لطالما كان ملف استقلالية منظمة الأمم المتحدة بهيئاتها وأجهزتها، لاسيّما تلك المرتبطة مباشرة بحقوق الإنسان، موضع بحث ونقاش منذ التاريخ الرسمي لتأسيس الجمعية في أبريل العام 1945.
- تحقيق إستقصائي لأخبار الآن يكشف حجم النفوذ الصيني في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
- رسائل تكشف تنسيق مفوضية حقوق الإنسان أسماء الناشطين الإيغور المشاركين بمجلس حقوق الإنسان مع الصين
- أمين عام الأمم المتحدة اختار ميشيل باشليت لمنصب مفوضية حقوق الإنسان بسبب علاقتها القوية مع الصين
- مفوضة حقوق الإنسان ميشيل باشليت سفيرة مشروع “الحزام والطريق” الصيني في أميركا اللاتينية والكاريبي
- أخبار الآن تعرض وثائق وأدلّة تبيّن نفوذ الصين في الأمم المتحدة وإيما رايلي تكشف تفاصيل طردها من المنظمة الأممية
مشروع الحزام والطريق يهدّد حقوق الإنسان على المستوى العالمي وليس فقط في الصين
جوديث بيرجمان – باحثة سياسية
ومع تزايد أعداد الدول الأعضاء والممثلين وتوسّع الهيئات واهتمامات الأمم المتحدة التي لم يعد يقتصر عملها على تلاقي الأمم، لإيجاد حلول لمشاكل مشتركة وخلق مساحة للحوار العالمي، زاد الإهتمام بالدور الذي تستطيع المنظمة أن تلعبه عبر مجلس أمنها ومعاهداتها، وقدرتها على قلب الرأي العام وتحريك الشعوب وفضح الأنظمة التوتاليتارية، خصوصاً مع تنامي انتهاكات حقوق الإنسان والقتل والاضطهاد والجرائم ضدّ الانسانية، التي كان إيقافها وضمان عدم تكرارها أحد أبرز الدوافع المبدئية الأولية لتأسيس المنظمة على أعقاب الحرب العالمية الثانية بحسب ميثاقها.
في ذلك السياق، ارتفعت في السنوات القليلة الماضية أصوات حقوقية ومدنية دانت تساهل الأمم المتحدة مع ارتكابات أنظمة سياسية شمولية، يأتي على رأسها النظام الصيني المتمثل بالحزب الشيوعي الحاكم، إذ لطالما كان الحديث عن تغاضٍ أممي للجرائم التي ترتكبها السلطة بحقّ المواطنين، أو تقصير من قبل الأمم المتحدة في الإضاءة على تلك الارتكابات، خصوصاً في الآونة الأخيرة.
من تلك الارتكابات، السلوك الإستبدادي المفرط في هونغ كونغ، التهديد المستمر لأمن تايوان، اعتقال المعارضين للحزب الحاكم والإعتداء على أهاليهم خارج الصين، التنكيل بأقلية الإيغور المسلمة وأقليات أخرى ناطقة باللغة التركية في إقليم شينجيانغ. وتترافق تلك الإدانات مع بيانات وتقارير لجمعيات حقوقية توثق تلك الممارسات وتؤكّد وجودها، خصوصاً ما تتعرض له الأقليات المسلمة في الصين.
أبرز تلك التقارير ما صدر عن منظمة – هيومن رايتس ووتش (HRW) في أبريل العام 2021 تحت عنوان “قطع نسبهم واقتلاع جذورهم: جرائم الصين التي تستهدف الإيغور وغيرهم من المسلمين التُرك“. وتطالب المنظمة مجلس حقوق الإنسان المنبثق عن مفوضية حقوق الإنسان، بإنشاء لجنة تحقيق فورية تمتلك تفويضاً للتحرّي عن الحقائق وتتخذ خطوات قانونية كفيلة بوقف جرائم الدولة تجاه الإيغور.
ميشيل باشليت نفّذت ما لا يستفز النظام الصيني من التوصيات
المفوضة السامية لحقوق الانسان الحالية ميشيل باشليت (Michelle Bachelet) نفذت ما لا يستفز النظام الصيني من التوصيات، إذ أوصت بتقصّي الحقائق لكنّها لم تنشر التقرير الذي عمل عليه مكتبها منذ ما قبل صدور تقرير (HRW). وفي 23 مايو من العام الجاري نفّذت باشليت إصرارها على تلبية دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ لها لزيارة شينجيانغ، متغاضية تماماً عن توصيات المنظمات الحقوقية الصينية، وأصوات الإيغور الذين نقلوا إلى العالم وإلى مكتبها على وجه الخصوص، ما يوثّق تنكيل النظام الصيني بأهلهم فقط لأنهم مسلمين.
وأصرَّت باشليت المؤتمنة على حقوق الإنسان، زيارة شينجيانغ والتقت الرئيس الصيني الذي رأى في استقبالها فرصة سانحة لتلميع صورته وتضليل الواقع المتمثل بسياسة القضاء على الأقليات في شينجيانغ، تلك السياسة التي ينتهجها وسط إسكاته الصحافة المحلية وتوسيع الرقابة على المواطنين والتخلّص من كلّ مَنْ يتجرأ على فتح ملف حقوق الإنسان مقابل إنتهاجه مشروع “الحزام والطريق” التي يسعى عبره لتوسيع نفوذه العالمي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، كما رأت الباحثة السياسية جوديث بيرجمان في تقرير نشره معهد جيتستون للسياسات الدولية، الذي حذّرت فيه من مغبّة توسع ذلك المشروع الذي يهدّد حقوق الإنسان على النطاق العالمي ليس فقط في الصين، بحسبها.
في أبريل 2021 دعت هيومن رايتس ووتش مفوضية حقوق الإنسان لإجراء تحقيق أممي فوري للتحري عن جرائم الحكومة الصينية ضد الإيغور ، لكن لا جواب
وهذا ما تؤكّده منظمة “هيومن رايتس واتش” في تقرير لها نشرته في كانون الثاني/يناير عام 2020 تحت عنوان “الحكومة الصينية تمثل تهديدا عالميا لحقوق الإنسان“، ذلك عدا مناشدة ائتلاف مدني كبير يضمّ أكثر من 220 مجموعة حقوقية مكتب باشليت لتأجيل الزيارة، محذّراً من خطر “الدخول في حقل ألغام دعائي وضعه الحزب الشيوعي الصيني “.
