أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية في كابول يوم الأربعاء ١٧ أغسطس/ آب، أنها قتلت المولوي مهدي مجاهد، أحد أبرز زعماء الهزارة الشيعة في أفغانستان، والذي كان حتى وقت قريب أحد وجوه طالبان نفسها.
بحسب إعلان الوزارة، قُتل مهدي مجاهد على يد حرس الحدود في مقاطعة هيرات الحدودية أثناء ما قالت إنها محاولته الفرار إلى إيران.
تأتي أهمية مجاهد من أنه ظل القائد الشيعي الوحيد في مراكز السلطة العليا في طالبان حتى انشقاقه عنهم في يونيو/ حزيران الماضي. كان من الأهمية بحيث وصف نفسه بأنه ”جسر طالبان إلى مجتمع الهزارة“ وبحيث كافأه طالبان على تحالفه معهم بأن منحوه لقب ”مولوي“ الذي يُعطى لمدرّسي الشريعة.
قبل شهرين تقريباً، اختلف مهدي مجاهد مع حكومة طالبان على تقاسم إيرادات مناجم الفحم في مديرية بلخاب شمال غرب كابول. منذ انهيار حكومة أشرف غني العام الماضي، سادت حالة من عدم الانضباط في سوق الفحم تمثلت في استغلال رجال أعمال باكستانيين سوء إدارة طالبان لهذه التجارة؛ فاستوردوا الفحم الأفغاني بأسعار تنافسية.
إثر هذا الخلاف، قاد مهدي مجاهد ما وصفه طالبان بأنه تمرد على سلطتهم في المقاطعة استمر أسابيع انتهى بقتله.
المولوي مهدي مجاهد
كان المولوي مهدي مجاهد، البالغ ٣٣ عاماً عند قتله، نائباً لرئيس حزب الوحدة الإسلامي “محمد محقق”، وهو الحزب الشيعي الوحيد في البلاد. شارك في قتال القوات الأمريكية وأمضى سبع سنواتٍ في سجون الحكومة الأفغانية تعرف خلالها على قادة من طالبان.
انضم رسمياً إلى طالبان ذات الأغلبية البشتونية السنية في ٢٠١٩؛ وظلّ وفياً لهم فعينوه في أبريل /نيسان ٢٠٢٠ حاكماً لمديرية بلخ في حكومة الظل التي قادوها؛ كما كان قائداً لقوات طالبان في ولاية ”سار إي بول،“ شمال غرب كابول.
وبعد سقوط كابول في أغسطس/ آب العام الماضي، عُيّن رئيساً لاستخبارات مقاطعة باميان ذات الأغلبية الشيعية التي ينتمي إليها.
بتعيينه في مراكز قيادية، حاول طالبان تبديد فكرة أنّ الجماعة تميل إلى تغليب الطابع العرقي أو الطائفي على الوطني الأفغاني فاستدعى ذلك تقريب قيادي من عرقية الهزارة ومن الطائفة الشيعية. وهكذا كان التقارب مع “المولوي مهدي مجاهد” الذي ينتمي إلى عرقيةٍ أخرى غير عرقيّة البشتون التي تهيمن على الجماعة أو الطاجيك المتنفذة فيها، وإلى طائفة أخرى غير الطائفة السنية التي تدين بها الجماعة على المذهب السُنّي الحنفي.
الخلاف على تقاسم المصالح
في ٣ يونيو/ حزيران الماضي، عزلت طالبان مهدي مجاهد من منصبه في باميان وطلبت منه العودة إلى كابول؛ لينتهي التحالف بينهما بإعلانه “التمرد” على الجماعة، وقيادة مقاتلين معظمهم من الهزارة لمقاومة سلطة الأمر الواقع.
في سلسلة من التصريحات قبل مقتله، قال مهدي مجاهد إنّ حكومة طالبان تجاهلت عرقية الهزارة الذين لم يعودوا آمنين في بلادهم، وإن عشرة ملايين من الهزارة هُمشوا وحُرموا من التمثيل في المناصب الحكومة وإدارة الإمارة.
إزاء ذلك، وبحسب إعلام طالبان، دُعي مهدي مجاهد إلى العاصمة لحلّ الخلاف عبر الحوار، لكنّه رفض. السقف الأعلى لعروض طالبان كان أن يتولى مهدي مجاهد منصب وكيل وزارة التنمية العمرانية، وهو ما رآه غير متناسب والثقل السكاني للهزارة الذين يمثلون حوالي ١٥٪ من سكان أفغانستان.
من ناحية أخرى، دار حديث عن أن شبكة حقاني التي تُسيطر على المفاصل الأمنية في حكومة “الإمارة”، وتمثل الجناح المتشدد في الجماعة، هي من وقفت وراء إبعاد “مهدي مجاهد” من رئاسة استخبارات باميان.
وصل الخلاف بين مهدي مجاهد وشبكة حقاني حداً اتهم فيه الرجل الشبكة بالضلوع في الهجمات الأخيرة على المساجد الشيعية.
