احتجاجات إيران تحولت لحراك اجتماعي أوسع نطاقاً يغذيها غضب الطبقة الوسطى

  • الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية في إيران تقود التظاهرات في عشرات المدن
  • احتجاجات إيران تحولت من المطالبة بحقوق المرأة لدعوة لإنهاء نظام الحكم المتشدد في البلاد
  • نحو 63٪ من الإيرانيين يلقون باللائمة في المشكلات المالية للبلاد على سوء إدارة الاقتصاد المحلي والفساد المستشري

توسعت دائرة الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح إيران منذ 3 أسابيع عقب وفاة الشابة مهسا أميني التي احتجزتها “شرطة الأخلاق” إلى حراك اجتماعي أوسع نطاقاً، تقوده الطبقة الوسطى للتعبير عن استيائها من الظروف الاقتصادية الصعبة، وسط ارتفاع التضخم وانهيار العملة المحلية، بحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال“.

وأشار التقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية، الثلاثاء، إلى أنّ الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية تقود التظاهرات في عشرات المدن منذ وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر الماضي، وهي شابة تبلغ من العمر 22 عاماً احتجزت بزعم انتهاك قواعد اللباس الصارمة في البلاد.

وانتقلت هذه التظاهرات التي تمت الدعوة إليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من المطالبة بحقوق المرأة إلى الدعوة لإنهاء نظام الحكم المتشدد في البلاد الذي يتحكم في جميع جوانب المجتمع.

ونقلت الصحيفة عن مصطفى باكزاد، وهو رجل أعمال في طهران يقدم استشارات للشركات الأجنبية بشأن إستراتيجية أعمالها في إيران: “مثلث النساء والتكنولوجيا والفقر هو وقود هذه التظاهرات”، مضيفاً: “يشعر الشباب أنّ حياتهم تُهدر حرفياً بسبب القيود الشديدة التي يواجهونها”.

معضلة الطبقة الوسطى في إيران
حافظت الطبقة الوسطى على استقرار إيران بعد ثورة عام 1979، وكانت محركها الاقتصادي لمواجهة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب الملف النووي، والصواريخ الباليستية، ودعم الإرهاب، والفصائل المسلحة في المنطقة.

واستمرت الطبقة الوسطى في إيران في النمو على مدى العقود الأربعة الماضية لتصل إلى 60٪ من السكان، مع وجود نظام تعليمي قوي يتخرج منه أطباء ومحامون ومهندسون وتجار، على الرغم من الحرب المدمرة والعديد من الانهيارات في أسعار النفط.

ولكن الطبقة الوسطى تتعرض لضغوط عدة، مثل ارتفاع التضخم بنسبة 50٪، وهبوط قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق خلال هذا العام.

ويعيش أكثر من ثلث سكان إيران تحت خط الفقر، مقارنة بـ20٪ في عام 2015، كما انكمشت الطبقة الوسطى لتشكل أقل من نصف عدد سكان البلاد.

وتدهورت قيمة العملة الإيرانية وارتفعت نسبة التضخم، منذ أن أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات في عام 2018.

هل تحولت احتجاجات إيران من "شرطة الأخلاق" إلى الاقتصاد؟ومن يقودها؟

سيارة شرطة مكافحة الشغب تركب في أحد شوارع طهران ، إيران ، 3 أكتوبر / تشرين الأول 2022. رويترز

غضب متصاعد في إيران

وتصاعد الغضب في إيران منذ سنوات بسبب المشكلات الاقتصادية، وأيضاً الفشل في إحياء الاتفاق النووي، الذي رفعت بموجبه العقوبات الغربية مقابل قيود مشددة على برنامج طهران النووي.

ونقلت الصحيفة عن ربة بيت تبلغ من العمر 52 عاماً، كانت تحتج في أحد شوارع شمال طهران الراقية، وهي تلوح بغطاء رأسها مع نساء أخريات: “جذور هذه الاحتجاجات هي المشكلات الاقتصادية، وأنت ترى الآن هذه الانتفاضة”.

ونفدت مدخرات هذه المرأة هي وزوجها، وهو صاحب شركة صغيرة للطعام. فبعد ما كانا يملكان في السابق عدة عقارات، دفعتهم الظروف الحالية لبيعها، بسبب التضخم الشديد الذي يعصف بالطبقة الوسطى. وقالت إنها اعتادت على شراء سيارة جديدة كل عامين، ولكنها كانت مجبرة على بيع سيارتها مؤخراً لسداد القروض.

وأشارت إلى أنّها كانت تتظاهر، الجمعة، عندما صرخ عليها بعض ضباط الشرطة في ثياب مدنية لعدم ارتدائها غطاء الرأس، كما ذكرت أنهم هاجموا متظاهرتين بالقرب منها. وأضافت أنها أصيبت بكريات مطاطية من سلاح شبيه بالبندقية تستخدمه الشرطة لتفريق الحشود.

