لأشهر عديدة استمرت التحرّكات في سريلانكا بعدما بلغت الأزمة الإقتصادية الخانقة ذروتها. وارتفعت وتيرة التحركات مع استفحال الأزمة أكثر، وقد اقتحم المتظاهرون المباني الحكومية ومقر الرئيس السريلانكي الذي فرّ إلى سنغافورة.
- استفحال الأزمة الاقتصادية في سريلانكا وهي طويلة تتطلب مساحة كبيرة حتى تجد طريقها للحل
- الصين تسعى لتحصيل أموالها التي أقرضتها لسريلانكا وترفض المساعدة عكس ما يتم الترويج له
- النائبة هاريني أماراسوريا لأخبار الآن: المشاريع التي موّلتها الصين لا تعود بالفائدة على الخزينة
- النائب السريلانكي لأخبار الآن كبير هاشم: الصين تقبض على أنفاس سريلانكا وتطالب بأموالها
أزمة سريلانكا ليست جديدة بل تمتد إلى سنوات عديدة، إذ أنّ الإقتراض غير المدروس أدخل البلاد في عجز كبير، ووضعها تحت وطأة دين خارجي لدول عديدة، تقف الصين في مقدمة الدائنين.
ومع انهيار سريلانكا إقتصادياً وإفلاسها، تجهد بكين في التفكير بكيفية تحصيل أموالها أو الإستيلاء على مقدّرات سيادية، وهي ترفض المساعدة، ولو أنّ سفيرة سريلانكا في الصين كانت تروّج عكس ذلك.
ثمة مسؤولية تقع على المشاريع الصينية الفاشلة في سريلانكا التي لم تحقق أيّ عائدات مالية
هاريني أماراسوريا
“أخبار الآن” أجرت لقاءً مع النائبة المعارضة في البرلمان السريلانكي هاريني أماراسوريا (Harini Amarasuriya)،التي أوضحت أنّ الأزمة التي تمر بها سريلانكا اليوم تعود لسنوات عديدة من سوء إدارة الملفات السياسية والاقتصادية، وقالت: “الأسباب أكثر تعقيداً لدرجة أنّها لا تتعلق فقط بالعامين الماضيين. ذلك هو نمط المديونية الذي تمّ اتباعه منذ عقود عديدة وحتّى الآن، حيث كنّا نحصل على قروض ونستثمر في مشاريع لم تقدّم العائدات المالية اللازمة، بالإضافة إلى مستويات عالية من الفساد، وهدر ما تبقى من المال العام”.
وتابعت: “كل تلك الأسباب وكذلك إهمال الجزء الإنتاجي من الإقتصاد، إذ أصبحنا إقتصاداً معتمداً على الإستيراد بشكل سريع والقطاعات الخدماتية مثل السياحة وأموال السريلانكيين العاملين في الخارج، والعمال المهاجرين الذين أيضاً تضرّروا خلال السنوات القليلة الماضية بشكل خاص بسبب COVID والركود الاقتصادي العالمي، لذلك كلّ تلك الأسباب مجتمعة أدّت إلى الأزمة الحالية والأمر غير مرتبط فقط بالعامين الماضين”.
وتحدّثت النائبة السريلانكية عن مسؤولية المشاريع الصينية الفاشلة في سريلانكا، التي لم تحقق أيّ عائدات مالية، بل خلقت مشكلة بنيوية قوامها تبدّل نمط عيش السريلانكيين بما يتنافى وحقيقة واقعهم الإقتصادي، فقالت إنّ “المشكلة مع الصين تكمن في أنّ العديد من الديون الممنوحة من الصين تمّ استثمارها في مشاريع لم تحقق أيّ عائدات مالية على الإطلاق، مثل مشاريع البنى التحتية الضخمة في أجزاء من البلاد، في الحقيقة غير قادرة على استيعاب هذا النوع من البنية التحتية، وأيضاً نوع من مشاريع الرفاهية الضخمة التي كان لها اتصال قليل في عملية دعم الإقتصاد”.
وأضافت: “هنا تكمن المشكلة لكن في ما يتعلق بالقروض بشكل عام، فإنّ الحكومات المتعاقبة كان يعتريها الفساد الفادح، ليس فقط من حيث العمولات التي حصلت عليها الحكومات من القروض، لكن أيضاً من حيث أنواع المشاريع التي تمّ اختيارها للديون والقروض التي تبينت أنّها كانت غير منتجة للغاية”.
