نهاية مُزارع على يد جماعة الشباب
قبل سنوات ليست بالبعيدة، كان يعقوب علي رجلاً يملأه الكبرياء بأرضه الممتدة في بورغابو، في قلب منطقة جوبا السفلى في الصومال. لم يكن مزارعًا فقط، بل مولعا بالتربة حريصا على خصوبتها. كانت يده تزرع بذور الذرة والموز، وتسقيها من نبع عرقه، فتنبت حياة تُؤمن له ولأسرته كرامة العيش.
كانت الأرض كريمة معه، وكان هو متفان في خدمتها. لم يكن يرى في كل ذلك سوى واجب مقدس: أن يمنح أرضه الحب فتمنحه الثمر. موسم الحصاد كان عيدًا له، تقام فيه طقوس الفرح من المزرعة إلى سوق كيسمايو البعيد مئات الكيلومترات، حيث يعود بالرزق الذي يضمن لأسرته حياة بلا منغصات.
لكن واقع حاله انقلب وأرضه سُلبت منه. تغيرت الرياح، واختفت ظلال الأشجار التي كانت تحمي الأرض من لهب الشمس. تجارة الفحم، التي تجتاح المنطقة كالطاعون، التهمت الغابات، وتركت الأرض جرداء.. يقف اليوم يعقوب على حافة مزرعته كمن يقف على أطلال ماضٍ لم يبق منه سوى الذكريات. يقول بصوت يحمل مرارة السنين: “كانت هذه الأرض تعطيني أكثر مما أطلب. اليوم، لا تعطي إلا الحسرة.”
لا يمكنه أن يواجه جبروت الجماعة (الشباب) التي تدير تجارة الفحم. الجماعة أقوى من القانون وأشد فتكًا من الطبيعة. يرى الشاحنات تحمل الأشجار المقطوعة دون أن يملك الجرأة أو القدرة على الاعتراض. كل شجرة تُقطع كأنها ضربة أخرى تسقط على جسده، وكل شاحنة تعبر كأنها جرس يعلن نهاية ما تبقى من حياته القديمة.
تشهد منطقة جوبالاند على غرار مناطق شاسعة من الصومال تراجعًا حادًا في مساحة الغابات، مما يزيد من تفاقم البيئة القاحلة في المنطقة. تتمثل المشكلة الأكبر في تورط حركة الشباب في هذه الظاهرة، حيث أدى دورها في تسهيل إنتاج الفحم غير القانوني إلى تفاقم الوضع. لا السكان المحليون ولا الأجهزة الأمنية قادرون على وقف هذا النشاط غير المشروع، الذي يُعتبر العامل الرئيسي لتسارع اختفاء الغابات.
جوبالاند بين 2009 و 2020
وفقًا لبيانات البنك الدولي، انخفضت نسبة الغابات كجزء من إجمالي مساحة الأراضي في الصومال إلى 9.3% في عام 2022، بعد أن كانت 13.2%. تعكس هذه النسبة تراجعًا مقارنة بالمعدل العالمي لنفس العام، الذي بلغ 31.1%. يفاقم هذا الانحسار المتسارع في الغابات مشكلات بيئية لا حصر لها مثل تآكل التربة، فقدان التنوع البيولوجي، وزيادة مخاطر التصحر داخل مجتمع صومالي يعتبر زراعيا بالأساس.
في عام 2012، فرضت الأمم المتحدة حظرًا على تصدير الفحم الصومالي بهدف تجفيف مصادر تمويل حركة الشباب، التي تفرض رسومًا على كل ما يتم إنتاجه في مناطق سيطرتها داخل الصومال. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تم إنتاج حوالي 3.6 مليون كيس من الفحم في عام 2017 بغرض التصدير، ما أتاح لحركة الشباب تحقيق إيرادات تصل إلى 7.5 مليون دولار، حيث تفرض الحركة رسومًا قدرها 2.5 دولار على كل كيس.