باشليت نسفت كلّ ما تمّ ذكره، وأصرّت على زيارة الصين، لتترافق رحلتها مع ما بات يعرف بالتسريب الكبير (ملفات شرطة شينجيانغ) لملفات شرطة شينجيانغ، الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة، وهو متمثل باختراق شبكات الكمبيوتر الداخلية للشرطة في مقاطعتين يغلب عليهما الطابع الإيغوري والكازاخي في شينجيانغ، وتسريب عشرات آلاف الملفات التي أكّدت اعتقالات جماعية لما يقرب من مليوني شخص بينهم أطفال ونساء. تلك التسريبات مرفقة بدورها بتسجيلات لعناصر من الشرطة الصينية تؤكّد سياسة “التطهير العرقي”.
فلماذا أصرّت باشليت على الزيارة؟ ولماذا لم تنشر حتى الساعة التقرير الذي أعدَّه مكتبها بعد توصية منظمة هيومن رايتس واتش؟ وهل تصرف باشليت شخصي أم ثمّة ما يتعدى ذلك على صعيد الأمم المتحدة التي سكتت مفوضيتها لحقوق الإنسان طويلاً عن ارتكابات النظام الصيني، في وقت يعتبر فيه حقوقيون دوليون أنّ رفع الصوت من قبل ذلك المجلس أساسياً، لأنّه الحل الوحيد لفضح الصين على الساحة الدولية ومحاسبتها، فيما مجلس الأمن الدولي لا يستطيع فرض تحقيق دولي في المحكمة الجنائية الدولية حول ارتكابات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم بحق الإيغور والأقليات الأخرى، بسبب كون الصين من أعضائه الثابتين الذين يمتلكون حقّ النقض (الفيتو)، وبالتالي تُبطل الصين ومعها حليفتها روسيا أيّ قرار أممي لفتح تحقيق حول انتهاكات حقوق الانسان في مجلس الأمن.
زينغ: احتل الحزب الشيوعي الصيني عدَّة دوائر خاصة بمنظمة الأمم المتحدة
في ذلك السياق، تقول الباحثة الصينية المتخصصة بشؤون الحزب الشيوعي الصيني الحاكم جنيفير زينغ (Jennifer Zeng) لـ “أخبار الآن“: “لقد احتل الحزب الشيوعي الصيني على الأقل عدَّة دوائر خاصة بمنظمة الأمم المتحدة، فالعديد من مكاتب الأمم المتحدة تُدار من قبل مسؤولين تابعين للحزب الشيوعي الصيني”.
وتُذكّر في حديثها بتبنّي منظمة الصحة العالمية الرواية الصينية مطلع جائحة كورونا، وتُضيف عن زيارة باشليت للصين بالقول: “تمّ إبلاغ الوفد الأممي رواية بعيدة كلّ البعد عن الواقع وتمّت دعوتهم إلى ساحة الجريمة بعد أن قام المجرمون (أي الحزب الشيوعي الصيني الحاكم) بتنظيفها”.
وتتابع: “بدوره استغل الحزب الشيوعي الحاكم المصداقية التي منحته إيّاها زيارة باشليت لتعزيز سياسة الإفلات من العقاب التي يمتلكها واستكمال بروباغندا إنجازاته وطريقة معاملته للإيغور في شينجيانغ”. وختمت بالقول: “ما يجري محزن جدّاً ويُشكّل برأيي ورأي الكثير من الصينيين المنشقين عن الحزب الحاكم وصمة عار للأمم المتحدة”.
الأمم المتحدة تنكر تقصيرها بحق المجتمعات الصينية التي تواجه تطهيراً عرقياً
كلام زينغ حول سلطة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم داخل الأمم المتحدة شكّل دافعاً لدينا للغوص بتفاصيل تعاطي الأمم المتحدة وتعاملها مع انتهاكات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، لا سيّما عبر مفوضيتها لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان الذي انبثق عنها العام 2017. وذلك لسببين:
- الأول متمثل بغياب الثقة التامة للناشطين الإيغور بمفوضية حقوق الإنسان واتهامهم المستمر لها بالتواطؤ مع النظام الصيني.
- السبب الثاني هو ما يصدر رسمياً عن المفوضية عبر موقعها إذ يكاد يغيب الملف الصيني عن أعمال المفوضية ونشاطاتها.
فعدا عن عدم إصدار المفوضية أي تقرير حول الانتهاكات الصينية منذ يونيو عام 2020، على الرغم من كل ما وثقته المنظمات غير الحكومية منذ ذاك الوقت إلى اليوم وعلى رأسها تقرير هيومن رايتس واتش الشهير الصادر في أبريل عام 2021، إلا أنّ التقارير التي تتناول الصين في مفوضية حقوق الانسان والتي لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، في السنوات الثلاثة الأخيرة، مازالت حتى الساعة تتضمن عبارات تدعو الحكومة الصينية “لمعالجة إنتهاكات محدّدة لحقوق الإنسان”، وغيرها من العبارات التي تدعو الحزب الحاكم للتعاون مع المفوضية دون حتى مساءلة النظام عمّا يرتكب.
تقصير الأمم المتحدة تجاه إرتكابات النظام الصيني بحقّ الإنسان ليس ملفاً جديداً بالنسبة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، التي أصدرت العام 2017 تقريراً بحثياً من 131 صفحة حول تدخل الصين في منظمة الأمم المتحدة لاسيّما في مجلس حقوق الإنسان التي تسعى الصين جاهدة للسيطرة عليه.
التقرير الذي حمل عنوان “تكاليف المناصرة الدولية: تدَخل الصين في آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة” يتناول إنقضاض الصين على مجلس حقوق الانسان ومفوضيته وعلى الدور المنوط بالمجلس بهدف تهميشه، وذلك عبر استثمار الثغرات الموجودة في القوانين والمواد.
ويبيّن كيف نجحت الصين في الإنقضاض على المفوضية عبر اقتراحها إنشاء لجنة خاصة للمنظمات غير الحكومية ضمن المجلس الإقتصادي والإجتماعي الدولي المعروف بـ ECOSOC، وذلك فور تأسيس مجلس حقوق الإنسان العام 2006 وبدء الحديث عن مأسسة مشاركة المنظمات الحقوقية غير الحكومية.
نجحت خطة الصين بتطويق المنظمات غير الحكومية، ومذ ذاك الوقت أبعدت عن مجلس حقوق الإنسان والفوضية المنظمات التي تطرح قضية اضطهادها للصينيين لاسيّما التبات وأقلية الإيغور وغيرها من الأقليات المسلمة. والأخطر من ذلك كلّه، وبحسب التقرير البحثي عينه، نشاط الصين اللافت في مجلس حقوق الإنسان واقتراحاتها الكثيرة التي تولي الأولية لـ”مفهوم سيادة الدولة” على حساب المراقبة الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات التي تفضح إرتكابات الحكومات المضرّة بحقّ مواطنيها لاسيما الحكومة الصينية، وبعض تلك الاقتراحات قد مرّ في المجلس”.
