع الجيش كل أنظمة الاتصالات، بما في ذلك الإنترنت والواي فاي منذ 18 مارس، ما يعني أنّه سيتم حجب تدفق المعلومات، وبالتالي العالم لا يستطيع أن يسمعنا”.
وتضيف الناشطة البورمية لـ”أخبار الآن“: “نحن خائفون جرّاء ذلك، إنّنا نحثّ المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات أكثر من مجرّد إصدار البيانات، فلا يزال الجيش يقتل، والتصريحات لا تهمّنا، نحن بحاجة إلى إجراء فعلي ونطالب بالحماية الدولية”.
الجيش يقف وراء كل الكوراث
الشاب البورمي هتو لوين، قال لـ”أخبار الآن“، إنّ “ميانمار بلد متنوع وفيه مجموعات عرقية مختلفة وديانات مختلفة أيضاً، لكن في الماضي، لم يكن لدى غالبية البورميين، خصوصاً الذي يسكنون في الجزء الأوسط من البلاد أو المدن الكبرى، أيّ فكرة عن كيفية تعامل الجيش مع الأقليات في المناطق الريفية”.
وتابع: “حتى عندما كنت شاباً، لم أكن مدركاً لهذا العمل العسكري الوحشي ضدّ الأقليات. فقبل الانقلاب، لم يكن لدى معظم الناس فكرة كيف كان جيشها يقتل الناس في المناطق الريفية. كان الجيش يضللنا بشأن هذه القضايا العنف والقمع للروهينغا”. وختم لوين بالقول لـ”أخبار الآن“، إنّ “التأثير الإيجابي للإنقلاب هو أنّ الناس أصبحوا أكثر وحدة ووئاماً، وأدركوا أن الجيش يقف وراء كلّ الكوارث”.
انخفاض الإقتصاد بنسبة 10%
تجدر الإشارة إلى أنّه في محاولة لزيادة الضغط على المجلس العسكري بسبب انقلاب الأوّل من فبراير ، كانت فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات على التكتلات التي يسيطر عليها الجيش، ووصفتها واشنطن بأنّها رد على “القمع الوحشي” للجيش، فيما حذّر البنك الدولي من أنّ اقتصاد البلاد قد ينخفض بنسبة 10٪ هذا العام بسبب الاضطرابات منذ انقلاب الشهر الماضي.
روسيا تدعم الانقلابيين
إلى ذلك ذكرت وسائل إعلام رسمية روسية، أنّ روسيا تريد تعزيز العلاقات العسكرية مع ميانمار ، وذلك بعد اجتماع بين كبار مسؤولي الدفاع والمجلس العسكري، الذي دانته الدول الغربية لقتل مئات المحتجين المدنيين. فقد التقى نائب وزير الدفاع الروسي، ألكسندر فومين، في العاصمة نايبيتاو الجمعة مع زعيم الإنقلاب مين أونغ هلاينغ، وقال إنّ ميانمار كانت حليفاً موثوقاً وشريكاً استراتيجياً لروسيا في آسيا، وفق ما نقلت وكالة “تاس” الحكومية. ويأتي ذلك خلال زيارة جاءت قبل يوم من عرض كبير للاحتفال بعيد القوات المسلحة في ميانمار ، وهو الحدث العسكري الأكثر شهرة.
وتعتبر هذه الزيارة علامة قوية على دعم روسيا للعسكريين في ميانمار، وسط غضب غربي وقلق عميق بين جيرانها الآسيويين، الذين دان بعضهم العنف ضدّ المدنيين، مع الإشارة إلى أنّ روسيا هي مصدر ما لا يقل عن 16% من الأسلحة التي اشترتها ميانمار من 2014-2019، وفقًا لدراسة أجراها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في العام 2020.
شاهدا أيضاً: قاد الانقلاب الـ3 في ميانمار.. فمن هو “كابوس” الروهينغا؟