فيما توجّه إلى الصين أصابعُ الإتهام بارتكابها إبادة جماعية ضدّ أقلية الإيغور وأقليات تركية أخرى، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ شينجيانغ، في أوّل زيارة له إلى الإقليم منذ 8 سنوات.
- زيارة شي جين بينغ إلى إقليم شينجيانغ مثيرة للريبة، فماذ في تفاصيلها وأهدافها؟
- خبير شؤون الإيغور أدريان زانز: شي يريد أن يقول إنّ سياسياتي القمعية نجحت
- شي تحدذث عن ممثلين دينيين موثوق بهم سياسياً في شينجيانغ، فماذا قصد بذلك؟
- قراءة مختلفة للباحث الإيغوري عبد الوالي أيوب، فما الذي لاحظه من الصور التي نشرت؟
لم يعلن عن الزيارة مسبقاً، وهي حصلت في الفترة الممتدة من 12 إلى 15 من يوليو. وأظهرت صورة نشرتها وكالة أنباء الصين الجديدة شينخوا الرسمية، الرئيس الصيني بلا قناع محاطاً بسكّان يبتسمون ويصفّقون، ويبدو أنّ العديد منهم من الإيغور يرتدون الأزياء التقليدية.
زيارة شي جين بينغ إلى شينجيانغ.. مستمرّون باضطهاد الإيغور
آخر زيارة قام بها شي إلى شينجيانغ كانت في العام 2014، عندما حصل هجوم في اليوم الأخير من زيارته شكّل بداية مرحلة دمويّة طويلة من القمع والإعتقالات والإضطهادات التي استهدفت الإيغور، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
لقد كان العام 2014 دامياً بسبب حادثتي أورومتشي وكونمينغ اللتين أسفرتا عن عشرات القتلى، وقد اتهمت السلطات حينها الإنفصاليين والإيغور بالوقوف خلفها. ومنذ ذلك الحين تتهم دراسات غربيّة بكين باعتقال أكثر من مليون شخص من أقلية الإيغور ومجموعات إثنية مسلمة محلية أخرى، في مخيمات إعادة التأهيل فارضة العمل القسري والتعقيم الإجباري عليهم.
لكن ما الذي دفع شي جين بينغ لزيارة شينجيانغ بعد 8 أعوام منذ تلك الأحداث؟ وهل نجح القمع والبطش الصيني بترسيخ سلطة الحكم والحزب الشيوعي ضمن الإقليم بشكل نهائي؟ تخفي وجوه الإيغور خلف الإستقبال الحار لشي ما هو أعمق وأبعد من رقصة فولكورية وبعض التصفيق، إذ ثمّة جرح تاريخي نازف لا يمكن للدعاية الصينية إخفاؤه، فكيف أجبر هؤلاء على التهليل لجلّاديهم؟
من خطاب شي والأهداف المعلنة للزيارة
- شدد شي على الحاجة إلى تحسين قدرة الحوكمة المتعلقة بالشؤون الدينية، وتمكين التنمية الصحية للأديان في شينجيانغ، التي كان يبلغ عدد سكانها 25.85 مليون نسمة عام 2021، نحو الـ 58% منهم من الجماعات العرقيّة غير الهانية ومعظمهم من المسلمين.
- قال إنّ الإسلام في الصين يجب أن يكون بتوجّه صيني، ويجب التمسك به لتكييف الدين مع المجتمع الإشتراكي الصيني.
- لفت إلى أهمية رعاية مجموعة من رجال الدين الذين يتمتّعون بالثقة سياسياً، وبالتالي يمكن أن يلعبوا دوراً خلال الفترات الحرجة.
- سلّط الضوء على الحاجة إلى ضمان الحاجات الدينية الطبيعية للمؤمنين وتوحيدهم بشكل وثيق حول الحزب والحكومة.
- أشاد بعمل شركة شينجيانغ للإنتاج والبناء “بينغتوان” التي فرضت الولايات المتحدة عليها عقوبات للاشتباه بارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان. واعتبر أن هذه المنظمة الإقتصاديّة القريبة من المؤسسة العسكرية النافذة والمكلفّة خصوصًا التطوير الزراعي وتأمين الحدود، أحرزت تقدمًا كبيرًا في مجال الإصلاحات والتنمية.