منذ العام 2006 إلى اليوم، احتفظت الحكومة الصينية بعضويتها في مجلس حقوق الإنسان، إلّا في العام 2013، وصبَّت طاقتها لحماية نفسها من التدقيق في سجلها الحقوقي. والأخطر من ذلك، فإنّ هيومن رايتس ووتش حذّرت في تقريرها البحثي أنف الذكر من خطة صينية للانتقال من لعب دور متواضع في مجلس حقوق الإنسان والمفوضية إلى دور أكثر نشاطاً. ويبدو من حديث صوفي ريتشاردسن الأخير مع “أخبار الآن“، أنّ ما كانت تخاف منه المنظمة منذ بضعة أعوام أصبح اليوم واقعاً.
هيومن رايتس ووتش حذرت عام 2017 من خطة صينية للعب دور نشط في مجلس حقوق الإنسان
الأكيد، أنَّ العديد من قوانين الأمم المتحدة يجب تعديلها، لاسيّما تلك المرتبطة بالمنظمات الحقوقية التي ترى بالأمم المتحدة المنفذ الوحيد لها لرفع الصوت ضدّ الحكومات المستبدة كالحكومة الصينية التي تؤكّد الوثائق التي استطعنا الحصول عليها في معرض التحرّي عما يربط النظام الصيني بالامم المتحدة، أنّ مكتب مفوضية حقوق الإنسان عبر رئيسة الاتصال مع المنظمات الحقوقية في قسم المجتمع المدني ليديا غريغوريفا نسّّق مع ديبلوماسيين من البعثة الصينية الرسمية في جنيف، أسماء المنظمات الحقوقية التي تريد المشاركة.
وقد استطعنا الحصول على تلك الرسائل الإلكترونية من الموظفة السابقة في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إيمّا رايلي (Emma Reilly) التي طُردت من عملها في مفوضية حقوق الإنسان بعد الإعتراض على تنسيق أسماء المنظمات غير الحكومية الصينية والناشطين المشاركين في فعاليات المفوضية مع المسؤولين الصينيين.
أخبار الآن أجرت لقاءً خاصاً مع إيمّا رايلي التي أكَّدت كلام كل من جنيفير زينغ وصوفي ريتشاردسن من حيث توسّع نفوذ الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في الأمم المتحدة، وقالت: “في الأمم المتحدة سياسة مطبقة منذ العام 2006 (تاريخ إنشاء مجلس حقوق الإنسان) وهي سرية تُطَبَّق فقط على الصين، مفادها أنّ كلّ معارض صيني يقصد الأمم المتحدة ليتحدّث سواء أمام مجلس حقوق الإنسان أو هيئة المعاهدات أو أي هيئة أخرى للأمم المتحدة، يتمّ تسليم اسمه مسبقاً إلى الحكومة الصينية وتكون عواقب ذلك معروفة، طبعاً لأنّ الحكومة الصينية تستغل تلك المعلومات وترسل رجال شرطة لتخويف عائلاتهم والإتصال بهم لاسكاتهم بشتى الطرق”.
وأضافت رايلي في شرحها عن السياسة التي اعترضت على تواجدها وطالبت بإلغائها، لتكون النتيجة طردها “قبل أي إجتماع، ترسل الحكومة الصينية من بريديها الإلكتروني الخاص رسالة تطلب فيها خدمة وهي لائحة بأسماء من تريد التقصي عنهم، ليقوم مكتب حقوق الانسان، بدل إتباع القوانين المرعية الإجراء والرد بالرفض كما تفعل مع كل الدول، تخبر الصين عمن يحاول الخروج من الصين ومن هي المنظمات الغير حكومية التي تساعدهم فتقوم الصين بممارسة ضغوطها على تلك المنظمات وإذا ساندت هذه المنظمات قضية الإيغور تشكك الصين بمصداقيتها وتستخدم صلاحيتها كعضو في لجنة المنظمات غير الحكومية كي لا تحضر”.
في الوثائق المرفقة، أمثلة واضحة عن التواصل الموثَّق بين مكتب مفوضية حقوق الإنسان من جهة، وممثلي الحكومة الصينية في جنيف مقر المفوضية ومجلس حقوق الإنسان من جهة أخرى، قبل انعقاد مؤتمرات المجلس وفي مراحل اختيار الناشطين الحقوقين للمشاركة، أي بمعنى آخر في المرحلة الأوّلية التي تسبق الإختيار النهائي للحقوقيين أو الناجين الذين تستضيفهم الأمم المتحدة ضمن دورات مجلس إنعقاد حقوق الإنسان.
هؤلاء المشاركون يأتون بتوصية من منظمات غير حكومية، وفي الصورة الأولى يتوجه مسؤول في البعثة الصينية في جنيف إلى Lidiya Grigoreva، رئيسة وحدة الاتصال بالمنظمات غير الحكومية في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة في جنيف، برسالة يقول لها أوّلاً ما معناه أنّ بكين سترسل لكم أسماء منظمات غير حكومية لترسلوا لها كتيب حقوق الإنسان، ولكن يمكنكم إرسال نسخ عنه لنا (بعثة الصين في جنيف)، ونحن نرسلها للمنظمات غير الحكومية الصينية. من ثمّ يرسل لها قائمة بأسماء ناشطين حقوقيين تودّ وزارة الخارجية الصينية معرفة إنْ أخذوا الموافقة من الأمم المتحدة للمشاركة آنذاك في الدورة العشرين لمجلس حقوق الإنسان.
في الصورتين الثانية والثالثة: يُرسل نفس المسؤول الصيني للسيدة غريغوريفا رسالة بالمحتوى نفسه، ويقول في مطلع بريده الإلكتروني “Following the usual practice” أي “كما جرت العادة”، ويكون الرد عليه بقائمة في أسماء الناشطين والناجين المقبولين إضاقة الى المنظمة غير الحكومية التي إقترحت أسمائهم.
إيما رايلي تعدد الأسماء التي كانت طلبت منها الصمت في الأمم المتحدة
رايلي تحدثت لـ “أخبار الآن” عن الضغط الذي تعرّضت له من قبل كبار المسؤولين في مفوضية حقوق الإنسان، الذين وقفوا بوجه معارضتها سياسة تزويد المسؤولين الصينيين أسماء الناشطين الصينيين والناجين الذين يتقدمون بطلب المشاركة في مجلس حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة للتحدث عن انتهاكات حكومتهم. كما أنّها ذكرت بالأسماء رعاة تلك “السياسة” كما تسميها رايلي الذين يضمنون للحكومة الصينية معرفة كل من يتجرأ ويطلب الحديث للأمم المتحدة سواء وافقت الأخيرة أو لم توافق. وهذا ما يطبق فقط على الصين، إذ أنها الدولة الوحيدة المشرفة على كل هذه العملية بحسب رايلي. إنما الدول الأعضاء الأخرى تكشف أسماء النشطاء والناجيين عند نشرها.
