ثورة رقمية في لبنان: خطة وزارة التكنولوجيا لإحياء الاقتصاد بالخدمات الذكية
في ظل التحديات الاقتصادية والتقنية التي تواجه لبنان، تبرز الحاجة الملحّة إلى ثورة رقمية تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي والخدماتي في البلاد. في مقابلة خاصة مع أخبار الآن، كشف وزير التكنولوجيا اللبناني كمال شحادة عن رؤية طموحة للنهوض بالبنية التحتية الرقمية، مشيرًا إلى أن الأولوية تكمن في وضع سياسات واضحة تحفّز الاستثمارات وتواكب المعايير الدولية.
كما أكد أن حلّ مشكلة الإنترنت لا يزال ممكنًا، رغم العقبات، عبر تحرير القطاع وجذب الاستثمارات، مع خطط للتوسع في خدمات الألياف الضوئية والجيل الخامس. وفيما يخص الرقمنة الحكومية، تسعى الوزارة الجديدة إلى تحسين حياة المواطنين عبر تسهيل المعاملات الحكومية وتسريعها، مستفيدةً من تجارب ناجحة في دول أخرى.
لكن لماذا لا تزال خدمات الدفع الرقمي غائبة عن لبنان؟ الوزير يوضح أن العقبات تتجاوز الجانب التقني، حيث تتطلب حلولًا مالية وتنظيمية متكاملة. كما أشار إلى أن التكنولوجيا قادرة على إنعاش الاقتصاد عبر دعم الشركات الناشئة ومنع هجرة الكفاءات، مشددًا على ضرورة بناء تعاون قوي مع دول الخليج والدول المتقدمة رقميًا لتحقيق هذا الهدف.
الوزير شحادة لـ”أخبار الآن”: الأولوية لتحفيز الاستثمار وبناء تشريعات رقمية بمعايير عالمية
أوضح شحادة لـ “أخبار الآن” أنّ أولوية الحكومة اللبنانية هي تحفيز الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا عبر وضع سياسات واضحة وبناء تشريعات تحمي المعلومات وتتماشى مع المعايير الدولية قائلاً: “الأولوية هي وجود وضع سياسي واضح للدولة اللبنانية لتحفيز الاستثمارات في هذا القطاع وثانياً هي بناء القاعدة التشريعية، من قوانين وأنظمة، لتنظيم عمل الشركات والمؤسسات في هذا القطاع، وتحفيز الاستثمارات مع حماية خصوصية المعلومات، بحيث تكون التشريعات على مستوى تلك الموجودة في الدول الصديقة كالإمارات والسعودية وأوروبا، حيث لدينا تعاون تجاري وثقافي وتبادل خبرات عميقة معها.
وأشار أنّ الوزارة الجديدة للتقنية والذكاء الاصطناعي تسعى إلى تحسين حياة المواطنين عبر رقمنة الخدمات الحكومية، تسريع المعاملات، وتسهيل عمل الشركات من خلال شراكات مع وزارات مختلفة والقطاع الخاص. قال: “هذه أول وزارة تُنشأ في لبنان تُعنى بالتقنية والذكاء الاصطناعي. الهدف هو وضع خطة واضحة تشمل برامج تُطبق سريعًا وأخرى تحتاج وقتًا أطول، مع التركيز على تحسين أوضاع المواطنين، وتسهيل المعاملات بين الدولة والمواطن، وتقديم الخدمات بشكل أسرع وأفضل. كما نعمل على مشاريع مع وزارات مختلفة، مثل وزارة المالية ووزارة العدل، إلى جانب شراكات مع القطاع الخاص اللبناني والعربي والدولي لتعزيز التعاون والاستفادة من القدرات الموجودة”.
عدم توفر خدمات الدفع الرقمي في لبنان يعود إلى عقبات مصرفية وتنظيمية، وليس فقط لأسباب تقنية. وأوضح الوزير أن هذه العوائق تتعلق بالقطاع المصرفي، إذ أن الأمر لا يقتصر على الجانب التقني فقط، بل يتطلب معالجة على مستوى السياسات المالية والمصرفية. وأكد أن الوزارة تعمل على وضع استراتيجيات لكل قطاع، بحيث تحدد كل وزارة أولوياتها وبرمجة مشاريعها بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية ككل، مع التركيز على تطوير الخدمات الرقمية وتحسين وصول المواطنين إليها.