مجاهد و”المقاومة”
ربما كسب مهدي مجاهد طالبان، لكنه خسر الشيعة. فلم يحظَ في خلافه الأخير بدعم الهزارة إلاّ على نطاقٍ ضيقٍ ومحدود، فقد دعا مجلس العلماء الشيعة، وقيادات شيعية بارزة مثل رئيس مركز تبيان، عيسى حسيني مزاري، أبناء الطائفة للابتعاد عن الحرب وتجنب الانخراط في صفوف مقاتلي مهدي مجاهد.
لكنّ قادة ومقاتلين من الأوزبك الذين تركوا طالبان انضموا إلى المولوي مهدي مجاهد، بمن فيهم جنود سابقون من الجيش الأفغاني وطاهر زهير حاكم باميان السابق لمقاومة قوات الجماعة في مقاطعتي باميان و”سار إي بول”. ويعتقد أن مجاهد تمكن في أيامه الأخيرة من قيادة ٥٠٠ مسلح في هذا التمرد.
أين إيران؟
العلاقة الجيدة مع الهزارة الشيعة مهم لطالبان حتى تكسب ود إيران التي لا تزال ترى نفسها حامية للشيعة ولا تزال تستغل المكون الطائفي لتدعيم سياساتها في العالم.
في فترة حكم طالبان الأولى بين عامي ١٩٩٦ و ٢٠٠١، لم تكن علاقتهم بإيران أو الهزارة علاقة طيبة. فقد واجه الهزارة أشكالاً من الاضطهاد، واتُهمت الجماعة بارتكاب انتهاكاتٍ ضدّ المجتمعات الشيعية والأقليات العرقية في البلاد. كما أنهم في العام ١٩٩٨ قتلوا تسعةَ إيرانيين عاملين في قنصلية طهران في مدينة “مزار شريف” عاصمة ولاية بلخ شمال البلاد.
عندما وصلوا للحكم هذه المرة الثانية، بدوا أكثر انفتاحاً على الحكومة الإيرانية والحرس الثوري بعد أن أقاموا علاقاتٍ معهم على مستوياتٍ سياسية وعسكرية.
ومن قبيل هذا التقارب، حاول طالبان بعد سيطرتهم على كابول العام الماضي استمالة الهزارة باتخاذ خطوات قد تبعث فيهم حالة من الاطمئنان – فسمحوا لهم بإقامة مراسم ذكرى عاشوراء علناً ولكن بضوابط عدم الإساءة للرموز الدينية للآخرين؛ وأجرى كبار قادة الجماعة زيارات عدة للمساجد الشيعية ودأبوا على توفير الحماية لها.
في كل هذا رسائل إلى إيران التي ما انفكت توظف المشترك الطائفي مع الشيعة في أي بلد لإثارة القلاقل والفتن وتعزيز سياستها.
بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان، استضافت إيران نحو مليون لاجئ أفغاني وفقَ أرقام رسمية، وأكثر من ٢,٥ مليون وفق تقديرات غير رسمية معظمهم من الهزارة الشيعة.
لكنّ إيران استغلت الحاجات الإنسانية للاجئين الهزارة، وهروبهم من الموت في بلادهم، فأوهمتهم بمنحهم الإقامة الدائمة وتحسين ظروف معيشتهم؛ وجنّدت الآلاف منهم للقتال إلى جانب قوات النظام السوري ضمن لواء فاطميون.
“فاطميون” يرتبط تنظيمياً بمعسكر “الأنصار” التابع لفيلق القدس، ومقرّه مدينة مشهد الإيرانية مسقط رأس قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني الذي ظلّ لسنواتٍ طويلةٍ مسؤولاً عن الملف الأفغاني في الحرس الثوري، وهو نفسه قائد معسكر الأنصار بداية تأسيسه.
قُتل المولوي مهدي مجاهد، وماذا بعد؟
فهل سيقود مقتل مولوي مهدي مجاهد أتباعه من الهزارة للالتحاق إلى صفوف المقاتلين ضد طالبان سواء بالإعلان عن تشكيلٍ خاصٍ بهم أو الالتحاق بصفوف فصائل أخرى تقاتل الجماعة؟
لا تزال عرقية الهزارة تشعر أنّها خاضعة لسلطة سُنيّة مختلفة معها عقائدياً، تضم جناحاً متشداًد تُمثلّه شبكة حقاني التي لا ترى ثمّة ما يمنع من استهداف الهزارة على أساس الانتماء الديني الطائفي – وهي ذات نظرة تنظيم داعش فرع خراسان الذي كثّف هجماته على المساجد والمحلّات السكنية للشيعة الهزارة في ظل ما يشبه عجز طالبان عن حمايتهم.
وهكذا، يبدو أن طالبان على أعتابِ حملاتِ تطهير قيادات المجتمعات المُنتمية لعرقياتٍ أو طوائفَ غير البشتون وحليفهم الطاجيك؛ ناقضين وعوداً قطعوها في الأيام الأولى لسيطرتهم على مقابض السلطة في أفغانستان.
تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن