طالبان سيطرت على أفغانستان بقوة السلاح
- الحكومة الجديدة عديمة الخبرة السياسية ومعزولة دوليًا
- بمجرد أن سيطرت طالبان تقلص الاقتصاد بنسبة 20٪ إلى 30%
بعد 20 عامًا من التواجد الأمريكي في أفغانستان، وتحديدًا في مايو 2021، شنت جماعة طالبان هجومًا ضد الحكومة الأفغانية، وسيطرت على الدولة بقوة السلاح.
في 19 أغسطس 2021، أعلنت طالبان سيطرتها على معظم أراضي أفغانستان وسقوط جمهورية أفغانستان الإسلامية، وقيام “إمارة أفغانستان الإسلامية”، وأصبح زعيم الجماعة هبة الله آخند زاده رسميًا أميرًا للبلاد.
بالطبع ظهرت نتائج تولي طالبان لحكم أفغانستان سريعًا، فالحكومة الجديدة عديمة الخبرة السياسية ومعزولة دوليًا وتخضع لعقوبات، ولا تعرف إلا القليل عن إدارة الدولة.
الاقتصاد الأفغاني قبل طالبان
قبل سيطرة طالبان على الحكم، كان إجمالي الناتج المحلي لأفغانستان 19.13 مليار دولار، وبلغ معدل البطالة 11.7%، وكان مؤشر التضخم عند 5.6%.
كما بلغ الدين الإجمالي الحكومي العام 7.8% من الناتج المحلي، وكانت الاحتياطيات الدولية نحو 9.5 مليار دولار، وكان سوء التغذية يضرب 29.8% من الأفغان، بحسب الأرقام التي جمعتها شركة البيانات الأمريكية Knoema.
كان الاقتصاد الأفغاني يتدهور بالفعل قبل استيلاء طالبان على البلاد، حيث عانى من الجفاف الشديد، ووباء كورونا، وتراجع الثقة في الحكومة السابقة، وتراجع الإنفاق العسكري الدولي مع مغادرة القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى، وهروب رأس المال، وتقدم طالبان في ساحة المعركة. لكن الوضع أصبح أسوأ مع تولي طالبان حكم أفغانستان.
مع طالبان.. الوضع أسوأ في أفغانستان
بمجرد أن سيطرت طالبان على الحكم، تقلص الاقتصاد الأفغاني بنسبة 20٪ إلى 30٪ منذ أغسطس 2021، وفقد عدد كبير من الناس وظائفهم وسبل عيشهم، وتدمرت الخدمات الاجتماعية، وتفاقم الفقر والجوع وكذلك الأزمة الإنسانية إلى حد كبير، وغادر مئات الآلاف من الأشخاص.
كما تم تجريد الوكالات الحكومية من الموظفين الإداريين والمهنيين، وأغلقت العديد من الشركات الأفغانية أو قلصت حجمها.
كما تم تجميد الأصول الأجنبية للبنك المركزي البالغة 9.5 مليار دولار في الخارج، ووصل التضخم لـ 15.5 ٪ في أبريل، وأصبح هناك أزمة في الأوراق المالية، بسبب وقف تلقي العملة الأفغانية التي تطبع خارج البلاد، وأصبح الكثير من الأوراق النقدية تالفة.
توقع البنك الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان بنحو 34٪ بنهاية عام 2022 مقارنة بعام 2020، وتم وقف التحويلات النقدية من وإلى الخارج، بحسب وول ستريت جورنال.
في الوقت نفسه استطاعت حكومة طالبان أن تجمع عائدات جمركية تقدر بحوالي 700 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام، وفقًا للبنك الدولي.
أزمة غذاء تضرب السكان
ارتفعت تكلفة سلة السلع المنزلية الأساسية بنسبة 41.6٪ في مايو مقارنة بالعام الذي سبقه، وفقًا لبيانات برنامج الغذاء العالمي، وقالت الأمم المتحدة إن 90٪ من السكان الأفغان لا يأكلون بشكل كافٍ، وأن ما يقرب من نصف السكان يواجهون الجوع الحاد.
كما حذرت لجنة الإنقاذ الدولية من أن “الأزمة الإنسانية الحالية يمكن أن تقتل أفغانًا أكثر بكثير من العشرين عامًا الماضية من الحرب”.
انقطاع المساعدات عن أفغانستان
منذ عام 2002 والاقتصاد الأفغاني يعتمد بشكل كبير على المساعدات، لكن مع عودة طالبان لحكم أفغانستان انقطعت هذه المساعدات، فتأثر الاقتصاد بشكل كبير.
مع انسحابها، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم أكثر من 774 مليون دولار لأفغانستان، وجمعت الأمم المتحدة في مارس 2.4 مليار دولار من الدول الأعضاء.
ورغم ذلك، قال برنامج الغذاء العالمي إنه يفتقر إلى 1.2 مليار دولار من الأموال التي يحتاجها لتوزيع الغذاء على 23 مليون أفغاني يحتاجون إليها هذا العام.
