في الماضي، حرص آن ميونغ تشويل، وهو كان يعمل كحارس في أحد المعتقلات السياسية في كوريا الشمالية، على استمرار قيام السجناء بعملهم القسري، ومنعهم من الهروب من السجن. شاهد الكثير من الحالات التي يقوم فيها الحراس من ضرب للمعتقلين والإعدامات وغيرها….
رغم كل ذلك، كان تشويل متأقلماً مع هذا الوضع، فيما كان مصدر قلقه الأكبر عدم حصوله على ترقية في العمل، إلّا أنّه بعد انتحار والده، تغيّرت لديه كل الصورة، فقرر الفرار والخلاص من براثن النظام الفاسد، ليعمل مع منشقين آخرين في إطار توثيق الفظائع التي ارتكبها النظام الكوري الشمالي وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في البلد المغلق.
آن ميونغ تشويل، تحدّث لـ “أخبار الآن” عن أبرز التحدّيات التي واجهته، وكيف فكّر بالفرار من كوريا الشمالية إلى جارتها الجنوبية، فقال: “عملت لمدّة 8 سنوات كحارس في معسكر اعتقال سياسي تابع لوزارة أمن الدولة، وفي المجمل كنت أحرس 4 معسكرات اعتقال، إلى أنْ دفعني انتحار والدي بينما كنت لا أزال حارساً، إلى الإنشقاق”. وأوضح: “لقد ثمل والدي قليلاً في إحدى المرات واشتكى من نظام توزيع الطعام في كوريا الشمالية، وعقب ذلك تمّ استجوابه من قبل أمن الدولة، ليقدم على الإنتحار أثناء هذه العملية”.
ليلة واحدة قلبت الأمور رأساً على عقب!
وتابع تشويل لـ”أخبار الآن“: “في كوريا الشمالية يتمّ اعتقال العائلات وسجنها في معسكر الإعتقال السياسي بدافع العقاب الجماعي. في ليلة واحدة انقلبت حياتي رأساً على عقب، وتحوّلت من حارس إلى سجين… عندها أدركت لِمَ يتمَّ اعتقال السجناء الذين كنت أحرسهم. ونظراً لمعرفتي الجيّدة بنظام معسكرات الإعتقال السياسية، قرّرت الإنشقاق إذ رأيت أنّه من المستحيل أن أبقى هناك، فعزمت أنا وإثنان آخران على الإنشقاق لكن أنا الوحيد الذي نجوت ووصلت إلى كوريا الجنوبية“.
المنشق الكوري تحدّث عن حالات الإعدام التي اشتهرت بها كوريا الشمالية، وقال لـ”أخبار الآن“: “كانت توجد حالات كثيرة. والحالة الملفتة أكثر هي عمليات الإعدام العلنية… كانت الإعدامات تتم باستمرار كلّ عام، ولكن كان يوجد أيضاً إعدامات علنية غير نظامية”.
وتابع: “على مدى 8 سنوات، شاهدت أكثر من 20 عملية إعدام علنية. لم أكن أنا من يطلق النار بل كان مطلوباً مني السيطرة على السجناء، الضرب أمر يومي”.
ولكي يضمن النظام الكوري الشمالي ولاء العاملين لديه، يخضع الحراس وجميع من يقومون بالأمور الأمنية إلى دورات يمكن من خلالها غسل أدمغتهم، ويوهمونهم أنّ كلّ معتقل خائن للوطن والنظام ويجب قتله. وقال تشيول: “منذ البداية، يتمّ إقناع الحراس بأنّ السجناء خونة وعصوا عائلة كيم وأنّهم وحوش. لم نشعر بأيّ شفقة تجاههم، وحالات لا حصر لها، ثمّة سجناء فقدوا حياتهم إثر الضرب أو عضّ الكلاب”.
مشاهد سينمائية على أرض الواقع!
لقد لفت ما تحدّث عنه المنشق الكوري لناحية محاكاة مشاهد أحد الأفلام السينمائية القتالية من قبل أفراد الأمن على السجناء، وقال: “لم يكن يعرض هذا الفيلم للجمهور، بل فقط للأشخاص الذين تدرّبوا على فنون الدفاع عن النفس مثل الجنود ولأغراض تعليمية.. كان الفيلم أحد أفلام هونغ كونغ في السبعينيات.. تعلمنا حركات كثيرة من الأفلام كالركلات المستديرة أو الركلات الطائرة. وكنا نجرب هذه الحركات على السجناء”.
وأضاف: “لم نكن نجمع السجناء في صف ونتدرب عليهم بل كان الأمر عشوائياً أثناء مراقبتنا لهم”. وأوضح: “لدى ارتكابهم أيّ خطأ ولو بسيط كنّا نضربهم لنتمرن على الحركات، كانت هذه ممارسة شائعة بين الجنود”.
