ماريوبول.. حيث ذكريات العذاب تلاحق الأوكرانيين
- كان المدنيون في ماريوبول الأوكرانية لأسابيع محاصرين تحت نيران القصف الروسي
- كل هذا كان يحدث في الأسابيع الأولى من المعارك، حتى قبل أن يشتد الحصار على ماريوبول
- أقامت روسيا مراكز هي جزء من نظام الطرد القسري للأوكرانيين إلى روسيا
كان المدنيون في ماريوبول الأوكرانية لأسابيع محاصرين تحت نيران القصف الروسي، وكلما هدأت أصوات القذائف، هرعوا لدفن موتاهم، وجلب ما يستطيعون من ثلوج لتحضير مياه للشرب، فيما كانت التجهيزات الغذائية تتناقص باضطراد.
كل هذا كان يحدث في الأسابيع الأولى من المعارك، حتى قبل أن يشتد الحصار على ماريوبول، لكن.. وبحسب الشقيقتين فيرا ونيكول، اللتين خرجتا من الحصار في منتصف مارس، فإن “الخروج من الحصار قد يكون تجربة أسوأ منه”.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الشقيقتين اللتي اعتزمتا مغادرة المدينة منتصف مارس الماضي قولهما إنهما سمعتا إن “الغزاة الروس كانوا يجتاحون المدينة الساحلية الجنوبية وينقلون الأوكرانيين بالحافلة إما إلى روسيا أو إلى الأراضي التي تسيطر عليها روسيا”.
ومع طفل عمره أربع سنوات، هو ابن فيرا، خرجت الشقيقتان سيرا على الأقدام في رحلة “مروعة”، وقالتا إنهما عبرتا طريقا ملغوما بكثافة ومليئا بالجثث. وشاهدا قناصا روسيا بالقرب من كنيسة، ونجا الثلاثة بأعجوبة من وابل من المدفعية سقط على حقل من الزهور كانا يعبرانه.
وبعد يومين، وصل الثلاثي المتعب إلى طريق سريع، ليقابلهم جندي روسي وجههم إلى حافلة مكتظة، وقالت نيكول “أخبرنا أنه حررنا وسألنا لماذا أصبحت وجوهنا حزينة حينما شاهدناه”.
نقلت الحافلة الثلاثة إلى مدرسة في بلدة نيكولسكي القريبة قالوا إنها تحولت إلى مركز تسجيل تديره روسيا حيث كان الأوكرانيون يملؤون استمارات بمعلوماتهم الشخصية، وكانت هذه التجربة الأولى للشقيقتين مع “مراكز الفلترة” كما تسميها جماعات حقوق الإنسان والمسؤولون الأميركيون والأوكرانيون.
وتصف هذه الجماعات المراكز بأنها جزء من نظام الطرد القسري للأوكرانيين إلى روسيا، إذ استخدمت روسيا هذه الاستراتيجية خلال حروبها في الشيشان في التسعينات، وفقا لفريدريك دبليو كاغان، وهو زميل أقدم ومدير مشروع التهديدات الحرجة في معهد أميركان إنتربرايز.
وقال كاغان للصحيفة الأمريكية إن الاستراتيجية تتمثل في ترويع السكان وإجبارهم على الخضوع، للحفاظ على السيطرة على الشهود على الفظائع وتحييد أي شخص ينظر إليه على أنه مقاوم للاستيلاء الروسي على مقاليد الأمور.
ظهرت قصة فيرا ونيكول، اللتين طلبتا عدم استخدام اسميهما الأخيرين خوفا من الانتقام الروسي، لأول مرة عندما اتصلتا بمنظمة إنسانية بريطانية تدعى “متحدون مع أوكرانيا”، التي تعمل على إيصال المساعدات إلى ماريوبول منذ مارس.
كما تحدثت الشقيقتان، اللتان تقولان إنهما ترويان قصتهما لتظهر للعالم ما يحدث في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، إلى وسائل إعلام أخرى، وتبادلتا مقاطع فيديو ومذكرات مع صحيفة التايمز اللندنية تؤرخ لحياتهما في ماريوبول وجزءا من هروبهما من المدينة، التي أصبحت الآن تحت السيطرة الروسية بالكامل تقريبا.