من اعتبرتهم رايلي مسؤولين عن تلك السياسة وحماة لتطبيقها هم إضافة إلى ميشيل باشليت بطبيعة الحال: كاثرين بولهارت (Cathrine Pollard) وكيلة الأمين العام لاستراتيجية الإدارة والسياسة والإمتثال التي وقَّعت بحسب رايلي على رسالة طردها وهي التي تدافع عن سياسة تسليم الأسماء الى الصين وقد قالت لها “بصفتك مسؤولة عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لم يكن من الواجب عليك أن تتحدثي بالأمر”. بالاضافة إلى نائبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان ندى ناشف (Nada Al- Nashif) نائبة مفوضية حقوق الإنسان التي بحسب رايلي لا تبدي أي إهتمام بالخطر الذي تضع فيه هذه السياسة كل من يرى بالأمم المتحدة مساحة آمنة لتوثيق إنتهاكات الصين، بالاضافة الى كل من أريك تيستونيه (Eric Tistounet) رئيس فرع مجلس حقوق الانسان في جنيف وبيغي هيكس (Peggy Hicks) مديرة في مفوضية حقوق الإنسان، كانت تعمل سابقا في منظمة هيومن رايتس ووتش وهي اليوم من فريق المفوضة ميشيل باشليت.
سألنا رايلي عن سبب تلك الامتيازات غير المفهومة ولا المبررة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم في مجلس من المفترض أن يكون الأحرص على محاكمتها، فكان جوابها يُختصر بكلمة واحدة وهي الفساد، إذ قالت لنا إن السبب متمثل بـ”فساد كبار المسؤولين، لا أعلم الآلية الدقيقة لهذا الفساد لكن يجب أن يتم التحقيق بالأمر وقد تم طردي لأني تحدثت بالموضوع علانية وفي رسالة طردي اعترفت الأمم المتحدة بهذه السياسة قالت أنها فعلا تسلم الأسماء الى الصين ولكن بصفتي موظفة في الأمم المتحدة، لم يفترض بي نشر ذلك على الملأ أو محاولة تغيير تلك السياسة”. وأضافت، “أعتقد أنه يجب أن تحصل عملية اصلاح حقيقية داخل المنظمة”.
“أخبار الآن” تواصلت مع كلّ الذين تمّ ذكرهم وهكذا كان الرد
في ذلك السياق، وحرصاً منّا على حق الرد، تواصلنا مع كل الذين سمّتهم رايلي وحمَّلتهم مسؤولية تلك السياسة التي بالفعل هدّدت أمن الناشطين وقضت بسجن بعضهم وموت البعض الآخر، كما نُظهر في تقريرنا هذا.
راسلنا كلّاً من كاثرين بولهارت، بيغي هيكس، أريك تيستونيه، والناطق الرسمي بإسم الأمين العام لحقوق الإنسان ستيفان دوجاريك لأنّ ما أظهره التحقيق يشير إلى تخاذل الأمين العام، كي لا نقل أكثر. واتصلنا بمكتب السيدة ندى ناشف التي أخذت مساعدتها كل التفاصيل لكنها لم ترد. جميع من راسلناهم تواصلوا معنا، بإستثناء السيدة ناشف، إنما الرد الرسمي كان من ناطقة باسم مكتب حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، التي فضَّلت عدم ذكر اسمها.
الناطقة ، لم ترغب باجراء مقابلة مثلها مثل سائر الذين تواصلت معهم “أخبار الآن“، لذلك أجرينا معها اتصالاً أرادت ألا يُنشر مضمونه ومن ثمّ أرسلت لنا ردّا مفصّلاً عبر البريد الإلكتروني قاطعة المجال أمام الدخول في نقاش يُنشر. وقد تناول الرد ثلاث نقاط: تقرير المفوضية عن شينجيانغ الذي لم يبصر النور حتى هذه الساعة، زيارة ميشيل باشليت لشينجيانغ التي أثارت العديد من الشكوك حول علاقة الصين والأمم المتحدة، وأخيراً ما كشفته لنا إيما رايلي.
ردّ الأمم المتحدة لـ”أخبار الآن”
الناطقة كتبت: “تقرير شينجيانغ يخضع لعملية تحديث وستتمّ مشاركته مع الحكومة الصينية لتلقي التعليقات الواقعية عليه قبل نشر، وكما ذكرت مفوضة حقوق الانسان في خطابها الإفتتاحي أمام مجلس حقوق الإنسان في 13 يونيو، فإنّ التقرير سينشر قبل نهاية ولايتها في 31 أغسطس هذا العام”.
وأضافت في رسالتها: “بالنسبة إلى زيارة المفوضة السامية إلى الصين، كما صرّحت بنفسها، لم تكن مهمتها مهمة استجوابية، وبسبب طبيعة زيارتها لا يشكل بيان نهاية مهمتها تقييماً كاملاً، لقد أثارت المفوضة السامية العديد من المسائل المتعلّقة بحقوق الإنسان مباشرةً مع السلطات على أعلى المستويات الوطنية والإقليمية، ودعت إلى ضرورة إجراء تحقيقات حول تقارير جدّية للغاية عن انتهاكات لحقوق الإنسان في شينجيانغ، وقد أثارت مع السلطات في شينجيانغ مسائل مختلفة منها التقارير الجدية حول ملفات الشرطة في الإقليم المذكور”.
وأعربت الناطقة عن تقدير مفوضية حقوق الإنسان لكلّ ما اعتبرته “أبحاثاً معمّقة” حول حقوق الإنسان في شينجيانغ، وأكّدت أنّه تمّ أخذ المعلومات المقدّمة في عين الإعتبار. وشاركت معنا تصاريح السيدة باشليت بعد الزيارة التي قالت فيها المفوضة صراحة “لقد رافقني مسؤولون حكوميون طيلة فترة الزيارة إلى شينجيانغ، وزرت أحد السجون الكائنة في مدينة كاشغار وأحد مراكز التدريب والتشغيل المهني حيث تحدثت إلى السلطة، ولكن لم أتمكّن من التحدّث للمعتقلين الإيغور أو إلى أيّ فرد من أفراد عائلاتهم في تلك الزيارة”.