كما أن انقطاع المساعدات المدنية والأمنية، تسبب في فقدان أفغانستان لأكثر من 8 مليارات دولار سنويًا، أي ما يعادل 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.
معهد الولايات المتحدة للسلام، وصف الوضع الاقتصادي لأفغانستان بـ”الصدمة الاقتصادية الهائلة”، وأرجع أسبابها للعقوبات، وتجميد احتياطيات النقد الأجنبي في أفغانستان، وإحجام البنوك الأجنبية عن التعامل معها.
استقرار ما قبل المجاعة
بعد السقوط الحر الذي استمر عدة أشهر، يستقر الاقتصاد الأفغاني ولكن بتوازن أقل بكثير، مما يترك الناس أكثر فقرًا وأكثر عرضة للحرمان والجوع والمرض.
لا يوجد أي احتمال لاستئناف النمو المرتفع للاقتصاد، ناهيك عن التعافي إلى مستويات ما قبل عام 2021 في المستقبل المنظور.
على الصعيد الخارجي، انتعش سعر صرف العملة الأفغانية ولم يعد أقل من العام الماضي، كما انخفضت الواردات بشكل حاد، مما يعكس الانهيار الاقتصادي ونقص المساعدات الدولية لتمويل الواردات، بينما تضاعفت الصادرات في الأشهر الأخيرة.
داخليًا، يبدو أن الشركات الأفغانية قد أوقفت تسريح الموظفين أو الإغلاق، لكنها لم تستعيد مستويات النشاط قبل عام 2021، كما تتوافر السلع عمومًا في الأسواق ويبدو أن الأجور توقفت عن الانخفاض. لكن لا يزال التضخم مرتفعًا نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية، وليس انخفاض سعر الصرف أو عوامل محلية أخرى كما كان الحال سابقًا.
كان التعدين نقطة مضيئة، حيث تضاعف إنتاج الفحم وصادراته، بشكل رئيسي إلى باكستان، هذا العام إلى نحو أربعة ملايين طن.
يقول ويليام بيرد من معهد الولايات المتحدة للسلام، إنه لا يعني أن الوضع الاقتصادي جيد على الإطلاق، بل يعني فقط أن السقوط الحر للاقتصاد قد توقف.
ويوضح أن هذا التوازن الجديد يترك معظم السكان الأفغان غير قادرين على تحمل تكاليف الغذاء والضروريات الأخرى، وهو ما يسمى بـ”توازن المجاعة” حيث سيتضور الكثير من الناس جوعًا في غياب المساعدة الإنسانية.
أزمة طالبان المستقبلية
تتحمل جماعة طالبان مسؤوليتها عن الوضع الاقتصادي الحالي، فمن خلال تجاهل الأولويات الدولية والاستهزاء بها علنًا في كثير من الأحيان، فإنها تجعل من الصعب على المانحين الحفاظ على المساعدات الحالية ناهيك عن زيادتها، واستعادة العلاقات المالية الدولية الطبيعية.
ولكي تحل هذه الأزمة سيكون على طالبان تعيين مسؤولين مؤهلين، وذوي خبرة لقيادة الوكالات الاقتصادية الرئيسية (البنك المركزي ووزارة المالية)، وأن تصبح أكثر استجابة للاهتمامات الدولية، ليس أقلها في المجال الاقتصادي.
كما أن افتقار طالبان التام إلى الشفافية بشأن نفقات الميزانية قد يُخفي مخالفات أو يرجح تخصيص مبالغ كبيرة من الأموال لقطاع الأمن وأولويات طالبان الأخرى.
الجهود المبذولة للسيطرة على سوق الصرف الأجنبي والمراسيم بعدم استخدام العملات الأجنبية – على الرغم من عدم تنفيذها بشكل فعال – تنم عن نقص في فهم أداء السوق والمزايا التي تكتسبها أفغانستان من الأسواق الحرة.
قد تؤدي الزيادات الكبيرة في صادرات الفحم والمعادن الأخرى إلى مزيد من الضرر بالطرق المتهدمة في أفغانستان، وليس من الواضح ما إذا كانت طالبان ستكون قادرة على صيانة الطرق والبنية التحتية الأساسية الأخرى بشكل أفضل من الحكومة السابقة، ناهيك عن الإشراف على استثمارات كبيرة جديدة في البنية التحتية، والعواقب البيئية والاجتماعية الإشكالية للتعدين.
أيديولوجية طالبان تعتبر عثرة في طريق الإدارة الاقتصادية السليمة، فحظر الأفيون المعلن عنه مؤخرًا، إذا تم تنفيذه، من شأنه أن يصدم الاقتصاد الأفغاني ويزيد من أعباء مئات الآلاف من سكان الريف – وهي ضربة اقتصادية إضافية لا تستطيع البلاد تحملها.
كما أن القيود التي تفرضها طالبان على تعليم الفتيات وأدوار النساء في العمل سيكون لها عواقب اقتصادية وخيمة على المدى الطويل من خلال الحد من مشاركة أكثر من نصف السكان في الاقتصاد.