لم تعرف كينيا الهدوء أو السلام منذ أن قرّرت في العام 2011 إرسال قواتها إلى الصومال للمشاركة في محاربة “جماعة الشباب” الإرهابيّة، فمنذ ذلك الحين والأخيرة تنفذ هجمات دمويّة مروعة تحصد أرواح المئات من الكينيين الأبرياء.
ولا تكتفي “الشباب” بذلك، فهي تقوم بتجنيد الشباب الكينيين لتنفيذ عمليّاتها الإرهابيّة كما تستغل ظروفهم المعيشيّة والقهر وانعدام الأمل في مجتمعاتهم لتقدّم لهم الإغراءات الماديّة فتستقطبهم وتقودهم إلى الصومال، حيث يتمّ تدريبهم على المشاركة في الحرب والعمليّات الإرهابيّة، فمن هم جماعة الشباب ولماذا ينشطون في كينيا؟ وما هو الأثر الذي يتركونه داخل المجتمع الكيني؟
ذاع صيت حركة “الشباب” في العام 2006 ارتبطت بتنظيم القاعدة بعد وساطة تمّت بين مسؤولي الحركة وبعض مسؤولي خلايا التنظيم الدولي في شرق أفريقيا، فأعلنت “الشباب” ولاءها للقاعدة بشكل رسمي في العام 2009.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكيّة في العام 2008 قد صنّفت حركة “الشباب الصوماليّة” بأنها منظمة إرهابيّة تشكّل الرابطة الرئيسيّة لتنظيم القاعدة في الصومال، وعليه فقد تلقّت عدّة ضربات جويّة أميركيّة كان أبرزها في سبتمبر 2014، إذ أدّت تلك الضربة إلى مقتل زعيمها أحمد عبدي غودان ليتولى بعده عمر أو عبيدة زعامة الجماعة. وفد جدّدت الحركة في العام نفسه ولاءها لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
وتضم الحركة الصومالية بين صفوفها صوماليين وكينيين ومقاتلين أجانب. في العام 2018 نشرت تقارير تشير إلى أن الحركة تجمع أموالا تضاهي ما تجنيه السلطات الرسمية، وذلك باستخدام التخويف والعنف، فبحسب معهد هيرال المتخصص في الشؤون الأمنية، إنّ المسلحين يجمعون ما لا يقل عن 15 مليون دولار في الشهر، ويأتي أكثر من نصف المبلغ من العاصمة مقديشو، وتقوم بعض الشركات بدفع الأموال لكل من المسلحين والحكومة المعترف بها دولياً على حدّ سواء.
فالحركة تسيطر على جزء كبير من جنوب ووسط الصومال لكنها تمكنت من بسط نفوذها أيضاً في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المتمركزة في مقديشو،
ومع ذلك، ورغم جنيها الكثير من الأموال، أدى إهمال الحركة في دفع الرواتب إلى العديد من الإنشقاقات التي ضربت “الشباب” في السنوات الأخيرة.
إنه واقع يخفي العديد من التعقيدات التي تعصف بهذه المجموعة الإرهابيّة التي تشوبها شكوك وانشقاقات واتهامات بالتجسس حالها كحال المنظمات المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة التي تدور في دوامة الفشل التي تتسبب بها القاعدة الأم نتيجة العجز المتفاقم الذي يصيبها ويصيب زعيمها أيمن الظواهري.
لماذا تنشط “الشباب” في كينيا؟
قرّرت الحكومة الكينية في العام 2011 إرسال قوّاتها لمحاربة عناصر حركة “الشباب” في الصومال، ويعتبر الجيش الكيني من أبرز الجيوش التي ترسل عناصر إلى قوة الإتحاد الأفريقي في الصومال حيث تحارب حركة الشباب منذ العام 2007. أدّى قرار الحكومة الكينيّة إلى سلسلة هجمات إرهابيّة شنتها حركة “الشباب” على مراكز عديدة في كينيا كان أبرزها الهجوم على مركز ويستغيت للتسوق في العام 2013 وكانت حصيلته 67 قتيلاً، وهجوماً آخر على جامعة غاريسا في العام 2015 وفد أودى بحياة 148 قتيلاً بالإضافة إلى هجوم على فندق دوسيت في نيروبي في العام 2019 وقد أسفر عن 21 قتيلاً.
هذا بالإضافة إلى هجمات أخرى متفرّقة استهدفت رجال شرطة ومدنيين قرب الحدود مع كينيا حيث تنشط الحركة بشكل أكبر بسبب الحدود الطويلة الفاصلة بين كينيا والصومال في الجزء الشمالي الشرقي من كينيا. فهناك يتنقل عناصر “الشباب” بحريّة كما لو أنهم في الصومال فيوقفون مركبات الكينيين، يفتشونها ويسألون عما في داخلها.