وتابعت: “الطلقة لها صوت مروع، من بندقية حقيقية”. لكن الآن بعد أن أصيبت، أكدت أنها ليست خائفة وستذهب مرة أخرى للاحتجاج”.

ولقي أكثر من 50 شخصاً حتفهم في الاحتجاجات، فيما أصيب واعتقل الآلاف وفقاً لتقديرات جماعات حقوق الإنسان.

ويتفق معظم الاقتصاديين على أن العقوبات الأمريكية التي تستهدف صناعة النفط، والقطاع المالي في إيران، هي العامل الرئيسي الذي يشل الاقتصاد الإيراني، ويقطع البلاد عن الدولار.

ومع ذلك، فإن نحو 63٪ من الإيرانيين يلقون باللائمة في المشكلات المالية للبلاد على سوء إدارة الاقتصاد المحلي والفساد المستشري، وليس العقوبات فقط، وفقاً لاستطلاع شمل 1000 مشارك أجراه قبل عام مركز الدراسات الدولية والأمنية بجامعة ماريلاند، ومقره كندا.

احتجاجات

طهران ، إيران – 01 تشرين الأول (أكتوبر): أحرق متظاهرون دراجة شرطة في 1 أكتوبر 2022 في طهران ، إيران. (Photo by Getty Images)

فقر “غير مسبوق”
كانت إيران في يوم من الأيام واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وتضخ الآن نحو 2.5 مليون برميل يومياً، انخفاضاً من 6 ملايين برميل في السبعينيات، و4 ملايين حتى عام 2016.

وانخفض توظيف خريجي  الجامعات الإيرانية بنسبة 7٪ في أعقاب العقوبات، كما أن أجور العمال المهرة من الذكور تراجعت بنحو 20٪، وفقاً لدراسة نشرها صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي.

وبدأت موجة أولى من التظاهرات في وقت سابق من هذا العام، بقيادة النقابات العمالية التي تمثل عمال صناعة النفط والمعلمين، الذين رأوا أن أجورهم تنخفض إلى ما دون خط الفقر.

ودعت هذه النقابات أعضائها للانضمام لحركة الاحتجاجات بهدف إنهاء قواعد اللباس الصارمة، والتي اتهمت الشابة مهسا أميني بانتهاكها.

وخلال الأيام الأخيرة، خرج طلاب جامعة العلامة طباطبائي في طهران وهم يهتفون: “فقر، فساد، طغيان. الموت لهذه الديكتاتورية”.

وفي هذا السياق قال فرشاد مؤمني، رئيس “معهد الدراسات الإسلامية في العلوم الإنسانية”، وهو مركز أبحاث إيراني مستقل، لوكالة أنباء “إيلنا” شبه الرسمية، إن حجم الفقر المتصاعد في إيران “غير مسبوق خلال المئة عام الماضية”، ويمكن أن “يزعزع استقرار البلاد”.

ومع ذلك، حض بعض القادة الإيرانيين الحكومة على سماع صوت المحتجين. وقال حسين نوري همداني، وهو رجل دين معروف بقربه من المرشد الإيراني علي خامنئي، الشهر الماضي إنه “من الضروري أن تستمع السلطات إلى مطالب الناس، وتحل مشكلاتهم”.

لكن المتظاهرين ليس لديهم كثير من المناورة مع السلطات الإيرانية، في دعوتهم لإسقاط الحكومة وإنهاء النظام الديني.

وندد خامنئي هذا الأسبوع بالاحتجاجات ووصفها بأنها “أعمال شغب مدعومة من أعداء أجانب”، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، كما أشاد بتعامل قوات الأمن مع المتظاهرين.

وكتب خامنئي على تويتر، الاثنين: “هذا الأمر لا يتعلق بالحجاب في إيران، ولكن يتعلق باستقلال إيران ومقاومتها”.

 

 

“قمع” وقوانين مشددة

وول ستريت جورنال” لفتت إلى أنّه بعد عام 1979، ساعدت الحرية النسبية في ممارسة الأعمال التجارية الطبقة الوسطى في تخطي استيائها من “القمع السياسي” وفرض قوانين مشددة. كما أعادت الحكومة توزيع الثروة النفطية التي كانت مركزة بين النخبة في عهد الشاه، وقدمت رعاية صحية مجانية وتعليم مجاني، وبرامج لصالح الأسر.

وبحلول عام 2015، احتل مؤشر التنمية البشرية في إيران، وهو مقياس للأمم المتحدة يتضمن المساواة الاجتماعية ومستويات التعليم ومتوسط العمر المتوقع، مرتبة أعلى من تلك الموجودة في المكسيك وأوكرانيا والبرازيل وتركيا.