رقمنة المعاملات الحكومية لتسهيل حياة المواطنين
أما تبسيط المعاملات الحكومية باستخدام التكنولوجيا، فهو من الأولويات التي تسعى الوزارة إلى تحقيقها، لما له من أثر مباشر على تسريع الإجراءات الإدارية وتسهيل حياة المواطنين. وأشار الوزير إلى أن هذه الخطوة ستستفيد من التجارب الناجحة في دول أخرى، مثل الإمارات، لإثبات أن التقنية ليست حكرًا على فئة معينة، بل هي وسيلة لخدمة المواطنين، تسريع المعاملات، وتحسين الخدمات الحكومية.
وفيما يتعلق بالجدول الزمني لتنفيذ المشاريع، أوضح الوزير أن الأمر يعتمد على إنشاء الوزارة رسميًا، حيث يتم حاليًا تحضير مشروع قانون لهذا الهدف. وأضاف أن الخطوة الأولى تتمثل في تحويل الوزارة من مجرد مكتب لشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى وزارة قائمة بذاتها. وأكد أن مشروع القانون قيد الدراسة في مجلس الوزراء، على أن يُعرض لاحقًا على مجلس النواب لإقراره. وخلال هذه المرحلة، سيتم الاعتماد على مستشارين وشراكات مع القطاع الخاص لتنفيذ المشاريع، مع التركيز على تقديم الخدمات وتحسينها، مستفيدين من التطور التكنولوجي الذي أصبح أقل تكلفة وأسهل تنفيذًا.
دعم الاقتصاد وخلق فرص العمل في لبنان يعتمد على الاستثمار في الشركات الناشئة التقنية، بهدف الحد من هجرة المواهب اللبنانية وتوفير بيئة مناسبة لنموها داخل البلاد. وأوضح الوزير أن العديد من هذه الشركات بدأت في لبنان لكنها اضطرت إلى الانتقال للخارج بسبب نقص التمويل والبنية التحتية. لذلك، تسعى الوزارة إلى إبقائها في لبنان، من خلال توفير الدعم اللازم لجذب الاستثمارات وتوظيف الكفاءات المحلية. كما أكد أن تسهيل الإجراءات الإدارية عبر تقنيات حديثة، مثل التوقيع الإلكتروني، سيساهم في تقليص الفترات الزمنية الطويلة لإنجاز المعاملات، مما يعزز بيئة الأعمال الرقمية.
تحويل التحديات إلى فرص عبر التكنولوجيا الحديثة
أما على صعيد التعاون مع دول الخليج، فقد أشار الوزير إلى أن العمل الرسمي في هذا المجال لم يبدأ بعد، نظرًا لحداثة الوزارة، إلا أن هناك نية قوية لبناء شراكات استراتيجية تستفيد من الخبرات والتجارب الإقليمية، بهدف تعزيز التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي في لبنان. قال: “حتى الآن لم يتم تفعيل التعاون، لأن الوزارة لا تزال جديدة، لكن النية موجودة للبدء بهذا التعاون قريبًا. لدي علاقات مهنية مع دول الخليج بحكم عملي السابق، وأتمنى أن نبني شراكات مع الزملاء هناك للاستفادة من خبراتهم، بما يعود بالنفع على لبنان، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضًا اقتصاديًا، ثقافيًا، وخدماتيًا”.
وتابع: “النجاحات التي تحققت في الدول العربية، وخاصة في الإمارات العربية المتحدة، في هذا المجال، سواء من خلال استخدام التطبيقات الذكية أو عبر الذكاء الاصطناعي، تمثل نموذجًا يُحتذى به. طموحنا هو الاستفادة من هذه الخبرات والتقنيات إلى أقصى حد ممكن، والعمل على تطبيقها في لبنان”.
يذكر أنّ للمرة الأولى في لبنان، تُنشأ وزارة تحمل في تسميتها عنوان “الذكاء الاصطناعي”، علماً أنه سبق إنشاء وزارة تعنى بتكنولوجيا المعلومات بشكل عام، ما يُعدّ مؤشراً مهماً ويمثل مواكبة للتطوّر الرقمي على مستوى العالم عموماً، وفي العالم العربي خصوصاً، في ظل ما نشهده من تطور وريادة في هذا المجال في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين أصبحتا رائدتين في التكنولوجيا والحكومة الذكيّة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.