لم يعد خافياً استخدام الصين للتجارة في نزاعاتها الديبلوماسية للضغط على خصومها. ليتوانيا، الدولة الأوروبية الصغيرة التي يقطنها أقل من 3 ملايين شخص، باتت الضحية الجديدة لبكين في سلسلة معاركها الإقتصادية، بعد أن وافقت الدولة المطلة على بحر البلطيق على تبادل المكاتب الديبلوماسية مع تايوان.
- الصين تضغط على ليتوانيا عبر القنوات التجارية بسبب موقفها من تايوان
- بكين سحبت سفيرها من ليتوانيا وطردت السفير الليتواني من الصين
- الصين عبر الضغط على ليتوانيا أرادت إرسال رسائل تحذير إلى أوروبا
- انتقادات أوروبية حذرة لملف حقوق الإنسان في الصين
فقد قال محلّلون إنّ وقف بكين “غير الرسمي” لتجارتها المحدودة بالفعل مع ليتوانيا، يتعلق بشكل أكبر بإرسال تحذير إلى بقية أوروبا، وفق ما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وكانت ليتوانيا اتفقت وتايوان على إنشاء مكاتب تمثيلية متبادلة كدليل على تعميق العلاقات بين الحكومتين. وردّاً على ذلك استدعت الصين سفيرها من فيلنيوس وطردت السفير الليتواني من بكين.
ووفقاً لوزارة الشؤون الخارجية التايوانية، فقد أوقفت الصين الشحن بالسكك الحديدية إلى ليتوانيا، وأوقفت تصاريح التصدير لمنتجي البلاد، بما في ذلك من الزراعة وتربية الحيوانات وصناعات الأخشاب.
وكان مدير الخدمات الغذائية والبيطرية الحكومية في ليتوانيا مانتاس ستاسكيفيسيوس أدلى بتصريحات صحافية الأحد الماضي، قال فيها إنّ المناقشات مع الصين حول تصاريح التصدير لبعض العناصر كانت تزداد صعوبة منذ بداية العام، مشيراً إلى أنّ عمليات التصدير في الوقت الحالي توقّفت بشكل تام من دون أن تقدّم بكين أيّ تفسير.
يعكس تكتيك التجارة تلك أسلوب الصين الاعتيادي في نزاعاتها الديبلوماسية
ويعكس تكتيك التجارة تلك أسلوب الصين الاعتيادي في نزاعاتها الديبلوماسية، مثلما حدث مع بعض الدول كأستراليا حيث امتنعت الصين عن استقبال صادرات ذلك البلد من الفحم والنبيذ ولحم البقر.
ولم تعلّق وزارة الخارجية الليتوانية على إيقاف الصين لتجارتها مع البلد الأوروبي، وقالت في بيان، إنّ “ليتوانيا مصمّمة على إقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تايوان، مثل العديد من البلدان الأخرى في الإتحاد الأوروبي وبقية العالم”.. وتابع: “نأمل أن يتمّ حلّ القضايا الأخيرة في العلاقات الليتوانية والصينية بالأساليب الديبلوماسية القائمة على الإحترام المتبادل والقانون الدولي”.
صحيفة “الغارديان” البريطانية نقلت عن نوح باركين، الخبير في أوروبا والصين في مجموعة الأبحاث الأمريكية “Rhodium”، قوله إنّه “بينما يعتمد الإقتصاد الأسترالي إلى حدّ كبير على الصين، فإنّ تجارة ليتوانيا مع بكين تعتبر ضئيلة”.
وأضاف: “على الرغم من أنّ نفوذ الصين الإقتصادي مع ليتوانيا يبقى محدوداً، إلّا أنّ بكين تعمّدت اتخاذ خطوات انتقامية ضد البلد الأوروبي، والهدف إرسال رسالة ضمنية إلى الدول الأوروبية الأخرى مفادها أنّه ستكون هناك عواقب إذا تجاوزت الخطوط الحمراء في ملف تايوان”
ولم يحكم الحزب الشيوعي الصيني تايوان أبداً لكن بكين تعتبرها مقاطعة صينية يجب استعادتها، وتصف حكومة ذلك البلد بأنّها انفصالية، فملف تايوان يمثل أحد الأمور الأكثر حساسية للصين، فيما تؤكّد الحكومة التايوانية أنّها دولة مستقلة بالفعل.