ويعاني سكان شمال شرق كينيا من انعدام الأمان بسبب الهجمات المتفرقة التي يشنها “الشباب”، فقد أقفلت 126 مدرسة بسبب هروب الأساتذة المستهدفين، وأصبحت التنقلات خطيرة بسبب الهجمات والعبوات الناسفة المخبأة على جوانب الطرق، كما يتم تدمير أبراج الهواتف المحمولة باستمرار، وقد حذّرت حركة “الشباب” مراراً من نقل الحرب إلى كينيا، مهدّدة بتكثيف هجماتها طالما أن كينيا تحتفظ بجنودها في قوة تابعة للاتحاد الإفريقي لمحاربة “الشباب” ودعم الحكومة الصومالية.
الجهود الكينيّة لمكافحة تأثير “الشباب” في الداخل
استغلت حركة “الشباب” الظروف المعيشيّة والإجتماعيّة الصعبة في كينيا لتستقطب الشباب الكيني إلى صفوفها مستخدمة المغريات الماديّة مع البعض ومستندة إلى خطابها الديني مع البعض الآخر، ما أدى إلى مغادرة آلاف الشباب الكينيين إلى الصومال للإلتحاق بصفوف “الشباب”.
عملت الحكومة الكينيّة على مكافحة هذه الظاهرة، وكثفت جهودها من ناحية زيادة العمليّات الامنيّة على الحدود وتنظيم حملات توعية في الداخل ما ساعدها في الحد من خطر التطرّف ومن انضمام المزيد من الكينيّين الى جماعة “الشباب”، وقد صرّحت السلطات الكينيّة أن ٣٥٠ شاباً على الأقل من الذين انضموا إلى جماعة الشباب الصومالية الإسلامية المتشدّدة قد استسلموا هذا العام وسيُعاد دمجهم في المجتمع. كما تقول الأجهزة الأمنيّة في منطقة الساحل الكيني إن عدداً أقل من الشباب يعبرون إلى الصومال للقتال من أجل الجماعة في إشارة إلى أن إجراءات مكافحة الإرهاب تؤتي ثمارها.
منشقون يخبرون عن معاناتهم
تحرز مساعي السلطات والطوائف الكينيّة عبر جهود مشتركة إلى إبطاء أو إنهاء عمليّة تجنيد الشباب في تنظيم الشباب الإسلامي المتشدّد، تقدّماً ملموساً مع تخلي بعض المجنّدين عن ملاعب تدريب الجماعة المتطرّفة في جنوب الصومال للعودة إلى ديارهم. وتسعى تلك الطوائف إلى تقويض تأثير المنظمة الإرهابيّة على الشباب الكينيّين نظراً لخطورة أعمالها وإيديولوجيّتها.
جوما (إسم مستعار) هو أحد المنشقين الكينيين يبلغ من العمر 28 عاماً ويعيش في مومباسا، أقنعه صديقه بالإنضمام إلى مجموعة الشباب في العام 2015 بعد أن وعده بحياة أفضل في ظل الجماعة العسكريّة الإرهابيّة.
يتذكّر جوما رحلته الشاقة من كينيا إلى الصومال للإلتحاق بالتنظيم، تلك الرحلة التي جعلته يفقد صديقه الذي قتله مسلحو “الشباب” على الرغم من أنه واحد من أفراده، “سافرنا عبر الشاحنات التي تقلّ الحيوانات إلى غاريسا وواجير ثمّ اجتزنا الغابة إلى الصومال وعندها انضمينا إلى الشباب”، عمل جوما كممرّض ضمن المجموعة لكن بمعرفة ضئيلة جداً في المجال الطبي.
اختلف وضع عائشة (إسم مستعار) عن وضع جوما فانضمامها إلى الحركة سببه التحاقها بزوجها الذي ذهب في وقت سابق إلى الصومال، تتذكر اليوم الأول الذي انضمت فيه إلى المجموعة مع أطفالها على أمل الاجتماع من جديد بزوجها، لكنها صُدمت عندما وجدته على الخطوط الأماميّة في حرب مستمرّة، تقول: “ذهبت إلى الصومال بسبب حبي لزوجي، التقيت به في كيسمايو، في اليوم الأول الذي وصلت فيه إلى هناك كان يخوض حربًا في مكان ما، لذلك لم أره، فجأة قيل لنا إن الكفار قادمون، هذه هي التسمية التي يطلقونها على الناس غير المسلمين، لذلك اضطروا إلى نقلنا إلى مكان آخر يسمى إليشا حيث كنا نعيش مع الصوماليين، لقد علمونا اللغة الصومالية. في إليشا التقيت بزوجي بعد عودته من الحرب”.
عاشت عائشة في الصومال تحت رعاية مجموعة الشباب لمدّة 5 سنوات، وقالت إن النساء كان لهن دور مختلف في المجموعة، لكن كان عليهن جميعًا أن يخضعن للتدريب. “لقد تعلمنا كيفية تشغيل البنادق والتفجيرات، وكان هناك امرأة من مومباسا كانت جيدة جدًا في تلك الأشياء، دورنا كنساء كان بالطهي بشكل أساسي، وبالذهاب إلى المدرسة و الصلاة.
