ما هي صحافة البيانات؟
صحافة البيانات تعني باختصار إعداد قصص خبرية عن طريق معالجة مجموعات كبيرة من البيانات، علماً أن الأدوات المجانية المتوفرة على الإنترنت تُيسّر إمكانية معالجة المعلومات الرقمية وتفسيرها وعرضها.
وبين صحافة البيانات والصحافة الاستقصائية، هناك مساحة مشتركة إذ يتطلب كلاهما عمليات بحث مضنية، ويمكن لصحافة البيانات أن تتداخل كذلك مع عملية تصوير البيانات بصريًّا، حيث إنها تتطلب تعاونًا وثيقًا بين المتخصصين في المجال الرقمي؛ لإيجاد أفضل السبل لعرض البيانات.
الموضوع قد يبدو معقداً أو شاقاً للوهلة الاولى، لكن صحافة البيانات وُجِدت لتبقى ويجب أن نعتاد عليها.
ما هي المهارات التي يحتاجها الصحافي ليكون صحافي بيانات؟
في البداية، فلنستعرض المهارات التي لا يحتاجها الصحافي، فهو ليس بحاجة إلى أن يكون عبقريًا في التكنولوجيا، أو جيدًا في الرياضيات، أو صحافيًا متمرسًا. وفي هذا الإطار، قالت ايفا كونستانتاراس، المتخصصة في تشكيل واعداد فرق صحافة البيانات في البلدان النامية، عن المهارات المطلوبة من صحافي البيانات: “لا تتعلق صحافة البيانات بالتكنولوجيا؛ بل إنها تدور حول القصص التي تشرح التجربة الإنسانية.
يجب أن تكون شغوفًا بالموضوع الذي تغطيه ومن ثم يجب أن تكون قادرًا على متابعة عملية بحث مثبتة خطوة بخطوة تنقلك من الفكرة إلى التحقيق المكتمل والتحقق الذي يصل إلى جذر المشكلة. يجب أن تلتزم بالشفافية وبأعلى معايير التوثيق أثناء تطوير مهارات البيانات الخاصة بك. إذا كنت شغوفًا ودقيقًا، فلديك بالفعل ما يلزم لتصبح صحافي بيانات، الباقي هو تعلم الأدوات والعمليات لمساعدتك في العثور على قصتك واخبارها”.
لماذا جعلت جائحة كورونا صحافة البيانات تنتشر؟
أعطت مواكبة أخبار جائحة كورونا نفَسًا جديدًا في الصحافة يتجاوز الهوس بالتساؤلات الخمس التقليدية والهرم المقلوب، وكان الوباء فرصة برزت فيها أهمية صحافة البيانات في إنتاج الخبر ومعالجته ونشره، وخاصة مواكبة مؤشرات تطور الوضع الوبائي، محليًا ودوليًا.
كانت الجائحة عاملًا سرّع فرص التعاون بين الصحافيين والخبراء الرقميين على بلورة أخبار تعتمد على رؤية صحافية وآليات تقنية تسمح بتوفير مادة إخبارية في قوالب مشوقة وأكثر جاذبية بالصوت والصورة، وقد يكون هذا الزخم في اللجوء إلى صحافة البيانات، فرصة لتطوير إنتاج مفهوم القصة والرواية الصحافية، وكذلك تشجيع عودة الصحافيين لمقاعد التعلم لتطوير قدراتهم الرقمية، تحت إشراف الخبراء التقنيين، ويبدو ان الجائحة لقّنت الإعلاميين درسًا في استغلال أكوام الأرقام والمعلومات المتاحة بشكل واسع ومعالجتها باستعمال قوالب إخبارية، تعتمد على صحافة البيانات لتوصيل المعلومة المختزلة والمُبسطة للرأي العام.
