“خير دليل على جرم طالبان”.. نيلوفار بايات تروي قصة هروبها من أفغانستان لأخبار الآن
- قائد منتخب أفغانستان لكرة السلة للكراسي المتحركة تغادر البلاد
- طالبان تسببت في إعاقتها منذ الصغر
- نيلوفار كانت تحلم بالمشاركة في البارالمبياد
- صاحبة الـ24 عاما توجه رسالة للمجتمع الدولي
- بطل الدوري الإسباني قدم لها عرضا للعب في صفوفه
قبل نحو 22 عاما كانت نيلوفار تجلس أمام بيتها، في العاصمة الأفغانية كابول، رفقة شقيقها الأكبر، قبل أن يباغتهما أحد صواريخ طالبان، مخلفا وراءه أثرا سيلازم الفتاة الأفغانية للأبد.
ستفقد نيلوفار شقيقها، فيما سيصاب والدها إصابة بالغة ستبقيه طويلا على سرير المرض، أما هي فلم يكن عام من العلاج كافيا لشفاء عمودها الفقري، لتغادر المستشفى مع إعاقة أبدية، وحاجز سيبقى بينها وبين الجماعة التي كانت تسيطر على مقاليد الحكم في ذاك التوقيت.
“لقد غيروا حياتي إلى الأبد، تسببوا في الألم وشيء سأحمله في حياتي على مدار عمري”؛ تتذكر بايات تلك اللحظة.
ستحاول الطفلة الصغيرة العودة إلى الحياة، من جديد؛ ستظن أن القدر يساعدها، حين تشهد على انهيار حكم طالبان، واختفاء راياتها من البلاد، وهو ما دشن مرحلة جديدة من حياتها، لتقرر ممارسة رياضة كرة السلة على الكراسي المتحركة.
نجاحات نيلوفار ستتواصل، على المستويين التعليمي والرياضي، بعد دراستها للقانون في الجامعة، فيما أصبحت الشابة الصغيرة ضمن فريق صغير، مثل نواة المنتخب الأفغاني لكرة السلة على الكراسي المتحركة للسيدات، قبل أن تصبح قائدة لهذا الفريق بالفعل.
مع استمرار النجاحات، ستتسع أحلام بايات أكثر، لتمني الشابة الصغيرة النفس، بالتواجد في دورة الألعاب البارالمبية مع فريقها الوليد، قبل أن تستيقظ صباح الخامس عشر من أغسطس/آب على كابوس، أعاد لها ذكريات الطفولة مجددا، بعد أن شاهدات عناصر طالبان يسيطرون على العاصمة ذاتها التي غادروها قبل 20 عاما.
كل الأحلام التي حملتها نيلوفار في حقيبتها على مدار 24 عاما، باتت مهددة، بعد أن وجدت الفتاة الحاصلة على شهادة القانون، نفسها أمام خطر الموت على يد طالبان، في ظل مساعي الجماعة للقضاء عليها وعلى رفاقها من الناشطين في مجال حقوق المرأة.
على حافة الموت
في الخامس عشر من أغسطس الماضي، أعلنت طالبان سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول، منهية حكم الرئيس أشرف غني، وهو ما كان يعني عودة الجماعة إلى السلطة مجددا، بأفكارها المتطرفة بشكل عام وفيما يتعلق بحقوق المرأة بشكل خاص، الأمر الذي دفاع مئات الآلاف من الشعب الأفغاني إلى التوجه إلى مطار كابول، أملا في مغادرة البلاد، بعد أن بات المستقبل مجهولا.
وبينما كانت رايات طالبان البيضاء تعتلي سيارات عناصر الجماعة، الذين جابوا ربوع أفغانستان، احتفالا بالاستيلاء على الحكم مجددا، كانت نيلوفار تبحث عن طريقة للخروج من البلاد، خشية القتل على يد طالبان.
وتقول صاحبة الـ24 عاما لأخبار الآن: ” في أفغانستان، كنت مشهورة بأنني ضد طالبان والناس كانت تعلم أنني كنت أتحدث عنهم بهذه الطريقة، وهو ما قد يتسبب في خطر على حياتي”.
تضيف بايات: “حينما رأيت كيف سيطر هؤلاء الأشخاص على كابول، أصبح من المستحيل بالنسبة لي البقاء، وفكرت في أنه يوما ما حينما يعرفون من أنا مع كل مقاطع الفيديو قد يقتلونني”.
الخروج من أفغانستان
حين فتحت نيلوفار نافذة منزلها، كان مقاتلو طالبان يتجولون أمام البيت، مدججين بالسلاح، وهو ما كان كافيا بالنسبة لها لتدرك اقتراب الخطر أكثر من أي وقت مضى، لتقرر طلب المساعدة من الصحفي الإسباني أنطونيو بامبليجا.