قراءة في الدلالات السياسيّة للزيارة
من الواضح أنّ سياسة القمع التي انتهجها الحكم الصيني ضدّ إقليم شينجيانغ قد نضجت وأينعت ثمارها، وتبدو زيارة شي جين بينغ للإقليم أبرز الدلائل على ذلك. فبحسب الباحث في شؤون الإيغور أدريان زانز (Adrian Zenz)، فإن “زيارة شي جين بينغ تعتبر بالنسبة للصين مهمّة جدّاً لأنّها الزيارة الأولى للرئيس الصيني منذ العام 2014، فعندما كان هناك في ذلك العام حصل انفجار في أورومتشي، ما يدلّ على المقاومة والعنف وانعدام الأمن. لم يكن الوضع آمناً في الصين بالنسبة للشعب الصيني، وفي شينجيانغ كانت مقاومة الإيغور تهدّد الحكم في بكين بشكل مباشر ولو بشكل رمزي لأنّ الأيغور لم يكونوا يملكون السلاح، لكن ما فعلوه كان كافياً لتعلن الصين عن تغيير كبير في سياستها في العام 2014 في خطاب شينجيانغ المصنّف سرياً للغاية، وقد تحدّث عن الحاجة للتركيز على التطرف والهجوم على ثقافة الأيغور ومجتمعهم، وذلك كان أكثر أهمية بالنسبة للصين من النمو الاقتصادي”.
الرسالة من الزيارة مفادها أنّ الصين تمسك بزمام الأمور ولن تُهزم بسهولة أو يسيطر عليها أحد
أدريان زانز
لكنّ تغييراً مهمّاً حصل بحسب زانز لـ “أخبار الآن“، برأيه “تشكّل زيارة شي جين بينغ شخصياً إلى شينجيانغ أمراً بالغ الأهميّة، لأنّ ذلك يدلّ على أنّ بكين تشعر بالأمان حيال حكمها وبشأن سيطرتها على المنطقة، وبأنّها كسرت روح المقاومة، ويدل على نجاح مشروع إعادة التعليم وسياسات الصين في تهدئة الإيغور عبر غرس أفكار الحزب فيهم”.
وتابع: “إذاً هناك رسالة محلية مهمّة هنا للدوائر المحلية لصينيي الهان، وهي أنّ سياسات الصين ناجحة حتى في شينجيانغ، وذلك مهم جدّاً لمشروع الحزام والطريق ولعلاقات الصين الإقتصادية مع مختلف البلدان ودول آسيا الوسطى، وهي رسالة مهمّة أيضاً إلى الدول المعنية بمشروع الحزام والطريق لآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها، والرسالة مفادها أنّ الصين تمسك بزمام الأمور ولن تُهزم بسهولة أو يسيطر عليها أحد، وأنّه يمكنها أن تطبق سياساتها بنجاح في تلك المناطق ذات الأغلبية المسلمة وحتى ضد المقاومة الغربية”.
وشدّد زانز على أنّ “الزيارة تشكّل رسالة مهمّة جدّاً للمجتمع الدولي أوّلاً، لبلدان الحزام والطريق، وللدول الغربية، فشي جين بينغ أراد من خلال زيارته أن يقول إنّ الصين خط أحمر، وإنّ الحكومات الغربية يجب ألّا تتدخل بشؤون الصين الداخلية في شينجيانغ، وإنّ بكين نجحت في تطبيق سياساتها وتهدئة الأوضاع في المنطقة، وتغيير الديناميكيات السياسية في المنطقة وفقاً لشروطها الخاصة، متجاهلة انتقادات الغرب لانتهاكات حقوق الانسان”. ويعتقد زانز أنّ في الزيارة رسالة أيضاً إلى بلدان الشرق الأوسط وبلاد الحزام والطريق ليعلموا أنه “يجب ألا يتّبعوا الإنتقادات الغربيّة التي تركّز على حقوق الإنسان، بل يجب أن يركّزوا على الصين”.
انعدام للحرية الدينية
بحسب زانز، تحمل الزيارة رسالة واضحة لإثبات القوة، “إنّها رسالة رمزية تحدّث خلالها شي جين بينغ كثيراً عن الوحدة العرقية والسياسة العرقية، فقد قال ولأوّل مرّة، إنّ سياسات الصين العرقيّة جيّدة، وتلك جملة لم يسبق أنّ قالها سابقاً. كما أنّه أعاد التأكيد على جمل سبق وأن ذكرها عن تفوق ونجاح سياسات الصين العرقيّة التي تنص على وجوب اختلاط كلّ المجموعات العرقية تحت راية الأمة الصينيّة، بمعنى آخر: وحدة الصين العرقية الإثنية الصينية. إذاً إنّها سياسة الإستيعاب المفتوح، وهي تهدّد هويّة الأيغور وديانتهم، كما تحدّث عن التنمية وعن النمو الإقتصادي والإجتماعي”.