بالانتقال إلى الصحافة الاقتصادية، كيف يمكن أن نصبح صحافيين اقتصاديين ناجحين؟
يقول رائد الصحافة الأمريكية جوزيف بوليتزر: “لا توجد مهنة في العالم يستطيع الإنسان أن يحسّن أداءَها، دون أن يُؤهَّل لها التأهيلَ الكافي”، على الصحافي المتخصص أن يتلقى تكوينًا عامًا يتعلم فيه أساسيات الإعلام ومبادئه، ثم ينتقل إلى مرحلة الإعلام المتخصص، حتى يتلقى تكوينًا معمقًا في المجال الذي اختار التخصص فيه. وهذا ينطبق خاصةً على الصحافة الاقتصادية.
هل يجب أن يكون الصحافي الاقتصادي مجازاً بالإعلام، وليس بالاقتصاد؟
إذا كان مجازاً بالإعلام والاقتصاد في الوقت نفسه، يكون عندها الصحافي الاقتصادي المثالي. في الوطن العربي، تعتمد المؤسسات الصحافية بمعظمها على مزيج من صحافيين مُنحوا بعض المعارف الاقتصادية للعمل في المجال الاقتصادي، أو على اقتصاديين تم تزويدهم ببعض الأسس المهنية لممارسة الإعلام، اما عدد الصحافيين المتخصصين الذين درسوا الصحافة الاقتصادية فلا يزال قليلًا جدًا مقارنة بنظرائهم في الصحافة الغربية.
الصحافة الاقتصادية في المنطقة العربية ما زالت ناشئة وتحتاج إلى توجيه أكثر ومساحة وحرية أكبر، حتى تستطيع أن تقدم خدمة اقتصادية متوازنة، تضع حدودًا فاصلة بين الإعلان والخبر.
كما أن اللغة الصحافية المستخدمة في الصحافة الاقتصادية تشكل هي الأخرى حاجزًا كبيرًا بين الصحافي والمتلقي الذي ما زال يعتبرها لغة نخبوية لا تُترجم توقعاته على أرض الواقع، لذا يجب أن تخرج اللغة الاقتصادية من جمودها حتى تلعب دورًا أساسيًا وفاعلًا في تثقيف المواطن العربي وتبليغه بكل المعلومات والتعاملات التي يمكن أن تفيده في حياته المعيشية.
هل من إرشادات معينة للصحافيين لتقديم تغطية جيدة للأخبار الاقتصادية؟
أبرز الارشادات عددها ٦ وهي التالية:
١- تجنب المصطلحات الاقتصادية المتخصصة قدر المستطاع، توخياً لوضوح المضمون.
٢- عندما لا يستطيع الصحافي التخلص من المصطلحات الاقتصادية المتخصصة، عليه ان يقوم بتعريفها للمتابعين، على اعتبار أن هذه المصطلحات تمثل شفرة غامضة بالنسبة لمعظم الناس.
٣- التقليل من استخدام الإحصائيات. تتضمن أنباء النشاط الاقتصادي والمالي عادةً، عدداً أكثر من اللازم من الأرقام، ورغم أن الأرقام الهامة تضفي وزنا ودقة على المضمون المقدم للناس، فإنه ينبغي على الصحافيين الاستغناء عن الأرقام التي لا تُعتبر بالغة الأهمية لإيصال الفكرة.
٤- مقارنة الإحصائيات المستخدمة. عندما يقرر الصحافي استخدام رقم في عمله، عليه ان يضعه في السياق المناسب من خلال مقارنته بشيء، ليظهر معناه الحقيقي من خلال معرفة قيمته النسبية.
٥- مقارنة الإحصائيات لا تكون كافية احياناً، لذا على الصحافي أن يفعل أكثر من مجرد نقل الأرقام، وتحويل الموضوع الى قصة، فعليه أن يشرح دلالات الارقام، مع السعي لإضافة الطابع الإنساني عليها.
٦- النظر الى الجوانب الأخرى للموضوع. هناك عادةً، أكثر من جانب لكل قصة ولو كانت اقتصادية، رغم أنه قد يبدو للصحافي أن لديه كل المعلومات الضرورية، فقلما يقدم مصدر واحد للمعلومات صورة كاملة عن الوضع، ولذلك فإن التشكك مطلوب دائماً.