حلقة خاصة من برنامج ستديو الآن تناقش انتفاضة إيران عبر قصص من الداخل ومعلومات لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية تكشف للمرة الأولى
- النظام الإيراني يرفض تسليم جثث المتظاهرين لذويهم إلا بتعهد لعدم القيام بمراسيم دفن واسعة
- منظمة حقوق الإنسان في إيران لأخبار الآن: الإعلام الرسمي يفرض على الأهالي تكذيب موت ذويهم
- شباب إيرانيون في إيران تحدّثوا لأخبار الآن عن واقع الحال: هذا النظام مقزز ولا مستقبل لنا
- أكثر من 40 % من الأسر الإيرانية تحت خط الفقر واللوم على فساد النظام لا على العقوبات
تشهدُ إيران موجةً تصاعديةً من الاحتجاجاتِ التي يزداد زخمها كل يوم منذ 17 سبتمبر، يوم أُعلن وفاة الشابة مهسا أميني بعد دخولها في غيبوبة أثر ضربة تلقتها على جمجمتها من قبل شرطة الآداب وذلك مع انضمام فئات اجتماعية جديدة، وارتفاع حجم الرفض وعدم الانصياع إلى النظام وأجهزته الأمنية، رغم الاجرام الذي تنفذه ميليشيا الباسيج، القوة شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بحق المحتجين.
التظاهرات دخلت الى كل المحافظات الواحدة والثلاثين بغضون أيام قليلة، وحطت في مدينة قم التي تعتبر معقل نظام الملالي الحاكم منذ العام تسعة وسبعين إذ سرعان ما تبدَّلت وجهة الاحتجاجات من كونها نسائية رافضة لبطش شرطة الآداب إلى كونها شعبية تندد بالنظام ككل وتهتف ضد خامنئي مطالبة بتغيير النظام.
عقدان من التظاهر ضدَّ نظام الملالي في إيران
الموجة اليوم من الاحتجاجات ليست الأولى من نوعها منذ انقلاب الخميني على الحكم في سبعينيات القرن المنصرم. ففي عام 1999 شهدت إيران موجة من التظاهرات الطلابية التي بدأت من جامعة طهران احتجاجا على اغلاق النظام لصحيفة سلام الإصلاحية المعارضة، وقتها تم اعتقال اكثر من ألف طالب بعضهم مازالوا خلف أسوار الاعتقال حتى يومنا هذا.
في العام 2009 اندلعت ما عرفت بالثورة الخضراء التي كان عصبها طلاب الجامعات الإيرانية والصحافيين ومرشحين رئاسيين معارضين، وذلك احتجاجا على تزوير النظام لنتائج الانتخابات التي جددت وقتها لمحمود احمدي نجاد في حين كانت كل استطلاعات الرأي تشير إلى أنَّ مرشح المعارضة الأبرز مير حسين موسوي هو الاوفر حظاً. الاحتجاجات وقتها توسعت وتعرض المحتجون للضرب والاعتقال والتعذيب واطلاق النار، وفي حين لم يعترف النظام الا بقتله لستة وثلاثين شخص، الا ان التقارير الصحافية الميدانية أشارت الى أكثر من سبعين قتيل إلا ان النظام وقتها أجبر أهالي الضحايا على توقيع وثائق تشير الى وفاة ذويهم بأزمة قلبية او التهاب السحايا. هذا ما رفض أهالي مهسا اميني القيام به.
بين عامي 2017 و2019 جرت احتجاجات متفرقة على وقع الغلاء المعيشي ولم تأخذ الطابع السياسي البحة، انتهت بقطع النظام لشبكة الانترنت وقتل حوالى الف وخمس مئة مواطن عام 2019 لانهاء تلك الموجة، في حين اعترف وزير الداخلية وقتها بمقتل 225.
اليوم، يقول مراقبون ان الاحتجاجات مختلفة عن سابقاتها، بسبب جملة من الاسباب، أبرزها التضامن بين المتظاهرين في مختلف المدن رغم قطع شبكات الانترنت، واستمرار ذلك رغم القتل العلني الذي تقوم به قوات الباسيج بناءً على أوامر خامنئي، وبحسب منظمة هيومن رايتس الإيرانية التي تتخذ من أوسلو مركزا لها، يناهز عدد الضحايا الذين سقطوا على يد أجهزة ميليشيا الحرس الثوري الايراني منذ مقتل اميني الى اليوم المئة قتيل. وقد وصفت المنظمة ما جرى يوم الأربعاء الماضي في مدينة زاهدان بالمجزرو التي تتطلب تحركا دوليا، اذ قتلت قوات الباسيج ثلاثة وستين متظاهر ومتظاهرة.
ويذكر في السياق، أنّ الايرانيين يمرون بواحدة من أسوأ الازمات الاقتصادية التي عصفت في البلاد اذ تشير الارقام الى ان دخل الفرد قد تقلص بنسبة 68% في الأعوام الثمانية الماضية، وان أكثر من 40% من الأسر الايرانية الان تعيش تحت خط الفقر. وبحسب استطلاع اجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في جامعة ماريلاند، إن 63% من الإيرانيين يولومون الحال المعيشي المزري لسوء الإدارة والفساد لا للعقوبات.