وفي تقرير رفعه خبراء الأمم المتحدة في 2018 إلى مجلس الأمن، أفاد الخبراء بأن حركة الشباب تقوم ببيع كميات من الفحم المنتج في الصومال إلى الخارج عبر إيران باستخدام شهادات منشأ مزورة، في انتهاك للحظر الدولي. وجاءت في التقرير أدلة أن المرفآن الرئيسيان اللذان يشكلان الوجهتين الأساسيتين للفحم الصومالي هما المنطقتان الحرتان في كيش وكيم بإيران.
وذكر خبراء الأمم المتحدة حينها أن تهريب الفحم يعتمد على شهادات منشأ مزورة تحمل علامات دول مثل القمر وساحل العاج وغانا، وبعد ذلك يتم وضع علامة “إنتاج إيران” على الشحنات قبل إرسالها إلى وجهاتها النهائية،
حياة مزقتها تجارة الفحم
رغم مرور أكثر من ست سنوات على نشر التقرير إلا أن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم. فإنتاج الفحم خرج عن السيطرة، و أعداد الأشجار انخفضت بشكل كبير مع تصاعد إزالة الغابات بشكل مقلق، مما حول المنطقة إلى أرض قاحلة جافة وغير قابلة للعيش. هذه الظروف جعلت الحياة صعبة جدًا على يعقوب وغيره من المزارعين في المنطقة.
يقول يعقوب علي، الذي كان يعتمد على زراعة الذرة لسنوات طويلة: “كنت أحصد الذرة لعدة سنوات، وكان ذلك المصدر الوحيد لرزقي ورزق عائلتي. كنا نستهلك جزءًا منها، والباقي نأخذه إلى سوق كيسمايو لنبيعه ونغطي به باقي احتياجاتنا. لكن منذ أربع سنوات لم أجني شيئًا، لأن جماعة الشباب استولت على جزء كبير من أرضي، وهم يستخدمونها الآن في إنتاج الفحم.”
اليوم، يقف يعقوب وأسرته، الذين عرفوا دومًا بعملهم الجاد، في حالة من العجز، ويمدون أيديهم طلبًا للمساعدة الإنسانية بسبب الوضع الكارثي الذي يعيشونه. الأرض التي كانت مصدر رزقهم أصبحت الآن مركزًا لإنتاج الفحم، قاحلة عطشى للمطر، و مستغيثة من قسوة جماعة الشباب.
على مدى السنوات الأربع الماضية، أصبحت حياة أسرة يعقوب مليئة بالبؤس والمآسي. الأرض الخصبة التي كانت تغذي عائلته أصبحت شاهدة على معاناة لا تنتهي، ضحية لجشع تجارة الفحم والسيطرة التي فرضتها الجماعة المسلحة.
الأشجار المستخدمة في إنتاج الفحم
لا يتوانى الحطابون عن قطع أي نوع من الأشجار التي يمكن تحويلها إلى فحم ولكن أكثر الأشجار المستخدمة في إنتاج الفحم في الصومال تتركز بشكل رئيسي في نوعين: شجرة الغولول أو الأكاسيا وشجرة القرس المعروفة علميًا باسم Dobera glabra .. تنمو هذه الأشجار في مناطق مختلفة من الصومال، حيث تنتشر أشجار القرس بشكل أساسي في المناطق الجنوبية، بينما تكثر أشجار الغولول في منطقتي جوبا السفلى وجوبا الوسطى حيث ينتمي يعقوب.
يفضل التجار عادة استخدام شجرة الغولول لإنتاج الفحم بسبب قيمتها الأعلى في السوق. إذ يبلغ اليوم متوسط سعر كيس الفحم المصنوع من الغولول حوالي 20 دولارًا أمريكيًا، في حين يُباع كيس الفحم المصنوع من القرس بحوالي 15 دولارًا. ورغم استخدام هذه الأشجار بشكل كبير في صناعة الفحم، إلا أنها تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على البيئة الطبيعية. فهي تساهم في خصوبة التربة ومنع تآكلها. لذلك، فإن استمرار إزالة الغابات يؤدي إلى تدهور بيئي حاد.
