كان ذلك الصباح كصباح أيّ يوم عادي في نيو يورك. وكان مركز البلاد المالي يضجّ بحركة الأعمال المعتادة، وكانت أكبر بورصة في العالم تستعدّ ليوم آخر من التعاملات فيها… في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً، يبدأ بالعادة التعامل في بورصة نيو يورك.
- هجمات 11 سبتمبر 2001 أكبر هجمات إرهابية نفّذها تنظيم القاعدة
- مقتل بن لادن شكّل تطوّراً مهمّاً في خفوت نجم تنظيم القاعدة
- “أخبار الآن” تحصي عدد الأشخاص الذين خسروا حياتهم بسبب القاعدة
- عانت أفغانستان الأمرّين من نشاطات القاعدة وطالبان وحصل الأمر نفسه في العراق
- الدول التي شهدت أكبر عدد قتلى هي العراق وأفغانستان وباكستان ونيجيريا والهند
لكن في تمّام الساعة الثامنة والدقيقة السادسة والأربعين، في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام 2001، حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد اصطدمت طائرة تابعة لشركة طيران “أميركان إيرلاينز” بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي. وبعد دقائق، اصطدمت طائرة أخرى تابعة لشركة الخطوط الجوية “يونايتد إيرلاينز” بالبرج الجنوبي. كما اصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاغون وتحطّمت طائرة رابعة في حقل في ولاية بنسيلفانيا.
فقد تعرّضت الطائرات الأربعة لعملية اختطاف وتمّ اقتيادها عمداً لتصطدم بالمباني وتقتل المدنيين الأبرياء. هذه الأحداث سلّطت الضوء على منفّذي الهجمات. ووجّه الرئيس الأميركي أصابع الإتهام إلى تنظيم القاعدة، المنظمّة الإرهابية التي كانت تتحصن إلى جانب حركة طالبان في المناطق الجبلية الوعرة في شرق أفغانستان.
قبل ذلك الوقت، كانت القاعدة تنتظر الإعتراف بها كالزعيم العالمي للجهاد وكمنطمة تحارب “الغرب”. في الحقيقة، منظمة القاعدة هي التي صوّبت قضية المجاهدين نحو الولايات المتحدة الأمريكية، مصدرةً فتوى تلو الأخرى مشرّعة فيها قتل المواطنين الأمريكيين.
ما زالت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أكبر هجمات إرهابية نفّذها تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فتك ذلك التنظيم بالشعوب والأمم إلى أبعد ما كانت ترمي إليه. وقد ألحقت الضرر بالمؤيدين لها أكثر من أي شعب آخر.
لكن اليوم مع بروز تنظيم داعش في العراق وسوريا، تراجعت القاعدة وقبعت في ظل منظمة حجبتها عن الضوء. كما أن مقتل زعيمها أسامة بن لادن الذي اتفق الجميع على اعتباره صاحب كاريزما كبيرة في أوساط الجهاديين في العالم بأسره، شكّل تطوّراً مهمّاً في خفوت نجمها.
بعد مقتله في العام 2011 على يد مجموعة من القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية، كافح التنظيم كي يجد أرضية صلبة له من جديد. ومع أفول نجم التنظيم، أحصت “أخبار الآن” عدد الأشخاص الذين خسروا حياتهم على يد التنظيم الإرهابي.
وبوسعنا أن نقدّر كم هو عدد الأشخاص الذين تأثرت حياتهم بطرق كارثية بفضل بعض البيانات. لننظر أوّلاً إلى عدد الأشخاص الذين قتلوا منذ العام 2005 عندما كانت القاعدة لا تزال في مراحلها الأولى.
وتشير تقديرات أصدرتها قاعدة بيانات ACLED إلى أنّ ما يزيد على 9000 مدني قُتلوا مباشرةً على يد مقاتلين تابعين للقاعدة، أو على يد مجموعات على صلة بها.
وبحسب قاعدة RAND للبيانات، لقد قُتل نحو 7275 شخصاً حتى العام 2009، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ 7275 شخصاً قد قُتلوا فقط. فثمّة أرقام تشمل مدنيين ومقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة، وقوات دفاع وضحايا الصراعات بين القاعدة ومنافسيها. وهؤلاء يشملون على سبيل المثال لا الحصر داعش وميليشيات قبلية ومحلية أخرى، وهنا نصل إلى ما يناهز الـ60 ألفاً إنْ أخذنا كلّ هذه الفئات بعين الإعتبار.
بحسب قاعدة بيانات RAND، لقد جُرح نحو 18 ألفاً في الإشتباكات والهجمات التي شنتها القاعدة حتى العام 2009. كما جُرح آلاف آخرون منذ ذلك الحين. وإنْ أضفنا هذه الأرقام إليها، نصل إلى رقم يناهز الـ80 ألف شخص قد تأثرت حياتهم مباشرةً بتنظيم القاعدة وفروعها.
وليس هناك فحسب 80 ألف شخص، بل 80 ألف أسرة دُمّرت حياتها: أسر الضحايا الأبرياء، أسر الجنود وأجهزة الشرطة، أهل وزوجات وأولاد المقاتلين الذين انضموا إلى القاعدة متأملين خطأً بـ”هزيمة أمريكا”.
لقد استخدمت “أخبار الآن” قاعدتي بيانات لاحتساب هذه الأرقام RAND وACLED، إلّا أنّ هاتين القاعدتين ليستا دقيقتين لسببين: لقد سجلت RAND بيانات فقط حتى العام 2009، أمّا ACLED فهناك عدّة بلدان وسنوات غير مشمولة في بياناتها، لذلك يُقدّر أن تكون هذه الأرقام أعلى بكثير.