وقالت الناطقة في السياق: “لكن تحضيراً للزيارة التقت باشليت ببعض المعتقلين السابقين الذين باتوا خارج البلاد، وببعض العائلات التي فقدت الإتصال بأحبائها”. وأيضاً أعادت نشر كلام باشليت الذي قالت فيه: “التقيت مع منظمات من المجتمع المدني ممن تعمل على مسائل خاصة بحقوق الإنسان في الصين، بما في ذلك إقليم شينجيانغ والتيبت وهونغ كونغ.. لقد شكلت زيارتي إلى هناك فرصة مهمة لإثارة تلك المخاوف مع قادة وموظفين رفيعي المستوى، وسمحت أيضاً لفريق عملي ولي بتكوين بعض الإنطباعات عن الوضع السائد هناك وأمّنت مساحة واسعة لطرح الأسئلة ومناقشة مختلف المسائل”.
رد مفوضية حقوق الإنسان لـ”أخبار الآن” على كلام رايلي وما سربته
هنا قالت الناطقة باسم الأمم المتحدة لـ”أخبار الآن”: “كما ستروْن من التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول ردّات الفعل الثأرية من المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يتعاونون مع منظمات لحقوق الإنسان، نرى أنّ هؤلاء الأشخاص يقومون غالباً بمخاطرات شخصية كبيرة بمجرّد التجرؤ على التحدّث صراحةً عن أوضاع حقوق الإنسان في بلدانهم، وذلك أمام محافل الأمم المتحدة”.
وتابعت: “إنّ جلسات مجلس حقوق الإنسان علنية وتبثّ مباشرةً على الإنترنت، ما يعني أنّ مناصري حقوق الإنسان الشجعان الذين يتحدثون في الجلسات يبرزون على الملأ وتُعرف هوياتهم من قبل العموم. وبالتالي نحن نوثّق المزاعم بالعمليات الثأرية التي تستهدفهم أينما حصلت، والتي تعود إلى تعاونهم مع هيئات الأمم المتحدة. كما أنّنا نثير تلك المزاعم بشكل مباشر مع السلطات المعنية وننشر المعلومات. من غير المقبول أن يواجه مناصرو حقوق الإنسان عمليات ثأرية بسبب تعاونهم مع الأمم المتحدة أو تشاركهم معلومات معها”.
وأضاف رد الناطقة: “ليس صحيحاً أنّ مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان يواصل مشاركة أسماء الناشطين، خصوصاً مع الحكومة الصينية، وبالتالي يضع الأشخاص المعنيين في دائرة الخطر. لم تصلنا أيّ حادثة لتعرّض أي من الأشخاص الذين يتحدثون أمام المجلس للخطر بسبب نشاطات قمنا بها”.
وتابعت: “قبل العام 2006، كانت إحدى الممارسات الموحدة والطويلة العهد تقضي بنشر أسماء الأشخاص المخولين حضور جلسات لجنة حقوق الإنسان (وهي سلف مجلس حقوق الإنسان) في حال أرادت الدول الأعضاء التشاور بشأنهم في مستهل أيّ دورة وكانت تقضي أيضاً بتحديث تلك الأسماء على نحو أسبوعي. مع الإنتقال إلى مجلس حقوق الإنسان في العام 2006، توقف مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان عن نشر أسماء المخوّلين حضور أي جلسة يعقدها المجلس قبل انعقادها. ما حدا بعدد من الدول الأعضاء الطلب – بشكل رسمي وغير رسمي أيضاً – إلى أمانة سر المجلس الحصول على معلومات حول المشاركين الحاليين أو المحتملين. كما اعترضت بعض الدول على دخول بعض الأفراد إلى محافل الأمم المتحدة متذرعةً بدواعٍ أمنية”.
وأردفت: “في بعض الظروف المحدودة، قام مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالمصادقة على بعض أسماء المشاركين بعد أن يكون قد تأكد من أن المصادقة على أسماء ناشطين معروفين لا تعرّضهم لمخاطر أمنية إضافية. منذ أواخر العام 2015، لم تحصل أيّ من الدول الأعضاء على مصادقة على أسماء مشاركين في جلسات المجلس رداً على دعوات للمصادقة على إسم شخص معين. وبالتالي للتوضيح، لقد توقفت هذه الممارسة المحدودة في العام 2015 ولم تتواصل بعد ذلك الحين وليست موجودة في أيامنا هذه”.
وختم الرد: “تواصل السيدة رايلي الدعاوى القضائية أمام المنظومة القضائية المستقلة الخاصة بالأمم المتحدة والمؤلفة من قضاة مستقلين والتي يلجأ إليها الموظفون عادةً للإدلاء بادعاءات حول انتهاكات لحقوقهم. لقد استفادت السيدة رايلي من محاولات عديدة تقدّمت بها لهذه المنظومة. ففي ما لا يقل عن 3 دعاوى، لقد ردّت محكمة الاستئناف الخاصة بالامم المتحدة – وهي أعلى محكمة داخلية – المزاعم التي تقدمت بها وذلك في إطار أحكام متاحة للعموم”.
بين رايلي ومفوضة حقوق الإنسان.. مناظرة
في المقابل، أكّدت رايلي استعدادها لإجراء مناظرة مفتوحة مع ناطقين باسم مفوضية حقوق الإنسان أو الأمم المتحدة للحديث وجهاً لوجه، حول ما تسميه “سياسة الأمم المتحدة تجاه الصين”.
وفي السياق، وقبل معرفة أين يقف الناشطون الصينيون من الملف، لا بدّ من الإشارة إلى ما جاء في رسالة الإستغناء عن خدمات رايلي وتسريحها، حيث تعترف الأمم المتحدة صراحة أنّ السيدة رايلي سرّبت معلومات داخلية. وجزء من تلك الرسالة موجود أدناه وتقول النقطة 15 منه ما معناه أنّ رايلي قد “كشفت معلومات ليست للعلن، معروفة لها بسبب منصبها”.
وقالت رايلي لـ “أخبار الآن” إنّ “الأمين العام للأمم المتحدة كان اختار ميشيل باشليت لمنصب مفوضة حقوق الإنسان بسبب علاقتها الممتازة بالحزب الشيوعي الصيني الحاكم، فهو أراد أن تشغل ذلك المنصب شخصية مقرّبة من الحكومة الصينية لتَجنّب الوقوع في مشاكل مع الصين”.
وبالفعل يُظهر لنا بعد التقصّي، أنّ ميشيل باشليت التي كانت رئيسة جمهورية تشيلي قبل تعيينها مفوضة سامية لحقوق الإنسان، تُعتبر من أبرز رؤساء أميركا اللاتينية المقربين من الرئيس الصيني شي جينبينغ، وقد استحقت لقب المسؤولة الإقليمية لمشروع “الحزام والطريق” الصيني أو سفيرة ذلك المشروع في منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية… إذ لعبت باشليت دوراً هاماً في إبرام صفقات تجارية بين الصين ودول منطقتها.
