أثار التقرير السري الذي تمّ تسريبه مؤخراً، الكثير من الإرباك ليس فقط في هولندا، إنما في دول أخرى عديدة، لا سيّما تلك التي تستخدم أجهزة صينية، والتي يمكن من خلالها يمكن للصين أن تتنصت على كلّ المحادثات الهاتفية لمشتركي شركة الإتصالات الهولندية العملاقة KPN Mobile، بما في ذلك المنشقون الصينيون في هولندا ووزراء الحكومة في هولندا ورئيس وزرائها.
رونالد برينز، وهو متخصص في الأمن السيبراني في هولندا، قال لـ”أخبار الآن“: “لطالما ظننَا أن ذلك يمكن أن يحصل، وبرأيي أنّ التطور الجديد في هذا السياق هو أنه تمّ الإثبات أنّ ذلك ممكن حقاً. لقد حصل تدقيق هناك من قبل شركة Capgemini الإستشارية، وفعلاً تمّ الكشف عن ملفات خاصة تمكَن أشخاص في الصين من الولوج إليها، وكانت تحتوي على لائحة بأرقام الهاتف التي تعترضها الشرطة الهولندية قانوناً”.
ما الذي يحصل في الكواليس؟
المتخصص في الأمن السيبراني كشف ما كان يحصل في الكواليس، فأضاف: “أعتقد أنّ هذا هو المشهد الحالي في عالم الإتصالات اليوم… الجميع يحاول إيجاد تلزيم خارجي للحصول على كلّ القطع والتقنيات والهوائيات وما تتخلى عنه شركات الهاتف في هذه الأيام”. وتابع: “بالإجمال هذه آلة تسويق واسعة النطاق، ولدينا عقود كثيرة مع المورِدين، ولكن تغيب عنك أحياناً بعض المستجدات على مستوى تركيبة شبكتك. هناك أيضاً عقد بين هواوي مع شركة كاي بي أن، فهم يقبضون المال مقابل أن ينظموا خدمة الهاتف للجميع، وهذا ما كان يحصل في الكواليس من دون أن ينتبه أحد”.
الأمر يتخطى مستوى الخطورة العادية كونه يطال أجهزة الإستخبارات أيضاً، فيما العمل كان يتمّ من خلال الإيحاء بأنّه يتمّ التأكّد من الحصول على خدمة جيدة، وهنا قال برينز لـ”أخبار الآن“: “هذا الأمر لا يعني فقط الشرطة، بل أيضاً أجهزة الإستخبارات التي تستعمل خدمات اعتراض المعلومات التي توفّرها شركة كاي بي أن، وهذا مجمل ما يتمّ اعتراضه هنا في هولندا. إنّ ذلك مثير للإهتمام بالنسبة إلى وكالات الاستخبارات الأخرى بالطبع، لأنه من الممكن أن يكون هناك مشتبه به صيني يتجول هنا في هولندا، وهكذا يسهل على نظام الإستخبارات الصيني معرفة مَن تلاحقه الشرطة الهولندية في وقت معين”.
وتابع: “بالطبع كان من الممكن التنصت على ملايين المخابرات الهاتفية، وقد كشفت شركة التدقيق وجود شركة للتجارب، ويقوم بها مهندسون من هواوي للإستماع على المخابرات الهاتفية بحجة التأكّد مثلاً من أنّ خدمة الإتصال جيدة. لا أعتقد أنّهم تمكنوا من اعتراض ملايين المخابرات الهاتفية في الوقت نفسه، ولو تمكنوا من ذلك من قبل، لكانوا تنصتوا على المخابرات الهاتفية التي يقوم بها رئيس وزرائنا أو الملك أو كائناً من كان”.
مع بروز هذه المعلومات كيف يمكن وقف هذا الأمر والحد من الخرق الصيني؟
رونالد برينز تحدّث لـ”أخبار الآن” عن خطر على المشهد الجيوسياسي، فماذا قصد؟ في هذا السياق قال المتخصص في الأمن السيبراني: “من المعقّد كثيراً محاولة وقف كلّ ذلك، فلم يتبقَ الكثير من شركات الهاتف أو الإتصالات التي يمكن اللجوء إليها داخل أوروبا أو في الولايات المتحدة، لذلك يبرز أكثر اليوم هذا الخطر وهو الإعتماد الزائد فقط على التكنولوجيا الصينية، وحتى أنّ الصينيين هم حالياً بصدد بناء شبكة 6g. بالطبع نحن ننتقل اليوم إلى الفايف جي، ولكن الصينيين هم من يديرون اليوم عملية وضع الستانداردز أي المعايير لذلك، هم مَن يتحكمون اليوم بمستقبل الإتصالات، وهذا يشكل برأيي خطراً على المشهد الجيوسياسي بحيث نريد أن نكون أقل اعتماداً عليهم مما نحن عليه اليوم”.
برينز كشف أن البلدان التي تستخدم أجهزة صينية تقع في دائرة الخطر، قائلاً: “لقد قمنا بعملية تدقيق لنكشف ما يحصل فعلاً في الشبكة، ولكنني لست واثقاً إن كان ذلك مماثلاً في بلدان أخرى. أعرف أنّ بعض البلدان كالمملكة المتحدة لا تفضل أجهزة هواوي، ولكن برأي الجميع أنّ البلدان الأخرى التي تستعمل أجهزة صينية تواجه اليوم خطر التنصت على المخابرات الهاتفية”.
وفي ظلّ هذه المعلومات، ماذا عن الشرق الأوسط وهل يقع في دائرة الإستهداف؟
يجيب برينز: “في الحقيقة لا أعرف لأنّ عملي يتمحور أكثر على الكشف على مَن يقرصن المخابرات الهاتفية. لذلك إنْ كان الشرق الأوسط يتجه للتعاون مع الصين، فبرأيي أنّ كلّ شركة تدقيق تتعامل مع الصين توضع في هذه الخانة، ولكن هدفهم الرئيسي هو بيع أجهزة هواوي للعالم بأسره لكي يسبقوا البلدان الأخرى على مستوى التطور التكنولوجي، وهذا ما يحاولون تحقيقه اليوم”.
برينز قدّم نصيحة لتجنّب الخررقات الصينية، ما هي؟
وختم برينز حديثه لـ”أخبار الآن“: “لم يتم التأكيد بعد على ما حصل فعلاً في هولندا، فالتقرير الذي برز كان سرياً لذلك لا نعلم بعد ماذا فعلت كاي بي ان حقيقةً لتحمي نفسها من هواوي، ولكن ما يمكن أن يفعله المرء هنا هو أن يحاول أن يتعاون مع بعض مهندسي الإتصالات بشكل حصري كي لا يعتمد كثيراً على المورِد. فيمكن اليوم أن يكون لديك فريق مهندسين خاص بك وتشتري القطع من مورِدين آخرين، وتكون واثقاً مما يحصل على مستوى شبكتك فتستعمل بعض أجهزة الرصد مثلاً، وهكذا يمكنك أن ترى فعلاً ما يحصل على مستوى الإتصالات الي تدور في شبكة الاتصالات الخاصة بك”.