وليس لدى ليتوانيا علاقات ديبلوماسية رسمية مع تايوان، لكنّها تحافظ على علاقات ودّية متزايدة بما في ذلك التعهد بتبادل اللقاحات المضادة لكورونا. وكانت ليتوانيا انسحبت من المجموعات متعددة الأطراف الرئيسية بقيادة الصين حول اللقاحات، ما شكّل انتقاداً صريحاً لبكين.
ستيف تسانغ: من المرجح أن يؤدّي استخدام الإكراه من قبل الصين في ليتوانيا إلى تشويه صورة بكين
الإتحاد الأوروبي انتقد في مناسبات عديدة انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، لكّنه يسير بخطى حذرة، وشهدت عقوبات المعاملة بالمثل تعليق التصديق على اتفاق التجارة الذي تمّ التفاوض عليه منذ فترة طويلة فعلياً في شهر مايو.
من جانبه، قال البروفيسور ستيف تسانغ مدير معهد الصين “SOAS” إنه “من المرجح أن يؤدّي استخدام الإكراه من قبل الصين في ليتوانيا إلى تشويه صورة بكين، ومكانتها في أوروبا وفي العالم ككل، ومن غير المرجح أن تحقق الهدف الذي تسعى إليه، على الأقل في ما يتعلق بعكس سياسة ليتوانيا تجاه تايوان” .
وأضاف: “السؤال الكبير هو إلى أيّ مدى سيقف الاتحاد الأوروبي مع ليتوانيا في هذا الشأن؟ مع استعداد عدد قليل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل خاص للصين، لن يكون من السهل تشكيل جبهة قوية وموحدة من قبل الاتحاد الأوروبي الداعم لليتوانيا “.
وسائل الإعلام الحكومية الصينية بذلت جهداً كبيراً لتشويه صورة ليتوانيا، واصفةً إيّاها “بالمهرّج”. ونشرت تقارير عديدة شدّدت فيها على الروابط التجارية، في حين هدّدت بإمكانية إنهائها. فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية المتشدّدة يوم الأحد الماضي، افتتاحية تحريضية تدعو الحكومة إلى وضع خطط لقطع العلاقات مع ليتوانيا.
وأشار الدكتور “أندرياس فولدا” وهو زميل كبير في معهد أبحاث جامعة نوتنغهام آسيا، إلى أنّ مثل هذه الهجمات كانت متوقعة، وقال: “في غياب نفوذ حقيقي، ستواصل دولة الحزب الشيوعي الصيني تشويه سمعة الحكومة الليتوانية من خلال الدعاية”.
وأضاف: “هناك عوامل أخرى لا بدّ من النظر إليها، إذ قامت ليتوانيا أيضاً بتعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة التي تتمتع بعلاقة معادية بشكل متزايد مع الصين، من دون أن ننسى أن واشنطن تدعم تايوان بشكل متزايد.. وهنا تعهّدت الولايات المتحدة بدعم ليتوانيا ضدّ الإجراءات العدوانية أحادية الجانب والضغوط السياسية من جانب الصين”.
وقالت كيتي سميث، رئيسة شركة “Jingpinou” للإستشارات البريطانية التي تركز على الصين، إنّ هذا المحور يبدو أنّه يتعلق بروسيا بقدر ما يتعلق بالولايات المتحدة. وأضافت: “يبدو أن القادة السياسيين في ليتوانيا يراهنون على أنهم سيكونون في وضع أفضل تحت حماية الولايات المتحدة. إنه أمر مثير للاهتمام وربما يخبرهم أنهم يشعرون بهذه الطريقة لأنه من المحتمل أن يكون لديهم مناقشات مع بولندا وألمانيا عبر قنوات الاتحاد الأوروبي قبل التوصل إلى هذا الاستنتاج”.