منظمة حقوق الإنسان في إيران ترصد انتهاكات النظام بحق المدنيين
في ذلك السياق، أجرت أخبار الآن مقابلة خاصة مع رئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران محمود رضا أميري (Mahmmoud Riza Amiry) وذلك ضمن حلقة الأحد 9 أكتوبر من برنامج ستديو الآن. وقال رضا أميري في سياق الحديث عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام الإيراني بحق المتظاهرين والتي وثقتها المنظمة، “تمكَّنا تأكيد مقتل ما لا يقل عن 154 شخصاً على أيدي السلطات الإيرانية، 154 متظاهراً بحسب تقرير 6 أكتوبر، وكثير من هؤلاء كانوا مجرد فتيان وفتيات يتظاهرون بشكل سلمي وقد قُتل عدد كبير منهم ما بين 70 إلى 90 شخصاً في مدينة واحدة في زاهدان يوم الجمعة 30 سبتمبر وأعتقد أن هذا العدد الكبير للقتلى في يوم واحد ومدينة واحدة لم نر مثله من قبل”. وأضاف، “عندما يتعلق الأمر بعدد الاعتقالات، نعتقد أن الأرقام مرتفعة حقاً، وليس لدينا تقدير مناسب، قد أفادت السلطات الإيرانية أنه في الأيام الأولى تم اعتقال حوالي 1200 شخص ولكن كما تعلمون لا توجد شفافية في النظام الإيراني وبسبب القيود المفروضة على الإنترنت ليس لدينا تقدير ولكننا نعلم أنه تم اعتقال عدد كبير”.
رضا أميري تحدَّث عن كون النظام الإيراني اليوم ينتفض على الدستور الإيراني نفسه ويرتكب أبشع الجرائم بحق الإيرانيين، إذ قال في السياق، “يأتي الناس إلى الشوارع وهم غاضبون ويحتجون ويكون رد السلطات الإيرانية بإغلاق شبكات الإنترنت وإطلاق النار واستخدام العنف ضد المتظاهرين، وذلك كله غير قانوني وفقاً للقانون الدولي ولكن أيضاً وفقاً للدستور الإيراني في إيران إذ لسنا بحاجة إلى الحصول على إذن لعقد تظاهرة وفقاً للدستور، لكن هذا بالطبع لا يحدث أبداً”.
وأردف قائلا: “إنَّ استخدام العنف والعنف الواسع كما تفعل السلطات الإيرانية، وخاصة إطلاق النار على المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية، هذه جرائم دولية وما حدث في زاهدان حيث قُتل ما بين 70 إلى 90 شخصاً في يوم واحد بعد الاحتجاج يُعدّ من بين الجرائم ضد الإنسانية”.
رضا أميري تحدَّث عن ما هو أخطر من ارتكابات النظام والقوى الأمنية وهو متمثل بتصرفات الإعلام الرسمي الإيراني الذي يقوم بتحريف الوقائع بشكل كبير.
وقال رضا أميري في السياق، “هناك العديد من أفراد العائلات الذين تم تهديدهم لعدم دفن أحبائهم في مراسيم دفن، أخبرتهم السلطات بأننا نعطيكم الجثة إذا لم يكن لديكم أي مراسيم وإذا قمتم بالدفن بسرعة كبيرة، في بعض الحالات التي نشرتها حقوق الإنسان في إيران، تعرضت فتيات صغيرات للضرب والقتل وأجبرت السلطات الإيرانية عائلاتهن على الظهور على التلفاز والاعتراف بأن ابنتهن ليست جزءاً من الاحتجاج بل انتحرت، وليست السلطات فقط هي التي ترتكب جرائم ولكن أيضاً التلفزيون الإيراني الرسمي الذي يساعد الأمن في الإدلاء بما يسمى باعترافات كاذبة وتشويه الحقيقة، لذلك في بيان نشرته إيران يوم الجمعة 7 أكتوبر لحقوق الإنسان، طلبنا أيضاً من المجتمع الدولي تقديم دعوى قانونية ضد قيام التلفزيون الرسمي ببث اعترافات كاذبة بالقوة من قبل عائلات فقدت أحبائها”.
شابات وشبَّان إيرانيين يتحدَّثون لأخبار الآن عن غضبهم
في ذلك السياق، أجرت أخبار الآن مقابلات مع شبان وشابات إيرانيين من الداخل الإيرانيين للوقف عند مطالبهم وفهم غضبهم. وقد تم ذلك دون الإفصاح عن هويتهم عبر مشاركتهم في حلقة ستديو الآن مع تغطية وجوههم وذلك خوفا على سلامتهم. وقد قال أحدهم وهو شاب غادر البلاد وعاد وهو الآن نادما ” مع مرور الوقت، أشعر بخيبة أمل أكثر فأكثر، عدت لأعيش في بلدي وأتنفس هنا بعد أن سافرت في السابق، لكن لا أرى مستقبل لي هنا، نحن نحاول طمأنة أنفسنا بأن شيئًا ما قد يحدث، لا أعرف متى، لكن أجيالنا تعلمت التحلّي بالصبر. وحتى الآن الشباب هم أكثر همّة منّا، لمن نحتاج للتقدم أكثر، نحن نتقدم شيئاً فشيئاً وببطء وباستمرار”.
وأضاف، “لسوء الحظ، كان بإمكان النظام التعامل مع المشكلة بطريقة أكثر تسامحاً، كان يمكن للنظام أن يخفف من آلام الناس باعتذار مناسب في الأيام الأولى عندما وقع الحادث مع مهسا. لكن لسوء الحظ، فإن النظام يتصرف دائماً ببطش تجاه الناس، وذلك يضر، وهناك الكثير من الشباب الذين تعرضت حياتهم للخطر، لكن بأيّ حال، أعتقد أنّه يجب سماع أصوات الناس، وآمل أن يأتي شخص ما في مكان ما ويهتم به ويحترم الناس”.
من جهتها قالت طالبة إيرانية لـ أخبار الآن “هناك مقولة مفادها أنَّ الفرق بين الإنسان والحيوان هو حرية الاختيار، لكن لسوء الحظ، نحن نعيش بطريقة لا نتمتع فيها بالحرية في طريقة لبسنا، وطريقة حياتنا، والطريقة التي نتواصل بها اجتماعياً، أو حتى في الوظيفة التي نختارها”. واردفت بالقول “لا يمكن لنا أن نتحكّم أو نختار كيفية ارتداء الملابس أو مع مَن نتفاعل، لقد سُلبت منا حرية الاختيار تلك، ونحن نريد أن نكون قادرين على العيش في بلد حر، وأن تكون لدينا الحرية في خياراتنا، وأن نكون قادرين على الاختيار، وأن نعيش حياة آمنة وسلمية، فعندما يقوم أحد، من نفس الدم والوطن، بقمعنا ومضايقتنا بهذا الشكل ويجعل البيئة غير آمنة لنا، يصبح الأمر مقززاً، فبدلاً من أن يدعمنا ويقف معنا يؤذينا”.
وقد قالت شابة إيرانية أخرى منتفضة على واقعها “نريد ان نكون جميعا متساوين، أريد القضاء على الفقر، والظلم الذي نراه، اليأس الذي تراه في الشباب، القوانين المعادية للمرأة، أريد أن تتم معالجة كل ذلك لأنّني أعيش معهم. أرى الإضطهاد كل يوم، امرأة تحصل على الطلاق وتقاتل من أجل حضانة الأطفال، والأولاد في الشوارع… يمكن لأيّ شخص بلغ 18 عامًا أن يكون لديه الكثير من الحقوق في أجزاء أخرى من العالم لكننا نفتقر إليها هنا، خصوصاً بالنسبة للنساء. نريد أن نحصل على تلك الحرية وأن نصل أيضًا إلى العدالة الاجتماعية، ونريد أن نجعل البيئة أفضل للنساء”.
الانتفاضة عابرة للطوائف والمناطق
تأكيدا على كلام الشباب والشابات الإيرانيات، ختم رئيس منظمة حقوق الإنسان في إيران كلامه لأخبار الآن مع الإشارة إلى رمزية الاحتجاجات اليوم العابرة للطوائف والمناطق والانتماءات. فقد قال “جانب مهم جداً من هذه التظاهرات هي أنّّها موجودة في جميع المحافظات. لدينا 31 محافظة وشهدنا احتجاجات في 31 محافظة. ويُظهر الناس في كل منها نفس الغضب تجاه النظام. كما ذكرت، قم هي مدينة دينية للغاية حيث يتلقى معظم رجال الدين الشيعة تعليمهم من هناك، كانت هناك احتجاجات ضخمة في مشهد أيضًا، لا نرى أي فرق بين ما إذا كانوا من الفرس أو الأكراد أو البلوشيين أو العرب أو أتراك أذربيجان، أو الشيعة أو السنة. الاحتجاجات في كل مكان وأعتقد أن هذه الاحتجاجات تظهر أيضاً أن الناس في إيران أكثر اتحادًا مما يريد النظام الإيراني إظهاره لأنك تعرف في كثير من الأحيان أن النظام الإيراني يقول إن البلوش أو الأكراد هم انفصاليون وإنهم يريدون تقسيم إيران إلى جزأين، لكن يبدو أن الناس لا يكترثون بما يقولون إنهم يقولون بالإجماع أننا لا نريد هذا النظام، وكان الاحتجاجات قوية جداً في المدن الدينية الأقل تديناً، والأعراق المختلفة، وخلفيات دينية مختلفة. لقد رأينا أيضاً حتى مسيحيين إيرانيين يحتجون، والبهائيون يحتجون لذلك إنَّ الشعب موحد ضد النظام”.