أوروبا تستثني بعض المصارف الروسية من العقوبات لتضمن مصادرها النفطية
تجد روسيا نفسها في موضع حرج عسكرياً على الأرض مع ارتفاع عدد ضحاياها بشكل كبير خلال الأسبوع الأول من الحرب، ما جعلها تستعين بالمرتزقة وجماعات الفاغنر والميليشيات الشيشانيّة لدفعهم إلى خوض الحرب عنها بوجه الجيش الأوكراني وما يبذله من مقاومة شرسة على الأرض. فما هي دلالات استعانة الروس بتلك الجماعات؟ وما مدى تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا في عجلة الحرب والقدرة الروسية على الاستمرار؟
يضعنا عضو البرلمان الأوروبي أندريوس كيبيليوس في أجواء الإجابات على تلك الاستفسارات فهو يعتقد أن “بوتين قد ارتكب خطأ كبيراً جداً مع ذلك الغزو الذي بدأه قبل أكثر من أسبوع، والآن سيخسر تلك الحرب لأنه وحّد كل الغرب، والجنود الأوكرانيون يبذلون جهودًا بطولية للدفاع عن أرضهم وهم يدمّرون الكثير من المعدّات الروسية العسكرية والدبابات وما إلى ذلك فيما الكثير من الجنود الروس إما يُقتلون في الميدان أو يهربون. إلى ذلك إن العقوبات الأوروبية والغربيّة ضد الاقتصاد الروسي صعبة للغاية، فهي تضرب الجوانب المالية والاقتصادية بطريقة فعالة للغاية لذلك لا أرى كيف ستتمكن روسيا تحت قيادة بوتين من البقاء”.
وأضاف “بعد الحرب ستكون أوروبا مختلفة وأعتقد أن روسيا ستكون مختلفة بدون بوتين، وأوكرانيا ستكون مختلفة أيضاً. فقد أعلن الإتحاد الأوروبي مؤخراً والبرلمان الأوروبي بطريقة واضحة للغاية أن الاتحاد الأوروبي يرحّب بانضمام أوكرانيا لعضويّة الاتحاد الأوروبي، والآن بمجرد كونها أصبحت مرشحة أعتقد أن الإجراءات لمنح أوكرانيا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي ستتم بسرعة أكبر. وأعتقد أن الناتو أيضًا سيكون أقرب بكثير إلى أوكرانيا ولكن سيتم تحديد مسألة عضويّتها في الناتو ربما بعد الحرب”.
أما بالنسبة إلى روسيا فبحسب كيبيليوس يمكنها أن تُحدث فرقاُ بدون بوتين إذ “يمكن لروسيا أن تصبح ديمقراطية أو ديمقراطية من النوع المنفتح عندها سيتغيّر الوضع الأمني تماماً في القارة الأوروبية لأنها ستصبح أكثر أمانًا إذا أصبحت روسيا مختلفة وتحوّلت إلى الديمقراطية”، لافتاً إلى أن “كل تلك المناقشات الطويلة حول توسع الناتو يبدو أنها لن تكون مهمّة بعد الآن”.
الروس يخسرون في ساحة المعركة
يؤكد كيبيليوس أن “روسيا تحاول إحضار كل قوّاتها من جنود الاحتياط العسكريين، ومجموعة الفاغنر والميليشيات الشيشانية وما إلى ذلك، وهذا يعني أن الجيش الروسي النظامي يخسر حقاً في ساحة المعركة في أوكرانيا حيث يمكننا رؤية ذلك بطريقة واضحة للغاية. كما نشهد محاولات وحشيّة للغاية من قبل السلطات الروسية لتهديد كل أوروبا كاعتمادها على التهديد باحتمال وقوع كارثة نوويّة لأنهم هاجموا إحدى محطات الطاقة النووية الكبرى في أوكرانيا في زابوريجيا، فقد كان هناك حريق في تلك المحطة وتمكّن الأوكرانيّون من إطفائه. لكن هذا يعني أن السلطات العسكريّة الروسيّة في الواقع هي في وضع يائس للغاية، فقد خسرت روسيا خلال أسبوع واحد حوالي 9000 جندي تقريباً وهو رقم قريب من عدد الجنود التي فقدوه خلال 10 أعوام من الحرب عندما كان السوفييت يقاتلون في أفغانستان، فبحسب ما تقوله البيانات الرسمية إن السوفيات فقدوا حوالي 14 ألف جندي خلال 10 أعوام، والآن خلال أسبوع واحد فقدوا ما يقارب الـ 10 آلاف، لذلك فهذه كارثة بالنسبة لروسيا”.