وعلى هذا الخط، لا بدّ لنا من العودة إلى اللقاء الذي جمع في كانون الثاني/يناير عام 2018 كلّاً من ميشيل باشليت، يوم كانت رئيسة تشيلي، ووزير خارجية الصين وانغ يي في مدينة سانتياغو. يومها قالت باشليت: “لقد أتى مشروع الحزام والطريق بفرص إنمائية جديدة لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وتشيلي مستعدة للعب دور إيجابي في دفع البناء المشترك للحزام والطريق في منطقتنا”. ويبدو أنّها لم تتخلَ عن استعدادها بعد ترأسها مفوضية حقوق الإنسان.
حتى هذه الساعة، تحصد باشليت ثمار رعايتها مشروع الحزام والطريق وسكوتها التام عن جرائم الحزب الشيوعي الصيني. المشكلة لربما ليست فيها بل بالأمين العام للأمم المتحدة وبالأنظمة والسياسات المتبعة في الأمم المتحدة، فقد استطاعت باشليت بصمتها رفع التبادل التجاري بين تشيلي والصين وكأنّ في الأمر مكافئة صينية لمفوضة حقوق الإنسان.
وفي الأرقام حصدت حكومة تشيلي من تصديرها للكرز إلى الصين في الموسم الزراعي الأخير، ما قيمته ملياري دولار أمريكي، وباتت بكين تستورد 88% من محاصيل تشيلي من الكرز.
باشليت عززت العلاقات التشيلية الصينية وأعطتها أبعاداً ثقافية وتربوية
كلام رايلي حول الخدمات التي قدمتها باشليت للصين إبَّان تسلّمها مفوضية حقوق الإنسان، أي في الفترات التي شغلت فيها منصب رئيسة جمهورية تشيلي، وحديثها عن صفقة الكرز التي أُبرمت بين سانتياغو وبكين خلال زيارة باشليت الأخيرة إلى شينجيانغ، دفعنا للتحقق في ما يربط باشليت بالقيادة الصينية.
وفي ذلك الصدد، تواصلنا مع بوريس فان دير سبيك “Boris Van Der Spek” رئيس تحرير موقع تشيلي اليوم، لتزويدنا بمعلومات موثوقة تظهر الدور الذي تقوم به باشليت لخدمة الصين. وقال سبيك لـ”أخبار الآن” إنّ التجارة بين الصين وتشيلي كبيرة حقاً، وفي الواقع، الصين هي أكبر شريك تجاري لتشيلي، وقد نمت هذ العلاقة كثيرا في العامين الماضيين إذا قارنتها بالعقد الماضي، إذ في غضون عقد واحد، فقط نمت التجارة بنسبة 182%”.
وأضاف سبيك: “تبلغ قيمة صادرات تشيلي إلى الصين 55 مليار دولار، فالصين شريكة سانتياغو التجارية الأولى، وفي المقابل تستثمر الصين كثيراً في تشيلي. لذا هناك أيضاً الكثير من الأموال القادمة إلى تشيلي”. ويؤكد سبيك في حديثه لـ “أخبار الآن” أنّ تشيلي هي واحدة من أبرز دول جنوبي أمريكا المشاركة في مشروع الحزام والطريق الصيني. ويضيف “إنّ تشيلي هي واحدة من أوائل الدول اللاتينية التي أنشئت علاقات ديبلوماسية مع الصين منذ العام 1970، وحجم التبادل التجاري بين البلدين يتخطى تبادل سانياغو مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا”.
تبلغ قيمة صادرات تشيلي إلى الصين 55 مليار دولار وباشليت دوراً كبيراً في ذلك
دير سبيك
وردّاً على سؤال حول دور باشليت في رفع التبادلات التجارية والعلاقات الاقتثادية بين البلدين، قال سبيك: “لعبت باشليت دوراً كبيراً في ذلك، فقد زارت الجمهورية الصينية وأقامت علاقات تجارية ضخمة، لكن في الواقع، ذلك الأمر يعود إلى ما قبل باشليت، إذ أنّ العديد من الرؤساء زاروا الصين قبل باشليت، لكن الأخيرة أضافت نقاطاً تعليمية وثقافية على العلاقات الثنائية إلى جانب التعاون الإقتصادي، إذ أتت بتلامذة صينيين للتعلّم في تشيلي، وأتت بفعاليات ثقافية صينية إلى تشيلي”.
وعن صفقة الكرز التي أُبرمت بين تشيلي والصين في الأشهر الماضية على وقع زيارة باشليت من موقعها كمفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى شنجيانغ، قال سبيك: “أحد السفراء الملحقين لتشيلي في الصين كان في الواقع يرأس شركة فاكهة في تشيلي، لذلك قام بدور كبير جداً في محاولة تصدير الفاكهة ونحن نتحدث عن الكرز والعنب وغيرها من الفاكهة إلى الصين، وفي الواقع الكرز واحدة من منتجات التصدير الرئيسية التي تصدرها تشيلي إلى الصين في الوقت الحالي، وكما قلت باشليت لعبت دورا هناك”.
قضيتان هزّتا الرأي العام لاتزالان حاضرتين في أذهان الناشطين الصينيين
ماذا يقول الصينيون أنفسهم عن مفوضية حقوق الإنسان، هل يثقون بها؟ هنا، تواصلنا مع الناشط الحقوقي الصيني تانغ بياو (Teng Biao) الذي إضطر قسراً لمغادرة الصين بعد وصول تشي جينبينغ إلى الحكم بسبب التهديد الذي تعرض له كناشط حقوقي وباحث في حقوق الإنسان. وقال تانغ بياو لـ”أخبار الآن”: “غالباً ما تضايق وترهب الحكومة الصينية الناشطين المطالبين بحقوق الإنسان الذين يحضرون لقاءات الأمم المتحدة ويحاولون المشاركة في آلية حقوق الانسان في الأمم المتحدة”.
وفي السياق، تناول قضيتين لاتزالان حاضرتين في أذهان الناشطين الصينيين الذين يفكرون بالتوجه إلى الأمم المتحدة. “واحدة من أخطر القضايا هي قضية تشاو تشن لي (Cao Shunli) وهي من المدافعات عن حقوق الانسان التي بذلت جهداً كبيراً لجمع المعلومات والأدلّة عن بعض الملفات، وحضَّرت نفسها للذهاب إلى جنيف لحضور ورشات عمل حول آلية عمل حقوق الإنسان، لكن تمّ توقيفها في مطار بكين الدولي، كذلك تمّ حجزها وبعد بضعة أسابيع عذبت حتى الموت وتوفيت في الحجز”. وأضاف أنّها “حالة انتقام نموذجية ومرعبة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتعاونون مع الآلية الدولية لحقوق الإنسان”.
