جيمي كارتر الرئيس الأمريكي 39 توفي عن عمر 100 عام

وضع إعلان وفاة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر عن 100 عام نهاية حياة حافلة بالأحداث الكبرى والمساهمات التي لم تتوقف بعد خروجه من البيت الأبيض.

وكانت فترة رئاسة جيمي كارتر بين عامي 1976 – 1980 حافلة بالكثير من الأزمات الخارجية والداخلية التي ساهمت إلى حد كبير في عدم التجديد له لولاية ثانية. كما ارتبط اسمه بعد مغادرته البيت الأبيض بمساعي السلام الحثيثة التي بذلها، من الشرق الأوسط إلى أفريقيا ومن البوسنة الى التبت.

فمثلما كانت اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل من أبرز انجازات حكمه، شكل دوره بالتمهيد لعقد اتفاق سلام في البوسنة نقطة مهمة في مساره اللاحق عقب رحيله عن البيت الأبيض، فضلا عن مساعي السلام التي بذلها في كثير من بؤر التوتر في العالم.

كان جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة، بعد انتخابه عام 1976 على أساس برنامجه السياسي ونزاهته الشخصية، لكن ولايته الوحيدة في الرئاسة انتهت بنكسة دبلوماسية تمثلت بأزمة الرهائن في إيران.

عرّاب الاتفاق بين مصر وإسرائيل.. تعرف على تفاصيل من حياة جيمي كارتر

نشأته

وُلد كارتر عام 1924 في بلدة بلينز الريفية التابعة لولاية جورجيا، لأب مزارع وأم ممرضة انضمت في الثامنة والستين إلى فيلق السلام الأمريكي (الذي تأسس في عهد الرئيس جون كينيدي)، حيث أمضت سنتين من العمل في الهند.

تخرج في الكلية البحرية في أنابوليس، وبعد ذلك خدم سبع سنوات ضابطاً في سلاح الغواصات. لكنه عاد إلى بلدته ليدير مزرعة العائلة بعد وفاة والده.

وانخرط في النشاط السياسي المحلي وبعد فترة وجيزة من العمل في مجلس شيوخ ولاية جورجيا، أصبح حاكماً للولاية عام 1970.

وساهمت تربيته كبطلٍ لكرة السلة في مدرسته الثانوية، وكمسيحي مؤمن، وابن مزارع، في تشكيل فلسفته السياسية.

في عام 1974، أطلق حملته للرئاسة، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تعاني من آثار فضيحة ووترغيت وسقوط الرئيس السابق ريتشارد نيكسون.

وقد اتخذ كارتر “تعزيز الثقة” شعاراً لحملته، وتعهد بعدم السماح بـ”الكذب أو تضليل الناخبين”. لكن التزامه النزاهة والصدق أدّى به إلى الوقوع في زلات سياسية في أكثر من مناسبة. ويرى بعض المقربين منه أنه، رغم أسلوبه السياسي المنفتح، تتسم شخصيته ببعض التعقيد.

لكنه في جوانب أخرى كان يُعتبر رئيساً غير تقليدي، يميل إلى ارتداء الجينز والجري في حدائق البيت الأبيض.

عرّاب الاتفاق بين مصر وإسرائيل.. تعرف على تفاصيل من حياة جيمي كارتر

وحتى في حفل تنصيبه، لم يكن تقليدياً حين سار مشياً على الأقدام يداً بيد مع زوجته من مبنى الكونغرس إلى البيت الأبيض، أو في مشاركاته في البرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية.

لكن زخم ذلك التجديد تلاشى تدريجياً، ربما بسبب ضيق الوقت. فقد كان رئيساً يرغب في التعامل شخصياً مع كل معضلة وطنية ودولية، ثم وجد نفسه في مواجهة مشاكل التضخم الاقتصادي والبطالة وأزمة الوقود، وفي خضم أزمتي إيران وأفغانستان.

وسرعان ما بدأت شعبيته لدى الجمهور الأمريكي تتراجع، إذ شهدت أول سنتين من ولايته انخفاضاً منتظماً في تأييد الناخبين له.

ووصلت المصاعب التي واجهها في إقناع الأمريكيين بقبول إجراءات صارمة للتعامل مع أزمة الطاقة.

لكن مبادرته لإحلال السلام في الشرق الأوسط يشار لها بالبنان، فقد عمل بصبر لجمع مصر وإسرائيل على طاولة واحدة. واعتُبر نصراً شخصياً له توقيع الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحيم بيجن، على اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.

وفي يونيو/حزيران عام 1979، توجه كارتر إلى العاصمة النمساوية، فيينا، لتوقيع اتفاقية سالت-2 للحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي السابق، مما مهد للقائه، للمرة الأولى، مع ليونيد بريجينيف، رئيس الاتحاد السوفيتي حينذاك.