تشويل لفت إلى دور منظمة “ان كاي واتش” التي انتسب إليها بعد فراره إلى كوريا الجنوبية في مراقبة الأنشطة القمعية في الجارة الشمالية، وقال: “منذ العام 2012 كانت منظمتنا تراقب كوريا الشمالية من خلال الآلية الرسمية للأمم المتحدة بشأن قضايا مثل الحبس والحالات المفقودة والتمييز الجنسي وإساءة معاملة الأطفال ومعاملة المعوقين والعمل القسري، وقدمنا أكثر من 800 حالة إلى الأمم المتحدة”.
وأضاف: “لا يمكنني تحديد منطقة معينة بشأن ارتكاب انتهاكات، لكن بالنسبة لمعاقبة كبار المسؤولين يمكنني تحديد بيونغ يانغ لأنّها المكان الذي يعيشون فيه جميعاً.. معاقبة عامة الناس أكثر شيوعاً في المدن الحدودية بالقرب من الصين مثل هامكيونغ دو وجاغانغ دو ويانغ غانغ دو.
وأردف: “يرتبط انتهاك حقوق الإنسان بأسباب سياسية واقتصادية. لقد دُمّر نظام توزيع الغذاء حقاً، ويموت الناس من الجوع. قبل جائحة كوفيد، كان بعض الأشخاص يعبرون الحدود الصينية للقيام بأعمال تجارية وإعادة البضائع إلى كوريا الشمالية، الآن، أغلقت الصين حدودها تماماً، وهذا يعني أنّ الإمداد من الخارج مقطوع تماماً، كما أنّ الإمداد من الداخل محدود للغاية”.
وأوضح: “أسمع قصصاً عن أنّ الناس يموتون من الجوع كما حدث في المجاعة الكبرى في التسعينيات.. سنحصل على التفاصيل قريباً، لكن المشكلة الأكبر هي انتهاك حق الناس في العيش. الدعم من الخارج مقطوع، لا يستطيع الناس إحضار السلع الأساسية مثل الأرز من الصين، والناس يعانون في كوريا الشمالية”.
وتحدث المنشق الكوري الشمالي على التشديد الذي تطبقه السلطات على الحدود منعاً لفرار الكوريين الشماليين وقال، “سمعت أنّه يُطلب من الجنود إطلاق النار إنْ اقترب أيُّ شخص من الحدود. لا يمكن للناس حتى الإقتراب من دومانغانغ أو أبروك غانغ. وتاريخياً، لطالما نفّذت كوريا الشمالية المزيد من عمليات الإعدام العلنية في أوقات الصعوبات المالية”. وأوضح: “ليس لدينا تقارير رسمية حتى الآن بسبب جائحة كوفيد، لكنّني متأكّد من وجود عقوبات أقسى والمزيد من عمليات الإعدام العلنية”.
كفاح من أجل البقاء
وقال تشويل: “يتواصل بعض المنشقين مع أسرهم في كوريا الشمالية. يقولون إنّ الأوضاع حالياً أكثر صعوبة من المجاعة الكبرى في التسعينيات.. بعض الأشخاص يموتون من الجوع. لكن الآن الأوضاع تختلف عن ما سبق. في الماضي لم يكن الناس يعرفون العالم الخارجي وكانوا يعتمدون فقط على توزيع الحكومة، أمّا الآن فالناس يبذلون قصارى جهدهم للبقاء على قيد الحياة”. وأوضح: “بعبارة أخرى، على الرغم من أنّ الوضع أكثر قسوة، إلّا أنّهم يعرفون كيفية البقاء على قيد الحياة بشكل أفضل ممّا كانوا عليه سابقاً، لقد تغير الناس منذ التسعينيات”.
وعن دور الصين في تفاقم أزمة كوريا الشمالية، قال تشويل: “تزايدت العقوبات المتعلّقة بممارسات كوريا الشمالية ونشاطها النووي. العقوبات تضرّ الناس وللأسف لا تضر نظام كيم كما هو مخطط له، وذلك لأن الصين تدعم النظام حتى لا ينهار”.
وأضاف: “الصين هي السبب في استمرار نظام كيم. إذا ضغطت الولايات المتحدة على الصين لمنع الحكومة هناك من تقديم الدعم لنظام كيم، أتوقع أن يسقط النظام خلال عامين أو 3 أعوام. من دون لجم دعم الصين لكوريا الشمالية، فإن العقوبات لن تحدث فرقاً كبيراً”.
وأردف: “لا يهتم كيم جونغ أون بمدى معرفة المجتمع الدولي للفظاعات التي ارتكبها. لكن لا يكفي إجباره على التخلي عن السيطرة على شعبه. الدعم الذي يحصل عليه من الصين هو شريان الحياة الخاص به”.
وتعيش كوريا الشمالية في الوقت الحالي على شفا الهاوية، وربّما تتعرض لمجاعة تأتي على الأخضر واليابس، وإذا كان المجتمع الدولي سيفعل شيئاً حقيقياً حيال كيم جونغ أون، فيجب الضغط على الصين كذلك، حتى توقف دعمها لنظام كيم، كما يؤمن آن ميونغ تشويل.