وعليه أشار زانز إلى أنّه “يمكننا أن نرى بوضوح تأكيداً على أنّ الصين تتراجع عن الحرية الدينية، ويمكننا أن نتوقع الإنقراض التدريجي للإسلام في المنطقة”، مضيفاً أنّ “الزيارة تؤكّد أنّنا يمكن أن نتوقع انقراض الممارسة الروحية في شينجيانغ، سواء أكانت الإسلام أو حتى الأديان الأخرى كالمسيحية، فكل تلك الأديان يتمّ قمعها واضطهادها لأنّها لا تتوافق مع سياسة الحزب الشيوعي الصيني”.
عندما يتحدّث شي عن ممثلين دينيين موثوق بهم سياسياً فذلك يعني استيعاب التيارات الدينية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني
أدريان زانز
ويتوقف زانز عند إشارة شي في خطابه إلى “ممثلين دينيين موثوق بهم سياسياً” ويتساءل: “ماذا يعني أن تتحدّث عن ممثلين دينيين موثوق بهم سياسياً وتطهير الإسلام؟ فذلك ليس بالأمر الجديد أن يتحدث شي عن التطهير الديني، فهو يعني في الأساس استيعاب التيارات الدينية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وما يعنيه فعلياً هو أنّ تصبح كلّ الأديان متوافقة مع الإيدولوجيا الشيوعية، ما يعني أنّ المجموعات الإثنيّة كالإيغور والتيبتيين يمكنهم الإحتفاظ بتلك التسمية لكي يتمكّن الصينيون من القول لدينا الإيغور والتيبتين والإسلام والمسيحية والبوذية، لكن عملياً تتعرّض تلك الفئات لتهديدات عنيفة ولمحاولات دمج ضمن الشيوعية”.
وشدّد على أنّه “لا يمكن طبعاً للإسلام أو المسيحية أن تتوافقا مع الشيوعية، لكن ما يحصل هو استيعاب لتلك الأديان، وتبعاً لذلك فهي تتغيّر كلياً وبالفعل فقد أصبح هناك مثلاً ترجمة جديدة للإنجيل تغيّر من محتويات الكتاب المقدس بشكل كبير وجذري تطال الطبيعة الإنسانية للمسيح وتحويله إلى إنسان يقترف الأخطاء”.
وأضاف “هناك أمور مشابهة حصلت في الدين الإسلامي أيضاً، وقد طُلب من الأئمة والقادة الروحيّين دراسة الأفكار الشيوعيّة وأن يعظوا بها وأن يبشروا بالشيوعية بشكل أو بآخر، والهدف من كلّ ذلك في النهاية هو الوصول إلى اختفاء تلك الأديان والإسلام”. ولفت إلى أنّ “ذلك هو ما حصل بشكل خاص في شينجيانغ، وإن تعليقات شي شي عن الدين ليست جديدة وهي تعزّز التراجع الذي سنراه، فذلك قد حصل ويحصل، إن الممارسات الدينية في شينجيانغ قد تمّ حظرها وتلك العملية مستمرة، هي تحتفظ ببعض المساجد وتعيد الإحتفاظ ببعض الأئمة الذين يخضعون لتدريب حكومي، وهم يحاولون أن يسيروا بالتوازي مع الحزب الشيوعي الصيني. إذاً نحن سنرى اختفاءً تدريجياً للممارسات الدينية في المنطقة”.
النفوذ الصيني في للأمم المتحدة
على الرغم من كلّ الإضطهادات العرقية والدينية المنظمة والممنهجة التي ترتكبها الصين بحق الأقليات من بين شعبها، تمكّنت الصين من استمالة الأمم المتحدة ما يصفه زانز بالمخيّب. ويقول: “كما نعلم، فإنّ الصين استمالت الأمم المتحدة بشكل كبير ويسمّى ذلك بهيمنة النخبة، وهو مصطلح تقني يطلق على ما شهدناه خلال زيارة المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه المروّجة للصين، وقد كانت زيارة مخيبة جدّاً فهي لم تأخذ في الحسبان وضع الأيغور والإضطهاد الذي يتعرّضون له، بل حصرت زيارتها بالترويج للصين”.