من المعروف أنّه فيما ادّعت المنظمات الجهادية محاربة الحكومات الغربية، فإنّ معظم الذين قُتلوا هم مواطنون لدول ليست غربية.
الجدول البياني أدناه يظهر ضحايا الإرهاب بحسب كل منطقة حتى العام 2018. لقد تمزّق الشرق الأوسط ومنطقة شمال أفريقيا بسبب هذه النشاطات الجهادية.
في جنوب آسيا مثلاً، لقد عانت أفغانستان الأمرّين من نشاطات القاعدة وطالبان، وحصل الأمر نفسه في العراق. في الواقع، فإنّ الدول التي شهدت أكبر عدد من القتلى بسبب النشاط الإرهابي هي بالتسلسل: العراق وأفغانستان وباكستان ونيجيريا والهند.
ومن المثير للدهشة أنّ هذه الدول الخمسة تمثل نحو 45 % من حالات القتل التي تسبب بها الإرهاب في العالم. والخريطة المرفقة أدناه تبيّن توزيع كل حالات القتل المرتبطة بالإرهاب منذ العام 1970 حتى العام 2018. ومع بروز العراق وأفغانستان بالألوان الأكثر ظهوراً، تبرز هاتان الدولتان كذكرى مؤلمة عن سنوات التمرّد.
تلاحق قاعدة بيانات Global Terrorism database النشاطات الإرهابية، وتفيد بأنّها تسببت بمقتل ما يزيد على 78 ألف شخص في العراق ونحو 40 ألفاً في أفغانستان وأكثر من 23 ألفاً في باكستان. أمّا في نيجيريا والهند فقد قتل نحو 22 ألفاً و19 ألفاً على التوالي.
الفاتورة الاقتصادية لنشاط القاعدة
لقد دمّرت نشاطات القاعدة أيضاً اقتصاد الدول التي عملت منها. وفي وقت لا نملك فيه بيانات خاصة بالقاعدة، لدينا أرقام عن كلّ المنظمات الإرهابية وكيفية تأثيرها على الإقتصاد. وبحسب بحث جديد نُشر في مقال صحافي، فقد سُجّل أكبر تأثير إقتصادي على نسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، في دول الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وبحسب التقرير، فإنّ بعض هذه الأرقام مرتفعة جدّاً.
لقد تحمّلت أفغانستان العبء الإقتصادي الأكبر من إجمالي الناتج المحلي الخاص بكلّ الدول التي تمّ تحليل حالتها في العام 2018. وقد بلغ 22 % من إجمالي الناتج المحلي، وهذا الأثر الإقتصادي هو أشبه بنزيف بالنسبة إلى الإقتصاد الأفغاني.
مثّل الأثر الإقتصادي الناتج عن الإرهاب ما يعادل 27 % من إجمالي الناتج المحلي في العراق
وأفغانستان هي إحدى الدول التي شهدت مستويات مرتفعة من العنف الناتج عن النشاطات الإرهابية، وذلك على خلاف الإتجاه العالمي الآخذ بالإنحدار. وبلغ الأثر الإقتصادي الناتج عن الإرهاب من إجمالي الناتج المحلي أقل من 5 % في كلّ البلدان باستثناء أفغانستان في العام 2018.
لقد تحمّلت أفغانستان العبء الإقتصادي الأكبر ممثلاً بنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي الخاص بكل الدول التي تمّ تحليل حالتها عام 2018. فقد مثّل 22 % من إجمالي الناتج المحلي وهذا الأثر الإقتصادي هو أشبه بنزيف بالنسبة إلى الإقتصاد الأفغاني.
وأفغانستان هي إحدى الدول التي شهدت مستويات مرتفعة من العنف الناتج عن النشاطات الإرهابية، وذلك على خلاف الإتجاه العالمي الآخذ بالانحدار. ومثّل الأثر الإقتصادي الناتج عن الإرهاب كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي أقل من 5 بالمئة في كل البلدان باستثناء أفغانستان عام 2018.
العام 2014، مثّل الأثر الإقتصادي الناتج عن الإرهاب ما يعادل 27 % من إجمالي الناتج المحلي في العراق، وقد دفع العراق ثاني أغلى ثمن بسبب الإرهاب كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي ممثلاً 4 % منه العام 2018.
تجدر الإشارة إلى أنّه في نيويورك، وبعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، سُجّلت على الفور خسارة 430 ألف وظيفة تقريباً ونحو 2.8 مليار دولار من الأجور.
القاعدة.. إلى أين؟
إثر هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، شنّت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً عنيفاً على القاعدة، وطاردت لمدّة 10 سنوات زعيمها أسامة بن لادن الذي اختبأ في البداية في أفغانستان، ثمّ في باكستان.
وبعد مقتل الإرهابي الشهير والمطلوب رقم واحد، بن لادن، من قبل السلطات الأمريكية، انتقلت زعامة القاعدة إلى أيمن الظواهري إلّا أنّ هذه الزعامة افتقدت لكاريزما الزعيم السابق. ومنذ ذلك الحين، شهد التنظيم صراعات داخلية كبيرة. كما أنّ بعض حلفائها القدامى تركوا صفوفها وأعلنوا ولاءهم لتنظيم داعش، أحدث الفصائل الإرهابية على الأرض.
شاهدوا أيضاً: القاعدة في بلاد الرافدين.. دموية ممنهجة