أفغانستان واليمن تعاني من الفكر الجهادي

أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ١٣ إلى ٢٥ مارس ٢٠٢٥. الموافق ٢٥ رمضان ١٤٤٦ هجرية. إلى العناوين:

  • من الشام إلى أفغانستان مروراً باليمن، ما جدوى المشاريع الجهادية؟
  • أبو قتادة ”يُخرّج“ فقهياً لحكام سوريا الجدد
  • تناقض القول والفعل في سلوك قاعدة اليمن تجاه الحوثيين
  • وشباب الصومالية القاعدية تقترب أكثر من مقديشو. هل دقّت ساعة الصفر؟
  • اختراق أمني يؤدي إلى اغتيال الرجل الثاني في داعش، أبي خديجة العراقي

وضيف الأسبوع، محمد بن فيصل. الباحث والصحفي اليمني المتخصص في الجماعات الإسلامية الراديكالية.

جواز ”التقية“ لحكام دمشق

الإعلان الدستوري في سوريا منتصف مارس لم يجد استحساناً من طيف واسع من السوريين لاعتبارات تتعلق بمفاهيم تراوح بين الوطنية والمواطنة وصلاحيات الرئيس. ومن نافلة القول إن الدستور لم يجد استحساناً من الإسلاميين والجهاديين، لأسباب أهمها أنه بعرفهم قانون ”وضعي“ وبالتالي اتباعه مخالفة شرعية صريحة. وفي تفصيل أدق، الدستور السوري اعتبر الشريعة ”مصدراً رئيساً“ لقوانين الدولة وليس ”وحيداً.“

المرصد ٢٨٥| من الشام إلى أفغانستان مروراً باليمن، ما جدوى المشاريع الجهادية؟

يلفت في هذه المواقف ما جاء في حساب أحد أقطاب الجهادية السلفية، أبي قتادة الفلسطيني، الذي ظل من أكثر المتحمسين لهيئة تحرير الشام، الرحم التي أنجبت حكام سوريا الجدد؛ بل إن تأييده الجماعة في فك ارتباطها مع القاعدة كان سبب القطيعة بينه والقطب الجهادي الآخر أبي محمد المقدسي.

اللافت أن أبا قتادة خلال يومين بدأ بإقرار حكم الردة على من يعتقد بهذا الدستور؛ وانتهى إلى تخريجات فقهية يُفهم منها قبول الدستور على علّاته من قبيل ”التقية“ التي قد يلتجئ إليها الحاكم في الضرورة.

في ١٥ مارس، قال أبو قتادة في حساب على التلغرام، القول الحسن، إن ”القليل من التشريع“ المخالف للشريعة ككثيره. وعليه يقع على الحالين ”نفس الحكم وهو الخروج من الدين والردة.“ يقول ”الأمر جد خطير، وله تعلق بذهاب الدين كله.“

لكن في منشورين لاحقين بتاريخ ١٧ مارس، يتحدث أبو قتادة عن مجوّزات مخالفة الشريعة؛ من دون أن يذكر لفظ ”الدستور.“

فيقول إن المرء ”المسلم“ يظل محكوماً بالشريعة سواء ”في حال وجود المانع“ أو في حال ”عدم وجود القدرة؛“ ومن ذلك ”المُكره.“ فحكم الشريعة أن للمُكره ”الرخصة أن يقول كلمة الكفر مع اطمئنان قلبه.“ وهنا يجيز أبو قتادة ”التقية الشرعية“ في حال وجود الإكراه.

يُلحق ذلك بسؤال ”هل يجوز التقية للسلطان؟“ وينتهي الجواب إلى الإيجاب. يقول: ”فيجوز للإمام الدخول في التقية عند … الخوف من إيقاع فعل لا يجوز إيقاعه: كالتظاهر بكلمة الكفر وشرب الخمر أو ترك ما لا يجوز تركه مثل ترك الصلوات المفروضات وصوم رمضان والحج ونحو ذلك فهذا يجوز الدخول فيه عند الخوف وإيقاع المكروه.“

التعليق الأوضح على الدستور جاء من تلميذه، أبي محمود الفلسطيني، وذلك في سلسلة صوتيات على التلغرام بتاريخ ١٤ مارس. خلاصة ما يقوله أبو محمود هو أنه ”لا يبرر“ الإعلان الدستوري، بل ”يخالف فيه“ وينتقده ”ضمن السياق العلمي والنصيحة والحب.“ وعليه، تكمن المشكلة عنده في الذين ينتقدون ”ليكفروا الحكومة في دمشق.“ لكن في المطلق، يشرح أبو محمود أن ليس عدلاً التعامل مع الحكومة في دمشق ”كجماعة“ أي هيئة تحرير الشام، وإنما يجب التعامل معها كدولة ”تتعرض لضغوطات،“ وبالتالي يُفهم من كلامه أن صيغة دستور الشرع يمكن تبريرها على أساس الإكراه.