كيف يحولون الأشجار إلى فحم؟
تبدأ عملية إنتاج الفحم بقطع الشجرة إلى ارتفاع يتراوح بين 8 و10 أمتار. بعد ذلك، يتم حفر حفرة بعمق 3 أمتار في الأرض. تُشعل النار في قاع الحفرة، ثم توضع الشجرة داخلها. تُضاف طبقة أخرى من النار على الجزء العلوي من الشجرة، ثم تُغطى بالتربة والرماد. هذا الغطاء يساعد على تسخين الشجرة وتحويلها إلى فحم، وهي عملية تستغرق عدة ساعات.
عند اكتمال العملية، تُزال الشجرة من الحفرة وتُعدّل قبل أن تتحول إلى فحم. يُعبأ الفحم بعد ذلك ويُجهز للبيع، وفقًا لما أوضحه أحد تجار الفحم، ويدعى عوّال حسن.
أشار عوّال إلى أن هذه العملية تتطلب قطعة أرض وعدة حفر معالجة تعمل بشكل متزامن. ورغم أن العمل شاق ويحتاج إلى جهد كبير، فإن المنتجين غالبًا ما يحققون أرباحًا أقل بكثير مقارنة بالتجار والوسطاء، الذين يجنون النصيب الأكبر من الأرباح.
في ما يستخدم الفحم الصومالي؟
يُستخدم الفحم الصومالي بشكل رئيسي في الطهي والتدفئة داخل البلاد، كما يُصدَّر إلى الخارج لاستخدامه في الشيشة والمشاوي، نظرًا لجودته العالية وخصائصه المميزة مثل طول مدة الاحتراق وقلة الدخان. نجد أنه يباع في دول عربية عدة على غرار لبنان ومصر.
ففي أحد المقالات المنشورة سنة 2007 عبر جريدة الأخبار اللبنانية يقول أحد تجار الفحم اللبنانيين إن “الفحم الصومالي الذي بدأنا باستيراده أثبت جودته لأنه طبيعي، وهو أقوى وأثقل من الفحم الصناعي الذي يستورد من دول أخرى، ويضاهي الفحم اللبناني، فعملية اشتعال الفحم الصومالي طويلة نسبياً مقارنة بالفحم المستورد أو حتى المصنّع محلياً، وبالتالي فإن الفحم الصومالي من اغلى الأنواع وأجودها، ولكن تبقى اسعاره في السوق المحلية مقبولة جدا”
هذا الصيت الذي يتمتع به الفحم الصومالي في استعمالات مثل النرجيلة خاصة جعل الطلب عليه مرتفعا رغم حظر تصديره منذ 2012 من قبل الأمم المتحدة. إذ نجد في موقع شركة مصرية كذلك إعلانا مطنبا في قيمة و جودة الفحم الصومالي وتأكيدا على أنهم قادرون على تزويد عملائهم بالكميات التي يحتاجونها. يأتي في نص الإعلان ما يلي:
الفحم الأفريقي الصومالي يتميز بجودته العالية، حيث تُعد أخشابه من أفضل أنواع الأخشاب المستخدمة في إنتاج الفحم على مستوى العالم، وذلك بفضل صلابتها الكبيرة وجودتها الفائقة.
أنواع الفحم الصومالي
- يُعتبر فحم الكودا أشهر وأغلى أنواع الفحم الصومالي، بل وأجود أنواع الفحم عالميًا على الإطلاق. يتميز بجودة لا تضاهيها أي نوعية أخرى، ولا يعمل به إلا من يمتلك الخبرة الكافية في التعامل معه. يتميز فحم الكودا بفترة اشتعال طويلة تتجاوز خمس ساعات، كما يترك رمادًا أبيض نقيًا يشبه الثلج.
- يُعد فحم البراوي نوعًا آخر من الفحم الصومالي متعدد الاستخدامات، حيث يُستخدم في الشواء والشيشة.
ويأتي في موقع الشركة أيضا تأكيد على أن الفحم الصومالي يتم شحنه مباشرة من بلد المنشأ، “حيث إن أخشاب تصنيع الفحم الصومالي متوفرة فقط داخل الصومال ولا توجد في أي دولة أخرى. ومن خلال مصنعنا في إفريقيا، نوفر كميات من فحم الكودا الصومالي، إلى جانب الأنواع الأخرى لتلبية احتياجات الأسواق العالمية.”
