امتيازات عسكرية واقتصادية لمن يسيطر على أوديسا
تصدرت مدينة أوديسا الأوكرانية والمطلة على البحر الأسود عناوين وسائل إعلام غربية، ليس بفعل احتدام المعارك أكثر من غيرها هناك، وإنما بالتخوف من أن تصبح المدينة تحت سيطرة الروس، حيث تكتسي هذه المدينة بأهمية استراتيجية كبيرة، من شأنها أن تمنح المسيطر عليها مزايا عسكرية كبيرة.
تشتهر أوديسا بكونها مدينة صناعية وزراعية، وتضم مرفأين ومنفذا آخر لا يقل أهمية في الإقليم نفسه إلى الجنوب الغربي، بالإضافة إلى أنها تمثل مركزا رئيسيا للنقل التكاملي مع خطوط السكك الحديدية، حيث يتمّ توصيل النفط من أوديسا إلى روسيا والدول الأوروبية عبر شبكة خطوط أنابيب استراتيجية.
مرفآن ونقطة عبور.. أوديسا “عصب اقتصادي”
يحمل المرفأ الأول اسم يوجني وهو خاص بالـ(المواد الكيميائية) أما الثاني فهو مرفأ إيليتشيفسك (المعادن وحركة الحاويات).
وتُعدّ المدينة نقطة عبور رئيسية لصادرات الحبوب (الشعير والذرة) من “تربتها السوداء” الخصبة جدًا.
وترتبط صناعاتها البترولية والكيميائية بخطوط أنابيب استراتيجية تتجه إلى روسيا والاتحاد الأوروبي.
والاستيلاء على أوديسا يحمل معه شبح خنق الاقتصاد الأوكراني، وبحسب صحيفة “التايمز” البريطانية، فإن خسارة أوديسا ستكون مثل خسارة المملكة المتحدة لدوفر، من حيث التأثير.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيز روسيا في الجنوب تمحور على ميناء خيرسون الاستراتيجي الأصغر، وهي مدينة يعيش فيها 300 ألف نسمة وتقع على ضفاف نهر دنيبر بالقرب من المصب في البحر الأسود.
وتعد أوديسا ثالث أكبر مدينة في أوكرانيا بعد كييف وخاركيف، وتعتبر عاصمة الجنوب الأوكراني، وبحسب وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية الأمريكية فإن 70 بالمئة من تجارة أوكرانيا عبر البحر تتم عبر موانئ أوديسا ومن دون أوديسا، ستكون كييف معزولة إلى حد كبير عن الأسواق الدولية.
وفي حال تمكنت القوات الروسية من تأمين البنية التحتية للموانئ الأكثر ربحا في أوكرانيا، فهذا من شأنه أن يمنح موسكو ميزة سياسية واقتصادية غير مسبوقة في منطقة البحر الأسود.
السيطرة على أوديسا تعني وصلها بمناطق انفصالية
توقع موقع “ناشونال إنترست” الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية في سيناريو نشره قبل اندلاع الحرب أن تعاني بقية أجزاء أوكرانيا من الفوضى حال السيطرة على أوديسا.
ورسم الموقع سيناريو لعملية احتلال أوديسا تشمل استخدام مشاة البحرية الروسية والقوات المحمولة جوا، وقال الموقع إن الأسلوب القتالي لمشاة البحرية الروسية يعتمد على هجمات متعددة المستويات، يتضمن هجوم القوات الجوية التابعة للبحرية على الدفاعات الساحلية الأوكرانية حتى تتمكن وحدات الإنزال من تأمين رأس جسر لقوة الاجتياح.
وثمة أهمية عسكرية لأوديسا بالنسبة إلى روسيا، فإذا تمكنت من بسط السيطرة على هذه المدنية، فإنها ستصل إلى منطقة ترانسنيستريا الانفصالية على الحدود الأوكرانية المولدوفية.
وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن المسؤولين والسكان في أوديسا على حد سواء يعتقدون أن الهجوم على مدينتهم حتمي.
ويقول غينادي تروخانوف هو عمدة أوديسا إنه قلق من اجتياح المدينة من 3 جهات، من البحر الأسود ومن الشرق ومن الغرب حتى تصل القوات الروسية إلى الجمهورية الانفصالية في مولدوفا.
أهمية في الحاضر والماضي.. أوديسا بين السياحة والسينما
يساهم مناخ أوديسا المشمس، بالإضافة إلى شواطئها وطريقة العيش فيها، في جعل المدينة منتجعًا ساحليا شهيرًا للسياح خلال فصل الصيف، خصوصًا منذ ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا في عام 2014.
وبالحديث عن تاريخها فقد صُوّر فيلم “باتلشيب بوتيمكين” (“بارجة بوتيمكين”) الصامت في أوديسا في العام 1925، وهو من تنفيذ المخرج السوفياتي سيرغي أيزنشتاين، ومستوحى من إحدى أشهر فترات الثورة الروسية عام 1905.
ومشهد عربة الأطفال على الدرج في أوديسا هو أحد أشهر المشاهد في تاريخ السينما.
وأنشأت صوفي بلوفشتاين “مدرسة حول فن السرقة” في أوديسا في نهاية القرن التاسع عشر، بينما كان ميتشكا إيبونتشيك (“الياباني الصغير”)، ملك المجرمين، مصدر إلهام لشخصية بينيا كريك في حكايات أوديسا الذي كتبها اسحق بابل.
وألهمت المدينة شخصيات أخرى من المحتالين الماكرين مثل أوستاب بندر، بطل الروايات الساخرة في ما كان الاتحاد السوفياتي سابقًا.
ووصلت سمعتها إلى الولايات المتحدة بحيث سُمّي حيّ في نيويورك باسم “أوديسا الصغيرة”، وهو ملجأ اللاجئين من الاتحاد السوفياتي في الماضي. وأصبح هذا الحي معروفًا بأنه معقل المافيا الروسية.