تقول بايات لأخبار الآن: ” قلت لصحفي في إسبانيا أرجوك ساعدني أرغب في الخروج، يجب أن أرحل في ظل وجود أشخاص مثلهم، متوحدي الفكر ولا أقبل أن يتحكموا في حياتي هذا ليس سهلا علي، وقال حسنا”.
سينشر بامليجا قصة بايات على تويتر، لتلقى صدى واسعا، على مواقع التواصل الاجتماعي، ليبلغ مدى الأمر إلى الحكومة الإسبانية، التي قررت وضع نيلوفار وزوجها على قوائم المغادرين من البلاد.
تتابع لاعبة كرة السلة الأفغانية: “أخبرت أنطونيو أنني يمكنني أن أرى عناصر طالبان أمام منزلي، وأنه لا يمكنني الاستمرار هنا، فأخبرني أنهم قد يعاقبون زوجي بسببي، بعد ذلك تحدث أنطونيو مع الحكومة ونشر أخبارا عني، وقررت الحكومة إخراجي في 3 أيام من أفغانستان”.
رحلة بايات إلى المطار لم تكن مفروشة بالورود، إذ تعرضت للضرب مع زوجها من قبل مسلحي طالبان، قبل أن تضطر للبقاء في المطار لأكثر من ثلاثة أيام متواصلة، دون طعام أو شراب، قبل أن يأتيها طوق النجاة باستقلال طائرة عسكرية إسبانية.
حياة جديدة
بعد أيام من سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، حطت طائرة إجلاء إسبانية في مطار مدريد، كانت نيلوفار وزوجها راميش نايك زاي، في مقدمة الأشخاص الذي أجلتهم الحكومة الإسبانية.
كانت بايات وزوجها من بين نحو ألف أفغاني قامت الحكومة الإسبانية بإجلائهم من كابول بعد سيطرة مسلحي طالبان على العاصمة.
انتقلت بايات وزوجها راميش، إلى مدينة بلباو حيث وجدا، ترحابا كبيرا من جانب السلطات المحلية في المدينة، بعد أن عرض عليها بطل الدوري الإسباني لكرة السلة على الكراسي المتحركة، فريق بيلباو بي سي ار، عرضا للعب ضمن صفوف فريق السيدات، على أن يكون زوجها بين عناصر الفريق الرجالي للعبة ذاتها.
تقول بايات لأخبار الآن: ” بالنسبة لي أنا محظوظة كوني هنا في إسبانيا مع زوجي، كلانا يمكنه اللعب هنا في فرق جيدة للغاية ولدينا كل شيء هنا للتطور”.
البارالمبياد.. الحلم والألم
كان اللعب باسم أفغانستان، في المحفل الأولمبي، هو الحلم الذي لطالما راود نيلوفار منذ طفولتها، وهو الحلم الذي سعت طويلا لتحقيقه.
توضح بايات: “في الحقيقة أكبر أحلامي كان المشاركة في البارالمبياد ورفع علم أفغانستان وليس العلم الأبيض لكن العلم الجميل الخاص بنا، وأتمنى أن أشارك مستقبلا”.
بعد أيام من وصول نيلوفار إلى بيلباو، كانت شاشات التلفاز، تنقل على الهواء مباشرة، الحدث الذي لطالما حلمت بالمشاركة به، إذ كانت الوفود من مختلف دول العالم، تشارك في افتتاح دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو.
ستشاهد بايات العلم الأفغاني، ولكن يمر عبر طابور العرض، ولكن من يحمل العلم لم يكن أفغانيا كما ينبغي أن يكون، إذ حمل علم بلادها، أحد متطوعي اللجنة التنظيمية للبطولة.
ورُفع علم أفغانستان في حفل افتتاح دورة الألعاب الباراليمبية في طوكيو، تكريماً لغياب اثنين من الرياضيين الأفغان الذين لم يتمكنا من السفر إلى اليابان بسبب استيلاء طالبان على السلطة، قبل أن يتمكنا من السفر في وقت لاحق.
عن تلك اللحظة تحكي نيلوفار: “كنت في إسبانيا وتابعت حفل الافتتاح، رأيت شخصا يابانيا يحمل علم أفغانستان ولا يوجد أحد من دولتنا، كان الأمر حزينا حقا، لأنه كان هناك العديد من الأشخاص يعملون بقوة ويحاولون أن يشاركوا في الأولمبياد والبارالمبياد لرفع علم أفغانستان”.