هذا الإعلان هو واحد من اعلانات كثيرة مختلفة تؤكد على أن الفحم الصومالي هو بالفعل ثروة يتم اليوم حرقها لتستفيد منها شركات عالمية برعاية جماعة الشباب التي وجدت في هذه التجارة مصدر دخل وافر.
دور حركة الشباب في تجارة الفحم
يقول يعقوب علي بصوت يملؤه الأسى: “منذ أن بدأت حركة الشباب إنتاج الفحم في بورغابو، استولت الجماعة على أرضي الزراعية، ومنعتني بشكل صارم من زراعة أي محاصيل. بدلاً من ذلك، تم تحويل الأرض إلى مركز لإنتاج الفحم. هددوني بالقتل إذا حاولت زراعة أي شيء أو حتى العودة إلى المنطقة. لقد تم احتجازي عدة مرات، ونتيجة لذلك، هربت أنا وعائلتي إلى كيسمايو بحثًا عن الأمان. فقدت كل شيء كنت أملكه.”
وأضاف يعقوب أن التهديدات لم تتوقف حتى بعد هروبه، حيث يتلقى مكالمات تهديد مستمرة تحذره من أنه سيتم قتله في كيسمايو. كما كشف أن اثنين من أصدقائه، الذين كانوا يملكون مزارع في بورغابو أيضًا، فروا إلى كينيا، بينما قُتل مدنيون آخرون اتُهموا بالتورط في تجارة الفحم غير القانونية.
اختتم يعقوب حديثه قائلاً إن وضعه الحالي سيئ للغاية، حيث يعاني من تدهور جودة الحياة في كيسمايو، وناشد الجهات الإنسانية تقديم المساعدة له، سواء عبر مساعدته في بدء مشروع صغير أو استعادة أرضه الزراعية.
رغم الكارثة البيئية التي تتفاقم في منطقة جوبالاند، تزدهر تجارة الفحم في ظل السيطرة الواسعة لحركة الشباب. تُعد هذه التجارة مصدرًا رئيسيًا للدخل بالنسبة للجماعة المسلحة، حيث تجني ملايين الدولارات سنويًا من تجارة الفحم في جوبالاند وبقية مناطق الصومال. وتعتمد حركة الشباب بشكل كبير على فرض الضرائب على شاحنات الفحم عند نقاط التفتيش التي تسيطر عليها في منطقة بادادهي بجوبالاند، مما يجعل هذه التجارة واحدة من أهم مصادر تمويلها المحلية.
طرق وأساليب التهريب:
- السيطرة على مناطق الإنتاج: تفرض حركة الشباب نفوذها على المناطق الرئيسية لإنتاج الفحم في جنوب الصومال، وخاصة حول كيسمايو وبراوة. من خلال سيطرتها على هذه المناطق، تشرف الجماعة على قطع أشجار السنط (الأكاسيا) ومعالجتها لتحويليها إلى فحم.
- الضرائب والابتزاز: تفرض حركة الشباب نظام ضرائب في مختلف مراحل سلسلة توريد الفحم. يُجبر المنتجون المحليون على دفع “ضريبة إنتاج” بنسبة 2.5% والحصول على شهادة إنتاج. أثناء نقل الفحم إلى الموانئ، يواجه الناقلون ضرائب إضافية عند نقاط التفتيش التي تسيطر عليها الحركة. عدم الامتثال يؤدي إلى السجن أو مصادرة البضائع.
- النقل إلى الموانئ: بعد فرض الضرائب، يتم نقل الفحم عبر الشاحنات إلى موانئ مثل كيسمايو وبراوة. تُسيطر حركة الشباب على هذه الطرق لضمان مرور الشحنات بأمان. عند الموانئ، تُفرض ضرائب إضافية على السفن التي تحمل الفحم. على سبيل المثال، تُدفع السفن الكبيرة ضريبة تعادل 2.5% من القيمة المقدرة لشحنتها، بينما تُفرض رسوم على القوارب الصغيرة حسب عدد الأكياس.
