معتقلون من الإيغور يخشون العودة إلى الصين بسبب انتهاكاتها
سلط تقرير نشرته شبكة “CNN” الأمريكية الضوء على مجموعة من الأشخاص الإيغور الذين جرى اعتقالهم في باكستان ونقلهم إلى معتقل غوانتانامو لسنوات عديدة، بتهمة أنهم شاركوا في عمليات ارهابية ضدّ الولايات المتحدة في أفغانستان.
وكان عدد أولئك الأشخاص يصل إلى 22، وقد تم إطلاق سراحهم تدريجياً وغادر آخر 3 منهم المعتقل عام 2013، وذلك بعدما تبين في نهاية المطاف أنهم “غير مقاتلين”.
ومع هذا، فإنه لم يجرِ السماح لهؤلاء بالاستقرار في الولايات المتحدة، كما أنه لا يمكنهم العودة بأمان إلى شينجيانغ. وبدلاً من ذلك، انتهى بهم الأمر في نوع من النسيان القانوني في البلدان التي وافقت على قبولهم، ومعظمهم من الدول الصغيرة في أوروبا وأمريكا الوسطى القريبة من واشنطن.
ومن هناك، شاهد المعتقلون السابقون الوضع في وطنهم الذي يفرضُ سطوة قمعية على الإيغور، فضلاً عن نظام معسكرات الاعتقال الذي تقيمه السلطات الصينية في شينجيانغ والتي تدّعي بكين أنها أنشأت في سبيل محاربة التطرف.
وفعلياً، فإن بكين تعتبر هؤلاء الإيغور هم من الإرهابيين، وبعد إطلاق سراحهم أواخر العام 2013، ندّد متحدث باسم وزارة الخارجية الصيني بتلك الخطوة.
وبحسب “CNN”، فقد قال المتحدث كين جانغ إن “هؤلاء المشتبه بهم أعضاء في حركة تركستان الشرقية الإسلامية وهي منظمة إرهابية حددها مجلس الأمن الدولي”، معتبراً أنهم يشكلون خطراً على أمن الصين القومي.
ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الدعاية الصينية حول الحركة، حيث شجبت وسائل الإعلام الحكومية الجماعة ووصفتها بـ”اليد السوداء ” وراء جميع أعمال العنف تقريباً في شينجيانغ.
وقال أبو بكر قاسم، وهو معتقل سابق في غوانتانامو يعيش الآن في ألبانيا: “على الرغم من أن أمريكا أعلنت أننا أبرياء، وأننا لم نفعل شيئاً، فإن الصين تواصل القول إننا عملنا مع طالبان والقاعدة. يقولون إن الإيغور إرهابيون لهم صلات بالقاعدة وطالبان وداعش”.
من جهته، يكشف أحمد عادل أنه لم يكن ينوي الذهاب إلى أفغانستان أبداً، ولكن مثل العديد من الإيغور في غوانتانامو، انتهى بهم الأمر هناك (أي أفغانستان) بسبب عدم وجود بدائل آمنة.
ويضيف: “لقد كان سبب خروجي من المنزل أولاً هو أن عائلتنا تمر بضائقة اقتصادية. لذا، قررت الذهاب إلى آسيا الوسطى لكسب المال وإعالة أسرتي”.
وفي البداية، عبر عادل إلى كازاخستان، التي تجاور شينجيانغ ومكث هناك لمدة عام تقريباً، إذ وجد عملاً وأرسل الأموال إلى الوطن. ومع هذا، حاول عادل الانتقال إلى أوروبا من أجل الحصول على حياة أكثر حرية. وذلك، بدأ الرجل بالبحث عن وسيلة للوصل إلى تركيا، ولكن مع نقص الأموال، فإن الرحلة من ألماتي إلى اسطنبول ستكون صعبة.
ومن كازاخستان سافر إلى باكستان، ومكث مرة أخرى لمدة عام تقريباً حيث كان يبحث عن عمل وطرق للمتابعة غرباً. كانت هناك دولة واحدة فقط بينه وبين تركيا، إيران، لكن عادل يقول إنه لم يستطع الحصول على تأشيرة، ولا يمكنه تحمل تكاليف السفر، كما أن العودة إلى شينجيانغ لم تعد خياراً.