وتابع: “قضية تشاو تشن لي هزت الرأي العام الصيني والعالمي العام 2014، إذ أنّها إختفت في أيلول سبتمبر العام 2013 في مطار بكين، ولم تعلم الحكومة الصينية عن إلقاء القبض عليها واحتجازها إلا بعد أشهر قليلة.
تشاو تشن لي كانت من المدافعات الشرسات عن حقوق الإنسان، فقد كرست عملها لفضح ارتكابات الصين لاسيّما في السجون. وعندما أرادت السفر إلى جنيف تمّ إعتقالها وتعذيبها وتوفيت في الإعتقال في آذار/مارس 2014، من دون أن تكشف الحكومة الصينية تفاصيل وفاتها. إنّما المفارقة الحقيقة، أنّ الصين بعد شهرين من احتجاز تشاو تشن لي بسبب تعاونها مع الأمم المتحدة، انتُخبت كعضو في مجلس حقوق الإنسان المنبثق عن المفوضية.
رسالة الحكومة الصينية للناشطين الحقوقيين واضحة: أنتم ستعاقبون إذا ما تعاونتم مع الأمم المتحدة
تانغ بياو
تانغ بياو تحدث أيضاً لـ “أخبار الآن” عن قضية ثانية ترهب الصينيين من فكرة التحدّث للأمم المتحدة المخروقة إن لم تكن على تواطؤ. وهي قضية تي آنا وانغ (Ti Anna Wang) ابنة السياسي الصيني ونغ بينغ جانغ الذي اعتقل وحكم عليه بالسجن المؤبد في الصين. تي آنا وانغ تعرضت لسلسة من المضايقات والترهيب خلال تواجدها على منبر مجلس حقوق الإنسان. وأبرز هذه المحاولات كانت في آذار/مارس 2014 حينما حاولت البعثة الصينية إسكاتها وهي تلقي كلمتها متحدثة عن إعتقال الصين لوالدها بسبب نشاطه الحقوقي. حتى على هامش مؤتمرات مجلس حقوق الإنسان إستخدمت الحكومة الصينية مخبريها الموزعين في أروقة المفوضية على أنهم ممثلين لمنظمات غير حكومية لإسكاتها ومراقبة تحركاتها. شاهدوا كيف حاولت البعثة الصينية إسكات تي آنا وانغ هنا.
وأشار تانغ بياو الذي تحدَّث عمَّا كشفته إيما رايلي في سياق حديثه، إلى فضيحة جديدة إذ قال “مؤخراً أفادت تقارير عن باحثة تعمل في الأمم المتحدة وفي مكتب المفوضة السامية، تلقت 100 ألف دولار من الصين للتغطية على جرائمها، وتلك فضيحة أخرى أيضاً”.
وختم حديثه بالقول: “رسالة الحكومة الصينية للناشطين الحقوقيين واضحة: أنتم ستعاقبون إذا ما تعاونتم مع الأمم المتحدة في ما يتعلق بحقوق الانسان، أو اذا ما انتقدتم الحكومة الصينية على المنصات الدولية… أعتقد أنّ أوّل من يجب لومه هو الحكومة الصينية التي ترفض أن تسمع أي انتقاد و أن تستمر في ما تقوم به، ثمّ نحن نلوم الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومكتب المفوضة السامية، فهم يجب أن يقفوا بوجه التدخل الصيني لكنّهم في الواقع لم يفعلوا شيئاً للحد من تأثير و تدخل الحكومة الصينية”.
“رايتس ووتش”: عدم نشر باشليت لتقريرها دليل على قوّة الصين في الأمم المتحدة
وقالت مسؤولة الملف الصيني في (HRW) صوفي ريتشاردسن (Sophie Richardson) لـ”أخبار الآن“ في سياق تحقيقنا عن العلاقة التي تربط الأمم المتحدة بالحزب الشيوعي الصيني الحاكم: “هيومن رايتس ووتش دعت مجلس حقوق الإنسان وأيّ آلية متاحة داخل منظومة الأمم المتحدة بدءاً من الأمين العام، لإطلاق تحقيق دولي مستقل حول انتهاكات حقوق الانسان التي تستهدف الإيغور وغيرها من مجتمعات الترك في منطقة الإيغور، وذلك ردّ فعل عادل ومنطقي على الجرائم التي تحصل في الداخل الصيني وفي بلدان أخرى، لكن أعتقد أنّ نفوذ الحكومة الصينية داخل وخارج منظومة الأمم المتحدة قد أدّى إلى الحصول على جواب مزعج للغاية”.
وأضافت: “في الزيارة الكارثية التي قامت بها المفوضة السامية لحقوق الانسان إلى الصين، كان واضحاً أنّها قامت بما سمحت لها الحكومة الصينية القيام به فقط، وهي الآن تقول إنّها لن تسعى لولاية أخرى أو تمدّد فترة ولايتها الحالية وأنّها ستنشر التقرير قبل مغادرتها منصبها، لذا نحن نأمل أنّه قبل نهاية أغسطس سنرى أخيراً أرفع ديبلوماسي في الأمم المتحدة يعلن ما بات يعرفه العالم بأسره، وهو أنّ الحكومة الصينية تقوم بجرائم وحشية بحق تلك المجتمعات ويجب أن تحاسب”.
وأعربت ريتشاردسن عن قلقها بسبب فشل الأمم المتحدة وضع حدّ لارتكابات النظام الصيني بحق المواطنين، قائلةً إنّ “النظام الدولي لحقوق الإنسان موجودٌ لأنّ الدول إمّا تخذل الناس أو تكون هي نفسها من يسيء معاملتهم ،وإذا كان ذلك النظام غير قادر أو لا يريد محاسبة الحكومة الصينية، أعتقد أنّ لدينا جميعاً سبباً لأن نشعر بالقلق العميق وبالحزن، لأنّ ذلك يعني أنّ المنظمة الوحيدة التي يمكنها أن تقوم بأيّ تحقيق وتنجز الإصلاحات عاجزة عن ذلك”.
نأمل أن نرى أخيراً أرفع ديبلوماسي في الأمم المتحدة يعلن ما بات يعرفه العالم بأسره وهو أن الحكومة الصينية تقوم بجرائم وحشية ويجب أن تحاسب
صوفي ريتشاردسن
وترفع ريتشاردسن الصوت بالقول: “التحدّي الحقيقي هو أنّ الحكومة الصينية تملك وتقوم بنشر موارد غير عادية لمحاولة إحباط ليس فقط التحقيقات في جرائمها، لكنّها أيضاً تحاول إخضاع النظام الدولي لحقوق الإنسان ككل، ونحن حتى الآن لم نرَ الأنظمة الديمقراطية في البلدان الأخرى تتحد معاً للوقوف بوجه ذلك المخطط”.