- التهريب البحري: يتم شحن الفحم بعد ذلك إلى الأسواق في دول مثل اليمن وإيران. لتجنب الكشف، يقوم المهربون بتزوير وثائق الشحن، حيث يسيئون توصيف منشأ الفحم أو يخفونه ضمن شحنات أخرى.
تحقيق محفوف بالمخاطر
أجرت “أخبار الآن” تحقيقًا محفوفًا بالمخاطر لكشف تفاصيل تجارة الفحم. خلال هذا التحقيق، كان أي خطأ صغير يمكن أن يكلّف حياة الصحفيين. في المناطق التي تُجرى فيها تجارة الفحم، من المستحيل أو المحظور تمامًا حيازة هاتف ذكي. ورغم أن هذا القانون غير مكتوب، فإن الجميع يلتزم به بصرامة، إذ أن اكتشاف مقاتلي حركة الشباب لوجود هاتف ذكي يعني الإعدام الفوري.
من خلال التحقيق العميق، تبيّن أن تورط حركة الشباب بشكل كامل في تجارة الفحم بدأ في أواخر عام 2011. في البداية، كانت الجماعة تفرض ضرائب فقط على العاملين في تجارة الفحم. لكن لاحقًا، بدأت الجماعة بالعمل في هذا المجال بشكل مباشر، وشحن الفحم إلى الدول العربية عبر ميناء كيسمايو.
تفرض حركة الشباب ضرائب تتراوح بين 75 و90 دولارًا على كل شاحنة تحمل الفحم. وفي بعض الأحيان، ترتفع الضريبة إلى 120 دولارًا حسب حجم الحمولة. ونتيجة لذلك، تحقق الجماعة إيرادات سنوية تُقدّر بما بين 7 إلى 11 مليون دولار.
تصاعد تجارة الفحم في 2024
في عام 2024، كانت حركة الشباب أكثر انخراطًا وعدوانية في تجارة الفحم مقارنة بالسنوات السابقة. مع الإنتاج الضخم للفحم، شهدت المنطقة تدهورًا بيئيًا غير مسبوق نتيجة إزالة الغابات بسرعة غير عادية. تُعد منطقتا جوبا السفلى وجوبا الوسطى المناطق الرئيسية التي تشهد إنتاجًا هائلًا للفحم، حيث تتعرض الغابات هناك لتدمير شديد.
تقوم الجماعة بتصدير الفحم إلى دول مثل إيران واليمن وكينيا، مع ما يقرب من مليون كيس فحم يتم تصديره سنويًا، وفقًا لتأكيد أبو عيان، القائد السابق في حركة الشباب، في حديثه ل”أخبار الآن”. تتضمن تجارة الفحم العديد من الأطراف المعنية، بما في ذلك جماعات مسلحة أخرى تشارك في هذا النشاط غير القانوني. ومع ذلك، فإن حركة الشباب وحدها تحقق عائدات تصل إلى 289 مليون دولار سنويًا من تجارة الفحم.
جهود الحكومة الصومالية
عملت الحكومة الصومالية في السنوات الأخيرة على إيجاد طرق لوقف تصدير الفحم، ووصفت هذه الممارسات بأنها غير قانونية، كما أدانت الأضرار البيئية الناجمة عن إزالة الغابات. وتم أيضًا إثارة هذه القضية مع حكومة إقليم جوبالاند.
لكن، كما أوضح عبد الرحمن عبد الشكور، عضو البرلمان الصومالي، لـ “أخبار الآن”، فإن الحكومة الصومالية لم تتمكن من إيقاف تصدير الفحم أو إزالة الغابات بالكامل. وأشار عبد الشكور إلى أن تورط حركة الشباب إلى جانب أطراف أخرى معنية في هذه التجارة جعل من الجهود المبذولة لوقف هذه الممارسات أمرًا شديد الصعوبة.