وتظهر مقاطع الفيديو التي التقطتها الشقيقتان أضرارا لحقت بمنزلهما وحيهما، وقالت راشيل دنبر، نائبة مدير هيومن رايتس ووتش لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى، إن المنظمة وثقت روايتين لشهود عيان عن نقلهما إلى مراكز الفلترة، وقالت إن تصرفات روسيا “تحمل كل السمات المميزة للنقل القسري”.
وأضافت أن اتفاقية جنيف الرابعة، التي وقعت عليها روسيا، تحظر النقل القسري للمدنيين من الأراضي المحتلة، الأمر الذي من شأنه أن يجعل عمليات النقل القسري هذه جريمة حرب.
وقال سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة سيرغي كيسليتسيا لمجلس الأمن مؤخرا إن هناك مراكز فلترة في ثلاث بلدات تسيطر عليها روسيا وهي نيكولسكي ومانهوش ويالطا، والمدن الثلاث، مثل ماريوبول، هم جزء من منطقة دونيتسك، التي تقع على الحدود مع روسيا.
وقالت فيرا ونيكول إنهما بقيتا لفترة وجيزة في مراكز الترشيح في اثنتين من تلك البلدات الثلاث أثناء هروبهما من ماريوبول، وأضافتا إن المركزين اللذين مرت بهما فيرا ونيكول في نيكولسكي ومانهوش لم يخضعا لحراسة مشددة ومنح البعض هناك خيار البقاء أو الذهاب، لكنهما قالتا إن الخيار لم يكن واقعيا لأن الروس يقدمون ممرا آمنا في اتجاه واحد فقط باتجاه الأراضي الروسية وليس الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.
وقالت فيرا “بالنسبة للبعض، دمرت منازلهم ولم يكن هناك مكان يذهبون إليه”، فيما “كان آخرون هناك لإنقاذ أطفالهم، حيث كان هذا هو الخيار الآمن الوحيد المتبقي لهم”.
ونفت تاتيانا موسكولكوفا، مفوضة حقوق الإنسان الروسية، أن يكون الأوكرانيون قد نقلوا قسرا إلى روسيا.
ويقول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه تم نقل حوالي مليون أوكراني إلى روسيا، لكنه يصف الحركة بأنها عمليات إجلاء.
أخوان في المقاومة
وتركت الشقيقتان أخاهما الشاب، الذي كان يخشى أنه إذا غادر معهم، فقد يوقفه الجنود الروس الذين يقال إنهم كانوا يفتشون الرجال في سن الخدمة العسكرية، ويتحققون من أدلة على الخدمة أو التدريب، مثل الوشم أو التقرن في الأصابع التي تستخدم للضغط على الزناد.
بعد تنقلهما بين عدة مراكز فلترة، علمت الشقيقتان بوجود مجموعة من المتطوعين الذين كانوا يأخذون الناس في شاحنات صغيرة إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا، لكن فيرا ونيكول كانتا مترددتين، فقد سمعتا أن مثل هذه الطرق كانت تستهدف أحيانا من قبل القوات الروسية.
ومع ذلك، عندما دخل رجل أوكراني المدرسة وعرض عليهما رحلة مجانية إلى بيرديانسك، بالقرب من الحدود الروسية – وهي واحدة من أوائل المدن التي استولت عليها روسيا في الحرب – انتهزت الشقيقتان الفرصة.
وعلى الرغم من أنهما ستظلان في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا إلا أنهما فكرتا بأن من الأفضل الاستمرار في التحرك، ومن بيرديانسك، استقلت الشقيقتان شاحنة إجلاء كانت جزءا من ممر إنساني إلى زابوريجيا في جنوب شرق أوكرانيا.
قالت فيرا: “وقفنا في الشارع وبدأنا في البكاء”، “لم أكن أعتقد أبدا أن مشهد الحافلة الصفراء التي تميز المدن التي تسيطر عليها أوكرانيا يمكن أن يجعلني سعيدة للغاية”.