ثمّة مشكلة كبيرة تتمثل بتقديم الأمم المتحدة أسماء المنشقين والإيغور الذين يحضرون مناسبات الأمم المتحدة إلى الصين
أدريان زانز
وأضاف: “ثمّة مشكلة وهي تقديم الأمم المتحدة أسماء المنشقين والإيغور الذين يحضرون مناسبات الأمم المتحدة إذ يتمّ إبلاغ الصين بذلك، ما يعني أن لدى الصين مخبرون على الأرض كما أنّ لديها أشخاص في عدة لجان، فاستراتيجية الصين هي الترويج لمرشحيها ليحصلوا على المراكز المهمّة، وهي موجودة في مجلس حقوق الإنسان وغيرها من المجالس للتأثير على الأمم المتحدة ولتقويضها واختراقها من الداخل بهدف إضعافها وجعلها متوافقة مع ديكتاتوريّتها وسلطتها، وللتخفيف من الإنتقادات التي تطالها، كما أنّ الصين بذلت مجهوداً كما علمنا مؤخراً لتقنع ميشيل باشليه بعدم نشر تقريرها حول شينجيانغ وإقناع بعض الدول بالتوقيع على ذلك”.
وأوضح زانز أنّ “مكائد الصين في الأمم المتّحدة قد زادت بشكل كبير في ما يتعلق بنشر ذلك التقرير، فذلك الأمر يقلق الصين إلى حدّ كبير، والصين تريد منع نشر ذلك التقرير لأنّها تدرك أنّه تمت كتابته من قبل أخصائيين وليس من قبل باشليه”. ويشير إلى أنه “من المرجح أنّ الصين قد اطّلعت على نسخة من هذا التقرير، وبعدها بدأت بممارسة الضغوط لأنّ الضغوطات بدأت في نهاية يونيو، ومن المرجّح أن الصين قد حصلت على نسخة مسبقة من التقرير للتخفيف من قلقها. تمّت استشارة خبراء أكاديميين غربيين بشأن التقرير، ومن المرجح أنه يقدم صورة أكثر دقّة للفظائع في الصين والإبادة الجماعية البطيئة، من زيارة باشليه”.
ويؤكّد الباحث في شؤون الإيغور أنّ “ذلك الواقع هو بمثابة امتحان للأمم المتّحدة كمؤسسة متعددة الأطراف حول مدى استقلاليتها، ومدى ميثاقيتها وحياديتها، ومدى قوة الصين وقدرتها على التأثير على المؤسسات في جنيف، ومن المهم جداً أن نراقب الأحداث في الأسابيع المقبلة، إذ من المتوقّع أن يُنشر التقرير في نهاية أغسطس”.
زيارة شي واستعراض القوة
تتقارب قراءة الباحث الإيغوري عبد الوالي أيوب (Abduweli Ayup) من قراءة زانز، فهو يعتقد أنّ سبب زيارةشي “أنّه يريد أن يقول للعالم أنظروا إلى نجاحي، لقد فعلت ذلك منذ العام 2014، فمنذ 8 أعوام قمت بتطبيق تلك السياسة الصارمة، وانظروا الآن الجميع يغنّي والأيغور يرقصون أمامي ولم يحدث أي شيء، الناس يصفّقون ويهللون ويرحبون بي، والجميع يعيش حياته العادية”. ولفت إلى أن شي “يريدنا أن نرى أنّ ذلك هو المكان الذي تقولون إنّه تحدث فيه مجازر وجرائم ضدّ الإنسانية، لكن أنا وبصفتي رئيس الصين زرت تلك المناطق، وكما تروْن ليس هناك أي شيء، أنا لاحظت أن الناس يرحبون به”.