وتضيف: “كنت أبكي أيضا لأنني عملت بقوة وكنت أرغب في المشاركة لكن هذا لم يحدث، منحت كل ما لدي، حتى أملي، كان أكبر أمل لدي، لكن الآن أتابعها من إسبانيا ولا أحد من أفغانستان هناك، وكأن أفغانستان ليست موجودة، حينما ترى كم الفخر لدى الدول الأخرى وسعادتهم وكيف يتابعون كل شيء، هذا الأمر يحزنني”.
حلم ورسالة إلى المجتمع الدولي
لم تختلف حياة عن الكثيرين من قريناتها في مختلف أنحاء العالم، فهي صاحبة شهادة جامعية، تمارس الرياضة، تحلم بتمثيل بلدها في بطولات عالمية، ولكن كل ذلك تبخر فجأة مع صعود طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان، لتصبح مجرد الحياة الاعتيادية التي تعيشها الفتيات عادة هي حلم بعيد المنال لنيلوفار وجيلها من الفتيات الأفغانيات”.
تتحدث بايات عن أحلامها قائلة: “سأحب رؤية عودة أفغانستان.. حتى للعام الماضي.. أحب رؤية أفغانستان في سلام، الناس سعداء ولديهم حياة طبيعية.
وتكمل: “أحب رؤية عائلتي وأقاربي وأصدقائي في أفغانستان، وأرغب في مقابلتهم وأكون سعيدة معهم، سأحب رؤية أفغانستان دولة متطورة مثل إسبانيا والدول الأخرى، أن يكون الناس في سلام وأمان”.
وتمنت بايات النفس بالوصول إلى أحلامها فتقول: “لا أعلم إذا ما كان سيحدث، سأصلي من أجل حدوث ذلك، هذه أكبر أمنياتي أن تكون لدي حياة أفضل في أفغانستان بدون طالبان”.
ورغم ذلك، تدرك صاحبة الـ24 عاما مدى صعوبة تحقيق أحلامها، يقينا منها بأن طالبان تبقى طالبان.
“المستقبل معروف للجميع، الآن الحكومة لا يوجد بهاء نساء وأخبروا النساء أن يبقين في المنزل، ونحن سنخبركم هل ستذهبن إلى العمل أم لا”، تقول نوليفار.
وتضيف بايات: أختي كانت تعمل والآن هي في المنزل فقط ولا شيء، لا يمكنها الذهاب إلى المقهى، أو مطعم، أو مقابلة أصدقائها، أو التمشي مع الفتيات، لم يعد هناك مطربين نشطين في أفغانستان، لأنهم يعلمون أنه لا مستقبل لهم”.
أما عن فريقها لكرة السلة، فيبدو أن زميلاتها قد أجبرن على الاعتزال المبكر، بعد أن “أخبرهم الاتحاد بالبقاء في المنزل، لحين رؤية ماذا ستفعل طالبان”.
تدرك الفتاة الأفغانية أن خروجها من البلاد، لا يعني انتهاء الأزمة، في ظل بقاء صديقاتها وأهلها هناك، فضلا عن الملايين من المواطنين الأفغان الذين باتوا في خطر محدق بسبب سيطرة طالبان على مقاليد السلطة.
وتدعو نيلوفار دول العالم إلى التدخل “حتى لا تتدمر البلاد وتتوقف الحرب”، مشيرة إلى أن “باكستان تسعى للقضاء على أفغانستان”.
وتقول بايات: “أرجوكم ساعدوا أفغانستان وساعدونا على تحقيق أمنياتنا، نحن جزء من هذا العالم ونستحق حياة أفضل، نرغب في أن نكون في سلام، ونريد من الدول الأخرى مساعدة أفغانستان”.
رسالة إلى طالبان
تؤمن قائدة المنتخب الأفغاني لكرة السلة لذوي الهمم، أنه لا أمل يرجى من حكم طالبان، مشيرة إلى أن طريقة الجماعة في الحكم لن تستمر طويلا.
وتوجه نوليفار رسالتها إلى الجماعة بالقول: “هذه ليست الطريقة التي تديرون بها دولة، إخفاء النساء وتكوين حكومة من الرجال فقط، هذه ليست طريقة، ولا يمكنكم الاستمرار”.
وتشدد بايات على أن عناصر طالبان “بحاجة لتغيير عقليتهم والتطور والمعرفة بشأن الإنسانيات والعمل على تضمين الجميع”.
وتضيف: “لا يمكنكم التحكم في الدولة بهذه الطريقة، تقولون للنساء إنهم ليسوا شيئا”.
وتختتم الفتاة الأفغانية بالقول: “آمل أن تضغط الدول الأخرى على طالبان، لكيلا تستمر هكذا، ليس من السهل أن يقاتل أحد طالبان، لأنهم لديهم كل شيء، شعب أفغانستان وحده ليس لديهم أي دعم، لكن طالبان تحظى بدعم باكستان ودول أخرى حول أفغانستان، من جيراننا”.