وأكّدت ريتشاردسن في سياق الحديث أنّ “إفلات الصين من العقاب على النطاق العالمي يتخطّى ملف باشليت من دون أن تخفي امتعاضها من آداء مفوضية حقوق الإنسان في الملف الصيني، إذ قالت “البعض ليس على دراية بحقيقة ما تقوم به الحكومة الصينية من انتهاكات لحقوق الانسان ومقتنع بوجوب المحافظة على علاقة جيدة مع الحكومة الصينية لتحقيق بعض التغيير، لهؤلاء أقول: لقد ماتت هذه الفكرة قبل عشر سنوات والإخفاق في الاعتراف بذلك والمضي قدمًا وفقًا لذلك هو أساسًا لضمان إفلات الحكومة الصينية من العقاب على الجرائم الفظيع”..
منظومة حقوق الإنسان العالمية هشَّة والصين الأنشط
قبل زيارة مفوضة حقوق الانسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليت إلى بكين، وهي الزيارة الأولى لشاغل ذلك المنصب منذ العام 2005، قال مكتبها إنّ التقرير الذي أعدَّه عن الإنتهاكات بحقّ المدنيين العُزَّل في الصين سيُبصر النور بعد الزيارة، واضعاً إيّاها في خانة تقصّي الحقائق عمَّا يدور في شينجيانغ، أو بالأحرى مستخدماً تلك الزيارة كذريعة لتبرير سياسة الميوعة تجاه الصين التي تتحدث عنها مئات المنظمات الحقوقية.
بدورها وضعت الخارجية الصينية تلك الزيارة، عشية وصول باشليت، في خانة تعزيز التعاون بين بكين والأمم المتحدة، لتكون المفاجأة أن المفوضية التي واجهت جميع منتقدي الزيارة إبَّان حصولها بمنطق “نريد التحري عن الحقائق”، غيّرت موقفها بعد الزيارة الفاشلة إذ أعادت متحدثة رسمية باسم المفوضية على مسمعنا في “أخبار الآن“ في سياق تواصلنا معها ضمن هذا التقرير، الكلام الذي صدر عن ميشيل باشليت في ختام زيارتها، حيث قالت الأخيرة “كما ذكرت لم تكن الزيارة للتحري بل للتواصل مع الحكومة الصينية لتعزيز حقوق الإنسان وإحترامها واستكشاف السبل التي يمكن لمكتبي من خلالها مساعدة الحكومة على الوفاء بإلتزاماتها تجاه قانون حقوق الإنسان العالمي”.
وأسقطت باشليت من كلامها ما روّجت له الأمم المتحدة طيلة الفترة الممتدة من إعلان الأمم المتحدة عن الزيارة حتى إنتهائها. وأصرّت الأمم المتحدة من ضمنها مكتب باشليت على تطمين العالم بأنّ الزيارة استقصائية ولن تخدم الحكومة الصينية بل ستنجح بالتقصي عن الجرائم ضدّ الإنسانية في شينجيانغ. ذلك على الرغم من علم الحكومات التي تحترم حقوق الإنسان والناشطين الصينيين والمنظمات غير الحكومية أن هذه الزيارة لن تخدم إلى بروباغندا النظام الصيني وتعزز إفلاته من العقاب كما كانت نتيجتها النهائية فعلا بحسب ما قالته ريتشاردسن لنا.
ضرورة إدخال إصلاحات كبيرة على منظومة حقوق الإنسان العالمية
صوفي ريتشاردسن
في السياق عينه، أكّدت ريتشاردسن لـ”أخبار الآن” ضرورة إدخال إصلاحات كبيرة على منظومة حقوق الإنسان العالمية وتقول “أتفق مع التقييم الذي يقول أن المشكلات أكبر وأعمق من الطريقة التي أدت بها هذه المفوضة السامية عملها كما أن الأمين العام غوتيريس كان ضعيفا بشكل صادم حيال الانتهاكات الصينية لحقوق الانسان حاله حال العديد من قطاعات الأمم المتحدة”.
على هذا الخط، أشارت ريتشاردسن في حديثها إلى الثغر الموجودة في منظومة حقوق الإنسان العالمية، وقالت إنّ مجلس حقوق الإنسان هو في النهاية هيئة سياسية مكوّنة من دول، وتتحدث عن تسويق تلك الدول للصين “لقد رأيت تأثير سياسة تطعيم بكين على هذه الحكومات ورأينا مفاعيل تقديم المساعدات الصينية في المجال التجاري ولشغل مناصب معينة في مجلس حقوق الانسان وبناءا على كل ذلك نحن نريد مفوضاً سامياً مستعداً لمواجهة الدول الاكثر قوة داخل الأمم المتحدة وهذا يجب أن يكون معيارا لهذه الوظيفة”. ولكنها تستدرك بالقول “حتى ولو أتى مفوض سامي قوي جدا فلا زالت هناك مشاكل أخرى في النظام بحد ذاته وهي تتطلب معالجة سريعة“.
حقّ الرد محفوظ
وختمت ريتشاردسن بالقول: يجب أن نرى الدول التي تحترم حقوق الإنسان تترشح للمجلس وتطرح خبراء للهيئات المنشأة بموجب معاهدات، نحن بحاجة إلى رؤية إصلاح للنظام يسمح بمشاركة المنظمات الغير حكومية بشكل مستقل وأعتقد أن أحد الحقائق التي يجب أخذها في الاعتبار في النهاية هو أن الحكومة الصينية لا تقوم بمنع ومضايقة وترهيب النشطاء المسالمين الذين يودون المشاركة في بعض الأنشطة كلجنة الموارد البشرية وحسب، بل مثلا ثمة 1.3 مليار شخص في الصين لا يملكون امكانية الوصول الى الآليات الموجودة في نظام الأمم المتحدة كتقديم التقارير والمطالبة بالإصلاحات”.
في ذلك التحقيق حاولنا مقاربة الأمر من ناحية موضوعية للغاية، ويبقى حق الرج محفوظاً لأي جهة تريد توضيح أو الإصاح عن حجم التمدد الصيني في أعرق منظمة أممية تعنى بحقوق الإنسان، الذي يفترض أن يجد فيها ملجأ آمناً، يبعد عنه كأس الإضطهاد والجرام على أنواها. في الختام لك أنت في أي بلد عربياً كان أم أجنبياً، أن تتخيل ماذا سيحصل، لو استشرى الفساد في هذه المنظمة الأممية أكثر واستفحل.