وبالنسبة لعادل، كان الوضع يزداد صعوبة، ومن المعروف أن السلطات في باكستان تجمع الإيغور وترسلهم إلى الصين. وإثر ذلك، التقى عادل برجل اقترح عليه الذهاب إلى أفغانستان، إذ كان يعرف مجتمعاً من الإيغور يعيش بالقرب من جلال آباد، ويمكنه توفير المأوى والعمل له بأجر وذلك لتحضير نفسه للانتقال إلى الغرب.
ويقدم العديد من الإيغور الآخرين الذين انتهى بهم المطاف في غوانتانامو روايات مماثلة. وقال أبو بكر قاسم، إنه غادر الصين للعمل في آسيا الوسطى حتى أصبح الوضع خطيراً للغاية، وسافر أولاً إلى باكستان وكان يأمل أن يتوجه إلى تركيا.
وقال: “كان لدينا أصدقاء باكستانيون، وقالوا لنا اذهبوا إلى أفغانستان، فهناك قرية إيغورية هناك. يمكنك أن تتعلم دينك أكثر قليلاً ثم تذهب إلى تركيا. ذهبنا إلى جلال أباد ثم عبر طريق جبلي، اكتشفت لاحقاً أن هذا كان بالقرب من تورا بورا”.
كذلك، ذكر محتجز آخر ويدعى محمد أيوب أنه كان في باكستان على أمل السفر إلى الولايات المتحدة، لكنه كان على دراية في ذلك الوقت بأن الحكومة الباكستانية كانت تجمع الأويغور بشكل متزايد لتسليمهم إلى الصين.
وسافر أيوب ورجل آخر عبر الحدود إلى جلال آباد، حيث كانا موجودين حتى بدء الغزو الأمريكي، وإثر ذلك التقيا مع مجموعة من الإيغور وأرادوا الهروب معاً.
وحتى أواخر التسعينيات، كانت أفغانستان تحت حكم جماعة “طالبان” المتشددة، وبعد دخلت الولايات المتحدة إلى هناك لإنهاء ذلك الحكم.
وفي القرية التي قيل أنها إيغورية في أفغانستان، فقد تبين أنها بحاجة إلى الكثير من التأهيل. ويقول عادل إنه عندما وصل إلى هناك، فقد وجد بلدة من الأكواخ. ولهذا، ساعد في اصلاح المكان والمنازل وضخ المياه وأزال الصخور. وفي أحد الأيام، طلب من عادل التدرب على استخدام بندقية حربية، وهي واحدة من عدد قليل من البنادق في المخيم التي يملكها السكان الاكثر تشدداً، والذين تحدثوا عن الحاجة إلى تعلم كيفية إطلاق النار في حالة حدوث ثورة مستقبلية في وطن الإيغور.
وفي حين أن محققي غوانتانامو سيستخدمون هذا لاحقاً كدليل على الزعم بأن عادل كان جزءاً من جماعة إرهابية، قال العديد من المعتقلين إنه لا توجد منظمة حقيقية يمكن الحديث عنها في تلك القرية.
بدوره، قال أبو بكر قاسم إنه تدرب أيضاً على بندقية من طراز AK-47، لكن هذا كان جزئياً على الأقل للأمن، نظراً للقتال المستمر بين طالبان والتحالف الشمالي. ويضيف: “كانت أفغانستان في حالة حرب، وعلينا أن نتحرس كل يوم. لا يمكنك أن تقف حراسة من دون سلاح”.
وفي المقابلات وفي سجلات الاستجوابات في غوانتانامو، قال جميع معتقلي الإيغور إنه لم يكن هناك اتصال يذكر بين القرية وطالبان أو غيرهم من الأفغان.
أما الممارسات الدينية التي حصلت في تلك القرية فقد كانت تقتصر على الصلوات اليومية ودراسة القرآن، وهو ما استمتع به العديد من الإيغور لأنهم حرموا من ذلك في شينجيانغ التي تفرض قيوداً على المسلمين هناك. وفي الواقع، فقد كان شكل الإسلام الذي يُمارس في قرية الإيغور في أفغانستان هو في الغالب الصوفية الشائعة في شينجيانغ ، بدلاً من النسخة الصارمة للدين الذي قدمته “طالبان”.