وأردفت أماراسوريا: “على سبيل المثال، استثمرنا بكثافة في الطريق السريع، بينما قطاع النقل العام قد انهار. وذلك أيضاً قام بتشجيع نمط حياة معين حيث يضطر الناس إلى الإستثمار في المركبات الخاصة. ونحن نقوم بتجديد تلك المركبات غير الفعّالة التي زادت أيضاً من الطلب على النفط. ونحن اليوم لا نستطيع تحمّلها. فهو بالتالي مزيج من العديد من تلك العوامل”.
وأوضحت بالقول إنّه “أسلوب حياة تم إنشاؤه ولم يكن لدينا نوع الاقتصاد الذي يمكننا دعم ذلك الأسلوب في العيش الذي كان على أُسس هشة للغاية”. وتابعت: “كان الأمر محفوفاً بالمخاطر للغاية لأنّ أساسيات الإقتصاد لم تكن قوية بما يكفي لدعم نوع الإنفاق الذي استمر… لذلك كنا نعيش بما يتجاوز إمكانياتنا بمصطلحات بسيطة.. وكذلك الفساد ما يعني أنه عندما أتت ساعة تسديد القروض لم يكن هناك مال في المصرف، وتلك كانت واحدة من المشاكل الرئيسية”.
ودعت في حديثها لـ”أخبار الآن” الحكومة السريلانكية إلى أن تكون مسؤولة، مشيرةً إلى أنّ “البلدان والوكالات المانحة، سواء كانت بلداناً متعددة الأطراف أو أجنبية، سوف تأتي دائماً مع جدول أعمالها الخاص، فلن يأتي أحد إلينا إنطلاقاً من دوافع محض إنسانية… سوف يأتون مع أجندتهم الخاصة، وهنا الأمر متروك لكلّ حكومة لتقرر ما يجب القيام به وما لا يجب القيام به، وما الذي يخدم مصالح شعبنا وبلدنا”.
وتابعت: “لقد فشلت الحكومات السريلانكية المتعاقبة فشلاً ذريعاً في إجراء ذلك النوع من التقييم واتخاذ الخيارات الصحيحة والقرارات الصحيحة، فهم اختاروا المشاريع على أساس ما من شأنه أن يفيد السياسيين والنخب المالية الخاصة بهم, أو ما من شأنه أن يحقق أرباحاً لأعمالهم الخاصة بدلاً من البحث في الأمور التي تخدم الناس، لذا فإنّ المسؤولية النهائية تقع على عاتق الحكومات السريلانكية المتعاقبة التي دخلت في تلك القروض”.
في ختام حديثها، أشارت أماراسوريا إلى دور السياسة الخارجية في تعميق الأزمة المستفحلة منذ سنوات في سريلانكا، وقالت إنّ “موقع سريلانكا يجعلها مهمة للغاية في السياسة العالمية، فنحن مهمون بالنسبة لكلّ القوى العالمية، سواء كانت الصين والهند وباكستان والولايات المتحدة وأوروبا… لذلك لأطول فترة في الواقع منذ نحو الستينيات وأوائل السبعينيات كانت سياستنا الخارجية سياسة عدم الإنحياز، حيث كان لدينا سياسة خارجية متوازنة للغاية حافظت على علاقات جيّدة مع الجميع، وذلك هو الوضع المثالي للسياسة الخارجية التي كان يجب أن نتبعها أيضاً، لكن بعد تحرير الاقتصاد في السبعينيات، كان هناك تحوّل نحو بلدان الغرب لا سيما نحو الولايات المتحدة”.
بدلاً من أن تكون سريلانكا قادرة على التفاوض من موقع قوّة نقف إلى حدّ كبير تحت رحمة كل القوى الدولية
هاريني أماراسوريا
وتابعت: “ثمّ في السنوات الأخيرة، على وجه الخصوص، كان يُنظر إلى عائلة راجاباكسا على أنّها أكثر انسجاماً مع الصين. ونتيجة لذلك، أهملنا أقرب جارتنا الهند، التي لها تأثير كبير على سريلانكا، وقد تسبب ذلك في بعض التوترات”. وأوضحت أنّ “الهند في الوقت الحالي تشارك بشكل وثيق للغاية من حيث توفير الطاقة وتوفير الغذاء للسريلانكيين. يوجد الآن علاقات جيّدة جدّاً مع الهند، لكن من الممكن أن يكون لها عواقب لاحقاً… لا بدّ لأن تحافظ سريلانكا على سياسة اقتصادية غير منحازة”.
وختمت: “أعتقد أنّ بعض القطاعات مثل الأمن القومي والسيادة لا تقاس فقط من حيث قوّة الجيش، لكن من مدى تحصيننا لقطاع الطاقة ومستوى الأمن الغذائي. أشياء من ذلك القبيل، والتي يمكن أن يكون لها عواقب على كيفية التعامل مع الدول المجاورة لنا ومع القوى العالمية. والآن، نحن ضعفاء للغاية في كلّ تلك المجالات. ونتيجة لذلك، بدلاً من أن نكون قادرين على التفاوض من موقع قوّة، نحن إلى حد كبير تحت رحمة جميع القوى الدولية.