إلى الخسائر العسكريّة في الميدان، يواجه الروس صعوبات أيضاً في مواجهة تداعيات العقوبات الاقتصاديّة التي يفرضها الغرب.
وفي هذا المجال يقول كيبيليوس “لا أستطيع أن أرى كيف ستكون روسيا قادرة على الاستمرار لأن العقوبات التي يفرضها الغرب من جانب آخر تدمّر حقًا كل النظام المالي، إذ تتدهور عملتهم الوطنية الروبل في روسيا كما ونظامهم المالي بأكمله وفقًا للمؤشرات الدولية المفترضة CDS أي مؤشرات مقايضات التخلف عن سداد الائتمان التي تقترب من مرحلة الإفلاس”.
وأضاف “أن الغرب يحظّر الآن جميع الصادرات التكنولوجية إلى روسيا، وقد تمّ فرض أكثر العقوبات إيلامًا من قبل تايوان التي قرّرت عدم بيع المزيد من معالجات رقائق الكمبيوتر التي لا يزال الروس يشترونها ويستخدمونها في معداتهم العسكريّة. والشركات الأيرلندية التي كانت تمنح طائرات Boeings و Airbuses لشركات الطيران التجارية في روسيا للرحلات الجوية الداخلية تستعيد كل تلك الطائرات، ما يعني أن الروس سيبقون دون إمكانية للقيام برحلات جوية داخل روسيا. لذلك بالنسبة لروسيا، فإن الأمر صعب للغاية من وجهة نظر إقتصاديّة”.
أوروبا العالقة بورقة النفط الروسيّة
يبدو بحسب ما قاله كيبيلويس أن بعض المصارف الروسية معفيّة من العقوبات ما يسمح لروسيا بالتنفس مالياً، وفي تفاصيل ذلك الموضوع وتداعياته أن “البرلمان الأوروبي قد طالب أولاً وقبل كل شيء بفرض حظر كامل وعلى الفور فثمّة قرار صدر العام الماضي في أبريل عندما رأينا حشداً للقوات العسكرية على الحدود الأوكرانية، وقد طالب البرلمان الأوروبي بالشيء نفسه مؤخرًا. يجب أن يكون هناك حظر وقيود على واردات النفط والغاز بسرعة ما سيسمح أيضًا في حال تم ذلك الحظر بإلزام جميع البنوك الروسية بالعقوبات الخاصة بسويفت، وأعني فصلهم عن الشبكة المصرفية سويفت لأن الآن ليست كل المصارف الروسية مفصولة، فقد أعفيت بعض المصارف من تلك العقوبات كي تتمكّن بعض الدول الأوروبية من دفع ثمن الغاز والنفط. لذلك فإن الحظر من جانب واحد لن يسمح بوجود أي مصرف خارج العقوبات الصارمة، وبالتالي لن ندفع بعد الآن مبلغًا ضخمًا من المال لوضعه في جيب بوتين“.
وأوضح “حساباتي بسيطة للغاية، تعلمون أن الاتحاد الأوروبي يدفع بدل موارد الطاقة النفط والغاز والفحم للميزانية الروسية بما يبلغ حوالي الـ 99 مليار يورو، لذلك إذا أعدنا الحساب فهذا يعني أننا ندفع كل يوم بينما نشتري النفط والغاز، 270 مليون يورو لجيوب بوتين، ومن السهل جدًا إعادة حساب ذلك فالدبابة الروسية التي يدمرها الأوكرانيون في ساحة المعركة تكلف حوالي 1.5 مليون يورو لذلك نحن نشتري كل يوم للجيش الروسي ولمرتزقته 180 دبابة”.
وأضاف “إن الجنود الأوكرانيين الآن في ساحة المعركة يحتاجون إلى ثلاثة أيام لتدمير حوالي 50 دبابة في حين نشتري للروس 180 دبابة يوميًا، لذلك فالمسألة تطرح إشكالية أخلاقية وهي لم تعد إشكالية إقتصاديّة. أعرف أن أوروبا مع بعض المساعدة الأمريكية قادرة أن تستمر هذا الموسم بدون الغاز والنفط الروسي فثمّة ما يكفي من الاحتياطيات فالأمريكيون يرسلون سفن غاز وبالتالي نحن قادرون على الإستمرار خلال هذا الموسم. وبعد ذلك بالطبع استعدادًا للموسم المقبل، نحتاج إلى أن نكون واضحين جدًا بشأن ما يتعين علينا القيام به على الفور لتطوير قدراتنا وهيكلنا من أجل الإستمرار بدون النفط والغاز الروسي”.