وبعد عزلها عن بقية أفغانستان، ناهيك عن العالم الأوسع، كان لدى قلة من الرجال في قرية الإيغور أي فكرة عما حدث في سبتمبر/أيلول 2001 حتى بدأت حملات القصف بعد أسابيع.
وكانت قوات طالبان والقاعدة قد فرت إلى الجبال، وعندها ركض الإيغور أيضاً إلى الكهوف التي تتقاطع مع الجبال وجعلوها موقعاً دفاعياً. وهناك كانوا خائفين من التعرض للقتل من قبل الغزاة، وحتى لو تم اعتقالهم ونجوا، فإنهم يخشون تسليمهم إلى الصين.
وقال قاسم: “علقنا في الجبال. كانت الطائرات الأمريكية منتشرة في كل مكان. أخبرنا رجل عجوز أن نذهب إلى باكستان. لم يكن هناك أي طعام، ولم نتمكن من الحصول عليه لمدة أسبوع”.
وبعد أيام من المشي، وصلت المجموعة الإيغورية إلى باكستان ووجدت قرية، حيث قام السكان المحليون بإيوائهم وإطعامهم. لكن الضيافة كانت تمثيلية، إذ حاصر الجنود الباكستانيون القرية واحتجزوا الإيغور الذين اكتشفوا لاحقاً أنه تم بيعهم مقابل مكافأة قدرها 5000 دولار للشخص الواحد.
وهنا، يوضح قاسم: “لقد ألقوا القبض علينا وأخذونا إلى قاعدة عسكرية ومكثنا هناك لمدة شهر”. وأضاف: “لم نخبر الباكستانيين أننا من الإيغور خوفاً من اعادتنا إلى الصين. لقد قيل لنا أنهم سيتم إعطاؤنا إلى أمريكا. قلنا هذا أفضل، لان الصين سيئة”.
وبعدها، نقل المعتقلون إلى غوانتانامو وخضعوا لحلقات من الاستجواب، والأبرز هو أنهم احتجزوا هناك من دون تهمة. ومع هذا، فإنه عند وصولهم إلى غوانتانامو، اكتشف معتقلو الإيغور أنهم مصنفون على أنهم “مقاتلون أعداء”، وأعضاء في مجموعة مرتبطة بكل من طالبان والقاعدة، وهي جماعة لم يسمع بها معظمهم من قبل: “حركة تركستان الشرقية الإسلامية”.
محققون صينيون في غوانتانامو
وبحسب “CNN”، فقد سُمح ذات مرة لمحققين من الحزب الشيوعي الصيني بمقابلة معتقلي الإيغور في غوانتانامو ، وهي مقابلات أرعبت الرجال الذين كانوا يخشون أن تواجه عائلاتهم تداعيات أو أن يتم تسليمهم إلى السلطات في بكين.
وقال عادل: “أثناء الاستجواب لم أجب عن أي أسئلة. لقد هددوني بقولهم: عندما نعيدك إلى الصين ، ستحصل على ما تستحقه وستجيب على أسئلتنا)”.
من جهته، قال أيوب: “إن بعضنا تحدث، والبعض منا لم يتحدث. لكننا كنا قلقين من أنه إذا كان المسؤولون الصينيون قد أتوا إلى هنا لاستجوابنا، فيمكنهم أن يأخذونا أيضاً. كنت أستجوب لمدة 3 ساعات، لكنني لم أتحدث. لم أنطق بكلمة واحدة”.
وعندما تم تشغيل الآذان على مكبرات الصوت في المعسكر، قال قاسم إن المحقق الصيني تفاجأ بافتراض أن الأمريكيين لن يسمحوا بمثل هذه الممارسة الإسلامية الصريحة.
ويضيف قاسم: “قلت له (أي للمحقق): إننا نصلي ونصوم هنا. إنهم يرتكبون أخطاء لكنهم لا يدوسون على ديننا. لدينا القرآن والصلاة والصيام. كان هذا هو الجزء الجيد من غوانتانامو”.
شاهد أيضاً: الصين تواصل مساعي إخفاء حقيقة ما يدور في شينجيانغ