هاشم: الصين تقبض على أنفاس سريلانكا وتطالب بأموالها
من جهته، النائب في البرلمان السريلانكي كبير هاشم (Kabir Hashim)، قال في حديث خاص مع “أخبار الآن” إنّه “عندما تمّ انتخاب النظام ذاته العام 2005، كان ماهيندا راجاباكسا هو الرئيس، وقد اقترض بكثافة من الصينيين خصوصاً بعد الفراغ عام 2009… اقترض مبالغ هائلة من القروض التجارية من الصينيين، وذلك الإقتراض استخدمه لبناء الطرق السريعة في وسط الأدغال، وبناء مراكز المؤتمرات التي لم يتمّ استخدامها على الإطلاق، بناء مطار لا وظائف له… كانت كل القروض بالدولار لكنّها لم تولّد أيّ إيرادات بالدولار في البلاد، واليوم يريد الصينيون استعادة أموالهم وهم لا يعطوننا الوقت للتنفس”.
وأشار إلى أنّ سريلانكا اليوم بحاجة إلى إعادة هيكلة ديونها التي وصلت إلى 50 مليار، فيما الصادرات لم تحقق إيرادات كافية لسدادها، فتلك القروض تعيقنا”. وأضاف: “أعطت الحكومات المزيد والمزيد من الوعود في كلّ مرّة كانت هناك انتخابات، وذلك ما أدّى لتلك النتيجة، لذا حان الوقت الآن لأن يقول السياسيون الحقيقة للناس. لا أعتقد أنّ تلك المشكلة يمكن حلّها في الأشهر الثلاثة المقبلة أو الأشهر الستة المقبلة، سيستغرق الأمر فترة طويلة، ويتعين على السريلانكيين أن يمروا بأوقات عصيبة”.
الرئيس السريلانكي يُرسل استقالته لرئيس مجلس النواب عبر البريد الإلكتروني، ويقول إنّه اتخذت الخطوات الممكنة لتجنب الأزمة
وقال رئيس سريلانكا المستقيل غوتابايا راجاباكسا (Gotabaya Rajapaksa) الذي غادر البلاد الأسبوع الماضي، إنّه اتخذ كلّ الخطوات الممكنة لتجنيب سريلانكا الأزمة الاقتصادية. جاء ذلك خطاب استقالة الرئيس الفار، والذي قرأه الأمين العام للبرلمان السريلانكي في جلسة لمجلس النواب.
وفي خطابه، قال راجاباكسا إنّ الأزمة المالية تعود إلى ما قبل رئاسته، إضافة إلى جائحة كوفيد التي خفّضت بشدة أعداد السائحين والتحويلات المالية من العاملين في الخارج.
وورد في الخطاب: وفقاً لقناعتي الشخصية، اتخذت كافة الخطوات الممكنة لمعالجة تلك الأزمة\ بما في ذلك دعوة أعضاء البرلمان إلى تاليف حكومة وحدة، أو تشمل كل الأحزاب.
ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الثلاثاء المقبل لقبول طلبات الترشح لمنصب الرئيس، ومن المقرر أن يتم إجراء تصويت لاختيار رئيس يوم الأربعاء.
وكان راجاباكسا أرسل خطاب استقالته عبر البريد الإلكتروني إلى رئيس برلمان سريلانكا مساء الخميس الفائت، وفق تأكيد المتحدث باسم رئيس مجلس النواب إندونيل يابا، الذي قال إنّه تمّ تحويل رسالة الإستقالة إلى المدعي العام في البلاد للنظر في جوانبها القانونية قبل قبولها رسمياً.
السلطات السريلانكية: الصين قلقة من التأخيرات المحتملة في سداد ديونها
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة في سريلانكا لديها نحو 12.6 مليار دولار من السندات المستحقة لصناديق عالمية، وقد تمّ تجميد كل عمليات سداد الديون، ونحو 10 في المئة من ديون سريلانكا الخارجية مستحقة للصين. وكان القائم بأعمال الرئيس السريلانكي قال إنّ اليابان مدينة بحصة متساوية تقريباً، لكن أسعار الفائدة على القروض الصينية أعلى.
وأوضحت قالت السلطات السريلانكية أنّ الصين قلقة من التأخيرات المحتملة في سداد ديونها، فيما حثت الهند صندوق النقد الدولي على معاملة جميع دائني سريلانكا على قدم المساواة.