أمام الإيغور حلّان لا ثالث لهما: إمّا أن يصبحوا من الهان الصينيين أو أن يصبحوا سجناء
عبد الوالي أيوب
لكن أيوب لاحظ أنّ لا أحد من هؤلاء يحمل هاتفه “هناك المئات من الناس الذين يصفّقون لكن لا أحد يحمل هاتفه، هل من الممكن التخيّل أن في أيامنا الحالية عندما تسنح للناس فرصة للقاء شخصية مهمة بأنهم لا يحملون هواتفهم الذكية؟ إن ذلك مستحيل. كما لاحظت أنّ ثمّة خطّاً لا يستطيع الناس تجاوزه، لاحظت أنّ الإيغور يبكون فقط عندما يرون شي، والمثير للإهتمام أنّ الإيغور هم فقط من يبكون، فلماذا معظم الصينيين لا يبكون؟ إذاً يجب أن يبكوا، عليهم البكاء، يجب أن يكونوا سعداء، يجب أن يعبّروا عن مدى امتنانهم وسعادتهم وحماسهم، وإذا لم يفعلوا ذلك، ففي اليوم التالي أو بعد بضع ساعات سينتهي بهم الأمر في مخيمات الإعتقال”.
وأضاف ملاحظاته على زيارة شي لـ”جيش الإنتاج والبناء الصيني، إنّه كالجيش المدني في منطقة الأيغور وهدفه تحقيق ما يسمى بالإستقرار في منطقتنا. هم جنود لكنّهم لا يحملون السلاح دائماً، هم يحملون أجهزتهم ويقومون بعملهم هناك، لكن عند حصول أيّ تظاهرة يحملون أسلحتهم ويقتلون الناس. إذاً نحن نعيش في أرضنا مع جنود لا يرتدون الزي العسكري، وتلك المرّة زار هؤلاء الجنود الذين لا يرتدون البدلة العسكرية، وقال لهم أنتم المقياس المهم، أنتم الأفراد المهمّون المسؤولون عن وحدة وسيادة الأراضي الصينيّة. وهو قد زار مراكز الشرطة وأخبرهم أنّ ما قاموا به خلال السنوات الثماني الماضية كان ناجحاً جدّاً كما شجعهم على فعل المزيد، وأبلغ المسؤولون الصينيون أنّ تلك السياسة ستستمر وتلك السياسة ستكون فعّالة إذا ما حافظنا على ذلك الوضع وعلى ذلك النهج”.
زيارة شي جين بينغ جزء من حملته الترويجية فهو يريد أن يثبت للعالم عكس ما يتم الحديث عنه لناحية ارتكاب المجاز الجماعية يحقّهم
عبد الوالي ايوب
وعن استقباله من قبل الأيغور قال: “هو يريد أن يقول للعالم أنتم تتهموننا بارتكاب المجازر لكن الناس يعزفون على آلاتهم الموسيقية ويغنون أغانيهم الاثنية ويؤدون رقصاتهم الأيغورية أمامي، وذلك يعني أنّنا لم نفعل شيئاً بهم. كما زار عائلات إيغورية ليقول ها أنا أتعاطف مع تلك العائلات ولم أخطىء بحقّها، إنّ ذلك جزء من حملته الترويجية وجزء من فكرة تطوير ذاته، إنّها طريقته في حكم البلاد وذلك ليس بالأمر الجديد”. وأضاف “أشعر بالحزن لرؤية هؤلاء الأيغور يبكون تنفيذاً للأوامر التي وصلتهم، ومن المحزن أن لا أحد يحمل هاتفه، وقد شاهدت على وسائل الإعلام الصينية أمس ولداً بين الحشود يقول لقد انتظرت خمس ساعات لأراه. كان عمره نحو 8 أعوام سنوات وقد انتظر 5 ساعات ليراه ما يعني أنهم كانوا يحضّرون لخمس ساعات قبل موعد زيارة شي”.
وتابع:” فما الذي يمكن أن يقدمه تلميذ مدرسة ابتدائية عمره 8 أعوام لشي ليجعلوه ينتظر ويتحضر لخمس ساعات ليراه فقط؟ فقد قال رأيته لخمس ثوان فقط لكنّني تحضّرت وانتظرت لخمس ساعات”. وأضاف “إن ترحيب الناس بتلك الزيارة والرقص كان معدّ سلفاً، فإن ذلك هو سيناريو مكتوب ومعدّ قبل الزيارة، وخلال زيارته لم يسمح بدخول وسائل الإعلام حتى وسائل الإعلام الرئيسية الصينية وحتى الرسمية، كما لم يسمح ببث تلك الأفلام قبل عودته إلى بكين خلال زيارته لمناطق الأيغور، ولم يسمح للإعلام بالحديث عن تلك الزيارة، كل الأخبار والبرامج تمّ بثها بعد عودته إلى بكين، وهو لم يقابل أي من المثقفين الأيغور أو المسؤولين الكبار وجهاً لوجه”.