يدلل أبو محمود على ذلك بكيفية التعامل مع طالبان كجماعة قبل تمكنهم من أفغانستان وكدولة بعد تمكنهم؛ وحتى تعامل تنظيم القاعدة نفسه عندما ”استحكم في المكلا“ في اليمن في ٢٠١٥. فيرى أن التنظيم في المكلا تعامل ”بعقلية الدولة“ عندما – مثلاً – ثبّت في المواقع الإدارية الموظفين السابقين.

وسط فوضى الفتاوى هذه، نسأل: كيف تختلف هذه التخريجات الفقهية عمّا فعله داعش مثلاً؟ وبالتالي، ماذا تفعل التنظيمات الجهادية في العالم من مالي إلى أفغانستان؟ وأي إنجاز تحقق؟ وإذا كان الجهاديون والإسلاميون عموماً يتمسحون بما أنجزته طالبان وهيئة تحرير الشام – مع فارق نسبة التأييد-، فيجب أن يتذكر هؤلاء أن الأمر تحقق حصراً بخروج الجماعتين من دائرة الفقه الجهادي إلى ”فن الممكن.“

”التقية“ في قاعدة اليمن

نشرت مؤسسة الملاحم الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في اليمن بياناً ”يستنكر“ الغارات الأمريكية على مواقع الحوثيين باعتبار أن ذلك تسبب في قتل نساء وأطفال.

المهم هنا هو أن لغة المقال كانت واضحة وحادة تجاه كل من أمريكا وإيران، راعية الحوثيين. إلّا أن هذا القول على الورق يخالف تماماً الفعل على الأرض؛ حتى يخيل للقارئ أن من كتب هو غير من يوثق نشاط التنظيم في اليمن.

البيان يعتبر أن الصراع بين إيران وأذرعها من جهة وأمريكا من جهة أخرى حرب ”لا تعني“ التنظيم بأي حال وإنما هي ”حرب مصالح“ بين الطرفين ”مهما عُنونت بعناوين براقة ومسميات عربية وإسلامية، ومهما اكتست برداء الدفاع عن القضية الفلسطينية.“

بل يعتبر البيان أن القصف الأمريكي لم يكن محاولة للقضاء على الحوثي وإنما خطة ”لتمكين“ إيران في المنطقة ”وإعطائهم صبغة المستحق لحكم اليمن والمدافع الأول عنها ضد الغزاة المعتدين؛ تماماً كما حصل في العراق من القضاء على أهل السنة.“

ثم ينتقل البيان لوصف مختصر ولكن بليغ لممارسات الحوثيين ضد اليمنيين من قبيل شنّ الحرب ”على أهل السنة في مأرب وتعز،“ وتفجير ”دور القرآن والمدارس والمساجد، ويقصفون بيوت الآمنين في تعز ورداع والبيضاء ومأرب وغيرها من المناطق؛ فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ.“

نقرأ هذا الكلام ونستغرب حقيقة من سلوك التنظيم في اليمن. فلماذا إذاً جمّد التنظيم هجماته ضد الحوثيين منذ سبتمبر ٢٠٢٢؛ وحيّد خطوط التماس معهم وتحوّل بدل ذلك إلى مقارعة القوات اليمنية المدعومة عربياً؟ هذا التناقض يجعل منطقياً ربط هذا السلوك بوجود قيادة تنظيم القاعدة في طهران ممثلة بسيف العدل. فالمهم هو الفعل؛ أما القول ”فليس عليه رباط.“

المرصد ٢٨٥| من الشام إلى أفغانستان مروراً باليمن، ما جدوى المشاريع الجهادية؟

الصومال وساعة الصفر

منذ مطلع العام، ركزت جماعة شباب الصومالية هجماتها في محيط العاصمة مقديشو حتى باتت على بعد أقل من ٣٠ كيلومتراً. تصاعدت هذه الهجمات منذ بداية رمضان، بحيث سيطرت الجماعة الموالية للقاعدة على مدن وبلدات في ولايتي شبيلي الوسطى والسفلى حتى حاصرت العاصمة فيما وصفه البعض ”بأزمة وجودية“ تواجه البلد. فيكفي أن نعلم أن الجماعة تسير دوريات في المناطق التي تدخلها كالدرويات على الطريق الواصل بين مقديشو وأفجويي غرباً والذي يمتد ٢٦ كيلومتراً فقط.

