انهيار داخلي وتصعيد خارجي.. هل آن أوان إسقاط الحوثيين؟
في صباح يوم الأحد 23 مارس الجاري، نصب مسلحين قبليين كمين لأحد القيادات العسكرية التابعة لجماعة الحوثي في محافظة الجوف وسط شمال اليمن، ادى ذلك الكمين إلى مقتل القيادي أحمد جابر الرزامي وعدد من مرافقيه، حيث تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي تصاعدًا ملحوظًا في السخط الشعبي، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، و يتزامن هذا الاستياء مع حملة عسكرية أمريكية مكثفة تستهدف مواقع الحوثيين شمال اليمن، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه العمليات على الوضع الداخلي للجماعة ومستقبل البلاد.
منذ أن بدأت جماعة الحوثي في مطلع نوفمبر 2023 باستهداف خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي، أنشأت الولايات المتحدة تحالف (حارس الازدهار) بمشاركة 11 دولة بهدف حماية الملاحة البحرية، وكذلك أنشأ الاتحاد الأوروبي مهمة (اسبيدس)، إلا أن هذه المهام والتحالفات لم تنجح في الهدف الرئيسي، بالرغم من شن اكثر من 200 غارة جوية أميركية وبريطانية خلال عام كامل، دون أي تأثير يذكر على القدرات العسكرية للحوثيين او قيادتها، فقد استمرت الهجمات على السفن في البحر الأحمر حتى تم توقيع اتفاق هدنة بين اسرائيل وحماس في في 15 من يناير الماضي.
ومع وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض صنفت الادارة الامريكية الجديدة المتمردين الحوثيين كمنظمة ارهابية خارجية، وفي 15 مارس 2025، كثفت الولايات المتحدة هجماتها ضد الحوثيين، وقد أعلن الرئيس ترامب عن ضربات “كبيرة وحاسمة” استهدفت عشرات المواقع في مناطق سيطرة الجماعة، نفذتها القوات الأمريكية، باستخدام طائرات مقاتلة من حاملة الطائرات “هاري إس ترومان” في البحر الأحمر، على مواقع في صنعاء وصعدة وحجة، استهدفت رادارات ومخازن أسلحة ومنصات إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة، بهدف شل قدرات الحوثيين على تهديد الملاحة.
اليمن إلى أين؟!
على الأرض، تظل الصورة قاتمة، بعد 10 أعوام من الحرب المستمرة منذ انقلاب جماعة الحوثي على الشرعية الدستورية واندلاع الحرب في 26 مارس 2015، ولا يوجد أي بوادر انفراج للأزمة اليمنية، في ظل انقسام حاد في آراء الشارع اليمني، إلا أن اليمنيين جميعًا يتفقوا على إنهاء الحرب والصراع المسلح بإستثناء جماعة الحوثي التي تحشد وتستعد لحرب طويلة بحسب المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين.
ففي مناطق الحوثيين يعاني المواطنين من ارتفاع الأسعار، في ظل توقف شبه تام للحياة والحركة التجارة، بسبب توقف الدخل للمواطنين، وانقطاع مرتبات الموظفين الحكوميين منذ 8 سنوات، وكذلك تعليق توزيع المساعدات الإنسانية بسبب الإنتهاكات التي قامت بها جماعة الحوثي تجاه المنظمات الإغاثية، ذلك بعد إعتقال موظفي المنظمات الدولية ونهب مخازن المساعدات في شمال البلاد، بينما يتراجع يومًا بعد اخر الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا، جراء النزول المستمر في سعر الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
وبالرغم من ذلك فأن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تظهر متهالكة، وذلك بسبب الانقسامات الداخلية بين مكونات الحكومة، في ظل تردي الوضع الإقتصادي بسبب الفساد المستشري بين مفاصل الدولة اليمنية، وهو ما يجعل اليمنيين وكذلك المجتمع الدولي فاقد الثقة بالحكومة اليمنية، خصوصًا في مواجهة جماعة الحوثي، ومعالجة الملفات الاقتصادية والإنسانية.
هل ستعود المواجهات؟
تعمل الدبلوماسية اليمنية على تحشيد الدعم الدولي لمواجهة جماعة الحوثي، وذلك من خلال العقوبات الاقتصادية، إلا أن وزير الدفاع اليمني محمد محسن الداعري أكد أثناء لقاء السفيرة الفرنسية لدى اليمن أن الخيار العسكري مطروح على طاولة المفاوضات، مشيرًا إلى أن الحوثيين لا يعرفوا إلا لغة السلاح، وأنها ليست مستعدة للسلام.