وشدّد أيوب على أنّ تلك الزيارة هي جزء من حملة شي الترويجية “فهو يريد أن يثبت أن الايغور يعيشون حياة طبيعية وأنهم سعداء وأراد أن يدع العالم يرى أن لا صحة لحصول مجازر جماعية، فهو قد زار الأيغور ولا وجود للعمالة القسرية بينهم كما لا يوجد عبودية في أراضيهم”. وأضاف “لقد فقدت الأمل، كنت آمل أن يفهم ويعي ويغيّر سياسته القاسية لكن ذلك لم يحدث، وقد خاب ظنّي فعلاً وتأملت أن يخبره أحد الحقيقة لكنّني كنت ساذجاً جدّاً، ربّما تلك الوثائق المسرّبة من ملفات شرطة شينجيانغ، تلك المعتقلات والعمل القسري وعمليات التعقيم القسرية وعمليات الاغتصاب الممنهجة، كل تلك الأمور تنفذ وفقاً لأوامره وتعليماته”.
شي أبلغ المسؤولين الصينيين أنّ تلك السياسة القمعية ستستمر وستكون فعّالة إذا ما حافظنا على ذلك الوضع وعلى ذلك النهج
عبد الوالي أيوب
ولفت إلى أنّ “زيارته تقول لنا إنّ السياسة المتبعة في مناطق الإيغور ستستمر، لأنّه ذكر ذلك عندما تحدّث مع الجنود المدنيين ومع المسؤولين الكبار في مناطق الإيغور. إن ما يقومون به للقضاء على الثقافة الإيغورية هو قضاء على الجانب الإنساني، فنحن ككل إنسان لدينا ديننا وأفكارنا وشخصيتنا، وما يحاول الحزب الشيوعي الصيني فعله هو طمس حضارتنا، والقضاء على إنسانيتنا، فنحن كأيّ إنسان لدينا أفكارنا ومعتقداتنا وثقافتنا فهم يريدوننا أن نصبح كالإنسان الآلي، نتبع التعليمات وننفذ ما تريده الحكومة الصينية. إنّها إبادة جماعية ثقافية لمحو حضارتنا إنّهم يريدون تدمير كلّ شيء فينا كبشر، شخصيتنا وكرامتنا وشرفنا، يريدوننا أن نعيش كالإنسان الآلي نتبع التعليمات ونقوم بالعمل القسري ونبقى في السجون ونهتم بأولادنا لكن من دون أن نعلمهم ديننا ولغتنا وحضارتنا”. بحسب أيوب أمام الأيغور طريقان لا ثالث لهما “إمّا أن يصبحوا من الهان الصينيين أو أن يصبحوا سجناء، تلك هي المشكلة حالياً. فمن الممكن أن يقبل الناس التغيير لكن ذلك يحتاج إلى الوقت، لا يمكنك أن تغيّر ثقافتك في غضون بضعة أيّام فقط، لكن المشكلة أن الحكومة الصينية تريدهم أن يصبحوا صينيين على الفور، وإلّا سيدخلون السجن في تلك اللحظة”.
تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة رويترز كانت أوردت أنّ الصين طلبت من باشيليت دفن ذلك التقرير، وقالت رويترز إنّ الرسالة التي أعدتها الصين عبّرت عن القلق البالغ بشأن تقرير شينجيانغ، وتهدف إلى وقف صدوره، حيث أبلغت أربعة مصادر الوكالة أنّ الصين بدأت في توزيعها على البعثات الديبلوماسية منذ أواخر يونيو، وطلبت من الدول التوقيع عليه، لإظهار دعمهم.
في النهاية، يرى بعض المحللين يرون أنّ شي ذهب إلى شينجيانغ استعداداً للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في الخريف، حيث من المرجح أن يُعاد تعيينُه لولاية ثالثة كأمين عام للحزب.
التصريحات التي أدلى بها بعد زيارته للمنطقة، تشير وفق المحللين إذاً، إلى أنّه سيقضي على الشخصيات الثقافية القليلة والحذرة المتبقية، بعد التخلّص من النخب الإيغورية. وأنّ حملة الاستئصال تلك متواصلة تماماً مثل التخلص من حضارة الأمم الأخرى، اي الشعوب غير الهانية.