ومن ذلك أيضاً أن بثت مؤسسة الكتائب إحدى أذرع الجماعة الإعلامية ”لقطات حيّة“ لهجماتهم ضد القوات الحكومية. فهل تسيطر الجماعة على العاصمة، وبالتالي على الصومال؟

من ناحية، يقول خبراء وعارفون إن الوضع خطير يستدعي تدخلاً دولياً. حساب سيركا نيوز على إكس قال إن ” الإرهاب (بات) على أعتاب مقديشو؛“ متسائلاً ”متى يصل القتال إلى العاصمة؟ الوقت يمرّ بسرعة.“

لكن آخرين يرون أن هذه الهجمات ”غير مفاجئة“ بالنظر إلى دخول شهر رمضان. ليام كار من critical threats قال إن هجمات الجماعة وإن تميّزت بجرأتها إلا أنها وقعت في مناطق اعتادوا مهاجمتها. تتضح الصورة عند الباحث كيليب وايس الذين يقول إن جماعة شباب وإن أقاموا الحواجز على الطرق إلى مقديشو ”إلا أنه ليس ثمة ما يشير إلى هجوم واسع للسيطرة على مقديشو.“

حساب آخر على إكس متخصص بالصراع في الصومال يخلص إلى أن ”هدفهم (الجماعة) الرئيس هو الحفاظ على حالة الكرّ والفر بدلاً من التجمع في تشكيلات كبيرة لمهاجمة مقديشو. هذا أمر خطير ولكن يجب ألّا يُفهم خطأً أنه هجوم منسق.“

قتل الرجل الثاني في داعش

في ١٥ مارس، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) تحييد الرجل الثاني في داعش – أبي خديجة العراقي.

في ١٣ مارس، بالتعاون مع القوات العراقية، نفذت السنتكوم غارة في الأنبار غرب العراق ما أسفر عن قتل أبي خديجة عبدالله مكي مصلح الرفاعي. أبو خديجة كان قائد العمليات الخارجية في التنتظيم وأمير اللجنة المفوضة التي حلّ محلها مكتب الإدارة العامة للولايات.

حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي، المتخصص في كشف خبايا التنظيم، علّق أن مقتل الرجل في هذا الوقت تحديداً يثير تساؤلات حول ”الدائرة الأمنية الصغيرة“ التي أحاطت به؛ خاصة أن قتله ”اقترن باعتقال زوجته -أم حسين- التي كانت تقطن في كردستان العراق.“ ويتساءل الحساب إن كان الوصول إليه ممكناً من خلال أقرب المقربين إليه؛ الأمر الذي يضيئ مرة أخرى على مسألة الجاسوسية والاختراقات الأمنية داخل التنظيم.

في مسألة أخرى، يتساءل الحساب عمّا إذا كان أمير التنظيم  سيعين خلفاً لأبي خديجة. وهنا يطرح الحساب سيناريو أن الخليفة – الذي يعتقد الحساب أنه الصومالي عبدالقادر مؤمن – قد ينتهز الفرصة ”لإفراغ ولايات العراق والشام المختَرَقتين من مناصب الصف الأول بالكامل ( منصب أمير اللجنة المفوضة ومنصب أمير الإدارة العامة للولايات) وتوزيعها بين مكتبي الفرقان (غرب إفريقية) تحت إمرة أبي بلال المينوكي ومكتب الصديق (خراسان) تحت إمرة تميم الكردي ونائبه شهاب المهاجر؟“

الحساب لفت أيضاً إلى مقال في عدد صحيفة النبأ الصادرة عن الديوان المركزي بتاريخ ٢٠ مارس. في المقال المعنون ”لا تلتفت إلى الوراء،“ يتحدث الكاتب عن الابتلاء والامتحان وكيف أن ”المجاهد“ يطلب القتل كما يطلب النصر.

يعلق حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي أن ”وصلت الوقاحة والجرأة المنفلتة أن يجزم كاتب المقالة أن ما أصاب أمراء التنظيم من قتل ومطاردة وجرح يضارع ما أصاب الرسل والنبيئين في طريقهم لإتمام رسالاتهم وتكليفاتهم الربانية … فمتى تساوى الرسل والأنبياء بالمنافقين والمجرمين وقطاع الطرق؟“