وفي تصريح لـ أخبار الآن يقول الفريق الركن صغير بن عزيز – رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش اليمني أن الجيش الوطني وكافة التشكيلات العسكرية الشرعية على استعداد لخوض معركة حاسمة ضد جماعة الحوثي، ولكن الحكومة اليمنية تحترم الجهود المبذولة لأجل سلام عادل، مضيفًا “تحقيق الاستقرار في اليمن مرهون بدعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة بما يمكنها من أداء مهامها في استعادة مؤسسات الدولة وتأمين حركة الملاحة البحرية وبسط سيطرتها على كافة التراب الوطني”.
تأتي هذه التصريحات بعد الضغط الشعبي، حيث انطلقت حملات الكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب الحكومة والجيش اليمني لإستعادة الدولة من خلال القوة العسكرية واستغلال حالة التخبط التي تعيشها جماعة الحوثي جراء الضربات الأمريكية، بعد انسداد الأفق أمام مسار المفاوضات والوساطات التي تهدف إلى حل سياسي للازمة اليمنية، حيث أطلق اليمنيين حملة إلكترونية تحت هاشتاغ (#اسقاط_الحوثي_واجب_وطني #الحسم_العسكري_هو_الحل).
يشهد الشارع اليمني غليان شعبي كبير، وذلك بسبب تردي الحياة المعيشية لليمنيين خلال السنوات الأخير، ويزداد السخط الشعبي ضد الحوثيين، وذلك بسبب استدعاء الحروب والصراعات إلى البلاد، يعبر عامر أحمد (اسم مستعار) عن استيائه من الوضع الذي وصلت إليه البلاد بسبب الحرب المستمرة والذي تحدث مع لـ أخبار الآن قائلاً “الحوثيين كل يوم يبحثوا عن حروب جديدة في لا مبالاة بمعاناة الشعب الذي تساوت لديه الحياة والموت، فالحروب بالنسبة للحوثيين هي ترسيخ لبقائهم، حتى لو كانت الضريبة هو فناء كل الشعب”.
بحسب علي الذهب – الخبير العسكري والاستراتيجي، فإن تجدد الاشتباكات في اليمن بين الحوثيين والقوات الحكومية من المرجح أن تعود وبقوة، خصوصًا بعد التعنت الحوثي في إفشال المفاوضات السياسية، وكذلك بسبب الضربات الامريكية الجديدة، “هناك سيناريوهين، إما أن تندلع الحرب بين القوات الحكومية بدعم امريكي ودولي، وهذا قد يستفيد منه الحوثي في التحشيد كون البلاد تتعرض لغزو أجنبي، أو أن تقوم جماعة الحوثي بنفسها في فتح المعارك وذلك للضغط على القوى الاقليمية للضغط بدورها على الولايات المتحدة في إيقاف هجماتها”.
أمن الملاحة أولوية أمريكية
بحسب علي الذهب – الخبير العسكري والاستراتيجي، فإن الولايات المتحدة الامريكية ليس في أولوياتها القضاء على الحوثيين او اضعافهم عسكريا، أو حتى دعم الحكومة اليمنية في استعادة الدولة، وإنما ايقاف استهداف الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، وقد نجحت إلى حد كبير بذلك الهدف، حيث لم تستهدف اي من السفن في البحر الأحمر منذ انتهاء الهدنة في غزة حتى الآن.
ويرجع ذلك إلى أن الولايات المتحدة تفتقد للمعلومات الاستراتيجية عن الحوثيين الذين يتبعون أسلوب حرب العصابات، حيث أن ما تعلن عنه الولايات المتحدة عن استهداف قواعد ومعسكرات للحوثيين، هي دون أي قيمة فالحوثيين ليسوا جيش منظم، والمعسكرات ومنصات إطلاق الصواريخ هي مواقع فارغة تم قصفها مسبقًا خلال الحرب السابقة التي قادها التحالف العربي خلال الفترة ٢٠١٥ – ٢٠٢٢.
وبالرغم من ذلك، فقد كان الحوثيون يخشون أن تتحرك المعارك البرية المتجمدة منذ أبريل ٢٠٢٢، وأن تدعم الولايات المتحدة القوات العسكرية المعادية للحوثيين داخل اليمن، إلا أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي Bete Higseth لقناة فوكس نيوز، أعاد للجماعة توازنها وطمأنها، وذلك عندما قال ان الولايات المتحدة لا تهتم للحرب الأهلية في اليمن، وإنما مهتمة بإيقاف استهداف الملاحة البحرية.
في ظل غياب مفاوضات سلام جدية حتى الآن، تبدو اليمن محاصرة بين خيارين، استمرار الصراع مع احتمال تصعيد عسكري، أو انفتاح نافذة للحوار إذا ما نجحت الضربات في كسر التفوق العسكري للحوثيين وإجبارهم على التراجع عن استهداف الملاحة البحرية والانخراط في محادثات سلام جادة.