وفي ذلك العام، كان الإيرانيون يأملون أن يؤدي الاتفاق مع الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وروسيا والصين إلى إنهاء سنوات من العزلة الدولية بسبب البرنامج النووي لبلادهم.

وفي مقابل قيود مشددة ولكن مؤقتة على الأنشطة النووية، تحررت إيران من معظم العقوبات الدولية وتمكنت من القيام بأعمال تجارية مرة أخرى مع الكثير من دول الغرب.

ومع ذلك كان التأثير محدوداً، إذ تجنبت العديد من الشركات الغربية إبرام صفقات مع طهران بعد انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2016.

ومنذ عام 2018، عندما أعلن ترمب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات، سقط المزيد من الإيرانيين من أبناء الطبقة المتوسطة في دائرة الفقر مجدداً.

ووضع الإيرانيون من أبناء الطبقة الوسطى آنذاك ثقتهم في المرشحين السياسيين الإصلاحيين مثل حسن روحاني، الذي قاد البلاد بين عامي 2013 و2021، لكن استطلاعات رأي ومقابلات تشير إلى أن الكتلة الانتخابية فقدت الأمل في التغيير السياسي من خلال صناديق الاقتراع.

وفي العام الماضي، وصلت نسبة الإقبال إلى مستوى قياسي منخفض بعد أن أصبح واضحاً أن خامنئي لن يسمح حتى لمرشح إصلاحي رمزي بالترشح للرئاسة.

وهذا ما أكده خليفة روحاني، إبراهيم رئيسي، الذي ترأس سابقاً “السلطة القضائية القمعية” في إيران، بتركيزه على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، والتجارة مع روسيا والصين، وليس مع الغرب، بحسب الصحيفة.

“لا يوجد متنفس”

في هذا الصدد، قال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية بالمملكة المتحدة سنام وكيل: “في إيران، لا يوجد متنفس، لا توجد فرص اقتصادية، ولا اجتماعية، ولا سياسية، بل مجرد سحابة من القمع”.

وفي عام 2017، ثم في 2019، اندلعت احتجاجات في جميع أنحاء إيران امتدت جذورها إلى الاستياء الاقتصادي. وقمعت السلطات الإيرانية الحراكين بعنف، ولقى أكثر من 100 شخص حتفهم في 2019، بحسب منظمة “العفو الدولية”.

وأشارت دراسة عام 2019، أعدتها مؤسسة استشارات متخصصة في العلوم الاجتماعية لصالح وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إلى أنّ المتظاهرين الإيرانيين الآن “يأتي أكثرهم من قطاعات المهن ذات الدخل المرتفع مثل التجارة والنقل”، و”يجري تشكيلهم من قبل نخبة من المتعلمين والمثقفين الإيرانيين”.

وتوقعت الدراسة أنّ “الدور المتصاعد للطبقة الوسطى الإيرانية في الاحتجاجات سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، وسيقابل بالقمع المتصاعد من قبل الحكومة”.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ “الثروة تتركز الآن في عدد أقل من الأيدي، ما يفاقم مشاعر الاستياء ضد أعضاء النخبة الإيرانية المشتبه بهم على نطاق واسع في التربح من التهرب من العقوبات”.

ويقول رجال أعمال في طهران إنّ “الجماعات المتحالفة مع الدولة استولت على الاقتصاد بشكل متزايد، من صناديق التقاعد العامة إلى المؤسسات الدينية إلى الكيانات المملوكة للحرس الثوري، ما خلّف مساحة صغيرة لتنفس لقطاع خاص حقيقي”.

وتحصل الطبقة العليا التي تمثل 10٪ من الأسر الإيرانية الآن على 31٪ من إجمالي الدخل القومي الإجمالي، بينما تحصل 10٪ الأدنى على نحو 2٪، وفقاً لوزارة الرعاية الاجتماعية الإيرانية.

وهذا يعني أن لدى إيران فوارق اقتصادية ملحوظة كما هو الحال في الولايات المتحدة، وأعلى بكثير من دول أخرى في المنطقة، وفقاً للبنك الدولي.

وتشهد عدة مدن إيرانية منذ نحو 3 أسابيع، احتجاجات أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر بعد 3 أيام من توقيفها في طهران من قبل “شرطة الأخلاق”.

ووفق “منظمة حقوق الإنسان في إيران” (غير حكومية)، أسفرت الاحتجاجات عن سقوط 92 شخصاً حتى الآن، في وقت قالت “منظمة العفو الدولية” في وقت سابق إنها أكدت سقوط 53 شخصاً، بعدما أشارت وكالة “فارس” الإيرانية شبه الرسمية الأسبوع الماضي، إلى سقوط زهاء 60 شخصاً.

وفي المقابل، تنفي السلطات أيّ ضلوع للشرطة في وفاة الشابة، وتصف المتظاهرين بأنهم “مثيرون للشغب” و”إرهابيون” وأعلنت توقيف مئات منهم.