وفي تطور غير متوقع لمسار الأحداث، ترك زوج عائشة المجموعة وعاد إلى نيروبي تاركًا زوجته وأطفاله، كان ذلك أكثر الأوقات تدميراً في حياة عائشة بحسب ما تقول. طلبت مغادرة المجموعة بسلام، وقد أطلقت حركة الشباب سراحها مع أطفالها وكان إطلاق سراحها من الحالات النادرة جداً، “عندما قرّرت مغادرة المجموعة، اقتربت منهم وطلبت منهم السماح لي بالمغادرة مع أطفالي، لقد مررنا بوقت عصيب للغاية، وجّهوا البنادق إلى رؤوسنا، لكننا اكتفينا بالصلاة، ومن ثمّ لبعض الأسباب، سمحوا لنا بمغادرة المكان ونقلونا إلى مكان ووضعونا في سيارة تخص امرأة تدعى صوفيا وقد أتت بي إلى هنا، هكذا عدت”، إلى ذلك تؤكد عائشة أن عناصر الحركة ينتمون إلى جنسيات مختلفة “هم خليط من الأشخاص البيض، القاعدة، صينيين، كلّ أنواع المسلحين موجودون هناك”.
كثفت الجماعة عمليات التجنيد السرية في المناطق الساحلية والشمالية الشرقية منذ العام 2011، عندما دخل جيش الدولة الواقعة في شرق إفريقيا إلى جنوب الصومال. غالبًا ما يتم إرسال الشباب المتطرف، وكثير منهم تقل أعمارهم عن 30 عامًا، عبر الحدود للتدريب كجهاديين.
هذه كانت حال ولدي حنيفة (إسم مستعار) وهي من سكان نيروبي، فقد فقدت ولداها وهما بعمر 14 و 17 عامًا، لقد تمّ استدراجهما إلى الصومال عبر وعدهما بمدارس وحياة أفضل، وكانت النتيجة كارثة على كل العائلة.
تقول إنهما: “اختفيا بطريقة غريبة للغاية، كان يوم الإثنين في يناير 2011، كان يومًا تفتح فيه المدارس، والمسجد الذي ذهبا إليه للصلاة يقع في شارع يعيش فيه أخي، عندما لم يحضرا، ظننت أنهما ينامان في منزل أخي، عندما ذهبت إلى هناك للتحقق لم أجدهما، بحثنا عنهما لمدة أسبوع إلى أن تلقيت اتصالاً من الأكبر سناً الذي قال لي أمي لقد اصطحبونا للدراسة، ولكني أتذكر يومًا ما جاء ابني مع ظرف فيه ثلاث صور من حجم صور جواز السفر وقال إن هناك أشخاصاً سيساعدونه على الذهاب للدراسة، قلت له لا، لم أفشل في إرسالك إلى المدرسة، حتى أنه أخبرني من يقوم بإقناعه بذلك فذهبت إليه وتجادلنا كثيرا، بعد ذلك استقر كل شيء ولكن في المرة الثانية لم يخبرني، اتصل بي بعد حوالي 3 أشهر وكان يبكي، وقال لي من فضلك أمي جدي 200 دولار وتعالي خذيني، قال إنه كان في كيسمايو، قال إنهم كانوا 7 أولاد، ثلاثة من هنا و 4 من مومباسا، قال إنهم نُقلوا إلى الغابات، ذهبت إلى إيستلي لطلب المساعدة، ولم يكن لدي سوى 8000 شلن كيني”.
للأسف، توفي الشابان في ظروف غير معروفة، لكنها تعتقد أنه تم إطلاق النار عليهم من قبل الشباب: “في ذلك اليوم أمسكني زوجي، وأخبرني أن ولداي لم يعودا على قيد الحياة، قال لي إنه قيل له إن الكثير من الأطفال ماتوا… لقد أطلقت حركة الشباب النار عليهم، اتصل أحدهم ليخبرني بذلك وأنا أعرف صوته”.
يدفع الشباب المغرر بهم ثمن التشتت الذي يعصف بحركة الشباب من جهة، وضعف متابعة أوضاعهم من قبل السلطات الكينيّة في حال قرروا العودة، فإذا ما بقوا لدى “الشباب” سيقعون حتماً ضحية ممارسات مجموعتهم الإرهابيّة التي باتت تبحث عن مصلحتها الضيقة بعيداً من ارتباطات القاعدة وفرضيات التبعية التي لم تعد عليها إلا بالمزيد من الضياع والفوضى والدمار، أما إذا قرروا العودة، فلا تبدو الحياة في كينيا واعدة بالنسبة إليهم، أن مجموعة المرتدين الكينيين يقعون اليوم بين مطرقة جماعة الشباب الصوماليّة وسندان تخبّط السلطات الكينيّة بفشل التعامل مع العائدين، يرفض هؤلاء البقاء في الصومال تحت رحمة الإرهاب والمتشديين غير أن عودتهم للديار لا تعد بالكثير.