لكن نجاح كارتر في الخارج لم يدم طويلاً، فقد أطيح بشاه إيران إثر قيام الثورة الإيرانية عام 1979، وتبع ذلك قضية احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية، وبعدها الغزو السوفييتي لأفغانستان، مما وضع إدارته أمام اختبارات صعبة.

وفي أبريل/نيسان 1980، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران. وأدى فشل محاولة إنقاذ رهائن أمريكيين احتُجزوا من داخل مقر سفارة بلدهم في طهران، إلى عاصفة من الانتقادات، تبعها استقالة وزير الخارجية، سايروس فانس.

عرّاب الاتفاق بين مصر وإسرائيل.. تعرف على تفاصيل من حياة جيمي كارتر

الرئيس الأمريكي جيمي كارتر والرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن

إطلاق سراح الرهائن

كانت الاستعدادات لأولمبياد موسكو في أوجها، لكن واشنطن قررت مقاطعته احتجاجاً على الغزو السوفيتي لأفغانستان، وساند عدد من الدول الأخرى قرار مقاطعة الألعاب، لكن ذلك لم يكن كافياً لإلغاء الأولمبياد.

وفي السباق الرئاسي عام 1980، فاز كارتر بترشيح الحزب الديمقراطي، لكنه خسر الانتخابات أمام المرشح الجمهوري، رونالد ريغان. وساهم احتجاز الرهائن في إيران والتضخم الاقتصادي في هزيمته.

وفي اليوم الأخير من رئاسته، أعلن كارتر نجاح مفاوضات إطلاق سراح الرهائن، لكن السلطات الإيرانية أجلت الإفراج عنهم إلى حين أداء ريغان اليمين الدستورية رئيساً.

وتوجه كارتر إلى ألمانيا لاستقبال الرهائن الذين نُقلوا إلى هناك، بوصفه مندوباً عن الرئيس الجديد.

ولعل من المؤشرات الدالة على فشله أن السياسي الذي دخل البيت الأبيض متمتعاً بدرجة كبيرة من الرضا الشعبي خرج منه ولم يتمكن من حصد تأييد سوى 6 ولايات بعد 4 سنوات.

رحلات سلام

وبعد مغادرته البيت الأبيض، قام كارتر برحلات سلام إلى الصين للتوسط مع بكين بشأن التبت، وكذلك إلى أفريقيا لحل النزاع بين إثيوبيا والفصائل الإريترية.

وقاد وفداً تولى مهمة إقناع زعماء هايتي بتسليم السلطة، وتوسط في وقف إطلاق النار في البوسنة، مما مهد الطريق للتوصل إلى اتفاق سلام في البوسنة فيما بعد.

وكانت زيارة لمنطقة الشرق الأوسط ضمن جولاته السلمية والاستطلاعية، كما زار السودان لبحث آفاق السلام هناك.

كما أصبح منتقداً قوياً لبعض السياسات الأمريكية، خصوصاً في حقبة الرئيس السابق جورج بوش الابن.

عرّاب الاتفاق بين مصر وإسرائيل.. تعرف على تفاصيل من حياة جيمي كارتر

جيمي كارتر خلال لقائ صحفي 1977 (رويترز)

داعية سلام

كان كارتر من دعاة الحد من حيازة السلاح، وإلغاء عقوبة الإعدام. كما كان من مناهضي إساءة معاملة معتقلي سجن غوانتانامو، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

ولم يتردد في انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ وصف في مقابلة له مع صحيفة “واشنطن بوست” عام 2018 ترامب بأنه “كارثة” و”جاهل”.

وعاش كارتر حياة متواضعة بعد خروجه من البيت الأبيض بعكس الرؤساء السابقين. وراكمت مزرعة الفستق السوداني التي كان يملكها قبل دخوله البيت الأبيض ديوناً وصلت إلى 1.5 مليون دولار خلال وجوده في البيت الأبيض.

ورفض كارتر أن يتلقى أي منفعة مادية خلال وجوده في الحكم، وقال: “لم أطمح يوماً بأن أكون غنياً”.

ورفض العديد من العروض لإلقاء كلمات مقابل مبالغ كبيرة أو تولي مناصب في شركات، وبدلاً من ذلك، عاش حياة متواضعة مع زوجته في ولاية جورجيا، مسقط رأسهما.

وفي عام 2018، احتفل مع زوجته روزالين بعيد زواجهما الثاني والسبعين. وهو الرئيس الوحيد الذي عاد إلى نفس البيت الذي كان يعيش فيه قبل أن يدخل مجال العمل السياسي.

وبعد خروجه من البيت الأبيض، عاد إلى منزله المتواضع الذي يضم غرفتي نوم فقط.

وقدرت صحيفة “واشنطن بوست” قيمة منزل كارتر بنحو 167 ألف دولار، وهو أقل من ثمن سيارات الأمن التي تقف أمام منزله لحمايته.