العواقب البيئية والصحية
كشفت دراسة حديثة نُشرت في المجلة الأمريكية للبيئة والمناخ في ديسمبر 2023 عن التأثيرات البيئية والصحية والاجتماعية-الاقتصادية للإنتاج التقليدي للفحم في منطقة دينيل، بمقديشو، الصومال. تسلط الدراسة الضوء على إزالة الغابات بشكل كبير، خاصة لأنواع الأشجار مثل Acacia Bussei وCordia sinensis، مع تدهور شديد في حوالي كيلومتر مربع من الأراضي في قرية إيغا-هوريكين. أدى إزالة الغطاء النباتي إلى تفاقم تآكل التربة، وانخفاض معدلات هطول الأمطار، وتسريع التصحر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التلوث وانبعاثات أول أكسيد الكربون الناتجة عن الأفران التقليدية أدت إلى موت النباتات والأشجار القريبة من مواقع الإنتاج، مع بقاء أنواع مقاومة فقط مثل أشجار الغرابة.
أظهرت الدراسة أن عمال الفحم وسكان المناطق المحيطة يعانون من مشكلات صحية خطيرة، مثل أمراض الجهاز التنفسي، فقدان الذاكرة، واضطرابات الجهاز الهضمي، التي غالبًا ما تظل دون علاج بسبب نقص المرافق الطبية المتاحة.
الطلب المتزايد على الفحم
رغم هذه التحديات، يبقى الفحم مصدر الطاقة الرئيسي في المناطق الحضرية في الصومال، مما يؤدي إلى طلب مرتفع. تُظهر بيانات البنك الدولي أن الوصول إلى الكهرباء في الصومال انخفض من 52.3% في عام 2010 إلى 48.9% حاليًا، مما يعكس هشاشة البنية التحتية للطاقة وتأثير التحديات الاقتصادية والأمنية المستمرة.
تكشف الدراسة السابقة ذاتها أن 80% من الفحم الصومالي يُصدر بشكل غير قانوني إلى الدول العربية، ما يؤدي إلى تدمير 4.4 مليون شجرة سنويًا لإنتاج 250,000 طن من الفحم. يسرّع هذا المعدل من إزالة الغابات ويقوّض جهود الحفاظ على البيئة.
أثر إزالة الغابات على البيئة والاستقرار
أوضح أمير عبد اللهي فرح، الخبير البيئي، في حديثه مع أخبار الآن كيف تؤثر إزالة الغابات بشكل مدمر على البيئة. أشار أمير إلى أن الظروف المناخية في المنطقة تتدهور بشكل كبير، مع انخفاض ملحوظ في المنتجات الزراعية في المناطق المنخفضة من إقليم جوبالاند. كما أضاف أن السكان المحليين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي، والتي تفاقمت لدى بعضهم لتصبح مضاعفات صحية خطيرة.
بسبب هذه الظروف، بدأ عدد كبير من سكان المناطق المنخفضة في جوبالاند بالفرار من منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى أكثر أمانًا. هذه الهجرة الجماعية تسببت في أزمة اجتماعية واقتصادية حادة، مما زاد من احتمالية حدوث عدم استقرار. وأشار أمير إلى أن هذا الاضطراب يمنح حركة الشباب فرصة أكبر للتوسع أو تجنيد مقاتلين جدد من بين السكان النازحين.
بحلول عام 2024، لا تزال حركة الشباب متورطة بشكل عدواني في تجارة الفحم غير القانونية في الصومال، رغم الجهود الدولية المستمرة لوقف هذه التجارة. تعتمد الجماعة على هذه التجارة كمصدر رئيسي لتمويل عملياتها، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على أمن الصومال وبيئته.
والحركة لا تزال تسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، بما في ذلك موانئ رئيسية مثل كيسمايو، الذي يُعد مركزًا رئيسيًا لتصدير الفحم بشكل غير قانوني. وعلى الرغم من العمليات العسكرية ضد الحركة، بما في ذلك تلك التي تقوم بها بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS)، حافظت حركة الشباب على نفوذها في هذه المناطق. السيطرة على هذه الأراضي تمكن الجماعة من استغلال الموارد الطبيعية، بما في ذلك الفحم، مما يعزز استمرار تجارتها غير القانونية.